الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الصافات/(15) من قوله تعالى {فإنكم وما تعبدون} الآية 161 إلى قوله تعالى {والحمد لله رب العالمين} الآية 182

(15) من قوله تعالى {فإنكم وما تعبدون} الآية 161 إلى قوله تعالى {والحمد لله رب العالمين} الآية 182

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الصَّافات

الدَّرس: الخامس عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَاتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:161-182]

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} المشركون والشياطين شياطين الإنس والجنِّ يسعون في إضلالِ الإنسانِ، ولكنَّهم لا يقدرونَ على ذلك، إلَّا من سبقَتْ لهُ الشقوةُ وكانَ من أهلِ الجحيمِ، {إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}

ثمَّ يقولُ تعالى عن الملائكة: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} الملائكةُ يصفُّون عندَ ربِّهم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (ألا تصفُّونَ كما تصفُّ الملائكةُ عندَ ربِّها) {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}

{فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163) وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ} أي: المشركون يقولون: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} يقولون: لو جاءنا رسولٌ، ولو جاءَنا كتابٌ كنَّا من عبادِ الله المُخلَصين وكنَّا خيراً من غيرِنا.

{وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وفي هذا تهديدٌ لهم، {كَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أو عاقبة كفرِهم.

ثمَّ يخبرُ تعالى عن أنَّه ناصرُ رسلِه وأنَّ الرسلَ منصورون: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} فقد سبقتْ كلمةُ اللهِ بأنَّ رسلَه منصورون على أعدائِه، وأنَّ جندَ اللهِ هم الغالبونَ لم غالبْه، {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} وفي هذا أمرٌ للنبيِّ أن يُعرضَ عن أولئك الكافرين المعاندين، المصرِّين على كفرِهم، {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} إلى أن يأتي أمرُ أخذِهم، {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} هكذا الكفَّارُ، يقولون: {أْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأحقاف:22]

{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} إذا نزلَ العذابُ قريباً منهم، {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} إذا نزلَ العذابُ قريباً منهم ساءتْ حالُهم وساءَ وقتُهم وساءَ صباحُهم، {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} والعذابُ سنَّةُ اللهِ أنَّه يُصبِّحُ المكذِّبين، كما أخذَ قومَ […..]: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ} [الحجر:83] وقال في قومِ لوطٍ: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} [الحجر:73]

{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179) سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} فخُتِمَتْ هذه السورةُ بتسبيح الله تعالى عن كلِّ ما يصفُه به المفترون والجاهلون والمشركون، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هذه تشبهُ الآيةَ السابقةَ: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات:159-160] وفي هذا تسبيحٌ لله عن شركِ المشركين وافتراءِ المفترين، الَّذين نسبُوا إليه الولدَ كذباً وافتراءً عليه سبحانه وتعالى، وقد سبقَ الإنكارُ عليهم والتوبيخُ لهم: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ…} [الصافات:149] إلى قوله: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} [الصافات:154-156]

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} الآياتَ:

أي: إنَّكم أيُّها المشركونَ ومَن عبدْتُموهُ معَ اللهِ، لا تقدرونَ أنْ تفتنُوا وتضلُّوا أحداً

– الشيخ : أن تفتنوا نعم وتضلّوا صحّ

– القارئ : أنْ تفتنُوا وتضلُّوا أحداً إلَّا مَن قضى اللهُ أنَّهُ مِن أهلِ الجحيمِ، فنفذَ فيهِ القضاءُ الإلهيُّ، والمقصودُ مِن هذا، بيانُ عجزِهم وعجزِ آلهتِهم عن إضلالِ أحدٍ، وبيانُ كمالِ قدرةِ اللهِ تعالى، أي: فلا تطمعُوا بإضلالِ عبادِ اللهِ المخلصينَ وحزبِهِ المفلحينَ.

قالَ اللهُ تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ…} الآياتَ:

هذا فيهِ بيانُ براءةِ الملائكةِ عليهم السَّلامُ، عمَّا قالَهُ فيهم المشركونَ، وأنَّهم عبادُ اللهِ، لا يعصونَهُ طرفةَ عينٍ، فما منهم مِن أحدٍ إلَّا ولهُ مقامٌ وتدبيرٌ قد أمرَهُ اللهُ بهِ لا يتعدَّاهُ ولا يتجاوزُهُ، وليسَ لهم مِن الأمرِ شيءٌ.

{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} في طاعةِ اللهِ وخدمتِهِ.

{وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} للهِ عمَّا لا يليقُ بهِ. فكيفَ -معَ هذا- يصلحونَ أنْ يكونُوا شركاءَ للهِ؟! تعالى اللهُ.

قالَ اللهُ تعالى: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ…} الآياتَ:

يخبرُ تعالى أنَّ هؤلاءِ المشركينَ، يظهرونَ التَّمنِّي، ويقولونَ: لو جاءَنا مِن الذِّكرِ والكتابِ، ما جاءَ الأوَّلينَ، لأخلصْنا للهِ العبادةَ، بل لكنَّا المخلصينَ على الحقيقةِ.

وهم كَذَبَةٌ في ذلكَ، فقد جاءَهم أفضلُ الكتبِ فكفرُوا بهِ، فعُلِمَ أنَّهم متمرِّدونَ على الحقِّ

– الشيخ : نسأل الله العافية، أعوذ باللهِ

– القارئ : {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} العذابَ حينَ يقعُ بهم، ولا يحسبُوا أيضاً أنَّهم في الدُّنيا غالبونَ، بل قد سبقَتْ كلمةُ اللهِ الَّتي لا مردَّ لها ولا مخالفَ لها لعبادِهِ المرسلينَ وجندِهِ المفلحينَ، أنَّهم الغالبونَ لغيرِهم، المنصورونَ مِن ربِّهم، نصراً عزيزاً، يتمكَّنونَ فيهِ مِن إقامةِ دينِهم، وهذهِ بشارةٌ عظيمةٌ لمَن اتَّصفَ بأنَّه مِن جندِ اللهِ، بأنْ كانَتْ أحوالُهُ مستقيمةً، وقاتلَ مَن أُمِرَ بقتالِهم، أنَّهُ غالبٌ منصورٌ.

ثمَّ أمرَ رسلَهُ بالإعراضِ

– الشيخ : رسوله

– القارئ : "رسلَه" عندي

– الشيخ : لا لا، رسوله

القارئ : خطأ؟

– الشيخ : إي إي

القارئ : ثمَّ أمرَ رسولَهُ بالإعراضِ عمَّن عاندُوا، ولم يقبلُوا الحقَّ، وأنَّهُ ما بقيَ إلَّا انتظارُ ما يحلُّ بهم مِن العذابِ، ولهذا قالَ: {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} مَن يحلُّ بهِ النَّكالُ، فإنَّهُ سيحلُّ بهم.

{فَإِذَا نزلَ بِسَاحَتِهِمْ} أي: نزلَ عليهم، وقريباً منهم {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} لأنَّهُ صباحُ الشَّرِّ والعقوبةِ، والاستئصالِ.

ثمَّ كرَّرَ الأمرَ بالتَّولِّي عنهم، وتهديدِهم بوقوعِ العذابِ.

ولمَّا ذكرَ في هذهِ السَّورةِ، كثيراً مِن أقوالِهم الشَّنيعةِ، الَّتي وصفُوهُ بها، نزَّهَ نفسَهُ عنها فقالَ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ} أي: تنزَّهَ وتعالى {رَبِّ الْعِزَّةِ} [أي:] الَّذي عزَّ فقهرَ كلَّ شيءٍ، واعتزَّ عن كلِّ سوءٍ يصفونَهُ بهِ.

{وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} لسلامتِهم مِن الذُّنوبِ والآفاتِ، وسلامةِ ما وصفُوا بهِ فاطرَ الأرضِ والسَّمواتِ.

{وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الألفُ واللَّامُ، للاستغراقِ، فجميعُ أنواعِ الحمدِ، مِن الصِّفاتِ الكاملةِ العظيمةِ، والأفعالُ الَّتي ربَّى بها العالمينَ، وأدرَّ عليهم فيها النِّعمَ، وصرفَ عنهم بها النِّقمَ، ودبَّرَهم تعالى في حركاتِهم وسكونِهم، وفي جميعِ أحوالِهم، كلُّها للهِ تعالى، فهوَ المقدَّسُ عن النَّقصِ، المحمودُ بكلِّ كمالٍ، المحبوبُ المعظَّمُ، ورسلُهُ سالمونَ مسلَّمٌ عليهم، ومَن اتَّبعَهم في ذلكَ لهُ السَّلامةُ في الدُّنيا والآخرةِ. وأعداؤُهُ لهم الهلاكُ والعطبُ في الدُّنيا والآخرةِ.

تمَّ تفسيرُ سورةِ الصَّافَّاتِ في 6 شوال سنةَ 1343هـ على يدِ جامعِهِ وكاتبِهِ: عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ، وصلَّى اللهُ على سيِّدِنا محمَّدٍ وسلَّمَ تسليماً

الشيخ : رحمه اللهُ

القارئ : والحمدُ للهِ الَّذي بنعمتِهِ تتمُّ الصَّالحاتُ

الشيخ : ما شاءَ اللهُ، ما شاءَ اللهُ

القارئ : انتهى

الشيخ : لا إله إلَّا الله، اللهُ أكبرُ، رحمَه الله، تفسيرٌ ميسَّرٌ مباركٌ سهلٌ، ينتفعُ به الراغبون في تفسيرِ القرآن من طلابِ العلمِ والعلماءِ، رحمَه اللهُ.