الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة غافر/(17) من قوله تعالى {الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها} الآية 79 إلى قوله تعالى {فلم يك ينفعهم إيمانهم} الآية 85
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(17) من قوله تعالى {الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها} الآية 79 إلى قوله تعالى {فلم يك ينفعهم إيمانهم} الآية 85

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة غافر

الدَّرس: السَّابع عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُون * وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [غافر:79-85]

– الشيخ : لا إله إلا الله.

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعَامَ} الأنعامُ: هي بهيمةُ الأنعام: الإبلُ والبقرُ والغنمُ، يُقَالُ لها: الأنعام، فاللهُ يُذَكِّرُ بهذهِ النِّعَمِ فهذهِ البهائمُ وهذه الأنعامُ مِن نِعَمِ اللهِ العظيمةِ على العِبادِ، {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} منافعُ كثيرةٌ {وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ..} [النحل:5-7] وهنا يقول: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} منافعُ كثيرةٌ مِن جلودِها وأصوافِها وأشعارِها وأوبارِها {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ}.

{وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ} يعني: مِن ركوبِها والسفرِ عليها مثل: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [النحل:7]

{وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُون} مَرَاكِب في البحرِ ومراكب في البَرِّ، ومِن أعظمِ حاجاتِ الإنسانِ الشيءُ الذي يركبُهُ لِقَطعِ المسافاتِ والانتقالِ إلى حاجاتِهِ في أقطارِ الدنيا وفي نواحِي الأرضِ. سبحان الله العظيم! وقالَ في سورةِ النحلِ: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل:8] ولعلَّ هذا هو ما حَصَلَ في هذا العصرِ مِن المراكِبِ الهائلةِ البريَّةِ والبحريَّةِ والجويَّةِ، آياتٌ!

{وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُون} فبهيمةُ الأنعام الإبُل مِن منافعِها حَمْلُها للأثقالِ وحَملُها للإنسانِ، ومِن منافعِها الأكلُ مِن لحومِها وشُرْبُ ألبانِها، والغنمُ والبقرُ فيها الأكلُ -أكلُ لحومِها- وشربُ ألبانِها والانتفاعُ كذلك بجلودِها، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [النحل:80]

{وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ} الله تعالى يُريكُم، يُرِي عبادَهُ آياتِهِ، ومِن آياتِهِ نَفْسُ هذه المخلوقاتِ، هذه الأنعام هي نِعَمٌ مِن وجهٍ، باعتبارِ ما فيها مِن المنافعِ، وهي آياتٌ دالَّةٌ على قدرةِ خالقِها، قدرتِهِ ورحمتِهِ وحكمتِهِ سبحانه، {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} يُرِيكُمْ آيَاتِهِ في الآفاقِ، وفي الأنفسِ، في السماءِ والأرضِ {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ} [الذاريات:20]

{فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ} في هذا توبيخٌ للكفارِ الجاحدين الـمُعْرِضينَ عَن آياتِ اللهِ، هذه آياتُ اللهِ فأيُّ الآياتِ تُنْكِرُونَها، آياتٌ قائمةٌ شَاخِصَةٌ ظاهرةٌ لكلِّ مَن تَدَبَّـــرَ وتَفَكَّــرَ.

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا} وهذا وجهٌ آخر مِن الهدايةِ والتوجيهِ، وهو تنبيهُ العبادِ إلى ما في هذه الأرضِ مِن آثارِ الـمَاضِين الـمُهْلَكِين والأُممِ التي عَمَرتِ الدِّيار وعَمَرَت وأثارَتِ الأرضَ، ثمَّ ذهبُوا.

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} لا إله إلا الله، وهذهِ الأممُ القائمةُ الآن التي أعطاها اللهُ من أسبابِ التصرُّفِ والتنقُّلِ والتقلُّبِ في الأرضِ الشيءَ العجيب الشيء الكثير، كذلك هُم سُنَّةُ اللهِ ماضيةٌ، لنْ تُغنِ عنهم قواتُهم شيئاً، لَنْ تُغْنِ عنهم ولَنْ تمنعَهُم مِن بأسِ اللهِ إذا نزلَ بهم، ها هي تَحِلُّ بهم القَوَارعُ بينَ حينٍ وآخر ولا يستطيعونَ لها ردًّا، ها هُم تأتيهم الأعاصيرُ الـمُدمِّرةُ الـمُغرِقَةُ الـمُهْلِكَةُ، سُنَّةُ اللهِ.{فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا}.

{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ} هذه الأممُ الكافرةُ لَمَّا جاءَتْهم الرسلُ فرحُوا بما عندَهم مِن العلمِ، مِن علومٍ في شؤونِ الحياةِ في شؤونِ الدنيا {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ …} [الروم:7] فهم مَغْرُورُونَ بعلومِهم التي يَتَوَصَّلُونَ بها إلى مطالبِهم في هذه الحياةِ وبأموالِهم وبِقُدُراتِهم، فَرَح، فَرَحٌ لا يُجدِي عليهم شيئاً، فَرِحُوا بما يَعودُ عليهِم بسوءِ العاقبةِ.

{فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} كَانُوا يَسْتَهْزِؤُون بأخبارِ الرُّسُلِ وبِمَا وعدُوا بِهِ مِن نزولِ العذابِ فنزلَ بهم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون، ومحَقَهُم وأهلَكَهُم.

ثمَّ يقولُ تعالى:

{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} هؤلاءِ المكذِّبون لـَمَّا جاءهم بَأْسُ اللهِ وعذابُهُ {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} الآن يُؤمنونَ لـَمَّا رَأَوْا العذابَ قد حَلَّ بهم آمنوا ولكن بعدَ فواتِ الأوانِ، فالتوبةُ والإيمانُ لا تنفعُ بعدَ مُعَاينةِ الهلاكِ، وتَيَقُّنِ الهلاكِ، سواءً في الأممِ أو في الأفرادِ، فالفردُ إذا نزلَ به الموتُ وبلغَت الروحُ الحُلقُومَ لا تنفعُ التوبةُ، لا تنفعُهُ التوبةُ.

{قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} هذه سُنَّةٌ ماضيةٌ ليسَتْ مُختَصَّةً بأمةٍ مِن الأمم، بلْ هذه سُنَّةُ اللهِ في الأممِ أنَّهم إذا آمنوا عندَ مُعَايَنَةِ بأسِ اللهِ لا يُجدِي عليهم شيئاً ولا يَدفعُ عنهم بأسَ اللهِ. لا حول ولا قوة إلا بالله.

 

(تفسيرُ السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ الشيخ عبدُ الرحمن السعدي رحمَه الله تعالى في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنعام لِتَرْكَبُوا مِنْهَا} الآيات.

يَمْتَنُّ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِمَا جُعِلَ لَهُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ الَّتِي بِهَا جُمْلَةٌ مِنَ الْمَنَافِع:

مِنْهَا: مَنَافِعُ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا وَالْحَمْلِ.

وَمِنْهَا: مَنَافِعُ الْأَكْلِ مِنْ لُحُومِهَا وَالشُّرْبُ مِنْ أَلْبَانِهَا.

وَمِنْهَا: الدِّفْءِ، وَاتِّخَاذُ الْآلَاتِ وَالْأَمْتِعَةِ مِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ.

{وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ} مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْأَقطار الْبَعِيدَةِ، وَحُصُولُ السُّرُورِ بِهَا، وَالْفَرَحِ عِنْدَ أَهْلِهَا. {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} أَيْ: عَلَى الرَّوَاحِلِ الْبَرِّيَّةِ وَالْفُلْكِ الْبَحْرِيَّةِ يَحْمِلُكُمُ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَهَا وَهَيَّأَ لَهَا مَا هَيَّأَ مِنَ الْأَسْبَابِ، الَّتِي لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهَا.

– الشيخ : سبحان الله! لِغَلَبَةِ الغَفْلَةِ على العِبادِ -الكفارُ، والمسلمونَ كذلك الغافلونَ- يتمتَّعُونَ بهذه النِّعَمِ وهذه الوسائل ولا يُفَكِّرُونَ في كرمِ اللهِ وحكمتِهِ ورحمتِهِ وقُدرتِهِ، يتمتَّعونَ بهذه الوسائلِ بحكمِ العادةِ وحكمِ الطبيعةِ، عندَه إبلٌ وعندَه غنمٌ وبقرٌ، لا يُفَكِّرُ إلا في منافعِهَا، يُفَكِّرُ في المنافعِ التي يحصلُ عليها مِن هذه المخلوقاتِ مِن هذه الأنعامِ، التفكيرُ في مصالحِ الدنيا لا يُفكِّرونَ فيما وراءَ ذلك، لا يُفَكِّرُون في نعمةِ اللهِ فيشكرونَهُ ويذكرونَ فضلَ اللهِ عليهم أنْ خلقَ لهم هذه الأسبابَ، لا إله إلا الله، لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ وتذكروا نعمة الله عليكم، لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة الله عليكم. [الآية هي: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ} [الزخرف:13]]

 

– القارئ : {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} الدَّالَّةَ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَأَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ نِعَمِهِ، حَيْثُ أَشْهَدَ عِبَادَهُ، آيَاتِهِ النَّفْسِيَّةَ، وَآيَاتِهِ الْأُفُقِيَّةَ، وَنِعَمَهُ الْبَاهِرَةَ، وَعَدَّدَهَا عَلَيْهِمْ، لِيَعْرِفُوهُ وَيَشْكُرُوهُ وَيَذْكُرُوهُ.

{فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ} أَيْ: أَيُّ آيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ لَا تَعْتَرِفُونَ بِهَا؟ فَإِنَّكُمْ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَكُمْ أَنَّ جَمِيعَ الْآيَاتِ وَالنِّعَمِ مِنْهُ تَعَالَى، فَلَمْ يَبْقَ لِلْإِنْكَارِ مَحَلٌّ وَلَا لِلْإِعْرَاضِ عَنْهَا مَوْضِعٌ، بَلْ أَوْجَبَتْ لِذَوِي الْأَلْبَابِ بَذْلَ الْجُهْدِ وَاسْتِفْرَاغَ الْوَسْعِ لِلِاجْتِهَادِ فِي طَاعَتِهِ وَالتَّبَتُّلَ فِي خِدْمَتِهِ وَالِانْقِطَاعَ إِلَيْهِ.

قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ} الآيات.

يُحِثُّ تَعَالَى الْمُكَذِّبِينَ لِرَسُولِهِمْ عَلَى السَّيْرِ فِي الْأَرْضِ بِأَبْدَانِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ، وَسُؤَالِ الْعَالَمِينَ {فَيَنْظُرُوا} نَظَرَ فِكْرٍ وَاسْتِدْلَالٍ لَا نَظَرَ غَفْلَةٍ وَإِهْمَالٍ.

{كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، كَعَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانُوا أَكثرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وآثَارًا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأَبْنِيَةِ الْحَصِينَةِ وَالْغِرَاسِ الْأَنِيقَةِ وَالزُّرُوعِ الْكَثِيرَةِ {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} حِينَ جَاءَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ، فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ قُوَّتُهُمْ وَلَا افْتَدَوْا بِأَمْوَالِهِمْ وَلَا تَحَصَّنُوا بِحُصُونِهِمْ.

ثُمَّ ذَكَرَ جُرْمَهُمُ الْكَبِيرَ فَقَالَ: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} مِنَ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْخَوَارِقِ الْعَظِيمَةِ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ الْمُبَيِّنِ لِلْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ وَالْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} الْمُنَاقِضِ لِدِينِ الرُّسُلِ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ فَرَحَهُمْ بِهِ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ رِضَاهُمْ بِهِ وَتَمَسُّكِهِمْ وَمُعَادَاةِ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَجَعَلَ بَاطِلَهُمْ حَقًّا، وَهَذَا عَامٌّ لِجَمِيعِ الْعُلُومِ الَّتِي نُوقِضَ بِهَا مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَمِنْ أَحَقِّهَا بِالدُّخُولِ فِي هَذَا: "عُلُومِ الْفَلْسَفَةِ وَالْمَنْطِقِ الْيُونَانِيِّ" الَّذِي رُدَّتْ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَنَقَّصَتْ قَدْرَهُ فِي الْقُلُوبِ، وَجَعَلَتْ أَدِلَّتَهُ الْيَقِينِيَّةَ الْقَاطِعَةَ أَدِلَّةً لَفْظِيَّةً لَا تُفِيدُ شَيْئًا مِنَ الْيَقِينِ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا عُقُولُ أَهْلِ السَّفَهِ وَالْبَاطِلِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْإِلْحَادِ فِي آيَاتِ اللَّهِ،

– الشيخ : على كلِّ حالٍ، هذا كلام الشيخ مُتوجِّهٌ إلى ما وقعَتْ فيه كثيرٌ من الفِرقِ الإسلاميةِ مِن تعظيمِ العقلِ وتقديمِهِ على النصوصِ، مما أنتجَ لهم القولَ بأنَّ دلائلَ العقلِ قطعيةٌ ودلائلَ النقلِ والسمعِ والآياتِ ظنيةٌ، إذاً فإذا تعارضَ عندَهم العقلُ والنقلُ وجبَ تقديمُ العقلِ؛ لأنها -تقديمُ أدلةِ العقلِ لأنَّها- قطعيةٌ، فأوجبَ لهم هذا -الاغترارَ بعلومِهم وفلسفاتِهم ونظرياتِهم- الاغترارَ والتعظيمَ لتلكَ العلومِ والإعراضِ عن أدلَّةِ الشَّرعِ التي هي الطريقُ لمعرفةِ اللهِ ومعرفةِ ما يُقَرِّبُ إليهِ ومعرفةِ المآلِ التي يَؤُولُ إليها أمرُ الـمُكَلَّفينَ وهو الجزاءُ، الجزاءُ الذي يَنتظرُ الناسَ في اليومِ المشهودِ الموعودِ.

 

– القارئ : وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْإِلْحَادِ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَالْمُعَارَضَةِ لَهَا وَالْمُنَاقِضَةِ، فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

{وَحَاقَ بِهِمْ} أي: نَزَلَ بِهم

– الشيخ : هذا في كثيرٍ مِن الـمُنتسبينَ للإسلامِ، أمَّا الكفارُ فليسَت المسألةُ مسألةَ معارضةٍ وتقديمٍ، لا، يعني مكذبونَ لرسلِ اللهِ، هذه الأممُ القائمةُ التي لها دولٌ ولها قُوىً ولها ولها، هؤلاءِ مُكذِّبون لرسلِ الله بل مُكذِّبون باللهِ وبوجودِهِ وبقدرتِهِ، فهم في غايةٍ مِن الكفرِ والجهلِ والضلالِ، فلا يؤمنونَ بمبدأٍ ولا مَعَادٍ، ما يؤمنونَ إلا بتلكَ الأسبابِ الماديةِ التي مُكِّنَ لهم فيها وتَمَكَّنُوا بها إلى كثيرٍ مِن مقاصدِهم في هذهِ الحياةِ، فهُمْ في هذهِ الدنيا -الآن- في غرورٍ وفي استدراجٍ مِن اللهِ تعالى.

ومِن الـمُؤسِفِ أن َّكثيراً مِن المسلمين قد أُعْجِبُوا بهم وصاروا يَقتفُونَ آثارَهم في أعمالِهم وفي عوائِدِهم وفي سلوكِهم وفي علومِهم، فمنهم مَن وافقَهم في الكفرِ باللهِ وَرُسُلِهِ، ومنهم مَنْ تابعَهم في أمورٍ تؤولُ إلى نقصِ إيمانِ أولئك المسلمين، نقصَ إيمانُهم ووقوعُهم في انحرافاتٍ عن الصراطِ المستقيمِ الذي يجبُ عليهم أنْ يستقيموا عليه وأنْ يَسيروا كما أمرَهم الله.

فلا بدَّ مِن التفكُّرِ بهذا الواقعِ الأليمِ، واقعٌ أليمٌ يا إخوان، حالُ المسلمين وحالُ الكافرين، الكافرون في طغيانٍ وفي استكبارٍ وفي ظلمٍ وفي تَسلُّطٍ، والمسلمونَ كثيرٌ منهم في جهلٍ في إعجابٍ بأولئكَ الكفارِ، فمحنةُ المسلمينَ في التشبُّهِ، محنةُ المسلمينَ بالتشبُّهِ بالكفارِ عظيمةٌ، فمعظمُ الشرورِ التي ابتُلِيَ بها المسلمونَ وفَشَتْ في مجتمعاتْهم راجعةٌ إلى التشبُّهِ بالكفارِ وطاعةِ الكفارِ، لا حول ولا قوة إلا بالله.

 

– القارئ : {وَحَاقَ بِهِمْ} أَيْ: نَزَلَ {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} مِنَ الْعَذَابِ.

{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} أَيْ: عَذَابَنَا، أَقَرُّوا حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمُ الْإِقْرَارُ {قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ، وَتَبَرَّأْنَا مَنْ كُلِّ مَا خَالَفَ الرُّسُلَ مِنْ عَلْمٍ أَوْ عَمَلٍ.

{فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} أَيْ: فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَهَذِهِ {سُنَّتَ اللَّهِ} وَعَادَتُهُ {الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} أَنَّ الْمُكَذِّبِينَ حِينَ يَنْزِلُ بِهِمْ بَأْسُ اللَّهِ وَعِقَابُهُ إِذَا آمَنُوا، كَانَ إِيمَانُهُمْ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَلَا مُنْجِيًا لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِيمَانُ ضَرُورَةٍ قَدِ اضْطُرُّوا إِلَيْهِ وَإِيمَانُ مُشَاهِدَةٍ، وَإِنَّمَا الْإِيمَانُ الَّذِي يُنْجِي صَاحِبَهُ هُوَ الْإِيمَانُ الِاخْتِيَارِيُّ، الَّذِي يَكُونُ إِيمَانًا بِالْغَيْبِ وَذَلِكَ قَبْلَ وُجُودِ قَرَائِنِ الْعَذَابِ.

{وَخَسِرَ هُنَالِكَ} أَيْ: وَقْتَ الْإِهْلَاكِ، وَإِذَاقَةِ الْبَأْسِ {الْكَافِرُونَ} دِينَهُمْ وَدُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْخَسَارَةِ فِي تِلْكَ الدَّارِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ خُسْرَانَ يُشْقِي فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ،

الشيخ : لا، "يشقي" أيش بعد؟

القارئ : "فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ والخلود"

الشيخ : "يُفْضِي"، "يُفْضِي"، "يُفْضِي".

القارئ : يُفضي فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ، وَالْخُلُودِ فِيهِ، دَائِمًا أَبَدًا.

تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمُؤْمِنِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ وَمَعُونَتِهِ، لَا بِحَوْلِنَا وَقُوَّتِنَا، فَلَهُ الشُّكْرُ وَالثَّنَاءُ. انتهى.

الشيخ : نعم بعده.

– طالب: الصواعق

الشيخ : تفضل. حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيل، حسبُنَا الله.. عندك "يَشفي"؟

– طالب: إي نعم "يُشقي".

الشيخ : أنا أسمعها "يَشْفِي" تمام، "لَا بُدَّ مِنْ خُسْرَانَ".

– طالب: "يُشْقِي"

الشيخ : "يُشْقِي" أيش؟

القارئ : "يُشْقِي فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ".

الشيخ : خلاص هذي صح، [….] أنا أسمعها "يَشفي"، "يُشْقِي" "يُشْقِي" صح. "يُشْقِي" نعم.