بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الأحزاب
الدَّرس: الرَّابع عشر
*** *** ***
– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا * إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا * إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:63-73]
– الشيخ : أحسنت، لا إله إلا الله، يقول -تعالى-: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ} الكفار هم الذين يسألونَ عَن الساعةِ مُسْتَبعدِين لها، {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ}، عِلمُ الساعةِ عندَ الله، لا يَعلمُها أحدٌ في السمواتِ أو في الأرضِ مِنْ خَلقِ اللهِ، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولا نبيٌّ مُرْسَلٌ.
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} هذا خَبَرٌ مِن اللهِ أنَّ الساعةَ قريبةٌ، والآياتُ الدالَّةُ على هذا كثيرةٌ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:187]
{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}، الساعةُ هي القيامةُ، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [الروم:12]، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} تقومُ القيامةُ، وذلكَ ببعثِ الناسِ من القبورِ، بالبعث، {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [الأنعام:73] ويُبعث الناس ويَخرجون مِن القبورِ.
وللساعةِ مُقدِّماتٌ، وهي أولاً أشراطُ الساعةِ، أشراطُها علاماتُها، {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد:18]، لها مُقدِّمات، وعندما تَقْرُبُ جداً، يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ يَفْزَعُ أهلُ السمواتِ والأرضِ، ويَصْعَقُ أهلُ السمواتِ والأرضِ إلا مَنْ شاءَ الله.
فهِيَ حدثٌ عظيمٌ، ومِن أحداثِها ما ذكرَه الله في سورٍ:
{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:1] و{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير:1]، و{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة:1]، أحداثٌ تحصلُ قبلَ البعثِ وبعدَ البعثِ، أحداثٌ في العالَم تحدثُ قبلَ بَعْثِ الناسِ من القبورِ، وبعدَ بعثِ الناسِ مِن القبورِ.
ثم قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ}، {الْكَافِرِينَ} عامٌّ، الكفار من المشركين عُبَّادُ الأوثانِ على اختلافِ طرائِقِهم، وكذلكَ الكُفَّارُ من المنتسبِينَ إلى الأديانِ السماويةِ كاليهودِ والنصارى، {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ}
{وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا}، أعَدَّهَا أيْ: هَيَّأَ لهم، فالنَّارُ مُعَدَّةٌ لهم، وكما في قوله -تعالى-: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:34]، مُعَدَّةٌ للكفار، كما أنَّ الجنَّةَ للمتقين، مُعَدَّةٌ ومُهَيَّأَةٌ ومَخلوقةٌ للمتقين، وهذه مخلوقةٌ ومُعَدَّةٌ للكافرين.
{وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}، يَا لَهُ مِن أمرٍ عظيمٍ وعذابٍ شديد! العذابُ بالنارِ أشدُّ عذاب، فكيفَ بالنارِ الكبرى! النارُ الكبرى التي يَصْلَاها الأشقى لا يموتُ فيها ولا يحيى.
{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا…} الآية، هذا في الأتباعِ، هذا شأنُ الأتباعِ، فكيف بالمتبوعين؟ كيف بأئمَّةِ الضلالِ وأئمَّةِ الكفرِ!؟ هذا وصفٌ لحالِ الأتباع {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} فهؤلاء الأتباعُ يَدعون اللهَ أنْ يُعَذِّبَ هؤلاءِ السَّادة، ويَدعونَ لهم بمضاعفةِ العذابِ، ويَدعونَ لهمْ باللَّعْنِ مِن الله، {وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}، أسأل الله العافية.
ثم يقول -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى}، هذا مُتَّصِلٌ بالآيات السابقة التي فيها النهي -نهيُ المؤمنين- عن إيذاءِ الرسولِ: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ}، {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ … وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب:53]، إلى قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [الأحزاب:57]، فهذه الآية متصلةٌ في معنى تلك الآيات.
{لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} –عليه السلام- {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا}، بنو إسرائيل آذَوا موسى كثيراً، ولهذا يقولُ الرسولُ -عليه الصلاة والسلام- لـمَّا قالَ له بعضُ الخوارجِ، قالَ لَه: "يا محمد اعدِلْ، إنَّها لقسمةٌ ما أُريدَ بها وجهُ اللهِ"، تَلوَّنَ وجهُ الرسولِ وقال: (لَقَدْ أُوذِيَ مُوسى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)، فموسى -عليه السلام- آذَاهُ بنو إسرائيل كثيراً، آذاهُ، واقرؤوا في سورة المائدةِ وفي سورةِ البقرةِ، وفي قولِه -تعالى- عن موسى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الصف:5]، سبحان الله! سبحان الله، لا إله إلا الله.
أعظمُ مِن قولهم: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24] فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا، عابُوهُ في بعضِ خِلْقَتِهِ وفي بعضِ، وآذَوْهُ {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} وَأَكَذَبَهُم فيما نَسبُوا إلى نبيِّ اللهِ موسى -عليه السلام-
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}، قولاً سالماً مِن كلِّ قبيحٍ، من قبيحِ القولِ، {وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} حَسَنَاً، ليسَ فيه فُحْشٌ ولا بَذَاءٌ ولا أذىً لأحدٍ مِن الناسِ، {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83]، {وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}، يعني: كلاماً طيباً، ليسَ فيه فُحشٌ ولا أذىً ولا كَذِبٌ ولا غيبةٌ ولا نميمةٌ ولا سَبٌّ ولا سُخريةٌ، يعني: سديداً ليس فيه شيءٌ من عيوبِ الكلامِ وقبيحِ الكلام.
{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، لا إله إلا الله.
وتُختَمُ الآياتُ بذكرِ أصنافِ الناسِ: مشركينَ ومنافقينَ ومؤمنينَ، {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
(تفسير السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمه الله تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:
{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} الآيات:
أَيْ: يَسْتَخْبِرُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ، اسْتِعْجَالًا لَهَا
– الشيخ : يسألونَ عنها متى؟ متى الساعة، يقولونَ: متى الساعة؟
– القارئ : وَبَعْضُهُمْ
– الشيخ : سؤالُ استبعادٍ، مثلَ: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ}، {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ}، {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:48]
– القارئ : وَبَعْضُهُمْ تَكْذِيبًا لِوُقُوعِهَا، وَتَعْجِيزًا لِلَّذِي أَخْبَرَ بِهَا. قُلْ لَهُمْ: {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} أَيْ: لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، فَلَيْسَ لِي، وَلَا لِغَيْرِي بِهَا عِلْمٌ، وَمَعَ هَذَا فَلَا تَسْتَبْطِؤُوهَا، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}.
وَمُجَرَّدُ مَجِيءِ السَّاعَةِ قُرْبًا وَبُعْدًا، لَيْسَ تَحْتَهُ نَتِيجَةٌ وَلَا فَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا النَّتِيجَةُ وَالْخَسَارُ، وَالرِّبْحُ وَالشَّقَاوَةُ وَالسَّعَادَةُ، هَلْ يَسْتَحِقُّ الْعَبْدُ الْعَذَابَ، أَوْ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ؟
– الشيخ : يعني: الشأنُ ما هو في مجيءُ الساعة، الشأنُ فيما يكونُ عندَ مجيءِ الساعة، ماذا تصيرُ إليه أيها العبد؟ ولهذا لما قالَ النبي -صلى الله عليه وسلّم- لما قال له رجل: متى الساعة؟ قال: (مَا أَعْدَدْتَ لَهَا)، الشأنُ: ماذا أَعْدَدْتَ للساعةِ؟ هذا الكلامُ، اسألْ عما يُنْجِيْكَ، ولهذا لما قالَ معاذُ للنَّبي: يا رسولَ اللهِ أَخْبِرْنِي بعملٍ يُدْخِلُنِي الجنةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قالَ: (لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عظيمٍ) مَا سَأَلَ عَنْ الساعةِ (وَإِنَّهُ لَيَسِيْرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عليهِ).
– القارئ : فَهَذِهِ سَأُخْبِرُكُمْ بِهَا، وَأَصِفُ لَكُمْ مُسْتَحِقَّهَا.
فَوَصَفَ مُسْتَحِقَّ الْعَذَابِ، وَوَصَفَ الْعَذَابَ، لِأَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ، مُنْطَبِقٌ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالسَّاعَةِ فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ} أَيِ: الَّذِينَ صَارَ الْكُفْرُ دَأْبَهُمْ وَطَرِيقَتَهُمُ الْكُفْرَ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ وَبِمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَأَبْعَدَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَكَفَى بِذَلِكَ عِقَابًا، {وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} أَيْ: نَارًا مُوقَدَةً
– الشيخ : أعوذ بالله.
– القارئ : تُسَعَّرُ فِي أَجْسَامِهِمْ، وَيَبْلُغُ الْعَذَابُ إِلَى أَفْئِدَتِهِمْ
– الشيخ : لا إله إلا الله يا سلام.
– القارئ : وَيَخْلُدُونَ فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ، فَلَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ، وَلَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ سَاعَةً.
{لا يَجِدُونَ} لهمْ
– الشيخ : يا سلام، يا سلام، أعوذُ بالله، آمنتُ بالله، آمنتُ بالله، آمنتُ بالله ورسلِه، أعوذُ بالله.
– القارئ : {وَلِيًّا} لَهُمْ وَلِيًّا فَيُعْطِيهِمْ مَا طَلَبُوهُ {وَلا نَصِيرًا} يَدْفَعُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، بَلْ قَدْ تَخَلَّى عَنْهُمُ الْعَلِيُّ النَّصِيرُ، وَأَحَاطَ بِهِمْ عَذَابُ السَّعِيرِ، وَبَلَغَ مِنْهُمْ مَبْلَغًا عَظِيمًا، وَلِهَذَا قَالَ: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} فَيَذُوقُونَ حَرَّهَا، وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ أَمْرُهَا، وَيَتَحَسَّرُونَ عَلَى مَا أَسْلَفُوا.
وَ{يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} فَسَلِمْنَا مِنْ هَذَا الْعَذَابِ، وَاسْتَحْقَقْنَا، كَالْمُطِيعِينَ جَزِيلَ الثَّوَابِ. وَلَكِنَّ أُمْنِيَّةً فَاتَ وَقْتُهَا، فَلَمْ تُفْدِهِمْ إِلَّا حَسْرَةً وَنَدَمًا وَهَمًّا وَغَمًّا وَأَلَمًا.
– الشيخ : آمنَّا بالله، أعوذُ بالله من النار، أعوذُ بالله، اللهمَّ كمَا هَدَيْتنا للإسلامِ ثَبِّتْنَا على الإسلام، اللهم كما هَدَيْتنا للإسلامِ ثَبِّتْنَا عليه حتى نَلْقَاكَ بِه… ربنا.
– القارئ : {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} وَقَلَّدْنَاهُمْ عَلَى ضَلَالِهِمْ،
– الشيخ : .. هذا حالُ الأتباعِ والمستضعفين، وذَكَرَ اللهُ حالَ المستضعفين وما يَجريْ بينَهُم من حِجَاجٍ ومِنْ حِوارٍ، في بعضِ مواقفِ القيامةِ وبعدَ دخولِهم النارَ، {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} الآيات [غافر:47].
– القارئ : {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا}
كقولِه تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بعد إذ جاءني} الآية [الفرقان:27-29]
وَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُمْ هُمْ وَكُبَرَاءَهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلْعِقَابِ، أَرَادُوا أَنْ يَشْتَفُوا مِمَّنْ أَضَلُّوهُمْ، فَقَالُوا:
– الشيخ : أَنْ يَشْتَفُوا؟
– القارئ : نعم
– الشيخ : يعني: أن يَشْفُوا غَيْظَهُم وحِقْدَهُم عليهِم فصارُوا يَدعون عليهِم، يَدعون عليهِم.
– القارئ : فقالوا: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} فَيَقُولُ اللَّهُ: {لِكُلٍّ ضِعْفٌ} [الأعراف:38]، فَكُلُّكُمُ اشْتَرَكْتُمْ فِي الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، فَتَشْتَرِكُونَ فِي الْعِقَابِ، وَإِنْ تَفَاوَتَ عَذَابُ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْجُرْمِ
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} الآية
يُحَذِّرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَذِيَّةِ رَسُولِهِمْ، مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ، فَيُقَابِلُوهُ بِضِدِّ مَا يَجِبُ لَهُ مِنَ الْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ، وَأَنْ لَا يَتَشَبَّهُوا بِحَالِ الَّذِينَ آذَوْا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، كَلِيمَ الرَّحْمَنِ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا مِنَ الْأَذِيَّةِ، أَيْ: أَظْهَرَ اللَّهُ لَهُمْ بَرَاءَتَهُ.
وَالْحَالُ أَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَيْسَ مَحَلَّ التُّهْمَةِ وَالْأَذِيَّةِ، فَإِنَّهُ كَانَ وَجِيهًا عِنْدَ اللَّهِ، مُقَرَّبًا لَدَيْهِ، مِنْ خَوَاصِّ الْمُرْسَلِينَ، وَمِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، فَلَمْ يَزْجُرْهُمْ مَا لَهُ مِنَ الْفَضَائِلِ عَنْ أَذِيَّتِهِ وَالتَّعَرُّضِ لَهُ بِمَا يَكْرَهُ، فَاحْذَرُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، أَنْ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي ذَلِكَ.
وَالْأَذِيَّةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا هِيَ قَوْلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ مُوسَى لَمَّا رَأَوْا شِدَّةَ حَيَائِهِ وَتَسَتُّرَهُ عَنْهُمْ: "إِنَّهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ" أَيْ: كَبِيرُ الْخِصْيَتَيْنِ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُبَرِّأهُ مِنْهُمْ، فَاغْتَسَلَ يَوْمًا، وَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الْحَجْرُ بِثَوْبِهِ، فَأَهْوَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي طَلَبِهِ، فَمَرَّ بِهِ عَلَى مَجَالِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ أَحْسَنَ خَلْقِ اللَّهِ، فَزَالَ عَنْهُ مَا رَمَوْهُ بِهِ.
– الشيخ : هذا ثبتَ في الصحيحِ، يعني قصةٌ صحيحةٌ أخبرَ بها النبي -صلى الله عليه وسلّم-، فهذا مِن جملةِ إيذاءِ بني إسرائيلَ، من جملتِه، وهو مقصودٌ مِن هذا الأذى المشارِ إليهِ؛ لأنَّه قالَ: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا}، يعني يدلُّ على أنَّهم قالوا شيئاً في شأنِ موسى -عليه السلام- فأظهرَ اللهُ براءَته وكذَّبَهم فيما زعمُوا في شأنِه وفي خِلْقَتِهِ عليه السلام.
– القارئ : قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} الآيات:
يَأْمُرُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِتَقْوَاهُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ، فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَيَخُصُّ مِنْهَا، وَيَنْدُبُ لِلْقَوْلِ السَّدِيدِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْمُوَافِقُ لِلصَّوَابِ، أَوِ الْمُقَارِبُ لَهُ، عِنْدَ تَعَذُّرِ الْيَقِينِ، مِنْ قِرَاءَةٍ، وَذِكْرٍ، وَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، وَتَعَلُّمِ عِلْمٍ وَتَعْلِيمِهِ، وَالْحِرْصِ عَلَى إِصَابَةِ الصَّوَابِ، فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ، وَسُلُوكِ كُلِّ طَرِيقٍ مُوَصِّلٍ لِذَلِكَ
– الشيخ : يعني: كلُّ كلامٍ يُحِبُّهُ اللهُ وشَرَعَهُ اللهَ مِنْ قولٍ واجبٍ أو قولٍ مستحبٍّ.
– القارئ : وَكُلِّ وَسِيلَةٍ تُعِينُ عَلَيْهِ، وَمِنَ الْقَوْلِ السَّدِيدِ: لَيِّنِ الْكَلَامِ وَلُطْفِهِ فِي مُخَاطَبَةِ الْأَنَامِ، وَالْقَوْلِ الْمُتَضَمِّنِ لِلنُّصْحِ وَالْإِشَارَةِ بِمَا هُوَ الْأَصْلَحُ.
ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَقْوَاهُ، وَقَوْلِ الْقَوْلِ السَّدِيدِ فَقَالَ: {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أَيْ: يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِصَلَاحِهَا، وَطَرِيقًا لِقَبُولِهَا؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ التَّقْوَى، تُتَقَبَّلُ بِهِ الْأَعْمَالُ؛ كَمَا قَالَ تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]
يُوَفِّقُ فِيهِ الْإِنْسَانَ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَيُصْلِحُ اللَّهُ الْأَعْمَالَ أَيْضًا بِحِفْظِهَا عَمَّا يُفْسِدُهَا، وَحِفْظِ ثَوَابِهَا وَمُضَاعَفَتِهِ، كَمَا أَنَّ الْإِخْلَالَ بِالتَّقْوَى، وَالْقَوْلِ السَّدِيدِ سَبَبٌ لِفَسَادِ الْأَعْمَالِ، وَعَدَمِ قَبُولِهَا، وَعَدَمِ تَرَتُّبِ آثَارِهَا عَلَيْهَا.
{وَيَغْفِرْ لَكُمْ} أَيْضًا {ذُنُوبَكُمْ} الَّتِي هِيَ السَّبَبُ فِي هَلَاكِكُمْ، فَالتَّقْوَى تَسْتَقِيمُ بِهَا الْأُمُورُ، وَيَنْدَفِعُ بِهَا كُلُّ مَحْذُورٍ وَلِهَذَا قَالَ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} الآيات:
يُعَظِّمُ تَعَالَى شَأْنَ الْأَمَانَةِ، الَّتِي ائْتَمَنَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْمُكَلَّفِينَ،
– الشيخ : إي، قال المفسرون: الأمانةُ هي التكاليفُ، هي التكاليفُ والأوامرُ الشرعيةُ، فَعَرَضَ اللهُ الأمانةَ على السمواتِ والأرضِ فاعْتَذَرَتِ السمواتُ والأرضُ وقَبِلَهَا الإنسانُ، جاء في التفسيرِ أنه آدمُ -عليه السلام- أو جِنْسُ الإنسانِ.
– القارئ : الَّتِي هِيَ امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ، وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ، فِي حَالِ السِّرِّ وَالْخُفْيَةِ كَحَالِ الْعَلَانِيَةِ، وَأَنَّهُ -تَعَالَى- عَرَضَهَا عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ الْعَظِيمَةِ، السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، عَرْضَ تَخْيِيرٍ لَا تَحْتِيمٍ، وَأَنَّكَ
– الشيخ : "عَرْضَ تَخْيِيرٍ" لأنَّه لو كانَ أمرَ تحتيمٍ لمْ يسعْهَا إلا الانقيادُ والطاعةُ، لكنه أمرُ تخييرٍ.
– القارئ : وَأَنَّكَ إِنْ قُمْتِ بِهَا وَأَدَّيْتِهَا عَلَى وَجْهِهَا
– الشيخ : أيش يقول؟
– القارئ : وَأَنَّكَ
– الشيخ : تخيير بعد تخيير.
– القارئ : عَرْضَ تَخْيِيرٍ لَا تَحْتِيمٍ، وَأَنَّكَ إِنْ قُمْتِ بِهَا وَأَدَّيْتِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَلَكِ الثَّوَابُ، وَإِنْ لَمْ تَقُومِي بِهَا، وَلَمْ تُؤَدِّيهَا فَعَلَيْكِ الْعِقَابُ.
{فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} أيْ: خَوْفًا أَنْ لَا يَقُمْنَ بِمَا حُمِّلْنَ، لَا عِصْيَانًا لِرَبِّهِنَّ، وَلَا زُهْدًا فِي ثَوَابِهِ، وَعَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ، عَلَى ذَلِكَ
– الشيخ : الله أعلم كيف َكانَ هذا العَرضُ وهذا..؟ أمورٌ غيبيةٌ لا نتصوَّرُ حقائِقَها، ولا يلزمُ مِن عرضِ الأمانةِ التي هي التكاليفُ على السمواتِ والأرضِ أن تكونَ هي نفسُ ما كُلِّفَ به الإنسانُ، بل كلُّ مُكَلَّفٍ تكونُ تكاليفُهُ مناسبةً لِخِلْقَتِهِ، مثل الجِنّ، الجِنُّ الآن مكلَّفون لكن ما نعلمُ كيفيةَ أدائِهم للشرائع ِوالواجباتِ، لكن لا شكَّ أن ما كُلِّفُوا به مناسبٌ لخلقَتِهم وطبيعتِهم.
– القارئ : وَعَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ، عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، فَقَبِلَهَا، {وَحَمَلَهَا} مَعَ ظُلْمِهِ وَجَهْلِهِ، وَحَمَلَ هَذَا الْحِمْلَ الثَّقِيلَ.
فَانْقَسَمَ النَّاسُ -بِحَسَبِ قِيَامِهِمْ بِهَا وَعَدَمِهِ- إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
مُنَافِقُونَ، أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ قَامُوا بِهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا.
وَمُشْرِكُونَ، تَرَكُوهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
وَمُؤْمِنُونَ قَائِمُونَ بِهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْمَالَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، وَمَا لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فَقَالَ: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
فَلَهُ -تَعَالَى- الْحَمْدُ، حَيْثُ خَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ، الدَّالِّينَ عَلَى تَمَامِ مَغْفِرَةِ اللَّهِ، وَسِعَةِ رَحْمَتِهِ، وَعُمُومِ جُودِهِ، مَعَ أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِمْ كَثِيرٌ، مِنْهُمْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ، لِنِفَاقِهِ وَشِرْكِهِ.
تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ الْأَحْزَابِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ.
انتهى.
– الشيخ : لا إله إلا الله، سبحان الله! في تناسب بين أولِ السورة وآخرِها، في أول السورة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [الأحزاب:1-2]، {اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} هذه هي الأمانة، فَافْتُتِحَتْ بذكرِ الأمانةِ التي يجبُ القيامُ بها على النَّبيِّ وغيرِه مِنْ سائرِ الـمُكلَّفين، وخُتِمَت أيضاً بذكرِ الأصنافِ الثلاثةِ، فَبَينَ أولَ السورةِ وآخرِها، حتى في آخرِ السورة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} فيبنَ أولِها وآخرِها تناسبٌ في المعاني.