file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(88) باب من شك في صلاته

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: الثَّامن والثَّمانون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ عبدُ السَّلامِ ابنُ تيميةَ الحرَّانيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "المُنتقَى في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مِن كلامِ خيرِ البريَّةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ":

بَابُ مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ

– الشيخ : هذا أحدُ مُوجِباتِ سجودِ السَّهو: الشَّكُّ، الشَّكُّ في الصَّلاة، الشَّكُّ في عددها، أو الشَّكُّ في الزِّيادة أو النَّقص، فمن شكَّ بعددِ الرَّكعاتِ صلَّى ثلاثًا أو أربعًا؟ أو سجدَ سجدتين أو سجدةً؟ أو ركعَ أو لم يركعْ؟ شكَّ في عدد الرَّكعات أو في ركنٍ من أركان الصَّلاة، أو تركَ أو شكَّ في واجبٍ من الواجباتِ، فالشَّكُّ في الصَّلاةِ من موجباتِ سجودِ السَّهو كما يأتي في الأحاديثِ.

 

– القارئ : عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَوَاحِدَةً صَلَّى أَمْ اثْنَتَيْنِ فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً، وَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثًا فَلْيَجْعَلْهَا ثِنْتَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَجْعَلْهَا ثَلَاثًا

– الشيخ : هذا معنى: (فَليَبْنِ على ما استيقنَ) أو (فَلْيَطْرحِ الشَّكَّ ويبني على اليقينِ)، فمن شكَّ في.. صلَّى ثنتين أو واحدةً، اليقينُ واحدةٌ: فيجعلْها واحدةً، ومَن تردَّدَ بينَ ثنتين وثلاثٍ فاليقينُ اثنتان، وهكذا ثلاثٌ وأربعٌ اليقينُ ثلاثٌ، اليقينُ هو العددُ الأقلُّ.

 

– القارئ : ثُمَّ يَسْجُدُ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ سَجْدَتَيْنِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (مَنْ صَلَّى صَلَاةً يَشُكُّ فِي النُّقْصَانِ فَلْيُصَلِّ حَتَّى يَشُكَّ فِي الزِّيَادَةِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ إبْرَاهِيمُ: زَادَ أَوْ نَقَصَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: (لَا، وَمَا ذَاكَ؟) قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: (إنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ

– الشيخ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذه من الأمور البشريَّة، والرَّسولُ بشرٌ تجري عليه الأحكامُ البشريَّةُ، ولهذا قالَ: (إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى) ومِن طبعِ الإنسانِ النِّسيانُ، كما مرَّ علينا آنفًا أنَّ العوارضَ البشريَّةَ إضافتُها ونسبتُها إلى الرَّسول لا تدخلُ في التَّنقُّصِ، إذا قيلَ: إنَّ الرَّسولَ يسهو، أنَّه ينسى، أنَّه كذا، أنَّه قد يُخطئُ لكن لا يُقَرُّ على خطئِهِ، كلُّ هذا لا يُعَدُّ طعنًا ولا تنقُّصًا للرَّسول، ما دامَ المقصودُ بيانَ الحقِّ في هذا البابِ لا على وجهِ التَّنقُّصِ.

 

– القارئ : فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

وَفِي لَفْظِ ابْنِ مَاجَهْ وَمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: (فَلْيَنْظُرْ أَقْرَبَ ذَلِكَ إلَى الصَّوَابِ).

– الشيخ : يعني هو بمعنى: (فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ) في اللَّفظ: (فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ)

– القارئ : وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ بَيْنَ ابْنِ آدَمَ وَبَيْنَ نَفْسِهِ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ لِبَقِيَّةِ الْجَمَاعَةِ إلَّا قَوْلَهُ: (قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ).

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ

– الشيخ : هذه الأحاديثُ كلُّها في حكمِ الشَّكِّ في الصَّلاة، وكلُّها تدلُّ على وجوب سجودِ السَّهوِ من أجل الشَّكِّ، ولكن ما يفعلُ من عرضَ له الشَّكُّ، ففي حديثِ أبي سعيدٍ أنَّه يبني على ما استيقنَ، يبني على اليقينِ كما في حديث عبد الرَّحمن بن عوف، وفي حديثِ ابنِ مسعودٍ ينظرُ إلى ما هوَ الأقربُ إلى الصَّواب يتحرَّى الصَّوابَ، فإنْ بنى على ما استيقنَ فإنَّه يسجدُ قبلَ السَّلام، وإنْ بنى على ما غلبَ على ظنِّه وتحرَّى الصَّوابَ فموجبُ الحديثِ أنَّه يسجدُ بعدَ السَّلام، وهذا أحدُ الموضعين للسُّجودِ بعدَ السَّلام.

فينبغي للمسلمِ ولا سيما طالبُ العلمِ أنْ يتفقَّهَ في هذا الباب؛ لأنَّه من مهمَّات أحكامِ الصَّلاة ويحصلُ فيه الالتباسُ، والرَّسولُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- فأرشد إلى ما ينبغي بقولِه وبفعلِه، فلما ذُكِّرَ بعدَ الصَّلاةِ بعدما سلَّمَ لما ذُكِّرَ، والظَّاهرُ أنَّه كانَ قد زادَ في الصَّلاة؛ لأنَّه لو كانَ نقصًا لأتمَّ الصَّلاةَ، لكنَّه في هذا الحديثِ أنَّه ثنى رجليه وسجدَ سجدتَينِ ثمَّ سلَّمَ، ثمَّ قالَ لهم: (إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي)، أمَّا إذا كانَ…، من سلَّمَ عن نقصٍ كما تقدَّمَ فإنَّ الحكمَ أنْ يقومَ ويتمَّ صلاتَه ما تركَ من صلاتِه واحدة أو اثنتين أو ثلاثة.

 

– القارئ : بَابُ مَنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ حَتَّى انْتَصَبَ قَائِمًا لَمْ يَرْجِعْ:

عَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحُوا بِهِ فَمَضَى، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

وَعَنْ زِيَادَةَ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ: «صَلَّى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَامَ وَلَمْ يَجْلِسْ فَسَبَّحَ بِهِ مَنْ خَلْفَهُ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ قُومُوا بِنَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِمْ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، وَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ وَيسجدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

– الشيخ : لأنَّه إذا استتمَّ قائمًا فقد انتقلَ إلى الرَّكعة الثَّانية فلا يرجع، أمَّا إذا لم يستتمَّ فإنَّه يجلسُ فيتداركُ، فحينئذٍ فلا سجودَ عليه؛ لأنَّه تداركَ الجلوسَ، تداركَ جلوسَ التَّشهُّدِ، أمَّا إذا استتمَّ قائمًا فإنَّه لا يعودُ، وعليه أن يجبرَ ذلك النَّقصَ بسجودِ السَّهوِ كما فعلَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فهذا بيانٌ بالقولِ، وفي حديث ابن بُحَيْنةَ بيانٌ بالفعلِ.

 

– القارئ : بَابُ مَنْ صَلَّى الرُّبَاعِيَّةَ خَمْسًا:

عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: (وَمَا ذَلِكَ؟) قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ

– الشيخ : هو معنى الحديثِ المتقدِّم الَّذي قالوا له بعدَما سلَّمَ: "صلَّيْتَ كذا وكذا"، قالَ: (وما ذاكَ؟)، ففي هذا الحديثِ التَّصريحُ بأنَّه صلَّى خمسًا، قالُوا له: صَلَّيْتَ خَمْسًا.

– القارئ : بَابُ التَّشَهُّدِ لِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ:

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.

– الشيخ : في هذا الحديثِ أنَّ سجودَ السَّهوِ الَّذي يكونُ…، أنَّ سجودَ السَّهو يتشهَّدُ المصلِّي بعدَه، بعدَ ما يسجدُ السَّهو يتشهَّدُ، أي: يقرأُ: "التَّحيَّاتُ للهِ…"، وظاهرُ الأحاديثِ الصَّحيحةِ الكثيرةِ أنَّه لا يتشهَّدُ لسجودِ السَّهو. أيش قالَ الشَّارح على هذا الحديث

– القارئ : الباب الأخير؟

– الشيخ : الأخير بس [فقط]، كلُّ الأحاديثِ المتقدِّمةِ ليسَ فيها التَّشهُّدُ بعدَ السُّجودِ

– القارئ : قالَ: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّشَهُّدِ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، فَإِذَا كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ، فَقَدْ حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: إذَا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ تَشَهَّدَ، أَوْ قَبْلَ السَّلَامِ أَجْزَأَهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَإِذَا كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ. وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ اللَّيْثِ أَنَّهُ يُعِيدُهُ.

وَعَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَالشَّافِعِيِّ مِثْلُهُ، وَخَطَؤُهُ فِي هَذَا النَّقْل فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ. وَعَنْ عَطَاءٍ: يَتَخَيَّرُ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عِنْدِ الْمَالِكِيَّةِ. وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّشَهُّدِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَفِيهِ الْمَقَالُ الَّذِي تَقَدَّمَ. قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ -يَعْنِي حَدِيثَ عِمْرَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْمُغِيرَةِ- بِاجْتِمَاعِهَا تَرْتَقِي إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ.

قَالَ الْعَلَائِيُّ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ، وقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّشَهُّدِ الْمَذْكُورِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ هُوَ التَّشَهُّدُ الْمَعْهُودُ فِي الصَّلَاةِ لَا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ الشَّهَادَتَانِ فِي الْأَصَحِّ لِعَدَمِ وُجْدَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ مِنْ التَّشَهُّدِ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ مُطْلَقُ التَّشَهُّدِ. انتهى.

– طالب: أحسنَ اللهُ إليكم، قالَ: ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. قَال: وَالْمَحْفُوظُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ، وَإِنَّمَا تَفَرَّدَ بِهِ أَشْعَثُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَدْ خَالَفَ فِيهِ غَيْرَهُ مِنْ الْحُفَّاظِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ. وَأَخْرَجَه النَّسَائِيُّ الْحَدِيثَ بِدُونِ ذِكْرِ التَّشَهُّدِ.

– الشيخ : الظَّاهرُ لي أنَّ الصَّوابَ عدمُ التَّشهُّدِ؛ لأنَّ الأحاديثَ في حديث ابنِ مسعودٍ الرَّسولُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- لما قيلَ له: "صلَّيْتَ كذا وكذا" سجدَ للسَّهو ولم يتشهَّدْ، ولم يذكروا تشهُّدًا، معَ أنَّ المصلِّيَ قد تشهَّدَ التَّشهُّدَ المشروعَ.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه