الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة النمل/(12) من قوله تعالى {ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه} الآية 86 إلى قوله تعالى {وقل الحمد لله سيريكم آياته} الآية 93

(12) من قوله تعالى {ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه} الآية 86 إلى قوله تعالى {وقل الحمد لله سيريكم آياته} الآية 93

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة النَّمل

الدَّرس: الثَّاني عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ 77 وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [النمل:86-93].

– الشيخ : اللهُ المستعانُ، سبحانَ اللهِ العظيم، يقولُ تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}.

يعني ألم يرَ الناسُ ويرَ هؤلاءِ المكذّبون أنَّا جعلْنا الليلَ، ألم يعلموا هاتين الآيتين الليل والنهار، الليلُ والنهارُ آيتان ومن آياته الليل والنهار، آيتان ونعمتان، جعلَ الليلَ ليسكنوا فيهِ، فالليلُ جعلَه اللهُ سكناً للناسِ يستريحون فيه من عناءِ من عناءِ الحياةِ والأعمالِ وتهدأُ فيه الحركاتُ، حتَّى الناس وغير الناس تجدُ هدوءاً وسكوناً بمجيءِ الليلِ.

وجعلَ النهارَ مضيئاً يُبصرُ فيه الناسُ {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}، النهارُ مضيءٌ يُبصرُ فيه الناسُ أمورَهم ولهذا ينتشرونَ، جعلَ اللهُ الليلَ جعلَ النهارَ وجعلَ النهارَ معاشاً.

ومن آثارِ هذه الحضارةِ المعاصرةِ وأنَّها غيَّرَتْ على الناسِ الفطرةَ، بسببِ ما تهيَّأَ لهم من أسبابِ الإضاءةِ، فصارَ النهارُ صارَ الليلُ يعني مجالاً للعملِ والحركةِ والبيع والشراء والتجارات، كانَ الناسُ بعد صلاةِ العشاءِ يأوون إلى بيوتهم ومساكنهم ويهجعون وتهدأُ الحياةُ، وأمّا الآن لأ، لا تهدأُ حياةُ الناس إلّا في آخر الليل.

ويعقبُ ذلك الهجوعُ الطويلُ إذا لم يكن هناكَ ما يحملُ الناسَ على القيامِ يهجعون، ففي أيّامِ العمل يضطرُّهم العمل الرسميُّ للنهوضِ، لكن غير وقت العمل ينامون، فيصيرُ ليلُهم نهاراً ونهارهم ليلاً، فهذه من مفاسدِ هذه الحضارة.

{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، أمَّا من لا يؤمنُ بالله ولا باليومِ الآخرِ فإنَّهم لا يعتبرون بهذه الآيات، بل يرونها أموراً عاديَّةً وطبيعيَّةً ولا يفكِّرون فيمن قدَّرها وخلقها وقدَّرها وصرَّفها، اللهُ يُقلِّبُ الليلَ والنهارَ، يولجُ الليلَ في النهارِ والنهارَ في الليلِ، أمَّا الَّذين لا يؤمنون فلا فلا يفكّرون في شيءٍ من ذلك، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.

اللهُ ينوِّعُ المعاني في كلامِه، فتارةً يذكر بعضَ الآياتِ الكونيِّةِ كما كما هنا وكما تقدَّم، ويذكر اليومَ الآخرَ ويذكرُ مشاهدَ مشاهدَ القيامةِ، وهنا بعدما ذكرَ هاتين الآيتين ذكرَ أمرَ القيامةِ، {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ}، فذكَّرَ سبحانه وتعالى بحكمتِه وقدرتِه ورحمتِه ثمَّ ذكَّرَ باليومِ الآخرِ.

{فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ}، فزعوا، نُفِخَ في الصورِ، والصورُ جاءَ في الآثارِ أنَّه مخلوقٌ عظيمٌ ينفخُ فيهِ موكَّلٌ به ملكٌ، المعروفُ أنَّه إسرافيلَ يُؤمَرُ فينفخُ فيه، ويكونُ له صوتٌ هائلٌ، فيفزعُ أهلُ السمواتِ والأرضِ يفزعون، يصيرُ عندهم ذعرٌ ذعرٌ الفزعُ ذعرٌ، يفزعون من في السمواتِ ومن في الأرضِ كلُّهم، {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}، كلُّهم يأتونَ إلى اللهِ ذليلين خاضعين طائعين، {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}.

ثمَّ قالَ سبحانَه وتعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً}، متى المعروف عندَ المفسِّرين من السلفِ أنَّ المرادَ وصفُ الجبالِ يومَ القيامةِ حينَ تُسيَّرُ، ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا﴾ [النبأ:20].

﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا﴾ [طه:105-106].

{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}، كانَتْ صلبةً شديدةً ثمَّ تصيرُ كالعهنِ المنفوشِ، رقيقةً خفيفةً بل تكونُ هباءً منبثَّاً، تكونُ أطواراً وأحوالاً، ويرى بعضُ المعاصرين الّذين تأثّرُوا بالنظرياتِ الجديدةِ يقولون: هذا دليلٌ على أنَّ الأرضَ تدورُ، يعني الآن السهول والجبال واقفة ولا لأ؟ تمشي هكذا قالُوا.

{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}، أحوالُ القيامةِ وأحوالُ الدُّنيا كلُّها صنعُ اللهِ، كلُّها من صنعِ اللهِ.

ثمَّ ذكرَ سبحانه وتعالى النتيجةَ النتيجةَ لهذهِ الأمورِ لحالِ الدُّنيا والآخرةِ، النتيجةُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا}، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} حسنةُ الإيمانِ والتوحيدِ والعملِ الصالحِ فله خيرٌ منها، يثيبهم الله الثوابَ العظيمَ، {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ}، هم هم في ذلكَ الفزعِ آمنون، {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ}، ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [فصلت:40].

{وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، يعني ما يجري.

 

– القارئ : الليلَ والنهارَ، هذا بظلمتِهِ ليسكنُوا فيهِ ويستريحُوا مِن التَّعبِ ويستعدُّوا للعملِ، وهذا بضيائِهِ لينتشرُوا فيهِ في معاشِهم وتصرُّفاتِهم.

– الشيخ : الله أكبر الله أكبر، لا إله إلّا الله، وعلى كلِّ حالٍ حتَّى مَع ما حدثَ مِن الوسائلِ الَّتي غيَّرَتْ ما غيَّرتْ النهارُ ليس كالليلِ، الليلُ ليسَ كالنهارِ، الله.

– طالب: يخوِّفُ عبادَه

– القارئ : يخوِّفُ تعالى

– الشيخ : أي يقول المفسِّرون: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ}، يعني واذكر ولا واذكروا يومَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، اذكروا هذا اليوم يومٌ عظيمٌ، يوم ويومَ يعني واذكروا يوم.

– القارئ : يخوِّفُ تعالى عبادَهُ ما أمامَهم مِن يومِ القيامةِ وما فيهِ مِن المِحنِ والكروبِ، ومزعجاتِ القلوبِ فقالَ.

– الشيخ : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ … إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الحج:1].

– القارئ : فقالَ: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ} بسببِ النَّفخِ فيهِ {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ} أي: انزعجُوا وارتاعُوا وماجَ بعضُهم ببعضٍ خوفاً ممَّا هو مقدِّمةٌ لهُ. {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} ممَّن أكرمَهُ اللهُ وثبَّتَهُ وحفظَهُ مِن الفزعِ. {وَكُلٌّ} مِن الخلقِ عندَ النّفخِ في الصُّورِ {أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} صاغرينَ ذليلينَ، كما قالَ تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم:93].

ففي ذلكَ اليومِ يتساوى الرُّؤساءُ والمرؤسونَ في الذُّلِّ والخُضوعِ لمالكِ المُلْكِ.

ومِن هولِهِ أنَّكَ {ترى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} لا تُفْقَدُ شيءٌ منها وتظنُّها باقيةً على الحالِ المعهودةِ وهيَ قد بلغَتْ منها الشَّدائدُ والأهوالُ كلَّ مبلغٍ وقد تفتَّتَتْ ثمَّ تضمحلُّ وتكونُ هباءً منبثَّاً. ولهذا قالَ: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} مِن خفَّتِها وشدَّةِ ذلكَ الخوفِ

– الشيخ : الله المستعان

– القارئ : وذلكَ {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}.

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، يعني المهمُّ أنَّ الجبالَ تكونُ إذْ تصيرُ إلى ما أخبرَ اللهُ به في ذلكَ اليومِ، لكنْ هل هذا نتيجةُ خوفٍ تكونُ يعني يقومُ بالجبالِ؟ أم إنَّه يعني بمجرَّدِ تأثيرِ القدرةِ الإلهيَّةِ؟ كما أنَّ السّماءَ تنشقُّ والأرضَ وكذا والأرضَ كذا وتُبدَّلُ كذلكَ الجبالُ، {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا}، {وَإِذَا الجِبَالُ سُيِّرَتْ}.

 

– القارئ : {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} فيجازيكُم بأعمالِكُم.

ثمَّ بيَّنَ كيفيَّةَ جزائِهِ فقالَ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} اسمُ جنسٍ يشملُ كلَّ حسنةٍ قوليَّةٍ أو فعليَّةٍ أو قلبيَّةٍ {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} هذا أقلُّ التَّفضيلِ.

{وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} أي: مَن لأجلِهِ آمنونَ وإنْ كانُوا يفزعونَ معَهُم.

{وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ}.

– الشيخ : أمّا {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} فهذا على عمومِه لا شكَّ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فلهُ عشرُ أمثالِها، أمَّا قولُهُ: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}، فالغالبُ أنَّ هذا مختصٌّ بالمتقينَ والموحِّدينَ المخلصينَ، أمّا يعني أمّا المخلِّطونَ فلهم ما لهم، ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام:82]. فمن نجى من الظلمِ كلِّه فله الأمنُ التامُّ ومن كانَ مخلِّطاً فهو بحسبِهِ كذلك، الجزاءُ يناسبُ العملَ.

 

القارئ : {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} اسمُ جنسٍ يشملُ كلَّ سيِّئةٍ {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} أي: أُلقُوا في النَّارِ على وجوهِهِم.

– الشيخ : أعوذُ باللهِ، نسألُ اللهَ العافيةَ، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، نار نار هي حقيقةٌ وهذه النارُ الَّتي جعلَها اللهُ متاعاً جعلَها اللهُ تذكرةً، تذكرةً ومتاعاً، ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ﴾ [الواقعة:71-73].

– القارئ : ويُقالُ لهُم: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.

الشيخ : نسألُ اللهَ العافيةَ، نعوذُ باللهِ.

– القارئ : إنَّما أُمِرْتُ أنْ أعبدَ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، إي طويل باقي السورة؟

– القارئ : لا لا

– الشيخ : اختمْ السورةَ.

– القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} الآياتُ.

أي: قلْ لهم يا محمَّدُ {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} أي: مكَّةَ المكرَّمةِ.

– الشيخ : كما قالَ تعالى: {فليعبدوا}، {فليعبدوا ربَّ هذا البيتِ}، هذا البيتِ، فليعبدوا ربَّ، {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ}، هو ربُّ البيتِ ورَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ وهو ربُّ كلِّ شيءٍ.

 

– القارئ : الَّتي حرَّمَها وأنعمَ على أهلِها فيجبُ أنْ يقابلُوا ذلكَ بالشُّكرِ والقبولِ. {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} مِن العلويَّاتِ والسُّفليَّاتِ أتى بهِ لئلَّا يُتوهَّمَ اختصاصُ ربوبيتِهِ بالبيتِ وحدَهُ. {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي: أبادرَ إلى الإسلامِ، وقد فعلَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فإنَّهُ أوَّلُ هذهِ الأمَّةِ إسلاماً وأعظمُها استسلاماً.

{وَ} أُمِرْتُ أيضاً {أن أَتْلُوَ} عليكُم {الْقُرْآنُ} لتهتدُوا بهِ وتقتدُوا وتعلمُوا ألفاظَهُ ومعانيهِ فهذا الَّذي عليَّ وقدْ أدَّيْتُهُ، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} نفعُهُ يعودُ عليهِ وثمرتُهُ عائدةٌ إليهِ {وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} وليسَ بيديَّ مِن الهدايةِ شيءٌ.

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} الَّذي لهُ الحمدُ في الأولى والآخرةِ ومِن جميعِ الخلقِ، خصوصاً أهلُ الاختصاصِ والصَّفوةِ مِن عبادِهِ، فإنَّ الَّذي وقعَ والَّذي ينبغي أنْ يقعَ مِنهم مِن الحمدِ والثَّناءِ على ربِّهم أعظمُ ممَّا يقعُ مِن غيرِهم لرفعةِ درجاتِهم وكمالِ قربِهم منهُ وكثرةِ خيراتِهِ عليهِم.

{سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} معرفةً تدلُّكُم على الحقِّ والباطلِ، فلا بدَّ أنْ يريَكم مِن آياتِهِ ما تستنيرونَ بهِ في الظُّلماتِ. {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}.

{وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} بلْ قد علمَ ما أنتم عليهِ مِن الأعمالِ والأحوالِ، وعلمَ مقدارَ جزاءِ تلكَ الأعمالِ وسيحكمُ بينَكم حُكماً تحمدونَهُ عليهِ ولا يكونُ لكم حجَّةٌ بوجهٍ مِن الوجوهِ عليهِ.

تمَّ تفسيرُ سورةِ النَّملِ بفضلِ اللهِ وإعانتِهِ وتيسيرِهِ.

ونسألُهُ تعالى أنْ لا تزالَ ألطافُهُ ومعونتُهُ مستمرَّةً علينا وواصلةً منهُ إلينا، فهوَ أكرمُ الأكرمينَ وخيرُ الرَّاحمينَ ومُوصِلُ المُنقطِعينَ ومُجيبُ السَّائلينَ.

ميسِّرُ الأمورِ العسيرةِ وفاتحُ أبوابِ بركاتِهِ والمُجزِلُ في جميعِ الأوقاتِ هباتَهُ، مُيسِّرُ القرآنِ للمتذكرينَ ومُسهِّلُ طرقِهِ وأبوابِهِ للمقبلينَ ويمدُّ مائدةَ خيراتِهِ للمتفكِّرينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ. وصلَّى اللهُ على محمَّدٍ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ. على يدِ جامعِهِ وممليهِ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ بنُ عبدِ اللهِ السَّعديُّ غفرَ اللهُ لهُ ولوالديهِ ولجميعِ المسلمينَ، وذلكَ في الثَّاني والعشرينَ مِن رمضانَ سنةَ ثلاثٍ وأربعينَ وثلاثِمائةٍ وألفٍ، وتمَّ تحريرُهُ مِن خطِّ مؤلِّفِه في التاسعِ والعشرينَ مِن ذي الحجَّةِ سنةَ ستٍ وأربعينَ وثلاثِمائةِ وألفٍ.

وتمَّ الجزءُ الخامسُ ويليهِ -إنْ شاءَ اللهُ- الجزءُ السَّادسُ، أوَّلُهُ تفسيرُ سورةِ القصصِ، ويليهِ في النَّشرِ أصولٌ في أصولِ التّفسيرِ، وتفسيرُ ألفاظٍ عامّةٍ يكثرُ في القرآنِ مرورُها ويُحتاجُ إلى معرفتِها.

انتهى.

– الشيخ : جزاك الله خيراً، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.