الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة فصلت/(10) تتمة قوله تعالى {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} الآية 55 إلى قوله تعالى {ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم} الآية 54
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(10) تتمة قوله تعالى {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} الآية 55 إلى قوله تعالى {ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم} الآية 54

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة فصِّلت

الدَّرس: العاشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ [فصلت:49-54]

– الشيخ : الحمد لله، يَذكرُ الله في هذه الآيات أحوالَ الإنسان في السَّرَّاء والضَّرَّاء، أمَّا المؤمن إنْ مسَّتْهُ سراءُ شكرَ وإن أصابتْهُ ضرَّاء صبرَ، وليس ذلك إلا للمؤمن، فأمرُه كلّه له خير، أمَّا هذا الإنسان قد يكون المقصود مُعيّناً من الكفار من المشركين، لقوله تعالى "عنه"، "عنه": {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}، وأنَّ هذا الإنسان هذه هي حاله، يطلبُ الخيرَ دائماً لكن إذا مَسَّهُ الشَّرُّ قَنَطَ.

{لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ}، ما يَـمَلُّ، يَطلب الخيرُ كثيراً، {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ} قنطَ مِن رحمة الله، {فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ}، صيغةُ مبالغةٍ يقول أهل اللغة، "يَئُوسٌ": كثيرُ اليأسِ، كثيرُ القُنُوط، والقُنُوط أشَدُّ، أشَدُّ مِن اليأس، {فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ}.

{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}، وهذا أيضاً يعني فسادٌ آخرُ وهو الاغترارُ بالنعمةِ ونسيان النعمة، {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}، يعني: "أنا هذا إني هذا مستحقٌّ له"، "وأنا أهلٌ لَه وأني وأني"، {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}، ثم يدَّعي أنه لو كان هناك بَعْثٌ وآخرةٌ ستكون له الحُسنى، العاقبةُ الحَسَنة أو أن تكون لَه الجنة، لو قُدِّر أن هناك جنة في ظَنِّهِ، {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى}، قال الله: {فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ}.

{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ}، أيضاً في حالِ النعمةِ يُعرِضُ عن ربِّه ويَكفرُ بنعمتِه عليه، {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ}، بَعُدَ، بَعُدَ عن الحق، وعن كل عملٍ صالحٍ، {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ}.

{وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ}، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ أيضاً يُقبِلُ ويَدعو، مثل من جنس حال..، وهذا ما يذكره الله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس:12]، وهذا يُقرِّبه حالةَ المشركين في حالِ النِّعَمِ، في حالِ الرخَاءِ يُعرضون عن الله، يكفرون به ويشركون، فإذا ركبُوا في البحر وأحاطَتْ بهم الأخطار والأمواجُ أخلصوا له الدين، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]

ثم قالَ سبحانه وتعالى: {قُلْ} – قل أيُّها الرسول-، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، يعني هذا القرآنُ مِن عند الله، إنْ كان هذا القرآن من عند الله، {ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}، مَن أضل ممن يكفر بهذا القرآن المشتمل على الهُدى والدعوة إلى كلِّ خيرٍ والنَّهي عن كلِّ شَرٍّ، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ}، هو مِن عندِ الله، لكن هذا مِن خطاب التَّنَزُّلِ مع المكذِّبين، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}.

قال الله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، فهذا مِن الاستدلالِ بالآياتِ الكونية في الآفاقِ وفي الأنفسِ، {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21:20]

{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، العلمُ باطِّلاعِ اللهِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعلى كلِّ شيءٍ يَكفي دليلاً على صدقِهِ؛ لأنَّ اللهَ حكيمٌ وعليمٌ وقديرٌ، فلو كانَ محمد صلى الله عليه وسلم كذاّباً -كما يقول المفترون مِن المشركينَ واليهود والنصارى- فلابد أنْ لا يُهمِلَه الله تعالى، فهو مُطَّلعٌ وقديرٌ وحكيمٌ، ومما يَستشهد به في هذا المعنى قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [الحاقة:44-47]

{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، أيش الآية؟

القارئ : أَلَا إِنَّهُمْ

الشيخ : {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ}، هؤلاء المكذبين {فِي مِرْيَةٍ} في شَكٍّ، {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}، وفي هذا تهديدٌ لأولئكَ المشركين المكذِّبين بالبعثِ، الشاكِّين فيه، فاللهُ مِن ورائِهم محيطٌ بل بكلِّ شيءٍ محيطٌ.

 

(تفسير السعدي)

القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبهِ أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ رحمَه اللهُ تعالى: في تفسيرِ قولِ الله تعالى: {لا يَسْأَمُ الإنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} الآيات:

هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَعَدَمِ صَبْرِهِ وَجَلَدِهِ لَا عَلَى الْخَيْرِ وَلَا عَلَى الشَّرِّ، إِلَّا مَنْ نَقَلَهُ اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْحَالِ إِلَى حَالِ الْكَمَالِ، فَقَالَ: {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} أَيْ: لَا يَمَلُّ دَائِمًا، مِنْ دُعَاءِ اللَّهِ، بالْغِنَى وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ

الشيخ : {مِنْ دُعَاءِ الخَيرِ} يعني مِن طلبِ الخيرِ، لا يَسْأَمُ مِن طلبِ الخيرِ، خيرِ الدنيا، هذا خبرٌ عَن حالِ الكافر.

 

القارئ : وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَطَالِبِ الدُّنْيَا، وَلَا يَزَالُ يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَقْتَنِعُ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ مِنْهَا، فَلَوْ حَصَلَ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا مَا حَصَلَ لَمْ يَزَلْ طَالِبًا لِلزِّيَادَةِ.

الشيخ : (لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ، لَابْتَغَى لَهمَا ثالثاً).

القارئ : {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ} أَيِ: الْمَكْرُوهُ، كَالْمَرَضِ وَالْفَقْرِ وَأَنْوَاعِ الْبَلَايَا {فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} أَيْ: يَيْأَسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْبَلَاءَ هُوَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْهَلَاكِ، وَيَتَشَوَّشُ مِنْ إِتْيَانِ الْأَسْبَابِ عَلَى غَيْرِ مَا يُحِبُّ وَيَطْلُبُ.

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا أَصَابَهُمُ الْخَيْرُ وَالنِّعْمَةُ وَالْمُحَابُّ، شَكَرُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَخَافُوا أَنْ تَكُونَ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِمُ اسْتِدْرَاجًا وَإِمْهَالًا، وَإِنْ أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ، صَبَرُوا وَرَجَوْا فَضْلَ رَبِّهِمْ فَلَمْ يَيْأَسُوا.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ} أَيِ: الْإِنْسَانُ الَّذِي لا يَسْأَمُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرَّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ}.

{رَحْمَةً مِنَّا} أَيْ: بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ الَّذِي أَصَابَهُ، بِأَنْ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ أَغْنَاهُ مِنْ فَقْرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى، بَلْ يَبْغِي، وَيَطْغَى، وَيَقُولُ: {هَذَا لِي} أَيْ: أَتَانِي؛ لِأَنِّي لَهُ أَهْلٌّ، وَأَنَا مُسْتَحِقٌّ لَهُ، {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} وَهَذَا إِنْكَارٌ مِنْهُ لِلْبَعْثِ، وَكُفْرٌ لِلنِّعْمَةِ وَالرَّحْمَةِ، الَّتِي أَذَاقَهَا اللَّهُ لَهُ. {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} أَيْ: عَلَى تَقْدِيرِ إِتْيَانِ السَّاعَةِ، وَأَنِّي سَأُرْجَعُ إِلَى رَبِّي، إِنَّ لِي عِنْدَهُ، لِلْحُسْنَى.

الشيخ : "على تقديرِ" يعني: على فرضِ، يقولونَ: "على فرضِ وتقديرِ"، يعني ما هو أمر.. لكن احتمال، لو فرض أنَّ هناك بعثٌ وستقومُ الساعةُ ورَجعتُ إلى اللهِ فسأكونُ محظوظاً، فسأكونُ محظوظاً.

 

القارئ : فَكَمَا حَصَلَتْ لِي النِّعْمَةُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا سَتَحْصُلُ لِي فِي الْآخِرَةِ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْجَرَاءَةِ وَالْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، فَلِهَذَا تَوَعَّدَهُ بِقَوْلِهِ: {فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} أَيْ: شَدِيدٌ جِدًّا.

{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ} بِصِحَّةٍ، أَوْ رِزْقٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا {أَعْرَضَ} عَنْ رَبِّهِ وَعَنْ شُكْرِهِ {وَنَأَى} أي: تَرْفَعُ بِجَانِبِهِ عجَبًا وَتَكَبُّرًا. {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ} أَيِ: الْمَرَضُ، أَوِ الْفَقْرُ، أَوْ غَيْرِهِمَا {فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} أَيْ: كَثِيرٌ جِدًّا، لِعَدَمِ صَبْرِهِ، فَلَا صَبْرَ فِي الضَّرَّاءِ، وَلَا شُكْرَ فِي الرَّخَاءِ، إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ وَمَنَّ عَلَيْهِ.

قال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} الآيات:

أَيْ {قُلْ} لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْآنِ الْمُسَارِعِينَ إِلَى الْكُفْرَانِ {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ} هَذَا الْقُرْآنُ {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ، {ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} أَيْ: مُعَانَدَةٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ لَكُمُ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ، ثُمَّ عَدَلْتُمْ عَنْهُ، لَا إِلَى حَقٍّ، بَلْ إِلَى بَاطِلٍ وَجَهْلٍ، فَإِذَا تَكُونُونَ أَضَلَّ النَّاسِ وَأَظْلَمَهُمْ.

فَإِنْ قُلْتُمْ، أَوْ شَكَكْتُمْ بِصِحَّتِهِ وَحَقِيقَتِهِ، فَسَيُقِيمُ اللَّهُ لَكُمْ وَيُرِيكُمْ مِنْ حيث قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} كَالْآيَاتِ الَّتِي فِي السَّمَاءِ وَفِي الْأَرْضِ، وَمَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْحَوَادِثِ الْعَظِيمَةِ، الدَّالَّةِ لِلْمُسْتَبْصِرِ عَلَى الْحَقِّ.

{وَفِي أَنْفُسِهِمْ} مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَبْدَانُهُمْ، مِنْ بَدِيعِ آيَاتِ اللَّهِ وَعَجَائِبِ صَنْعَتِهِ، وَبَاهِرِ قُدْرَتِهِ، وَفِي حُلُولِ الْعُقُوبَاتِ وَالْمُثُلَاتِ فِي الْمُكَذِّبِينَ، وَنَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ. {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ} مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ، بَيَانًا لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ {أَنَّهُ الْحَقُّ} وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ حَقٌّ.

وَقَدْ فَعَلَ تَعَالَى فَإِنَّهُ أَرَى عِبَادَهُ مِنَ الْآيَاتِ مَا بِهِ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُوَفِّقُ لِلْإِيمَانِ مَنْ شَاءَ، وَالْخَاذِلُ لِمَنْ يَشَاءُ.

{أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أَيْ: أَوْلَمَ يَكْفِهِمْ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ

الشيخ : "أَوْلَمَ يَكْفِهِمْ

القارئ : نعم

الشيخ : كأنَّها تحتاجُ "أَوْلَمَ يَكْفِهِمْ دليلاً"، قلها كذا أوضح للمعنى، "أَوْلَمَ يَكْفِهِمْ دليلاً".

القارئ : أَوْلَمَ يَكْفِهِمْ دليلاً عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ صَادِقٌ، شَهَادَةُ للَّهِ تَعَالَى،

الشيخ : "شهادةُ اللهِ"

القارئ : عندي "للهِ"

الشيخ : لا، "شهادةُ الله"

– طالب: عندي: "شهادةُ الله"

الشيخ : عندكم؟ زين

القارئ : شَهَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ قَدْ شَهِدَ لَهُ بِالتَّصْدِيقِ، وَهُوَ أَصْدَقُ الشَّاهِدِينَ، وَأَيَّدَهُ وَنَصَرَهُ نَصْرًا مُتَضَمِّنًا لِشَهَادَتِهِ الْقَوْلِيَّةِ عِنْدَ مَنْ شَكَّ فِيهَا.

{أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ} أَيْ: فِي شَكٍّ مِنَ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ دَارٌ سِوَى الدَّارِ الدُّنْيَا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْمَلُوا لِلْآخِرَةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لَهَا.

الشيخ : نسألُ الله العافية، نسأل الله العافية، لا إله إلا الله، آمنتُ بالله، آمنتُ بالله، آمنتُ بالله، {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} [يونس:7]  {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:6،7] وهذا مِن أعظمِ أنواع الضلالِ، أن لا يعرف الإنسانُ لِمَ خُلِقَ في هذه الحياة، ولِمَ خُلقَتِ الدنيا، سبحان الله العظيم، فالمكذِّبون بالبعثِ والنُّشورِ جميعُ همومِهم وأعمالِهم كلُّها للدنيا، لنَيْلِ حُطَامِها ولنَيْلِ مَتَاعها.

القارئ : {أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} عِلْمًا وَقُدْرَةً وَعِزَّةً.

تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ فُصِّلَتْ بِمَنِّهِ تَعَالَى.