بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس: الخامس والثّلاثون بعد المئة
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ، نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ؛ فيقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "الجوابِ الصَّحيحِ لِمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ":
قَالَ: وَإِذَا تَأَمَّلْتُمْ كُلَّ مَا بَيَّنَاهُ تَأَمُّلَ إِنْصَافٍ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَإِشْفَاقٍ عَلَيْهَا، عَلِمْتُمْ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُتَأَوَّلَ فِيهِ لِلنَّاسُوتِ شَيْئًا دُونَ اللَّاهُوتِ.
قَالَ: فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمَسِيحِ الْبُنُوَّةَ بِقَوْلِهِ: "أَبِي وَأَبِيكُمْ، وَيَا أَبِي، وَبَعَثَنِي أَبِي". قُلْنَا: فَإِنْ كَانَ الْإِنْجِيلُ أُنْزِلَ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَمْ تُبَدَّلْ وَلَمْ تُغَيَّرْ، فَإِنَّ اللُّغَةَ قَدْ أَجَازَتْ أَنْ يُسَمَّى الْوَلِيُّ ابْنًا، وَقَدْ سَمَّاكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا بَنِيهِ، وَأَنْتُمْ لَسْتُمْ فِي مِثْلِ حَالِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِإِسْرَائِيلَ فِي التَّوْرَاةِ: "أَنْتَ ابْنِي بِكْرِي". وَقَالَ لِدَاوُدَ فِي الزَّبُورِ: "أَنْتَ ابْنِي وَحَبِيبِي". وَقَالَ الْمَسِيحُ فِي الْإِنْجِيلِ لِلْحِوَارِيِّينَ: "أُرِيدُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ". فَسَمَّى الْحَوَارِيِّينَ أَبْنَاءَ اللَّهِ، وَأَقَرَّ بِأَنَّ لَهُ إِلَهًا هُوَ اللَّهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ إِلَهٌ فَلَيْسَ بِإِلَهٍ كَمَا تَقُولُونَ، فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْمَسِيحَ إِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْإِلَهِيَّةَ بِأَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُ ابْنًا، فَنَلْتَزِمُ ذَلِكَ وَنَشْهَدُ بِالْإِلَهِيَّةِ لِكُلِّ مَنْ سَمَّاهُ ابْنًا، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟
قَالَ: فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ إِسْرَائِيلَ وَدَاوُدَ وَنُظَرَاءَهُمْ إِنَّمَا سُمُّوا أَبْنَاءَ اللَّهِ عَلَى جِهَةِ الرَّحْمَةِ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ، وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
قُلْنَا: يَجُوزُ لِمُعَارِضٍ أَنْ يُعَارِضَكُمْ، فَيَقُولَ لَكُمْ: مَا تُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ إِسْرَائِيلُ وَدَاوُدُ ابْنَيِ اللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْمَسِيحُ ابْنَ رَحْمَةٍ، وَمَا الْفَرْقُ؟
فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسِيحِ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلُ، أَنَّ الْمَسِيحَ جَاءَ إِلَى مُقْعَدٍ فَقَالَ: "قُمْ قُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ، فَقَامَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يَدْعُ اللَّهَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ".
قُلْنَا لَكُمْ: هَذَا إِلْيَاسُ أَمَرَ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَأَمْطَرَتْ، وَلَمْ يَدْعُ اللَّهَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ الْيَسَعُ أَمَرَ نَعْمَانَ الرُّومِيَّ أَنْ يَنْغَمِسَ فِي الْأُرْدُنِّ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ وَلَا تَضَرُّعٍ، عَلَى أنَّا قَدْ وَجَدْنَاهُ فِي الْإِنْجِيلِ قَدْ تَضَرَّعَ، وَسَأَلَ مَسَائِلَ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا.
وَقَالَ فِي بَعْضِ الْإِنْجِيلِ: "يَا أَبِي أَشْكُرُكَ عَلَى اسْتِجَابَتِكَ دُعَائِي، وَأَعْلَمُ أَنَّكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ تُجِيبُ دَعْوَتِي، لَكِنْ أَسْأَلُكَ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ لِيُؤْمِنُوا بِأَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي".
فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْغُفْرَانَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّ الْمَسِيحَ قَالَ لِبَعْضِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: "قُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ" وَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يَغْفِرُ الذُّنُوبَ.
قُلْنَا: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ فِي السِّفْرِ الْخَامِسِ مِنَ التَّوْرَاةِ لِمُوسَى: "اخْرُجْ أَنْتَ وَشَعْبُكَ الَّذِي أَخْرَجْتَ مِنْ مِصْرَ، وَأَنَا أَجْعَلُ مَعَكُمْ مَلَكًا يَغْفِرُ ذُنُوبَكُمْ".
فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْمَسِيحَ إِلَهٌ لِأَنَّهُ غَفَرَ ذُنُوبَ الْمُقْعَدِ، فَالْمَلَكُ إِذًا إِلَهٌ، لِأَنَّهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسِيحِ وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلُ، أَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُ رَبًّا فَقَالَ: "ابْنُ الْبَشَرِ رَبُّ السَّبْتِ".
قُلْنَا: فَهَذِهِ التَّوْرَاةُ تُخْبِرُ بِأَنَّ لُوطًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا رَأَى الْمَلَكَيْنِ قَدْ أَقْبَلَا مِنَ الْبَرِّيَّةِ لِهَلَاكِ قَوْمِهِ قَالَ لَهُمَا: "يَا رَبِّي مِيلَا إِلَى مَنْزِلِ عَبْدِكُمَا".
وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا احْتِجَاجٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِذِكْرِ مَنْ سُمِّيَ فِي الْكُتُبِ رَبًّا مِنْ يُوسُفَ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَسِيحُ إِلَهًا لِأَنَّهُ سُمِّيَ رَبًّا، فَهَؤُلَاءِ إِذًا آلِهَةٌ، لِأَنَّهُمْ سُمُّوا بِمِثْلِ ذَلِكَ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَدْ تَنَبَّأَتْ بِإِلَهِيَّةِ الْمَسِيحِ، فَقَالَ أَشْعِيَا: "الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَيُدْعَى اسْمُهُ "عَمَانْوِيلَ"، وَتَفْسِيرُهُ: "مَعَنَا إِلَهُنَا".
قُلْنَا: إِنَّ هَذَا اسْمٌ يَعَارُهُ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ مِنَ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُنْفَرِدَ بِمَعْنَى الْإِلَهِيَّةِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ لِمُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: "قَدْ جَعَلْتُكَ لِهَارُونَ إِلَهًا، وَجَعَلْتُهُ لَكَ نَبِيًّا".
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: "قَدْ جَعَلْتُكَ يَا مُوسَى إِلَهًا لِفِرْعَوْنَ". وَقَالَ دَاوُدُ فِي الزَّبُورِ لِمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ حِكْمَةٌ: "كُلُّكُمْ آلِهَةٌ وَمِنَ الْعَلِيَّةِ تُدَّعَوْنَ".
– الشيخ: "وَمِنَ الْعَلِيَّةِ تُدَّعَوْنَ" وإلا تُدْعَوْنَ؟
– طالب: تُدْعَوْنَ
– القارئ: عندي مشدَّدة
– الشيخ: كأنَّها تُدْعَوْنَ
– القارئ: عندي في شدَّة
– الشيخ: واللهِ ما ندري بس [لكن] كأنَّها: تُدْعَوْنَ
– القارئ: وَمِنَ الْعَلِيَّةِ تُدْعَوْنَ"
فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ مُوسَى إِلَهًا لِهَارُونَ عَلَى مَعْنَى الرِّيَاسَةِ عَلَيْهِ.
قُلْنَا: وَكَذَلِكَ قَالَ أَشْعِيَا فِي الْمَسِيحِ إِنَّهُ إِلَهٌ لِأُمَّتِهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟
فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ قَالَ فِي الْإِنْجِيلِ: "مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى أَبِي، وَأَنَا وَأَبِي وَاحِدٌ".
قُلْنَا: إِنَّ قَوْلَهُ: "أَنَا وَأَبِي وَاحِدٌ" إِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ أَنَّ قَبُولَكُمْ لِأَمْرِي هُوَ قَبُولُكُمْ لِأَمْرِ اللَّهِ، كَمَا يَقُولُ رَسُولُ الرَّجُلِ: أنا وَمَنْ أَرْسَلَنِي وَاحِدٌ، وَيَقُولُ الْوَكِيلُ: أنا وَمَنْ وَكَّلَنِي وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ فِيمَا يُؤَدِّيِهِ مَقَامَهُ، وَيُؤَدِّي عَنْهُ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِحُجَّتِهِ وَيُطَالِبُ لَهُ بِحُقُوقِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى أَبِي"، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ رَأَى هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي أُظْهِرُهَا فَقَدْ رَأَى أَفْعَالَ أَبِي.
فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ قَالَ فِي الْإِنْجِيلِ: "أَنَا قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ"، فَكَيْفَ يَكُونُ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ وَلَدِهِ؟ وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ "قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ" عَلِمْنَا مَا أَرَادَ أَنَّهُ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ جِهَةِ الْإِلَهِيَّةِ.
قُلْنَا: هَذَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ يَقُولُ فِي حِكْمَتِهِ: "أَنَا قَبْلَ الدُّنْيَا وَكُنْتُ مَعَ اللَّهِ حَيْثُ بَدَأَ الْأَرْضَ"، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ ابْنُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ: أنا قَبْلَ الدُّنْيَا بِالْإِلَهِيَّةِ، وَقَدْ قَالَ دَاوُدُ أَيْضًا فِي الزَّبُورِ: "ذَكَرْتُكَ يَا رَبِّ مِنَ الْبَدْءِ، وَهُدِيتُ بِكُلِّ أَعْمَالِكَ".
فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ كَلَامَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مُتَأَوَّلٌ، لِأَنَّهُمَا مِنْ وَلَدِ إِسْرَائِيلَ، وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا قَبْلَ الدُّنْيَا.
قُلْنَا: وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَسِيحِ أنا قَبْلَ الدُّنْيَا مُتَأَوَّلٌ، لِأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنْ تَأَوَّلْتُمْ تَأَوَّلْنَا، وَإِنْ تَعَلَّقْتُمْ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ فِي الْمَسِيحِ تَعَلَّقْنَا بِظَاهِرِ الْخَبَرِ فِي سُلَيْمَانَ وَدَاوُدَ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟
وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا الِاحْتِجَاجَ عَلَى تَأْوِيلِكُمْ لِتَعْلَمُوا بُطْلَانَ مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ تَأْوِيلٌ غَيْرُ وَاقِعٍ بِحَقِّهِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِاسْمُ يَعْنِي "عَمَانْوِيلَ" لَمَّا وَقَعَ عَلَى الْمَسِيحِ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّ "إِلَهَنَا مَعَنَا" يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ وَمَعَ شَعْبِهِ مُعِينًا وَنَاصِرًا.
وَمِمَّا يُصَحِّحُ ذَلِكَ أَنَّكُمْ تَتَّسِمُونَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى مَا ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ لَمَا جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَسَمَّى بِهِ، كَمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَسَمَّى بِالْمَسِيحِ; لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَعْنَاهُ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ تَلَامِيذَ الْمَسِيحِ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْآيَاتِ بِاسْمِ الْمَسِيحِ.
قُلْنَا لَكُمْ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا: "قَدْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَبِقُوَّةِ إِلْيَاسَ، وَهِيَ قُوَّةٌ تَفْعَلُ الْآيَاتِ"، فَأَضَافَ الْقُوَّةَ إِلَى إِلْيَاسَ.
فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْمَسِيحَ إِلَهٌ لِأَنَّهُ فُعِلَتِ الْآيَاتُ بِاسْمِهِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: إِنَّ إِلْيَاسَ إِلَهٌ فَإِنَّهُ فُعِلَتْ بِقُوَّتِهِ الْآيَاتُ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّ الْخَشَبَةَ الَّتِي صُلِبَ عَلَيْهَا الْمَسِيحُ عَلَى زَعْمِكُمْ أُلْصِقَتْ بِمَيِّتٍ فَعَاشَ، فَإِنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِلَهٌ.
قُلْنَا لَكُمْ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْيَسَعَ إِلَهٌ؟ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ "بِأَنَّ كِتَابَ سَفْرِ الْمُلُوكِ يُخْبِرُ بِأَنَّ رَجُلًا مَاتَ فَحَمَلَهُ أَهْلُهُ إِلَى الْمَقْبَرَةِ، فَلَمَّا كَانُوا بَيْنَ الْقُبُورِ رَأَوْا عَدُوًّا لَهُمْ يُرِيدُ أَنْفُسَهُمْ فَطَرَحُوا الْمَيِّتَ عَنْ رِقَابِهِمْ وَبَادَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي أَلْقَوْا عَلَيْهِ الْمَيِّتَ قَبْرَ الْيَسَعَ، فَلَمَّا أَصَابَ ذَلِكَ الْمَيِّتَ تُرَابُ قَبْرِ الْيَسَعَ عَاشَ وَأَقْبَلَ يَمْشِي إِلَى الْمَدِينَةِ"، فَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْمَسِيحَ إِلَهٌ لِأَنَّ الْخَشَبَةَ الَّتِي ذَكَرُوا أَنَّهُ صُلِبَ عَلَيْهَا أُلْصِقَتْ بِمَيِّتٍ فَعَاشَ، فَالْيَسَعُ إِلَهٌ، لِأَنَّ تُرَابَ قَبْرِهِ لَصِقَ بِمَيِّتٍ فَعَاشَ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: أَنَّ الْمَسِيحَ كَانَ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ. قُلْنَا لَكُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ أُعْجُوبَةُ الْوِلَادَةِ تُوجِبُ الْإِلَهِيَّةَ وَلَا الرُّبُوبِيَّةَ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ فِي ذَلِكَ لِلْخَالِقِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا لِلْمَخْلُوقِ، وَعَلَى أَنَّهُ يُوجِدُكُمْ لِأَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ فَحْلٍ بِلَا أُنْثَى، وَخَلْقُ أُنْثَى مِنْ ذَكَرٍ بِلَا أُنْثَى، أَعْجَبُ مِنْ ذَكَرٍ مِنْ أُنْثَى بِغَيْرِ ذَكَرٍ، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ آدَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ تُرَابٍ، وَخَلْقُ بَشَرٍ مِنْ تُرَابٍ أَعْجَبُ وَأَبْدَعُ مِنْ خَلْقِ ذَكَرٍ مِنْ أُنْثَى بِلَا فَحْلٍ، فَمَا الْفَرْقُ؟
قَالَ: وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلُّهَا هِيَ الْأَسْبَابُ الَّتِي تَتَعَلَّقُونَ بِهَا فِي نِحْلَتِكُمُ الْمَسِيحَ الرُّبُوبِيَّةَ، وَإِضَافَتِكُمْ إِلَيْهِ الْإِلَهِيَّةَ، وَقَدْ وَصَفْنَاهَا عَلَى حَقَائِقِهَا عِنْدَكُمْ، وَقَبِلْنَا فِيهَا قَوْلَكُمْ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَشُكُّ فِي أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ حَرَّفُوا بَعْضَ مَا فِيهَا مِنَ الْكَلَامِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَأَوْجَدْنَاكُمْ بِطُولِ مَا تَنْتَحِلُونَهُ وَفَسَادِ مَا تَتَأَوَّلُونَهُ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي فِي أَيْدِيِكُمُ: التَّوْرَاةِ وَالزَّبُورِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْإِنْجِيلِ، فَمَا الَّذِي يُثْبِتُ الْحُجَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَكُمْ؟
قَالَ: وَقَدْ قَالَ السَّيِّدُ الْمَسِيحُ فِي الْإِنْجِيلِ لِتَلَامِيذِهِ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ وَالْقِيَامَةِ: "إِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَتِلْكَ السَّاعَةَ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ، وَلَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلَا الِابْنُ أَيْضًا، وَلَكِنَّ الْأَبَ وَحْدَهُ يَعْرِفُهُ". قَالَ: فَهَذَا إِقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ مَنْقُوصُ الْعِلْمِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعَزُّ وَأَعْلَمُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ خِلَافُهُ وَأَعْلَى مِنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: "أَحَدٌ" عُمُومَهُ بِذَلِكَ الْخَلْقِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ: "وَلَا الْمَلَائِكَةُ" وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: "وَلَا الِابْنُ" وَلَهُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ، وَشَهِدَ قَوْلُهُ هَذَا شَهَادَةً وَاضِحَةً عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ كُلَّ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ، بَلْ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَأَطْلَعَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَجَعَلَهُ لَهُ، وَأَنَّهُ لِقُصُورِ مَعْرِفَتِهِ بِكُلِّ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِحَيْثُ يَصِفُونَهُ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّهُ هُوَ اللَّهُ وَمِنْ جَوْهَرِ أَبِيهِ، تَعَالَى اللَّهُ الْخَالِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَلَوْ كَانَ إِلَهًا كَمَا يَقُولُونَ، لَعَلِمَ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ وَسَرَائِرِ الْأُمُورِ وَعَلَانِيَتِهَا، إِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي إِذَا سُئِلْتُمْ عَنْهُ تَعَلَّقْتُمْ بِأَنَّهُ قِيلَ لِلنَّاسُوتِ دُونَ اللَّاهُوتِ.
قُلْتُ: مَقْصُودُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ، ثُمَّ خُصَّ فِي السَّمَاءِ"، ثُمَّ قَالَ: "وَلَا الِابْنُ يَعْرِفُهُ، وَأَنَّ الْأَبَ وَحْدَهُ يَعْرِفُهُ"، فَنَفَى مَعْرِفَةَ الِابْنِ، وَأَثْبَتَ أَنَّ الْأَبَ وَحْدَهُ يَعْرِفُهُ، وَمُرَادُهُ بِالِابْنِ الْمَسِيحِ، فَعُرِفَ أَنَّ الْمَسِيحَ لَا يَعْرِفُهُ، وَأَثْبَتَ أَنَّ الرَّبَّ يَعْرِفُهُ دُونَ الِابْنِ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الِابْنِ عِنْدَ الْمَسِيحِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا النَّاسُوتُ وَحْدَهُ، إِذْ كَانَ لَا يَجُوزُ نَفْيُ الْعِلْمِ عَنِ اللَّاهُوتِ، فَإِنَّ اللَّاهُوتَ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، وَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: "عَمِّدُوا النَّاسَ بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ"، الْمُرَادُ بِهِ النَّاسُوتُ وَحْدَهُ، كَمَا أُرِيدَ بِلَفْظِ الِابْنِ فِي سَائِرِ كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ لَمْ يُرِدْ قَطُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِلَفْظِ الِابْنِ اللَّاهُوتَ، بَلْ إِطْلَاقُ الِابْنِ عَلَى اللَّاهُوتِ مِمَّا ابْتَدَعَتْهُ النَّصَارَى وَحَمَلُوا عَلَيْهَا كَلَامَ الْمَسِيحِ، فَابْتَدَعُوا لِصِفَاتِ اللَّهِ أَسْمَاءً مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، وَحَمَلُوا عَلَيْهَا كَلَامَ الْمَسِيحَ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ السَّلَامُ- وَغَيْرِهِمْ عَلَى مَعْنَى لُغَتِهِمُ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالتَّكْلِيمِ بِهَا، لَا عَلَى لُغَةٍ يُحْدِثُهَا مَنْ بَعْدَهَمْ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَيْهَا.
قُلْتُ: فَإِنَّ هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ النَّصَارَى وَأَشْبَاهُهُمْ يَفْتَحُ بَابَ الْإِلْحَادِ فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [فصلت:40]
وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنِ اعْتَقَدَ مَعَانِيَ بِرَأْيِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهَا بِأَلْفَاظٍ تُنَاسِبُهَا بِنَوْعِ مُنَاسَبَةٍ، وَتِلْكَ الْأَلْفَاظُ مَوْجُودَةٌ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ السَّلَامُ- لَهَا مَعَانٍ أُخَرَ، وَيَجْعَلَ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ دَالَّةً عَلَى مَعَانِيهِ الَّتِي رَآهَا، ثُمَّ يَجْعَلَ الْأَلْفَاظَ الَّتِي تَكَلَّمَتْ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ وَجَاءَتْ بِهَا الْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ أَرَادُوا بِهَا مَعَانِيهِ هُوَ، وَهَكَذَا فَعَلَ سَائِرُ أَهْلِ الْإِلْحَادِ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، كَمَا فَعَلَتْهُ النَّصَارَى مِثْلَ مَا عَمَدَتِ الْمَلَاحِدَةُ الْمُتَّبِعُونَ لِفَلَاسِفَةِ الْيُونَانَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْلَاكَ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَمْ تَزَلْ وَلَا تَزَالُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالتَّوْرَاةِ وَلَا غَيْرِهَا مِنَ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، وَلَا هُوَ عَالِمٌ بِالْجُزْئِيَّاتِ لَا بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَلَا هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَ بِمَشِيئَةٍ، وَلَا يُقِيمُ النَّاسَ مِنْ قُبُورِهِمْ، فَقَالُوا: خَلَقَ وَأَحْدَثَ وَفَعَلَ وَصَنَعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يُقَالُ عَلَى الْإِحْدَاثِ الذَّاتِيِّ، وَالْإِحْدَاثِ الزَّمَانِيِّ.
فَالْأَوَّلُ: هُوَ إِيجَابُ الْعِلَّةِ لِمَعْلُولِهَا الْمُقَارِنِ لَهَا فِي الزَّمَانِ.
وَالثَّانِي: إِيجَادُ الشَّيْءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ قَالُوا: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَأَحْدَثَ ذَلِكَ وَأَبْدَعَهَ وَصَنَعَهُ، كَمَا أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-، لَكِنْ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ الْإِحْدَاثُ الذَّاتِيُّ، وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ مَعْلُولٌ لَهُ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ.
فَيُقَالُ لَهُمْ: لَمْ يَسْتَعْمِلْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بَلْ وَلَا أَحَدٌ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ لَفْظَ الْخَلْقِ وَالْإِحْدَاثِ إِلَّا فِيمَا كَانَ بَعْدَ عَدَمِهِ، وَهُوَ مَا كَانَ مَسْبُوقًا بِعَدَمِهِ وَوُجُودِ غَيْرِهِ، وَمَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ فِي جَمِيعِ لُغَاتِ الْأُمَمِ، وَأَيْضًا فَاللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي لُغَةِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا بَعْضُ النَّاسِ، وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي يَدَّعُونَهُ لَوْ كَانَ حَقًّا لَمْ يَتَصَوَّرْهُ إِلَّا بَعْضُ النَّاسِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْعَامُّ الَّذِي تَدَاوَلَهُ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ مَوْضُوعًا لَهُ إِذَا كَانَ هَذَا يُبْطِلُ مَقْصُودَ اللُّغَاتِ، وَيُبْطِلُ تَعْرِيفَ الْأَنْبِيَاءِ لِلنَّاسِ، فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ فِي صَرِيحِ الْمَعْقُولِ؟ كَمَا هُوَ بَاطِلٌ فِي صَحِيحِ الْمَنْقُولِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ أَحَدًا قَطُّ عَبَّرَ عَنِ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ الَّذِي لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا وَلَا يَزَالُ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ أَوْ مَخْلُوقٌ أَوْ مَصْنُوعٌ أَوْ مَفْعُولٌ، فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ كَذِبٌ صَرِيحٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ السَّلَامُ- لِتُوهِمُوا النَّاسَ أَنَّكُمْ مُوَافِقُونَ لَهُمْ، وَالْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ كَالتَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَالْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَكَذَلِكَ الْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ كَالتَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ قَدْ أَخْبَرَتْ بِتَكْلِيمِ اللَّهِ لِمُوسَى وَبِنِدَائِهِ إِيَّاهُ مِنَ الطُّورِ مِنَ الشَّجَرَةِ، وَفِي التَّوْرَاةِ أَنَّهَا شَجَرَةُ الْعُلَّيْقِ.
وَأَخْبَرَتْ بِأَنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ يُلْقِي عَصَاهُ فَتَصِيرُ حَيَّةً تَسْعَى، وَيُخْبِرُ بِأَنَّ اللَّهَ فَلَقَ الْبَحْرَ، فَقَالَتِ الْمَلَاحِدَةُ: إِنَّ الشَّيْءَ الثَّابِتَ يُسَمَّى طُورًا، فَإِنَّهُ ثَابِتٌ كَالْجَبَلِ، وَالْقُلُوبَ تُسَمَّى أَوْدِيَةً، وَإِظْهَارَ الْعُلُومِ بِتَفْجِيرِ يَنَابِيعِ الْعِلْمِ، وَالْحُجَّةَ الْمُبْتَلِعَةَ كَلَامَ أَهْلِ الْبَاطِلِ هِيَ عَصًا مَعْنَوِيَّةٌ، فَمُرَادُ الْكُتُبِ بِالطُّورِ الْعَقْلُ الْفَعَّالُ الَّذِي فَاضَ مِنْهُ الْعِلْمُ عَلَى قَلْبِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَالْوَادِي قَلْبُ مُوسَى، وَالْكَلَامُ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى سَمِعَهُ مِنْ سَمَاءِ عَقْلِهِ، وَتِلْكَ الْأَصْوَاتُ كَانَتْ فِي نَفْسِهِ لَا فِي الْخَارِجِ، وَالْمَلَائِكَةُ الَّتِي رَآهَا كَانَتْ أَشْخَاصًا نُورَانِيَّةً تَمَثَّلَتْ فِي نَفْسِهِ لَا فِي الْخَارِجِ
– الشيخ: كلُّ هذه من مزاعمِ الفلاسفةِ الإسلاميِّين كابنِ سينا، يتأوَّلونَ هذه الألفاظَ الواردةَ في الكتاب على تلك المعاني؛ ليحقِّقوا أنَّ اللهَ نفسه لا يتكلَّمُ، وموسى لم يسمعْ كلامَ اللهِ من اللهِ إنَّما سمعَ كلامًا هو من ذاتِه ومن داخلِه ومن داخلِ نفسه، يعني عبارة أنَّها تخيُّلات وهم نفس الفلاسفة هؤلاء يقولون: إنَّ النُّبوَّةَ تقومُ على قوَّةِ التَّخيُّلِ والتَّخييلِ، على قوَّةِ التَّخيُّلِ والتَّخييل. نعم أيش عندك بعده؟ ما عندك فصل؟
– القارئ: واللهِ شوي [بعد قليل] ممكن ينتهي كلامه عن موسى عليهِ السَّلامُ.
وَتِلْكَ الْأَصْوَاتُ كَانَتْ فِي نَفْسِهِ لَا فِي الْخَارِجِ، وَالْمَلَائِكَةُ الَّتِي رَآهَا كَانَتْ أَشْخَاصًا نُورَانِيَّةً تَمَثَّلَتْ فِي نَفْسِهِ لَا فِي الْخَارِجِ، وَالْبَحْرُ الَّذِي فَلَقَهُ هُوَ بَحْرُ الْعِلْمِ، وَالْعَصَا كَانَتْ حُجَّتَهُ، غَلَبَ عَلَى السَّحَرَةِ بِحُجَّتِهِ الْعِلْمِيَّةِ فَابْتَلَعَتْ حُجَّتُهُ شُبَهَهُمُ الَّتِي جَعَلُوهَا حِبَالًا يَتَوَسَّلُونَ بِهَا إِلَى نَيْلِ أَغْرَاضِهِمْ، وَعِصِيًّا يَقْهَرُونَ بِهَا مَنْ يُجَادِلُونَهُ.
أَفَلَيْسَ مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهُ يَكْذِبُ عَلَى الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِقِصَّةِ مُوسَى كَالتَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الرُّسُلِ بِمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى هَذَا، بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُوسَى سَمِعَ نِدَاءَ اللَّهِ لَهُ، وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ مِنَ الطُّورِ طُورِ سَيْنَا الَّذِي هُوَ الْجَبَلُ، وَقَلَبَ عَصَاهُ الَّتِي كَانَ يَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِهِ ثُعْبَانًا عَظِيمًا، وَفَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ وَأَغْرَقَ فِيهِ آلَ فِرْعَوْنَ فَغَرِقُوا وَمَاتُوا فِيهِ وَهَلَكُوا، وَأَمْثَالُ هَذَا مِنْ تَحْرِيفَاتِ الْمَلَاحِدَةِ كَثِيرٌ.
فَهَكَذَا النَّصَارَى حَرَّفُوا كُتُبَ اللَّهِ وَسَمَّوْا صِفَةَ اللَّهِ الْقَدِيمَةَ الْأَزَلِيَّةَ الَّتِي هِيَ عِلْمُهُ أَوْ حِكْمَتُهُ ابْنًا، وَسَمَّوْهَا أَيْضًا كَلِمَةً، وَسَمَّوْا صِفَتَهُ الْقَدِيمَةَ الْأَزَلِيَّةَ، الَّتِي هِيَ حَيَاتُهُ رُوحَ الْقُدُسِ، وَتَسْمِيَةُ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَا تُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا غَيْرِهِمْ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَطُّ لَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا غَيْرِهِمْ سَمَّى عِلْمَ اللَّهِ الْقَائِمَ بِهِ ابْنَهُ، بَلْ وَسَمَّى عِلْمَ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ الْقَائِمَ بِهِ ابْنَهُ، وَلَكِنْ لَفْظُ الِابْنِ يُعَبَّرُ بِهِ عَمَّنْ وُلِدَ الْوِلَادَةَ الْمَعْرُوفَةَ، وَيُعَبَّرُ بِهِ عَمَّنْ كَانَ هُوَ سَبَبًا فِي وُجُودِهِ، كَمَا يُقَالُ: ابْنُ السَّبِيلِ، لِمَنْ وَلَدَتْهُ الطَّرِيقُ، فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ مِنْ جِهَةِ الطَّرِيقِ جُعِلَ كَأَنَّهُ وَلَدُهُ.
وَيُقَالُ لِبَعْضِ الطَّيْرِ: ابْنُ الْمَاءِ، لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْ جِهَةِ الْمَاءِ، وَيُقَالُ: "كُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا"، فَإِنَّ الِابْنَ يَنْتَسِبُ إِلَى أَبِيهِ وَيُحِبُّهُ وَيُضَافُ إِلَيْهِ، أَيْ كُونُوا مِمَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الْآخِرَةِ وَيُحِبُّهَا وَيُضَافُ إِلَيْهَا، وَهَذَا اللَّفْظُ مَوْجُودٌ فِي الْكُتُبِ الَّتِي بِأَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ فِي حَقِّ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ وَيُرَبِّيِهِمْ، كَمَا ذَكَرُوا أَنَّ الْمَسِيحَ قَالَ: "أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهُكُمْ". وَفِي التَّوْرَاةِ: أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِيَعْقُوبَ: "أَنْتَ ابْنِي بِكْرِي".
وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُرَادُ بِهِ إِذَا كَانَ صَحِيحًا لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَحَبَّةُ لَهُ وَالِاصْطِفَاءُ لَهُ، وَالرَّحْمَةُ لَهُ، وَكَانَ الْمَعْنَى مَفْهُومًا عِنْدَ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- وَمَنْ يُخَاطِبُونَهُ، وَهُوَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَشَابِهَةِ، فَصَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ يُرِيدُونَ بِهِ الْمَعْنَى الْبَاطِلَ.
وَزَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ الْكُفَّارِ أَنَّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَنِينَ وَبَنَاتٍ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُهُ، وَبَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِقِدَمِ الْعَالَمِ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَةِ يَقُولُونَ: الْعُقُولُ الْعَشَرَةُ هِيَ بَنُوهُ، وَالنُّفُوسُ الْفَلَكِيَّةُ هِيَ بَنَاتُهُ وَهِيَ مُتَوَلِّدَةٌ عَنْهُ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ، فَجَاءَ الْقُرْآنُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْكُتُبِ وَأَكْمَلُهَا بِإِبْطَالِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَمَنْعِ اسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَنَزَّهَ اللَّهَ عَنْ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا، كَمَا نَزَّهَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، وَالْأَوَّلُ مِنْ بَابِ تَنْزِيهِهِ عَنِ الْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ يُنَزِّهُونَ اللَّهَ وَيُقَدِّسُونَهُ عَنِ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ، بَلْ تُنَافِي مَا وَجَبَ لَهُ مِنَ الْكَمَالِ فِي أَفْعَالِهِ، كَمَا وَجَبَ لَهُ الْكَمَالُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ لَا يُنَزِّهُ اللَّهَ عَنْ فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ إِلَّا مَا كَانَ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ، فَأَمَّا الْمُمْكِنُ الْمَقْدُورُ فَيَقُولُ: لَا يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهُ إِلَّا بِالْخَبَرِ أَوْ بِالْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ الَّتِي يُمْكِنُ انْتِقَاضُهَا، فَهَذَا لَا يَبْقَى مَعَهُ مَا يَنْفِي بِهِ عَنِ اللَّهِ الْأَفْعَالَ الْمَذْمُومَةَ الْقَبِيحَةَ، وَالْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ قَدْ نَزَّهَتِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ، كَمَا نَزَّهَتْهُ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء:26]
وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:171]
كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ [الأنعام:100]
وَقَالَ تَعَالَى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء:111]
وَقَالَ تَعَالَى عَنِ الْمُؤْمِنِينَ: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا [آل عمران:191]
وَقَالَ تَعَالَى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:1-2]
وَقَالَ تَعَالَى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [المؤمنون:91-92]
وَقَالَ تَعَالَى: أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الصافات:151]
وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]
فَكَمَا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ الْوِلَادَةِ، نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم:88-95]
وَقَالَ تَعَالَى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ [النساء:172]
وَقَالَ تَعَالَى: وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80]
– الشيخ: إلى آخرِهِ، يظهرُ أنَّه يريدُ يتوسَّع في ذكرِ آياتِ التَّنزيهِ، تنزيه اللهِ عن مزاعمِ المشركين من الولدِ والشَّريك وغيرِ ذلك
– القارئ: بعدَها أوردَ أحاديثًا في التَّنزيه
– الشيخ: جزاكَ اللهُ خيرًا، المهمُّ أنَّ الشَّيخ عقَّبَ بأنَّ النَّصارى عندَهم ألفاظٌ فسَّروها بما يتَّفقُ مع مذاهبِهم من إثباتِ الولدِ لله، ونظَّرَهم بالفلاسفة الَّذين تأوَّلُوا نصوصَ الوحي نصوص القرآن وألفاظ الأنبياء على أصولِهم، وكلُّهم إنما أُتوا، يعني جمعُوا بينَ الإلحادِ في الاعتقادِ والتَّحريف لنصوص الأنبياء، جمعُوا بينَ الإلحادِ والتَّحريفِ، وهذا كلُّه كثيرٌ من المبطلين في العقائدِ وفي الأعمالِ يؤوِّلون النُّصوص على ما يوافقُ مذاهبَهم الاعتقاديَّة أو العمليَّة، فيجمعون بين باطلينِ: بين.. مثل التَّعطيل والتَّحريف، فالمعطِّلةُ جهميَّةٌ اعتقدوا نفي الصِّفات ثمَّ ذهبوا يحرِّفون نصوصَ الكتابِ والسُّنَّة فجمعوا بينَ التَّحريف والتَّعطيل.