الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة فاطر/(11) من قوله تعالى {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} الآية 42 إلى قوله تعالى {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا} الآية 45
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(11) من قوله تعالى {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} الآية 42 إلى قوله تعالى {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا} الآية 45

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة فاطر

الدَّرس: الحادي عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم:

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا*اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا*أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا*وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [فاطر:42-45]

– الشيخ : يُخبر تعالى عن الكفار أنَّهم كانوا يحلفون ويجتهدُون في الحلف، يجتهدونَ: يحلفون يعني حلفًا بجِدّ.

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ}: كانوا يعدُّون أنَّهم إنْ جاءَهم رسولٌ، جاءَهم نذيرٌ مثلَ من جاء قبلَهم {لَيَكُونُنَّ أَهْدَى}: أَهْدَى من غيرهم، سيستجيبون، {لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ}.

لكنهم لم يفوا بهذه الأيمانِ الـمُغلَّظةِ الشديدة {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا}: نفروا واستكبروا، {مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا}.

{اسْتِكْبَارًا}: بسبب الاستكبار والمكر، استكبَروا ومكروا {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ}: مكرًا سيِّئًا، {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}: مكرهم شرُّه وضرره يعود إليهم، الذي يمكر المكر السيء المحرم المنكر ظلمًا وعدوانًا {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}

{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} {يَنْظُرُونَ} بمعنى: ينتظرون، هؤلاء الذين كذّبوا واستكبروا، نفروا، ومكروا، هؤلاء ماذا يَنْظُرُونَ؟ ماذا يَنْتَظِرُونَ؟ يَنْتَظِرُونَ سنَّةَ الله، سُنَّتَه في المُكذبين، وهو أن يُنزلَ بهم بأسًا، {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ} وسُنةُ الله لا تتغير، ولا تتحول، ولا تتبدل {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}.

ثم قال تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ينظروا إلى آثار سُنَّة الله في المُكذبين، في الأمم الظالمة الكافرة، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} {وكَانُوا أَشَدَّ} الأمم الماضية كانوا أشدَّ منكم يا أيُّها الكفار، قريش ومن معهم.

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} لكنه كما تقدَّم "حليمٌ" لا يُعاجِلُ بالعقوبة {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} "عليمٌ": بأحوال وأعمال وعواقبِ العباد، وهو قدير لا يُعجزه شيءٌ.

وإمهال الكفار ليس لعجزه -تعالى-، لكنه جعلَ لكلِّ شيءٍ وقتًا وأجلًا مُسمَّىً، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} إلى الأجل المكتوب، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} وحضر الوقت الذي يُؤخذون به ويُنتقم منهم، فالله -تعالى- بصير بعباده {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا}

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمَه اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} الآيات

أَيْ وَأَقْسَمَ هَؤُلَاءِ، الَّذِينَ كَذَّبُوكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَسَمًا اجْتَهَدُوا فِيهِ بِالْأَيْمَانِ الْغَلِيظَةِ. {لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ} أَيْ: أَهْدَى مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَهْلِ الْكُتُبِ، فَلَمْ يَفُوا بِتِلْكَ الْإِقْسَامَاتِ وَالْعُهُودِ.

فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَمْ يَهْتَدُوا، وَلَمْ يَصِيرُوا أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ، بَلْ لَمْ يَدُومُوا عَلَى ضَلَالِهِمُ الَّذِي كَانَ، بَلْ لَمْ يَدُومُوا عَلَى ضَلَالِهِمُ الَّذِي كَانَ، بَلْ: {مَا زَادَهُمْ ذَلِكَ إِلا نُفُورًا}

– الشيخ : يعني: ما بقوا على حالهم السيئة، بل زادوا سوءًا، هم أقسموا بأَيمَانهم المُغلظة، أنهم سيفعلون ويفعلون، لكن لمَّا جاءَهم النذيرُ لم يفُوا بتلك الأيمان، بل لمْ يبقُوا على حالهم، لكنهم زادوا: {مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا}.

 

– القارئ : زِيَادَةَ ضَلَالٍ وَبَغْيٍ وَعِنَادٍ.

وَلَيْسَ إِقْسَامُهُمُ الْمَذْكُورُ، لِقَصْدٍ حَسَنٍ، وَطَلَبٍ لِلْحَقِّ، وَإِلَّا لَوُفِّقُوا لَهُ، وَلَكِنَّهُ صَادِرٌ عَنِ اسْتِكْبَارٍ فِي الْأَرْضِ عَلَى الْخَلْقِ وَعَلَى الْحَقِّ، وَبَهْرَجَةٍ فِي كَلَامِهِمْ هَذَا، يُرِيدُونَ بِهِ الْمَكْرَ وَالْخِدَاعَ، وَأَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَقِّ، الْحَرِيصُونَ عَلَى طَلَبِهِ، فَيَغْتَرُّ بِهِمُ الْمُغْتَرُّونَ، وَيَمْشِي خَلْفَهُمُ الْمُقْتَدُونَ.

{وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ} الَّذِي مَقْصُودُهُ مَقْصُودٌ سَيِّئٌ، وَمَآلُهُ وَمَا يَرْمِي إِلَيْهِ سَيِّئٌ بَاطِلٌ {إِلا بِأَهْلِهِ} فَمَكْرُهُمْ إِنَّمَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ أَبَانَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَاتِ

– الشيخ : {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة:57] {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46]

 

– القارئ : وَتِلْكَ الْإِقْسَامَاتِ، أَنَّهُمْ كَذَبَةٌ فِي ذَلِكَ مُزَوِّرُونَ، فَاسْتَبَانَ خِزْيُهُمْ، وَظَهَرَتْ فَضِيحَتُهُمْ، وَتَبَيَّنَ قَصْدُهُمُ السَّيِّئُ، فَعَادَ مَكْرُهُمْ فِي نُحُورِهِمْ، وَرَدَّ اللَّهُ كَيْدَهُمْ فِي صُدُورِهِمْ.

فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إِلَّا انْتِظَارُ مَا يَحِلُّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ، الَّذِي هُوَ سُنَّةُ اللَّهِ فِي الْأَوَّلِينَ، الَّتِي لَا تُبَدَّلُ وَلَا تُغَيَّرُ، أَنَّ كُلَّ مَنْ سَارَ فِي الظُّلْمِ وَالْعِنَادِ وَالِاسْتِكْبَارِ عَلَى الْعِبَادِ، أَنْ تَحِلَّ بِهِ نِقْمَتُهُ، وَتُسْلَبَ عَنْهُ نِعْمَتُهُ، فَلْيَتَرَقَّبْ هَؤُلَاءِ، مَا فُعِلَ بِأُولَئِكَ.

قال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الآيات.

يَحُضُّ تَعَالَى عَلَى السَّيْرِ فِي الْأَرْضِ، فِي الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ لِلِاعْتِبَارِ، لَا لِمُجَرَّدِ النَّظَرِ وَالْغَفْلَةِ، وَأَنْ يَنْظُرُوا إِلَى عَاقِبَةِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِمَّنْ كَذَّبُوا الرُّسُلَ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَأَشَدَّ قُوَّةً، وَعَمَرُوا الْأَرْضَ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرَهَا هَؤُلَاءِ، فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْعَذَابُ لَمْ تَنْفَعْهُمْ قُوَّتُهُمْ، وَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَنَفَذَتْ فِيهِمْ قُدْرَةُ اللَّهِ وَمَشِيئَتُهُ.

{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} لِكَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}.

ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى كَمَالَ حِلْمِهِ، وَشِدَّةَ إِمْهَالِهِ وَإِنْظَارِهِ أَرْبَابَ الْجَرَائِمِ وَالذُّنُوبِ، فَقَالَ: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا} مِنَ الذُّنُوبِ {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} أَيْ: لَاسْتَوْعَبَتِ الْعُقُوبَةُ، حَتَّى الْحَيَوَانَاتِ غَيْرَ الْمُكَلَّفَةِ.

وَلَكِنْ يُمْهِلُهُمْ تَعَالَى وَلَا يُهْمِلُهُمْ، {يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} فَيُجَازِيهِمْ بِحَسَبِ مَا عَلِمَهُ مِنْهُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.

تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ "فَاطِرٍ" وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

انتهى.