الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الشعراء/(15) من قوله تعالى {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين} الآية 221 إلى قوله تعالى {إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات} الآية 227
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(15) من قوله تعالى {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين} الآية 221 إلى قوله تعالى {إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات} الآية 227

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الشُّعراء

الدَّرس: الخامس عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشُّعراء:221-227].

– الشيخ : إلى هنا، محمّد: اقرأ.

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} الآياتُ)
أعظمُ مُساعِدٍ للعبدِ على القيامِ بما أمرَ بهِ، الاعتمادُ على ربِّهِ، والاستعانةُ بمولاهُ على توفيقِهِ للقيامِ بالمأمورِ، فلذلكَ أمرَ اللهُ تعالى بالتوكُّلِ عليهِ فقالَ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ

– الشيخ : ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق:3]  يعني كافيه، لهذا تقول الرُّسل: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ[إبراهيم:12].

وعلى الله فليتوكَّل المتوكلون ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا[إبراهيم:12].

فالاعتماد على الله هو أقوى سببٍ يبلغُ به العبدُ ويعينُه على مهامِه الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، ولهذا أمرَ اللهُ نبيَّه بالتوكُّلِ بالتوكُّلِ عليهِ، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}.

 

– القارئ : والتوكُّلُ هوَ اعتمادُ القلبِ على اللهِ تعالى، في جلبِ المنافعِ، ودفعِ المضارِّ، معَ ثقتِهِ بهِ، وحسنِ ظنِّهِ بحصولِ مطلوبِهِ، فإنَّهُ عزيزٌ رحيمٌ، بعزَّتِهِ يقدرُ على إيصالِ الخيرِ، ودفعِ الشَّرِّ عن عبدِهِ، وبرحمتِهِ بهِ، يفعلُ ذلكَ.

ثمَّ نبَّهَهُ على الاستعانةِ باستحضارِ قُربِ اللهِ، والنزولِ في منزلةِ الإحسانِ فقالَ: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} أي: يراكَ في هذهِ العبادةِ العظيمةِ، الَّتي هيَ الصلاةُ، وقتَ قيامِكَ، وتقلُّبِكَ راكعاً وساجداً خصَّها بالذكرِ؛ لفضلِها وشرفِها؛ ولأنَّ مَن استحضرَ فيها قربَ ربِّهِ، خشعَ وذلَّ وأكملَها وبتكميلِها يكملُ سائرُ عملِهِ ويستعينُ بِها على جميعِ أمورِهِ.

{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لسائرِ الأصواتِ على اختلافِها وتشتُتِها وتنوُّعِها، {الْعَلِيمُ} الَّذي أحاطَ بالظواهرِ والبواطنِ، والغيبِ والشَّهادةِ.

فاستحضارُ العبدِ رؤيةَ اللهِ لهُ في جميعِ أحوالِهِ، وسمعَهُ لكلِّ ما ينطقُ بهِ، وعلمَهُ بما ينطوي عليهِ قلبُهُ، من الهمِّ والعزمِ والنيَّاتِ ممَّا يعينُهُ على منزلةِ الإحسانِ.

قالَ اللهُ تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ…} الآياتُ.

هذا جوابٌ لمَن قالَ مِن مُكذِّبي الرَّسولِ: إنَّ محمَّداً ينزلُ عليهِ شيطانٌ.

وقولُ مَن قالَ: إنَّهُ شاعرٌ فقالَ: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ} أي: أُخبرُكُم الخبرَ الحقيقيَّ الَّذي لا شكَّ فيهِ ولا شُبهةَ، عن مَن تنزلُ الشَّياطينُ عليهِ، أي: بصفةِ الأشخاصِ، الَّذينَ تنزلُ عليهم الشَّياطينُ.

{تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ} أي: كذَّابٍ، كثيرِ القولِ للزُّورِ، والإفكِ بالباطلِ، {أَثِيمٍ} في فعلِهِ، كثيرِ المعاصي، هذا الَّذي تنزلُ عليهِ الشَّياطينُ، وتناسبُ حالُهُ حالَهم.

{يُلْقُونَ} عليهِ {السَّمْعَ} الَّذي يسترقونَهُ مِن السَّماءِ، {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} أي: أكثرُ ما يلقونَ إليهِ كذبٌ فيصدقُ واحدةً، ويكذبُ معَها مئةً، فيختلطُ الحقُّ بالباطلِ، ويضمحلُّ الحقُّ بسببِ قلَّتِهِ، وعدمِ علمِهِ، فهذهِ صفةُ الأشخاصِ الَّذينَ تنزَّلُ عليهم الشياطينُ، وهذهِ صفةُ وحيِهِم لهُ.

وأمَّا محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، فحالُهُ مُباينةٌ لهذهِ الأحوالِ أعظمَ مباينةٍ؛ لأنَّهُ الصَّادقُ الأمينُ، البارُّ الرَّاشدُ، الَّذي جمعَ بينَ برِّ القلبِ، وصدقِ اللَّهجةِ، ونزاهةِ الأفعالِ مِن المُحرَّمِ.

والوحيُ الَّذي ينزلُ عليهِ مِن عندِ اللهِ، ينزلُ محروساً محفوظاً، مُشتمِلاً على الصدقِ العظيمِ، الَّذي لا شكَّ فيهِ ولا ريبَ، فهل يستوي -يا أهلَ العقولِ- هذا وأولئكَ؟ وهل يشتبهانِ، إلَّا على مجنونٍ، لا يميَّزُ، ولا يفرِّقُ بينَ الأشياءِ؟

فلمَّا نزَّهَهُ عن نزولِ الشَّياطينِ عليهِ، برَّأَهُ أيضاً مِن الشِّعرِ فقالَ: {وَالشُّعَرَاءُ} أي: هلْ أُنبِّئُكم أيضاً عن حالةِ الشُّعراءِ، ووصفِهم الثابتِ، فإنَّهم {يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} عن طريقِ الهُدى، المُقبِلونَ على طريقِ الغيِّ والرَّدى، فهُم في أنفسِهم غاوونَ، وتجدُ أتباعَهم كلَّ غاوٍ ضالٍّ فاسدٍ.

{أَلَمْ تَرَ} غوايتَهُم وشدَّةَ ضلالِهِم.

– الشيخ : روايتهم ولا غِوايتهم؟

– القارئ : نعم غِوايتَهُم.

– الشيخ : غِوايتهم زين، نعم.

– القارئ : {أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ} مِن أوديةِ الشِّعرِ، {يَهِيمُونَ} فتارةً في مدحٍ، وتارةً في قدحٍ، وتارةً في صدقٍ، وتارةً في كذبٍ، وتارةً يتغزَّلونَ، وأُخرى يسخرونَ، ومرَّةً يمرحونَ، وآونةً يحزنونَ، فلا يستقرُّ لهم قرارٌ، ولا يثبتونَ على حالٍ مِن الأحوالِ.

{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} أي: هذا وصفُ الشُّعراءِ، أنَّهم تخالفُ أقوالُهم أفعالَهم، فإذا سمعْتَ الشَّاعرَ يتغزَّلُ بالغزلِ الرَّقيقِ، قلْتَ: هذا أشدُّ النَّاسِ غراماً، وقلبُهُ فارغٌ مِن ذاكَ، وإذا سمعْتَهُ يمدحُ أو يذمُّ، قلْتَ: هذا صدقٌ وهو كذبٌ، وتارةً يتمدَّحُ بأفعالٍ لم يفعلْها، وتُروكٍ لم يتركْها، وكرمٍ لم يحمْ حولَ ساحتِهِ، وشجاعةٍ يعلو بها على الفرسانِ، وتراهُ أجبنَ مِن كلِّ جبانٍ، هذا وصفُهم.

فانظرْ هل يطابقُ حالةَ الرسولِ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، الرَّاشدُ البارُّ، الَّذي يتَّبعُهُ كلُّ راشدٍ ومهتدٍ، الَّذي قد استقامَ على الهُدى، وجانبَ الرَّدى، ولم تتناقضْ أفعالُهُ ولم تخالفْ أقوالُهُ أفعالَهُ؟ الَّذي لا يأمرُ إلَّا بالخيرِ، ولا ينهى إلَّا عن الشَّرِّ، ولا أخبرَ بشيءٍ إلَّا صدقَ، ولا أمرَ بشيءٍ إلَّا كانَ أوَّلَ الفاعلينَ لهُ، ولا نهى عن شيءٍ إلَّا كانَ أوَّلَ التاركينَ لهُ.

فهل تناسبُ حالُهُ حالةَ الشُّعراءِ، أو يقاربُهم؟ أم هوَ مُخالِفٌ لهم مِن جميعِ الوجوهِ؟ فصلواتُ اللهِ وسلامُهُ على هذا الرَّسولِ الأكملِ، والهُمامِ الأفضلِ، أبدَ الآبدينَ، ودهرَ الدَّاهرينَ، الَّذي ليسَ بشاعرٍ ولا ساحرٍ ولا مجنونٍ، ولا يليقُ بهِ إلَّا كلُّ كمالٍ.

ولمَّا وصفَ الشُّعراءَ بما وصفَهُم بهِ، استثنى منهم مَن آمنَ باللهِ ورسولِهِ، وعملَ صالحاً، وأكثرَ مِن ذكرِ اللهِ، وانتصرَ مِن أعدائِهِ المُشركينَ مِن بعدِ ما ظلمُوهُم.

فصارَ شعرُهُم مِن أعمالِهم الصَّالحةِ، وآثارِ إيمانِهم، لاشتمالِهِ على مدحِ أهلِ الإيمانِ، والانتصارِ مِن أهلِ الشِّركِ والكفرِ، والذَّبِّ عن دينِ اللهِ، وتبيينِ العلومِ النَّافعةِ، والحثِّ على الأخلاقِ الفاضلةِ فقالَ: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} إلى موقفٍ وحسابٍ، لا يغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً، إلَّا أحصاها، ولا حقَّاً إلَّا استوفاهُ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

– الشيخ : أحبّ أقول كم … اليوم آخر هذه الدورة، أسألُ اللهَ أن يُصلحَ الأحوالَ وييسِّرَ الأمورَ ويهدينا صراطَهُ المستقيمَ وينفعَنا وإيّاكم بهداه اللَّهم صلِّ وسلِّم، نعم حسين ولا؟

– القارئ : هذا قريب حسين

– الشيخ : استغفر الله، استغفر الله، لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، لا إله إلّا الله، شوف تفسير ابن كثير على، لا إله إلّا الله تفسير ابن كثير على هذه الآيات شوف بعض الكلام، هل أنبِّئكم على، لا إله إلّا الله، سمعتم يا أخوان عُلِم؟

– القارئ : من بداية المقطع؟

– الشيخ : إي

– القارئ : طيِّب، يقولُ تعالى، قالَ الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ تعالى.

– الشيخ : هل أنبِّئكم من هنا

– القارئ : نعم، يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِمَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أن مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ليسَ حقَّاً، وَأَنَّهُ شَيْءٌ افْتَعَلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، أَوْ أنَّهُ أتاهُ بهِ رُئِيٌّ مِن الجنِّ، فنزَّهَ اللهُ سبحانَهُ جَنَابَ رَسُولِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ، وَنَبَّهَ أَنَّ ما جاءَ بهِ إنَّما هوَ الحقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ تَنْزِيلُهُ وَوَحْيُهُ، نَزَلَ بِهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ أَمِينٌ عَظِيمٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِن قبيلِ الشَّيَاطِينِ، فَإِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ رَغْبَةٌ فِي مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَإِنَّمَا يَنْزِلُونَ عَلَى مَنْ يُشَاكِلُهُمْ وَيُشَابِهُهُمْ مِنَ الْكُهَّانِ الْكَذَبَةِ، وَلِهَذَا قَالَ الله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ أَيْ أُخْبِرُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} أَيْ: كذوبٍ في قولِهِ وهو الأفَّاكُ الأَثِيمُ أي الْفَاجِرُ فِي أَفْعَالِهِ.

فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَنَزَّلُ عليهِ الشَّياطينُ كالكُهَّانِ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمْ مِنَ الْكَذَبَةِ الْفَسَقَةِ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ أَيْضًا كَذَبَةٌ فَسَقَةٌ يُلْقُونَ السَّمْعَ أَيْ يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ مِنَ السَّمَاءِ، فَيَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، ثُمَّ يلقونَها إلى أوليائِهم مِن الإنسِ، فيتحدَّثونَ بِهَا فَيُصَدِّقُهُمُ النَّاسُ فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ بِسَبَبِ صِدْقِهِمْ فِي تِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ، كَمَا صَحَّ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ.

كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِا يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: سَأَلَ نَاسٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ «إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطِفُهَا الْجِنِّيُّ فيقرقرُها في أذنِ وليِّهِ كقرقرةِ الدَّجاجةِ، فيخلطونَ معَها أكثرَ مِن مئةِ كذبةٍ».

وقالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا حُمَيْدِيُّ، قال حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قال حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هريرةَ يَقُولُ: إِنَّ نبِيَّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الملائكةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهَا سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، حتى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِم قَالُوا: مَاذَا قَالَ ربُّكُم؟ قالُوا للَّذي قَالَ: الْحَقُّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْتمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا بعضُهم فوقَ بعضٍ ووصفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ، فَحَرَفَهَا وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيهَا الْآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يدركَها، فيكذبُ معَها مئةَ كذبةٍ، فيُقالُ: أليسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا؟ فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّماءِ» انفردَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رِجَلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا، وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سَبَأٍ: ﴿حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ:23]. الآيةُ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُحَدِّثُ فِي الْعَنَانِ- وَالْعَنَانُ: الغمامُ- بالأمرِ ويكونُ فِي الْأَرْضِ، فَتَسْمَعُ الشَّيَاطِينُ الْكَلِمَةَ، فَتُقِرُّهَا فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ كَمَا تُقِرُّ الْقَارُورَةُ، فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مئةَ كذبةٍ».

وقالَ البخاريُّ في موضعٍ آخرَ مِن كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ.

وقولُهُ: {وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ}.

– الشيخ : إلى هنا بس [فقط].

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ.