الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النور/(18) من قوله تعالى {إنما المؤمنون الذين امنوا بالله} الآية 62 إلى قوله تعالى {ألا إن لله ما في السماوات} الآية 64
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(18) من قوله تعالى {إنما المؤمنون الذين امنوا بالله} الآية 62 إلى قوله تعالى {ألا إن لله ما في السماوات} الآية 64

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النُّور

الدَّرس: الثَّامن عشر

***     ***     ***

 

– القارئ :

إِنَّمَا ٱلمُؤمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمرٖ جَامِعٖ لَّم يَذهَبُواْ حَتَّىٰ يَستَ‍ٔذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَستَ‍ٔۡذِنُونَكَ أُولَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَ‍ٔذَنُوكَ لِبَعضِ شَأنِهِمۡ فَأذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُم وَٱستَغۡفِر لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ 62 لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور٦٢- ٦٤]

– الشيخ : لا إله إلا الله، يقول تعالى: (إنّما المؤمنون) إنّما هذه عند أهلِ البلاغة يسمّونها أداة حصر، إنّما المؤمنون يعني ما المؤمنون إلّا هؤلاء، إذاً هؤلاء يعني من أهل الإيمان الكامل، إنّما المؤمنون، إنّما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، الإيمان بالله ورسوله هو أصلُ الدينِ، فلا إيمان ولا إسلام إلّا بالإيمان باللهِ ورسولِه، وهو مضمونُ الشهادتين، شهادةُ ألّا إله إلّا الله وأنَّ محمّداً رسول الله، (إنَّما المؤمنون الذين آمنوا باللهِ ورسولِه).

 وإذا كانوا معه على أمرٍ جامع، من صفات هؤلاء المؤمنين أنّهم إذا كانوا مع الرسول في أمر من الأمور الجامعة التي تتعلّق بالأمَّة بجماعة المسلمين، لم يذهبوا ولا يتركوا هذا الأمر إلّا بعدَ استئذانِ الرسولِ حتّى يستأذنوه، إذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتّى يستأذنوه، إنَّ الَّذين يستأذنونك أولئكَ الَّذين يؤمنون بالله ورسوله، أمَّا المنافقون فإنّهم يتسلَّلون إذا أمكنهم تسلَّلوا دونَ استئذانٍ، قال تعالى: (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم) إذا استأذنك هؤلاء المؤمنون لبعض شؤونهم يحتاجون فيها إلى تركِ هذا الأمرِ الّذي هم فيه فأذن لمن شئت منهم، يعني الله تعالى يُخيّرُ نبيَّه، لم يقل فأذن له لا تأذن له بل قال فأذن لمن شئت، الرسول مُخيّر إن شاء أذِنْ وإن شاء لم يأذن، واستغفرْ لهم الله إنَّ الله غفورٌ رحيمٌ، واستغفرْ لهم الله، أمرَ اللهُ نبيَّه أن يستغفر لهؤلاء، وفي هذا إحسان إليهم وإكرام لهم، وربّما استأذنوا من غير ضرورة فيكون تقصيرا منهم، فأمره الله تعالى أن يستغفر لهم، (فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم إنَّ الله غفور رحيم).

وقال تعالى ناهياً المؤمنين عن أمر قال تعالى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) إذا دعا الرسول لأمرٍ واجتماعٍ فليس كدعاء غيره، بل يجب تجب الاستجابة، تجب الاستجابة لدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، (يا أيُّها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم، إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أنَّ الله يحولُ بين المرءِ وقلبه وأنَّه إليه تحشرون)، فالاستجابة لدعاء الرسول لدعوته واجبة، لا خيار، ليس للمسلم خيار فيما أمرَ به الرسول عليه الصلاة والسلام ودعا إليه، (لا تجعلوا دعائكم دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً)، ويُعتبَرُ المرادُ بدعاء الرسول يعني خطاب الرسول ونِدائه، يعني لا تجعلوا دعائكم للرسول وندائكم له وخطابكم له كخطاب بعضكم بعضاً، بل عليكم إذا دعيتموه أن تدعوه بأدب وخفض صوت، (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون).

ثم قال تعالى: (قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً)، الله تعالى يعلم هؤلاء، لا تخفى لا تخفى عليه حالهم، هؤلاء الذين يتسلّلون ولا يستأذنون، ويعملون على أن يخفى أمرهم، (قد يعلم الله الّذين يتسلّلون منكم لواذاً فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم)، تحذير من الله عن مخالفة الرسول عليه الصلاة والسلام، فتعمُّد المخالفة مخالفة الرسول سبب للفتنة، قال المفسِّرون معناها زيغ القلب، أن يُبتلى بالرِّدة، قال أحمد -رحمه الله، ورضيَ عنه-: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعلَّه إذا ردَّ بعضَ قوله أي بعض قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يقع في قلبه شيء من ال شيء من الزيغ فيهلك أن تصيبهم فتنة أن يصيبهم عذاب أليم.

 (ألا إنَّ لله ما في السماوات والأرض) إخبارٌ بعموم ملكه، الله تعالى له الملك كلّه، (له ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكلِّ شيء عليم)، فتضمّنت هذه الآية إثبات عموم ملكه، وكمال علمه، وإثبات المعاد والبعث والجزاء، (ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم)

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعديّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: (إنَّما المؤمنون الّذين آمنوا بالله ورسوله) الآيات، هذا إرشادٌ مِن اللهِ لعبادِهِ المؤمنين، أنَّهم إذا كانُوا معَ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- على أمرٍ جامعٍ، أي: مِن ضرورتِهِ أو مصلحته أنْ يكونوا فيهِ جميعاً، كالجهادِ والمُشاورةِ ونحوِ ذلكَ مِن الأمورِ الَّتي يشتركُ فيها المؤمنون، فإنَّ المصلحةَ تقتضي اجتماعَهم عليهِ، وعدمُ تفرُّقِهم، فالمُؤمنُ باللهِ ورسولِهِ.

– الشيخ : يعني إذا كان الأمر من هذا النوع، فإنّه ينبغي يعني المحافظة على الحضور وعدم التغيُّب، عدم الغياب، يعني إذا كان هناك أمرٌ يتعلَّق بأمرِ الجماعة بأمرِ المسلمين، ودعا وليُّ الأمر وهو الرسول في أوّل في أوّل الدعوة، الرسول هو وليُّ أمر المسلمين، ووليُّ الأمر بعده من يتولَّى أمر المسلمين، يلزم فيه هذا الأمر إذا كان هناك أمرٌ جامعٌ ودعا وليُّ الأمرِ إليه، لحضورِه فلا ينبغي التغيُّب؛ لأنَّه إذا تغيّب هذا وتغيّب هذا فاتت المصلحة بالتفرُّق.

 

– القارئ : فالمؤمنُ باللهِ ورسولِهِ حقَّاً، لا يذهبُ لأمرٍ مِن الأمورِ، لا يرجعُ لأهلِهِ ولا يذهبُ لبعضِ الحوائجِ الَّتي يشُذُّ بها عنهُم، إلَّا بإذنٍ مِن الرسولِ أو نائبِه، أو نائبِه مِن بعدِه، ودعا مُوجِبُ الإيمانِ عدمُ الذّهابِ إلَّا بإذنٍ، ومدحَهُم على فعلِهِم هذا، وأدبِهم معَ رسولِه، ووليِّ الأمرِ مِنهم، فقالَ: (إنَّ الَّذينَ يستأذنوكَ أولئكَ الَّذينَ يُؤمنونَ باللهِ ورسولِهِ)، ولكنْ هلْ يأذنُ لهم أمْ لا، ذكرَ لإذنِه لهم شرطين: أحدُهما: أنْ يكونَ لشأنٍ مِن شؤونِهم، وشُغلٍ مِن أشغالِهم، فأمَّا مَن يستأذنُ مِن غيرِ عُذرٍ فلا يُؤذَنُ لهُ، والثاني: أنْ يشاءَ الإذنُ فتقتضيهِ المصلحةُ، مِن دونِ مضرَّةٍ بالآذنِ، قالَ: (فإذا استأذنوكَ لبعضِ شأنِهم فأذنَ لِمَن شِئْتَ مِنْهم)، إذا كانَ لهُ عذرٌ واستأذنَ، فإنْ كانَ في قعودِهِ وعدمِ ذهابِه مصلحةٌ برأيهِ، أو شجاعتِه ونحوِ ذلكَ لمْ يُؤذَنْ لهُ، ومعَ هذا إذا استأذنَ وأُذِنَ لهُ بشرطين، أمرَ اللهُ ورسولُه أنْ يستغفرَ لهُ لما عسى أنْ يكونَ مُقصِّراً في استئذانٍ، ولهذا قالَ: (واستغفرْ لهم اللهَ إنَّ اللهَ غفورٌ رحيمٌ)، يغفرُ لهم الذنوبَ ويرحمُهم، وإنْ جُوَّزَ لهم الاستئذانَ معَ العُذرِ، (لا تجعلوا دعاءَ الرسولِ بينَكم كدعاءِ بعضِكم بعضاً) فإذا دعاكُم فأجيبوهُ وجوباً.

– الشيخ : إذا دعاكم فأجيبوه وجوباً، نعم ما فيه خيار.

– القارئ : حتّى إنَّه تجبُ إجابةُ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في حالِ الصلاةِ وليسَ أحدٌ إنْ قالَ قولاً يجبُ على الأمَّةِ قبولُ قولِه والعملِ بهِ، إلَّا الرسولُ لعصمتِه وكونِنا مخاطبين باتّباعِه، قالَ تعالى: (يا أيُّها الَّذينَ آمنوا).

– الشيخ : يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- طاعته واجبة طاعة مطلقة بلا قيود، أمَّا غيره فمُقيَّد، لا أحد تجب طاعته، طاعة مطلقة من الناس إلّا الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّ طاعته طاعة لله، ومن يُطعِ الرسول فقد أطاع الله.

 

– القارئ : (يا أيُّها الذينَ آمنوا استجيبوا للهِ وللرسولِ إذا دعاكَم لما يُحييكُم)، وكذلك (لا تجعلوا دعاءَكم للرسولِ كدعاءِ بعضِكم بعضاً)، ولا تقولوا يا محمَّدُ [….] أو يا محمَّدُ بن عبدِ اللهِ، كما يقولُ ذلكَ بعضُكم لبعضٍ، بلْ لشرفِهِ وفضلِهِ وتميُّزِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على غيرِه، أنْ يُقالَ يا رسولَ اللهِ، يا نبيَّ اللهِ، (قد يعلمُ اللهُ الذينَ يتسلَّلون منكم لِواذاً)

– الشيخ : يعني هنا حتّى في الإخبارِ عن الرسول ينبغي التنويه بالرسالة، قال رسول الله، جاء عن رسول الله، أو أخبر رسول الله، رسول الله؛ لأنَّ هذا التعبير يتضمَّن الشهادة له يتضمَّن الشهادة له بالرسالة، أمَّا من يقول: فعل هذا محمد، هو محمد ابن عبد الله نعم، لكن الاقتصار على اسمه فقط العلم فيه إهمال للأمر الأعظم، وهو صفة الرسالة أو النبوة.

 

– القارئ : ثمَّ مدحَ المؤمنين باللهِ ورسولِه الذينَ إذا كانوا معَه على أمرٍ جامعٍ لمْ يذهبُوا حتَّى يستأذنوه، توعّدَ مَن لمْ يفعلْ ذلكَ، وذهبَ مِن غيرِ استئذانٍ، فهوَ وإنْ خفيَ عليكُم بذهابِه، فلا [….] خفيّ، وهوَ المُرادُ بقولِهِ: (يتسلّلون منكم لواذاً) أي: يلوذون وقتَ تسلُّلِهم وانطلاقِهم بشيءٍ يحفظُهم عن العيونِ، واللهُ يعلمُهم، سيجازيهم على ذلكَ أتمَّ الجزاءِ، ولهذا توعّدَهم بقولِه: (وليحذرِ الَّذينَ يخالفونَ عن أمرِهِ)، أي: يذهبونَ إلى بعضِ شؤونِهم عن أمرِ اللهِ ورسولِه، فكيفَ بمَن لمْ يذهبْ إلى شأنٍ مِن شؤونِه، فإنَّما تركَ أمرَ اللهِ مِن دونِ شُغْلٍ لهُ أنْ تُصيبَهم فتنةٌ أي: شركٌ وشرٌّ فيصيبُهم عذابٌ أليمٌ، ألا إنَّ للهِ ما في السماواتِ والأرضِ، مُلكاً وعبيداً يتصرَّفُ فيهم بحكمِه القدريِّ، وحكمِه الشرعيِّ.

(قد يعلمُ ما أنتم عليهِ) أي: قد أحاطَ علمُه بما أنتم عليهِ مِن خيرٍ وشرٍّ، وعلمَ جميعَ أعمالِكم أحصاها علمُهُ، وجرى بها قلمُهُ، وكتبَتْها عليكم الحفظةُ الكرامُ الكاتبون.

(ويومَ يُرجعون إليهِ) أي: يومَ القيامةِ (فينبِّئُهم بما عملُوا) يخبرُهم بجميعِ أعمالِهم، دقيقِها وجليلِها، إخبارٌ مطابقٌ لما وقعَ منهم، ويستشهدُ عليهم أعضاءَهم، فلا يُهضمون منهُ فضلاً أو عدلاً، ولمّا قيّدَ علمُه بأعمالِهم، ذكرَ لهم منهُ بعضَ الخصوصِ فقالَ: (واللهُ بكلِّ شيءٍ عليمٌ) انتهى.