بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة لقمان
الدَّرس: السَّابع
*** *** ***
– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:31-34]
– الشيخ : الله أكبر، لا إله إلا الله، {أَلَمْ تَرَ} يعني: رأيتَ وعلمتَ، ألمْ تعلمْ؟ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ}، آيةٌ من آياتِ الله، {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الشورى:32]، مثل الجبال، وهي تلكَ السُّفن الشِّراعية المعروفة، وأمَّا الآن فقد تطوَّرت وتغيَّرت وأصبحَتْ هذه بواخرُ كما يُسمُّونها، يقولون: عملاقة، بواخرُ ضخمةٌ طويلةٌ عريضةٌ رفيعةٌ.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ}، في هذه المياهِ العميقةِ، مياهٌ عميقةٌ! مثلُ المحيطات لها عمقٌ بعيدٌ! لعلَّ من المواقع ما لم يصلْ إليه الإنسانُ، ما لمْ يصل إليه الإنسانُ في القاعِ، وقاع البحر، لا إله إلا الله.
{تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ}، تسخيرٌ، {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ} [الجاثية:12]، بأمرِه الكونيّ، تدبيرِه وتقديرِه، لا إله إلا الله.
{تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ}، إنعامٌ، هذا إنعامٌ من الله على العبادِ، {سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الجاثية:12]، يركبُ الناسُ البحرَ بهذه الفلك، وهذه المراكب، يطلبونَ من فضلِ الله، يطلبون الرزق، لهذا تُنقَل بهذه السفنِ تُنقَل بها حاجاتُ الناس من قُطرٍ إلى قُطرٍ، من مآكِل ومشارِب وملابِس وحاجاتٍ وأثاثاتٍ وأشياءَ عجيبة، والآن هذه السفن الضخمة يُنقَلُ بها أثقالٌ وأمورٌ كبار! لا إله إلا الله.
{بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ}، هذه آياتٌ! سبحان الله! ولو صنَعها الناس، حتى ولو صنَعها الناس بالوسائلِ التي هُدُوا إليها، فهي لا تخرجُ عن أن تكونَ آيةً، السياراتُ آيةٌ، يعني لما صنعها الناس خلاص ما نفكر فيها؟ مَن الذي خلقَ هذهِ الموادَ؟ شوف السيارة ما موادُها؟ فيها أنواع المواد، سبحان الله! وهُدِيَ العباد إلى موادِها، مِن الحديدِ بأنواعِه، وموادُ أخرى وكذا وكذا وكذا، والبلاستِك يدخلُ في تركيب هذه الآلياتِ، كثيراً وعُدَّ عُدَّ، وهذا البترول بمشتقاتِه، كلُّ هذا عِمادُ السياراتِ، آيةٌ، مَن الذي خلق هذه المواد للعبادِ؟ ومَن الذي أعطى الإنسانَ العقلَ المفكرَ حتى يفكِّرَ ويمارسَ التجاربَ حتى يصلَ إلى ما وصلَ إليه؟ وهكذا.
{لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ}، فإذا رأى الإنسان هذه الآياتِ، سبحان الله! سبحانَ الذي عَلَّم الإنسان وسَخَّر له الأسباب! {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية:13]، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.
{لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}، فيها آياتٌ وعلاماتٌ دالّةٌ على قدرةِ الله وحكمتِه ورحمتِه، ولكن مَن الذي ينتفعُ بهذه الآيات؟ كل صبّارٍ شكورٍ، أهلُ الصبرِ والشكرِ هم الذين ينتفعونَ بهذه الآيات؛ ولهذا خُصُّوا بالذكر، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ}، {صَبَّارٍ}: صيغةُ مبالغةٍ، {وشَكُورٍ}: صيغةُ المبالغةِ من الشُّكر، {صَبَّارٍ شَكُورٍ}
وراكبُ البحر يحتاجُ إلى هاتين الصفتين:
الصبرُ؛ لأنه يتعرَّض لأخطارٍ عظيمة، راكبُ البحر يتعرَّض لأخطار، قديماً وحديثاً.
وكذلكَ يحتاجُ إلى الشكرِ؛ لأنَّ هذه نعمةٌ عظيمةٌ، هذه المراكبُ نعمةٌ.
{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ}، هذا خبرٌ عن حالِ الناس إذا جاءَهم الموج، َإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ، وغَشِيَهُمْ وغَطَّاهُم من حولِهم، {كالظُّلَلِ}، مثل السحاب، من فوقِهم الأمواج، {غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ}، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [يونس:22]، في الآية الأخرى. {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}
{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ}، هذهٍ حال المشركين، قديماً كانوا إذا ركبُوا البحرَ وأحاطت بهم الأمواجُ من كل مكانٍ أخلصُوا لله، أخلصُوا ودعَوه وحدَه، لا يدُعون أي معبودٍ آخر، لا يدعون أصنامَهم.
أمَّا المشركون في هذا الزمنِ -والعياذ بالله- كما قالَ الشيخ محمدُ بن عبد الوهاب في "كشفِ الشبهات" وفي "القواعد" يقول: إنَّ شركَ أهلِ زمانِنا أغربُ مِن شِركِ الأوليّن، فالأولونَ يُشركون في الرِّخاءِ، ما دامُوا في البَّر ولا يلاحظون أخطاراً، يشركون، فإذا ركبُوا البحرَ وأحاطتْ بهم الأمواجُ أخلصُوا، خلاص، {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:67]
أمّا مشركو أهلِ هذا الزمانِ -أعوذ بالله- المشركون من المنتسبينَ إلى الإسلام، مثلُ: الرافضة، مثل: القبوريين، إذا أحاطتْ بهم الأخطارُ في البحرِ أو غيرها ضَجُّوا بدعاءِ مَن يعبدونَه ويُؤَلِّهونَهُ من الناس، مِن الأموات أو الأحياءِ.
الرافضةُ يستغيثونَ بِعَليٍّ والحسين وفلان وفلان، يستغيثونَ فيه إذا تعرَّضوا للأخطار.
والصوفيَّة -كذلك- يدعونَ السَّادة الذين يُعظِّمُونَهم، يستغيثونَ بهم في الأخطارِ في أحرجِ الأحوالِ وينسَونَ الله!
المشركونَ الأولون ينسَونَ ما يشركونَ، وهؤلاءِ ينسونَ الله، يقول -تعالى- عن المشركين: {وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام:41]، ينسوَن مَعبوداتِهم الباطلة، أمَّا مشركو هذا الزمانِ فإنَّهم ينسونَ الله ويستغيثونَ بمُعَظَّمِيْهِم، بمن يعظِّمونَه.
{فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}، لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
ثم ختمَ الله السورةَ بهذا الخطاب العام الذي فيه الأمرُ بتقوى اللهِ وخشيةِ ذلكَ اليومِ العظيم:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}، الذي هو الشيطان، {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}
هذه الخمسُ علمُها عند الله، لا يعلمُها غيرُه، خمسٌ استأثر الله بعلمِها، وقد فُسِّر قوله -تعالى-: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام:59] بهذه الخمسِ.
وأعظمُها خفاءً عن الناس أمرُ الساعة، أمرُ الساعة غيبٌ لا يَعلمُ وقتَها مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نبيٌّ مُرسلُ، ولهذا جبريل لما قال لمحمد -صلى الله عليهما وسلم- أتدري متى الساعة؟ قال: أخبرني، قال: (مَا الـمَسْؤولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)، قال: "أخبرني عَن الساعةِ"، يعني: عَن وقتها، قال: (مَا الـمَسْؤولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ). قال الله: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف:187]، الله أكبر.
وهكذا بقيةُ الخمسِ، لكن يعلمُها العباد إذا ظهرتْ لها مقدِّماتٌ، مثل ما يتكلَّمون عن توقعاتِ المطرِ، هذا متى يقولونه؟ إذا ظهرتْ مقدِّماتٌ، وصاروا يعرفون، تظهر مقدِّمات فيذهبونَ ويُقدِّرون أنه سيكون بعد كذا، وقد تنحسرُ تلكَ الأسبابُ فلا يقع ما تَوَقَّعُوهُ، فلا يقعُ ما تَوَقَّعُوهُ.
كذلكَ ما في الأرحامِ، العبادُ يعلمونَ أشياءَ مِن شأنِ الأجِنَّةِ إذا ظهرَتْ لذلكَ أماراتٌ، لكن في أولِّ الأمر قبل أن، ما يعلمُ أحدٌ مَآلَ هذه النُّطفةِ، النطفةُ إذا وقعَتْ في الرَّحِمِ ليس هناكَ أحدٌ من الخلقِ يَعلم، حتى الملائكة، الملائكةُ لا يدرونَ؛ لأنَّ الـمَلَكَ متى يأتي؟ يأتي في مدةٍ متأخرةٍ.
وهكذا قوله -تعالى-: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}، ما يدري الإنسانُ، يُفكِّرُ أنه باكر يـبـي يَسَوِّيّ [غداً يريد أن يفعل] كذا، هل هذا علم؟ هذا ظنٌّ، تقديرٌ، هذا ظنٌّ حسب، وقد يحصلُ وقد لا يحصلُ ما قد ظَنَّهُ.
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}، هذا الإنسان صحيحٌ طيّبٌ ما فيه خلاف لا يدري أينَ يموت، لكن إذا ظهرتِ الأماراتُ ومَرِضَ وصارَ الآن يُنتظر موتَه يمكن يعلم النَّاس ويعلم أنه سيموتُ في الأمر، هذا خلاص ظهرتِ الدلائلُ، أمَّا قبل وجودَ هذه الدلائلِ لا يدري أحدٌ أينَ سيموتٌ؟ في أي بقعةٍ سيموت؟ وأين يُدفَن؟ لا إله إلا الله.
(تفسير السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنُ السَّعدي -رحمه الله تعالى- في تفسير قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} الآيتين:
وَهَذَا فِيهِ أَيْضًا، انْفِرَادُهُ بِالتَّصَرُّفِ وَالتَّدْبِيرِ، وَسَعَةُ تَصَرُّفِهِ بِإِيلَاجِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ، وَإِيلَاجِ النَّهَارِ فِي اللَّيْلِ، أَيْ: إِدْخَالِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمَا، ذَهَبَ الْآخَرُ، وَتَسْخِيرُهُ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، يَجْرِيَانِ بِتَدْبِيرٍ وَنِظَامٍ، لَمْ يَخْتَلَّ مُنْذُ خَلَقَهُمَا، لِيُقِيمَ بِذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمَنَافِعِهِمْ، فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، مَا بِهِ يَعْتَبِرُونَ وَيَنْتَفِعُونَ، وَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، إِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْأَجَلُ، انْقَطَعَ جَرَيَانُهُمَا، وَتَعَطَّلَ سُلْطَانُهُمَا، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، حِينَ تُكَوَّرُ الشَّمْسُ، وَيُخْسَفُ الْقَمَرُ، وَتَنْتَهِي دَارُ الدُّنْيَا، وَتَبْتَدِئُ الدَّارُ الْآخِرَةُ.
{وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ} مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ {خَبِيرٌ} لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَسَيُجَازِيكُمْ عَلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ، بِالثَّوَابِ لِلْمُطِيعِينَ، وَالْعِقَابِ لِلْعَاصِينَ.
و{ذَلِكَ} الَّذِي بَيَّنَ لَكُمْ مِنْ عَظَمَتِهِ وَصِفَاتِهِ، مَا بَيَّنَ {بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} فِي ذَاتِهِ وَفِي صِفَاتِهِ، وَدِينُهُ حَقٌّ، وَرُسُلُهُ حَقٌّ، وَوَعْدُهُ حَقٌّ، وَوَعِيدُهُ حَقٌّ، وَعِبَادَتُهُ هِيَ الْحَقُّ.
{وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، فَلَوْلَا إِيجَادُ اللَّهِ لَهُ لَمَا وُجِدَ، وَلَوْلَا إِمْدَادُهُ لَمَا بَقِيَ، فَإِذَا كَانَ بَاطِلًا كَانَتْ عِبَادَتُهُ أَبْطَلَ وَأَبْطَلَ.
{وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ} بِذَاتِهِ، فَوْقَ جَمِيعِ مَخْلُوقَاتِهِ، الَّذِي عَلَتْ صِفَاتُهُ، أَنْ يُقَاسَ بِهَا صِفَاتُ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، وَعَلَا عَلَى الْخَلْقِ فَقَهَرَهُمُ {الْكَبِيرُ} الَّذِي لَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي قُلُوبِ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ} الآيات
أَيْ: {أَلَمْ تَرَ} مِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَعِنَايَتِهِ بِعِبَادِهِ، أَنْ سَخَّرَ الْبَحْرَ، تَجْرِي فِيهِ الْفُلْكُ، بِأَمْرِهِ الْقَدَرِيِّ وَلُطْفِهِ وَإِحْسَانِهِ، {لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ} فَفِيهَا الِانْتِفَاعُ وَالِاعْتِبَارُ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} فَهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْآيَاتِ، صَبَّارٍ عَلَى الضَّرَّاءِ، شَكُورٍ عَلَى السَّرَّاءِ، صَبَّارٍ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَعَلَى أَقْدَارِهِ، شَكُورٍ لِلَّهِ، عَلَى نِعَمِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ.
وَذَكَرَ -تَعَالَى- حَالَ النَّاسِ، عِنْدَ رُكُوبِهِمُ الْبَحْرَ، وَغِشْيَانِ الْأَمْوَاجِ كَالظِّلِّ فَوْقَهُمْ، أَنَّهُمْ يُخْلِصُونَ الدُّعَاءَ لِلَّهِ وَالْعِبَادَةَ: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} انْقَسَمُوا فَرِيقَيْنِ:
فمنْهم فريقٌ مُقْتَصِدٌ، أَيْ: لَمْ يَقُمْ بِشُكْرِ اللَّهِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، بَلْ هُمْ مُذْنِبُونَ ظَالِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ.
وَفريقٌ كَافِرٌ لنِعْمَةِ اللَّهِ، جَاحِدٌ لَهَا، وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ} أَيْ غَدَّارٍ، وَمِنْ غَدْرِهِ، أَنَّهُ عَاهَدَ رَبَّهُ، لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنَ الْبَحْرِ وَشِدَّتِهِ، لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَغَدَرَ هذا الفريقُ وَلَمْ يَفِ بِذَلِكَ، وهو مع ذلكَ {كَفُورٍ} لنِعَمِ اللَّهِ. فَهَلْ يَلِيقُ بِمَنْ نَجَّاهُمُ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الشِّدَّةِ، إِلَّا الْقِيَامُ التَّامُّ بِشُكْرِ نِعَمِ اللَّهِ؟
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ}
يَأْمُرُ تَعَالَى النَّاسَ بِتَقْوَاهُ، الَّتِي هِيَ امْتِثَالُ أَوَامِرِهِ، وَتَرْكُ زَوَاجِرِهِ، وَيَسْتَلْفِتُهُمْ لِخَشْيَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الْيَوْمِ الشَّدِيدِ
– الشيخ : يَسْتَلْفِتُ؟
– طالب: نعم
– الشيخ : عجيبة هذه ما! يَسْتَلْفِتُهُمْ، نعم بعده.
– القارئ : الْيَوْمِ الشَّدِيدِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ أَحَدٍ لَا يُهِمُّهُ إِلَّا نَفْسُهُ. {وَلا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا}: لَا يَزِيدُ فِي حَسَنَاتِهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ، قَدْ تَمَّ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ عَمَلُهُ، وَتَحَقَّقَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ.
فَلَفْتُ النَّظَرَ لِهَذَا الْيَوْمِ الْمَهِيلِ، مِمَّا يُقَوِّي الْعَبْدَ وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ تَقْوَى اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِالْعِبَادِ، يَأْمُرُهُمْ بِتَقْوَاهُ الَّتِي فِيهَا سَعَادَتُهُمْ، وَيَعَدِهُمْ عَلَيْهَا الثَّوَابَ، وَيُحَذِّرُهُمْ مِنَ الْعِقَابِ، وَيُزْعِجُهُمْ إِلَيْهِ بِالْمَوَاعِظِ وَالْمُخَوِّفَاتِ، فَلَكَ الْحَمْدُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} فَلَا تَمْتَرُوا فِيهِ، وَلَا تَعْمَلُوا عَمَلَ غَيْرِ الْمُصَدِّقِ، فَلِهَذَا قَالَ: {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بِزِينَتِهَا وَزَخَارِفِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ.
{وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} الَّذِي هُوَ الشَّيْطَانُ، الَّذِي مَا زَالَ يَخْدَعُ الْإِنْسَانَ وَلَا يَغْفُلُ عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَلَى عِبَادِهِ حَقًّا، وَقَدْ وَعَدَهُمْ مَوْعِدًا يُجَازِيهِمْ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ، وَهَلْ وَفَّوْا حَقَّهُ أَمْ قَصَّرُوا فِيهِ؟ وَهَذَا أَمْرٌ يَجِبُ الِاهْتِمَامُ بِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ الْعَبْدُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، وَرَأْسَ مَالِ تِجَارَتِهِ الَّتِي يَسْعَى إِلَيْهَ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْعَوَائِقِ عَنْهُ وَالْقَوَاطِعِ دُونَهُ، الدُّنْيَا الْفَتَّانَةُ، وَالشَّيْطَانُ الْمُوَسْوِسُ الْمُسَوِّلُ، فَنَهَى -تَعَالَى- عِبَادَهُ، أَنْ تَغُرَّهُمُ الدُّنْيَا، أَوْ يَغُرَّهُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء:120]
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآية
قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- أَحَاطَ عِلْمُهُ بِالْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَالظَّوَاهِرِ وَالْبَوَاطِنِ، وَقَدْ يُطْلِعُ اللَّهُ عِبَادَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ الْخَمْسَةُ، مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي طَوَى عِلْمَهَا عَنْ جَمِيعِ الْخَلقِ، فَلَا يَعْلَمُهَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلَا مَلِكٌ مُقَرَّبٌ، فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمَا، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} أَيْ: يَعْلَمُ مَتَى مَرْسَاهَا، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} الْآيَةَ [الأعراف:187]
{وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} أَيْ: هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِإِنْزَالِهِ، وَعِلْمِ وَقْتِ نُزُولِهِ.
{وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} فَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ مَا فِيهَا، وَعَلِمَ مَا هُوَ، هَلْ هُوَ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟
وَلِهَذَا يَسْأَلُ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِالْأَرْحَامِ رَبَّهُ: هَلْ هُوَ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي اللَّهُ مَا يَشَاءُ.
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} مِنْ كَسْبِ دِينِهَا وَدُنْيَاهَا، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} بَلِ اللَّهُ -تَعَالَى- هُوَ ..
– الشيخ : الآن يذكرونَ، الأطباء يعرفونَ الحَمل ذكرٌ أو أنثى، وهذا من جنسِ ما تقدَّم، هذا إنما يكونُ في طورٍ من الأطوارِ تظهرُ لهم، أمَّا في أولِ أمر الحملِ فلا يَدري، ولعلَّ نفسَ المرأةِ لا تَدري عن نفسِها، ولهذا في البداياتِ يذهبون يحلِّلون، حامل ما حامل، ويختلفون، بعضُ الأطباء يقول: في حَمل، وبعضُهم يقول: لا ما في حمل، الله المستعان.
– القارئ : بَلِ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُخْتَصُّ بِعِلْمِ ذَلِكَ جَمِيعِهِ.
وَلَمَّا خَصَّصَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، عَمَّمَ عِلْمَهُ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} مُحِيطٌ بِالظَّوَاهِرِ وَالْبَوَاطِنِ وَالْخَفَايَا وَالْخَبَايَا وَالسَّرَائِرِ، وَمِنْ حِكْمَتِهِ التَّامَّةِ أَنْ أَخْفَى عِلْمَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ عَنِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَدَبَّرَ ذَلِكَ.
تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ لُقْمَانَ بِفَضْلِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. انتهى.
– الشيخ : نعم عندك بعدك
– طالب: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} …
– الشيخ : وش هي عامة؟ وش معنى عامة قصدك؟
– طالب: هي عمومُ ما في الأرحام، عمومٌ ما في الأرحام، كلُّ الأرحام.
– الشيخ : … كلّ ما في الأرحام، يعني {مَا فِي الأَرْحَامِ} ما يدرونَ عنه الناس؟ المرأةُ تدري إذا طرأ، بطنها يشوفونَه الناس يدرونَ أنَّ في بطنِها حَمل.
– طالب: … قاصر.
– الشيخ : قاصر، وبعضُهم ناس يدرون عن أشياءَ أدقُّ من هذا.