بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة السَّجدة
الدَّرس: الرَّابع
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ [السجدة:23-30]
– الشيخ : لا إله إلَّا الله، يقوُل سبحانَه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} التوراةَ، الكتابُ الَّذي آتاهُ اللهُ موسى هو التوراةُ، {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ} لا تكنْ في شكٍّ، لا تكنْ في شكٍّ من لقائِه، لعلَّ المرادَ من لقائِه موسى، وقد لقيَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- موسى ليلةَ الإسراءِ، محمَّد؟
– طالب: نعم!
– الشيخ : شوف [انظر] ابن كثير {مِنْ لِقَائِهِ} {فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} وش بعدها؟
– القارئ : {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}
– الشيخ : {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} وجعلناهُ، أي: الكتاب، جعلْنا الكتابَ الَّذي هو التوراةُ هدىً لبني إسرائيلَ، وكثيراً ما يذكرُ اللهُ موسى، في مواضعَ يذكرُ اللهُ موسى ويذكرُ كتابَه، ويذكر قصَّتَه كثيراً، {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} [الإسراء:2] {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [المؤمنون:49]
{فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ} يعني: من بني إسرائيلَ، {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} أئمة، {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} يعني: يدعون إلى اللهِ ويهدونَ الناسَ إلى سبيله، وهذه إمامةٌ في الدين، الإمامةُ، والإمامُ هو الَّذي يكونُ قدوةً وداعياً، والناسُ منهم أئمةُ هدىً وأئمةُ ضلالٍ، قالَ اللهُ في قوم فرعون: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص:41] وهنا يقولُ تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ} من بني إسرائيلَ {أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} صبروا على الابتلاءاتِ، صبرُوا على ما ابتلوا به من ظلمِ فرعون وتسلُّطه، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} لمّا صبروا، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف:137]
وهنا يقولُ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} هؤلاء الأئمة صبرُوا، هؤلاء الأئمةُ إنَّما جعلَهم اللهُ أئمةً بصبرهم ويقينهم، ولهذا قالَ بعضُ السلفِ أخذاً من هذه الآية: بالصبرِ واليقينِ تُنالُ الإمامةُ في الدِّينِ، بالصَّبرِ واليقينِ تُنالُ الإمامةُ في الدِّينِ، {لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} بنو إسرائيلَ وغيرُهم اختلفُوا، منهم البرُّ والفاجرُ والمطيعُ والعاصي، بنو إسرائيلَ اختلفوا اختلافاً عظيماً، منهم المؤمنُ الصالحُ كما قالَ تعالى في أهلِ الكتابِ: {لَيْسُوا سَوَاءً} [آل عمران:113] بعد ما ذكر الأشرار منهم الذين قال فيهم: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} [آل عمران:112] قال فيهم: {لَيْسُوا سَوَاءً … أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ..} [آل عمران:113-114] الآيات.
فبنو إسرائيلَ أمرُهم عجبٌ، يعني هم طوائفٌ ولهم أحوالٌ عجيبةٌ، ولهذا يذمُّهم اللهُ في آيةٍ، في آياتٍ، يعني يذمُّ الَّذين انحرفُوا منهم، كالَّذين اتَّخذوا العجلَ والَّذين قالَ فيهم: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:79] ويثني على الصالحين منهم، يثني على الصالحين ويذمُّ الفاسدين.
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يومُ القيامة هو يومُ الفصل، يومُ القيامة هو يومُ الفصل، يفصلُ اللهُ بين العبادِ، فيما بينهم من النزاعاتِ الحقوقيَّةِ، ويفصلُ بينهم فيما اختلفوا فيه من الاعتقاداتِ، ليبيِّنَ لهم الَّذي يختلفون فيه، ليبيِّنَ لهم، اللهُ سبحانه وتعالى اقتضت حكمتُه أنْ يجعلَ للعبادِ يوماً يُبعَثُ فيه الأمواتُ ويُجمَعون ويُحشَرون، ويُحاسَبون ويُحكَمُ بينهم، يُحكَمُ بينهم فيما هم فيه يختلفون، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}
{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ} يعني: فيما جرى على هذه الأرضِ من المثُلاتِ ومن العقوباتِ فيهم اعتبرَ، فهو تعالى يقولُ للمكذِّبين والكافرين: ألم ينتبهوا وينتفعوا بما جرى على القرونِ الماضيةِ {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} كقومِ لوطٍ وقومِ صالحٍ، واللهُ يذكرُ ذلك في آياتٍ كثيرةٍ، أفلا يسمعون؟ أولم يروا؟ وهذه آيةٌ أخرى يذكِّرُ بها وهي إحياءُ الأرضِ بعدَ موتها بما يرسلُه من السحابِ على الأرضِ الجرزِ المجدبةِ، فتنبت، فتحيا وينبتُ اللهُ فيها أنواعَ النباتِ، {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج:5]
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} هذا مثلُ قوله: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الملك:25] {مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} إمَّا أن يُرادَ يومُ القيامةِ؛ لأنَّه يومُ فتحٍ ونصرٍ وفصلٍ، نصرٌ وفصلٌ، نصرٌ لأوليائه وعبادِه المؤمنين، وفصلٌ بين المؤمنين والكافرين، وبينَ سائرِ المختلفين، {مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} أو الفصلُ، والفتحُ الَّذي يكونُ في الدنيا.
{مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ} فالكفَّارُ لا ينفعُهم إيمانُهم إذا رأوا بأسَ اللهِ، {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ} [غافر:84-85] فلا ينفعُ الكفَّار إيمانهم حينَ ينزل بهم العذابُ في الدنيا، ولا ينفعُهم إيمانهم من بابِ أولى يومَ القيامةِ.
فالآيةُ محتملةٌ -واللهُ أعلمُ- أنَّ الفتحَ إمَّا الفتحُ الَّذي يحصلُ في الدنيا، يحصلُ به النصرُ لأوليائه تعالى والنجاةُ لهم كما في تفصيلِ قصصِ الأنبياء، نعم يا محمَّد، وش قال {لقائه} قبلَ كلِّ شيءٍ؟ قالَ: {لقائهِ}؟
– القارئ : ابنُ كثيرٍ يقولُ: قولُهُ: {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي بِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ
– الشيخ : لقاءُ موسى له، هذا واللهُ أعلمُ
– القارئ : ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ، يَعْنِي ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُرِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ رَجُلًا آدَمَ طُوَالًا جَعْدًا كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلًا مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ..
– الشيخ : أي مَرْبُوعَ الْخَلْقِ.. إلى آخرِه، المقصودُ أنَّه يعني فيه إشارةٌ إلى الإسراءِ ليلةَ الإسراءِ، والرسولُ رأى عدداً من الأنبياء، ويعني أبلغ من لقيهم موسى، فموسى كما في الإسراءِ لقيَه وتردَّدَ إليه وفي كلِّ مرَّةٍ يشيرُ عليه أن يراجعَ ربَّه، {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ}
"تفسيرُ السَّعديِّ"
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ: قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} الآية
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى، آيَاتِهِ الَّتِي ذَكَّرَ بِهَا عِبَادَهُ، وَهُوَ: الْقُرْآنُ، الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
– الشيخ : ذكرَ هذا في أوَّلِ السورةِ، {الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} من الله، {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة:2] ثمَّ تتابعَت الآياتُ في معانٍ مختلفةٍ، إلى قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} فقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} مناسبٌ ومرتبطٌ بقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ}
– القارئ : ذَكَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِبِدْعٍ مِنَ الْكُتُبِ، وَلَا مَنْ جَاءَ بِهِ، بِغَرِيبٍ مِنَ الرُّسُلِ، فَقَدْ أتَى اللَّهُ مُوسَى الْكِتَابَ الَّذِي هُوَ التَّوْرَاةُ الْمُصَدِّقَةُ لِلْقُرْآنِ، الَّتِي قَدْ صَدَّقَهَا الْقُرْآنُ، فَتَطَابَقَ حَقُّهُمَا، وَثَبَتَ بُرْهَانُهُمَا، فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَوَارَدَتْ أَدِلَّةُ الْحَقِّ وَبَيِّنَاتُهُ، فَلَمْ يَبْقَ لِلشَّكِّ وَالْمِرْيَةِ مَحَلٌّ.
وَجَعَلْنَاهُ أَيِ: الْكِتَابَ
– الشيخ : أي الشيخُ تجاوزها ما عرَّجَ على الضمير، ما أدري وش هو قال، أعد شوي شوي بس كأن الشيخ
– القارئ : الَّذِي هُوَ التَّوْرَاةُ الْمُصَدِّقَةُ لِلْقُرْآنِ، الَّتِي قَدْ صَدَّقَهَا الْقُرْآنُ، فَتَطَابَقَ حَقُّهُمَا، وَثَبَتَ بُرْهَانُهُمَا {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ}
– الشيخ : اصبرْ، كأنَّ الشيخَ يرى {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} يعني: من الحقِّ، في مريةٍ من لقاءِ الحقِّ، الحقُّ الَّذي دلَّ عليه الكتابان -التوراة والقرآن-، لا تكنْ في شكٍّ من الحقِّ الَّذي دلَّ عليه هذان الكتابانِ، وكأنَّه لم يطمأنّ إلى ما قالَه قتادةُ وابنُ عبَّاسٍ فيما ذكرَ ابنُ كثيرٍ
– القارئ : {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} لِأَنَّهُ قَدْ تَوَارَدَتْ أَدِلَّةُ الْحَقِّ وَبَيِّنَاتُهُ، فَلَمْ يَبْقَ لِلشَّكِّ وَالْمِرْيَةِ مَحَلٌّ.
وَجَعَلْنَاهُ أَيِ
– الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله
– القارئ : وَجَعَلْنَاهُ أَيِ: الْكِتَابَ الَّذِي آتَيْنَاهُ مُوسَى هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ يَهْتَدُونَ بِهِ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ، وَفُرُوعِهِمْ وَشَرَائِعَهُ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ الزَّمَانِ، فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَمَّا هَذَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ هِدَايَةً لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، لِأَنَّهُ هِدَايَةٌ لِلْخَلْقِ، فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ لِكَمَالِهِ وَعُلُوِّهِ {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف:4]
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ} أَيْ: مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ {أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} أَيْ: عُلَمَاءَ بِالشَّرْعِ، وَطُرُقِ الْهِدَايَةِ، مُهْتَدِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ، يَهْدُونَ غَيْرَهُمْ بِذَلِكَ الْهُدَى، فَالْكِتَابُ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ، هُدًى، وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ مِنْهُمْ، عَلَى قِسْمَيْنِ: أَئِمَّةٌ يَهْدُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَأَتْبَاعٌ مُهْتَدُونَ بِهِمْ، وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ بَعْدَ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَهِيَ دَرَجَةُ الصِّدِّيقِينَ، وَإِنَّمَا نَالُوا هَذِهِ الدَّرَجَةَ الْعَالِيَةَ لَمَّا صَبَرُوا عَلَى التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، وَالْأَذَى فِي سَبِيلِهِ، وَكَفُّوا نْفُوسَهُمْ عَنْ جِمَاحِهَا فِي الْمَعَاصِي، وَاسْتِرْسَالِهَا فِي الشَّهَوَاتِ.
{وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} أَيْ: وَصَلُوا فِي الْإِيمَانِ بِآيَاتِ اللَّهِ، إِلَى دَرَجَةِ الْيَقِينِ، وَهُوَ الْعِلْمُ التَّامُّ، الْمُوجِبُ لِلْعَمَلِ، وَإِنَّمَا وَصَلُوا إِلَى دَرَجَةِ الْيَقِينِ؛ لِأَنَّهُمْ تَعَلَّمُوا تَعَلُّمًا صَحِيحًا، وَأَخَذُوا الْمَسَائِلَ عَنْ أَدِلَّتِهَا الْمُفِيدَةِ لِلْيَقِينِ، فَمَا زَالُوا يَتَعَلَّمُونَ الْمَسَائِلَ، وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهَا بِكَثْرَةِ الدَّلَائِلِ، حَتَّى وَصَلُوا لِذَاكَ، فَبِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، تُنَالُ الْإِمَامَةُ في الدِّينِ.
وَثَمَّ مَسَائِلُ اخْتَلَفَ فِيهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ، مِنْهُمْ مَنْ أَصَابَ فِيهَا الْحَقَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخْطَأَهُ خَطَأً، أَوْ عَمْدًا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَهَذَا الْقُرْآنُ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَعْضَ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ
– الشيخ : أيش؟ وهذا القرآن يقص على بني إسرائيل؟
– القارئ : الْقُرْآنُ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَعْضَ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ
– الشيخ : بل أكثرُ الَّذي يختلفون فيه، في الآيةِ: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ} [النمل:76] أكثرَ
– القارئ : فَكُلُّ خِلَافٍ وَقَعَ بَيْنَهُمْ، وَوُجِدَ فِي الْقُرْآنِ تَصْدِيقٌ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَهُوَ الْحَقُّ، وَمَا عَدَاهُ مِمَّا خَالَفَهُ، بَاطِلٌ. قالَ اللهُ تعالى..
– الشيخ : قفْ على هذا، نعم بعدك