الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة محمد/(9) من قوله تعالى {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو} الآية 36 إلى قوله تعالى {ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله} الآية 38

(9) من قوله تعالى {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو} الآية 36 إلى قوله تعالى {ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله} الآية 38

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة محمَّد

الدَّرس: التَّاسع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ 

إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:36-38]

– الشيخ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، يقولُ سبحانَه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [محمد:34] مَن ماتَ على الكفرِ والشِّرك فلا تُرجَى له مغفرةٌ، بخلاف الذُّنوب الَّتي دونَ الشِّركِ فإنَّها تحتَ المشيئةِ كما قالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [محمد:34] ولهذا لا يجوزُ الاستغفارُ للكفَّار، مَن ماتَ على الكفر لا يُدعَى له ولا يُستغفَرُ له ولا يُتصدَّق عنه، ولا يُفعَلُ عنه شيءٌ من الخير.

ثمَّ قالَ تعالى: {فَلَا تَهِنُوا} [محمد:35] لا تضعفوا عن الجهاد في سبيلِ اللهِ، لا تضعفوا أمامَ أعداءِ اللهِ، فالآياتُ كلُّها في شأن الجهادِ، السُّورة من أوَّلها إلى آخرِها في شأنِ الجهادِ، ولهذا كانَ اسمُها سورةَ القتالِ، سورةُ الجهادِ {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} [محمد:35] لا تدعونَ إلى الصُّلحِ، لا، بل جاهدوا لإعلاءِ كلمةِ اللهِ، فإنَّ الدُّعاءَ إلى الصُّلح هذا إنَّما يكونُ معَ الضَّعفِ، ممكن إذا ضعفَ المسلمون وضعفَت قدرتُهم يضطرُّون اضطرارًا، يضطرُّون إلى الصُّلح أو إلى طلبِ المصالحة اضطرارًا، يطلبون الهدنةَ معَ الكفَّار أمَّا ما دامُوا قادرين فعليهم أن يجاهدوا ويقاتلوا حتَّى ترفرفَ رايةُ الإسلامِ على البلاد وينقادُ أهلُها.

{وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد:35] والمسلمون هم الأعلون عندَ اللهِ، لهم المنزلةُ العاليةُ وهم المؤيَّدون، لكنَّهم يأتيهم النَّقص من تقصيرِهم وتفريطِهم {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [محمد:35]

{وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد:35] اللهُ معَ المؤمنين بالنَّصر والتَّأييد وتيسيرِ الأمورِ، اللهُ معَهم ومن كانَ اللهُ معَه عليه أنْ يتوكَّلَ يتوكَّلَ على الله، ولا يكونُ ضعيفًا أمامَ عدوِّه، فاللهُ معَه. {وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:35] "لَنْ يَتِرَكُمْ": لن ينقصَكم أعمالَكم، بل يوفِّي لكم الأجورَ ويضاعفُ الحسناتِ.

ثمَّ قالَ تعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} فأيُّها المؤمنون لا تغرَّنَّكم الحياةُ الدُّنيا وتؤثرون الحياةَ الدُّنيا وتقعدون عن الجهاد وتبخلون عن الإنفاق في سبيل اللهِ، فالحياةُ الدُّنيا باطلٌ، باطلٌ، ومآلُها إلى الذَّهاب والزَّوال، فحقيقتُها اللَّهو واللَّعبُ، فهذا هو المشاهدُ، ولهذا الكفَّارُ ومن يقلِّدُهم هموهم في اللَّهو واللَّعب، وجهودهم في اللَّهو واللَّعب، هذه…، انظرْ كيف جوَّالاتُكم الَّتي في أيديكم كلُّها مصمَّمةٌ نغماتها على التَّطريب والموسيقا والأجراس الرَّنَّانةِ، هذا من اهتمامهم بوسائل اللَّهو وأسباب الطَّرب وأسباب المتعةِ في هذه الدُّنيا، والمسلمون يقتنون هذه الجوَّالات ولا يبالون، ها هي ترزحُ في جيوبهم يصلون ولا يكترثون ولا يهتمُّون، ينبغي على الإنسان يتَّخذ من النَّغمات الَّتي يحصلُ بها التَّنبيه للمتَّصل، ولا يكون فيها تطريبٌ وطنينٌ وموسيقا، ولهذا يحصلُ لمن يتهاونُ بهذا يضرُّ نفسَه في صلاته فإنَّه ينشغلُ ينشغل لإغلاقِه ينشغلُ ويُشغِلُ الآخرين ويأثمُ لتشويشِه على إخوانِه، عجيبٌ والله، عجيبٌ أمرهم! تجدُ الإنسانَ جوَّالَه يصدحُ برَّا، ثمَّ يسكتُه لكن ما يقفلُه فيرنُّ مرَّةً ثانيةً وثالثةً وهو يصلِّي أليس هذا من العجبِ؟! عجيب وعجيب! {لَعِبٌ وَلَهْوٌ} هذه همَّتُهم {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ} [الحجر:3] فاللَّهو غايةٌ من غاياتِ الكفَّارِ وأشباهِهم غاية اللَّهو، لا إله إلَّا الله.

{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} لعبٌ حزَنٌ باطلٌ، {لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا} هذا هو الفرقُ، خيرُ ما في الدُّنيا ما يُوفَّقُ إليه العبدُ من إيمانٍ وتقوىً، ولهذا جاءَ في الحديث: (الدُّنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها إلَّا ذكرُ اللهِ وما والاهُ)، كلُّ شيءٍ لا يعودُ عليك بخيرٍ في آخرتك فلا تحفلْ به وهو باطلٌ {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} يثيبُكم على أعمالكم ويضاعفُها لكم {وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} اللهُ لما فرضَ الزَّكاة فرضَ قدرًا يسيرًا من مالِ الإنسانِ، إن كانَ من الذَّهب والفضَّة ونحوهما فربعُ العُشرِ، ربعُ العُشرِ، من الثِّمار نصفُ العشرِ أو العُشر، فما سألَ اللهُ العبادَ أموالَهم، لم يطلبْ من النَّاس أن يتبرَّعَ الإنسانُ بكلِّ ما عنده من المال، ولو كلَّفَه اللهُ ذلك لبخلَ {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} تتكشَّفُ الحقائقُ ويظهرُ ما طُبِعَ عليه الإنسانُ من الشُّحِّ والبخلِ.

 يقولُ اللهُ: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ} اللهُ هو الغنيُّ عن كلِّ ما سواهُ والعبادُ فقراءُ، {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} فالعبادُ فقراءُ إلى الله، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15]

{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} إذا تولَّى النَّاسُ عن الجهادِ جاءَ اللهُ بقومٍ لا يكونون مثلَهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة:54] واللهُ المستعانُ.

 

 (تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الآياتَ.

هذهِ الآيةُ والَّتي في البقرةِ قولُهُ: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البقرة:217] مُقيِّدتانِ لكلِّ نصٍّ مُطلَقٍ فيهِ إحباطُ العملِ بالكفرِ، فإنَّهُ مُقيَّدٌ بالموتِ عليهِ، فقالَ هنا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليومِ الآخرِ {وَصَدُّوا} الخلقَ {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} بتزهيدِهم إيَّاهم بالحقِّ، ودعوتِهم إلى الباطلِ، وتزيينِهِ، {ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ}

– الشيخ : أعوذُ بالله، أعوذُ بالله من الشِّقوة

– القارئ : لم يتوبُوا منهُ، {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} لا بشفاعةٍ ولا بغيرِها، لأنَّهُ قد تحتَّمُ عليهم العقابُ، وفاتَهم الثَّوابُ، ووجبَ عليهم الخلودُ في النَّارِ

– الشيخ : أعوذُ بالله

القارئ : وسُدَّتْ عليهم رحمةُ الرَّحيمِ الغفَّارِ.

ومفهومُ الآيةِ الكريمةِ أنَّهم إنْ تابُوا مِن ذلكَ قبلَ موتِهم، فإنَّ اللهَ يغفرُ لهم ويرحمُهم، ويُدخلُهم الجنَّةَ

الشيخ : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38]

القارئ : ولو كانُوا مفنينَ أعمارَهم في الكفرِ بهِ والصَّدِّ عن سبيلِهِ، والإقدامِ على معاصيهِ، فسبحانَ مَن فتحَ لعبادِهِ أبوابَ الرَّحمةِ، ولم يغلقْها عن أحدٍ، ما دامَ حيًّا متمكِّنًا مِن التَّوبةِ.

وسبحانَ الحليمِ، الَّذي لا يعاجلُ العاصينَ بالعقوبةِ

الشيخ : يا سلامُ سلِّمْ

القارئ : بل يعافيهم، ويرزقُهم، كأنَّهم ما عصَوهُ معَ قدرتِهِ عليهم.

ثمَّ قالَ تعالى: {فَلا تَهِنُوا} أي: لا تضعفُوا عن قتالِ عدوِّكم، ويستولي عليكم الخوفُ، بل اصبرُوا واثبتُوا، ووطِّنُوا أنفسَكم على القتالِ والجِلادِ، طلبًا لمرضاةِ ربِّكم، ونصحًا للإسلامِ، وإغضابًا للشَّيطانِ.

ولا تدعوا إلى المسالمةِ والمتاركةِ بينَكم وبينَ أعدائِكم، طلبًا للرَّاحةِ، {وَ} الحالُ أنَّكم {أنتم الأعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ} أي: ينقصَكم {أَعْمَالَكُم}

فهذهِ الأمورُ الثَّلاثةُ، كلٌّ منها مقتضٍ للصَّبرِ وعدمِ الوهنِ كونَهم الأعلينَ، أي: قد توفَّرَتْ لهم أسبابُ النَّصرِ، ووعدُوا مِن اللهِ بالوعدِ الصَّادقِ، فإنَّ الإنسانَ، لا يهِنُ إلَّا إذا كانَ أذلَّ مِن غيرِهِ وأضعفَ عددًا، وعُددًا، وقوَّةً داخليَّةً وخارجيَّةً.

الشيخ : لا حول ولا قوَّةَ إلَّا بالله

القارئ : الثَّاني: أنَّ اللهَ معَهم، فإنَّهم مؤمنون، واللهُ معَ المؤمنينَ، بالعونِ، والنَّصرِ، والتَّأييدِ، وذلكَ موجبٌ لقوَّةِ قلوبِهم، وإقدامِهم على عدوِّهم.

الثَّالثُ: أنَّ اللهَ لا ينقصُهم مِن أعمالِهم شيئًا، بل سيوفيهم أجورَهم، ويزيدُهم مِن فضلِهِ، خصوصًا عبادةُ الجهادِ، فإنَّ النَّفقةَ تُضاعَفُ فيها إلى سبعِ مائةِ ضعفٍ، إلى أضعافٍ كثيرةٍ، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة:120-121]

فإذا عرفَ الإنسانُ أنَّ اللهَ تعالى لا يضيعُ عملَهُ وجهادَهُ، أوجبَ لهُ ذلكَ النَّشاطَ وبذلَ الجهدِ فيما يترتَّبُ عليهِ الأجرُ والثَّوابُ، فكيفَ إذا اجتمعَتْ هذهِ الأمورُ الثَّلاثةُ فإنَّ ذلكَ يوجبُ النَّشاطَ التَّامَّ، فهذا مِن ترغيبِ اللهِ لعبادِهِ، وتنشيطِهم، وتقويةِ أنفسِهم على ما فيهِ صلاحُهم وفلاحُهم.

قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} الآياتَ.

هذا تزهيدٌ منهُ لعبادِهِ في الحياةِ الدُّنيا بإخبارِهم عن حقيقةِ أمرِها، بأنَّها لعبٌ ولهوٌ، لعبٌ في الأبدانِ ولهوٌ في القلوبِ، فلا يزالُ العبدُ لاهيًا في مالِهِ، وأولادِهِ، وزينتِهِ، ولذَّاتِهِ مِن النِّساءِ والمآكلِ والمشاربِ، والمساكنِ والمجالسِ، والمناظرِ والرِّياساتِ، لاعبًا في كلِّ عملٍ لا فائدةَ فيهِ، بل هوَ دائرٌ بينَ البطالةِ والغفلةِ والمعاصي

الشيخ : سبحانَ الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، لا إله إلَّا الله، سبحان الله، انظروا إلى أمرٍ عجيبٍ نسألُ اللهَ لنا ولكم الثَّباتَ، انظروا إلى حال المسلمين ما حال إعلامهم الآن، يقولون: "الإعلامُ الإسلاميُّ" ما هو بإسلاميٍّ، إلَّا النَّزر القليل على ما فيه، اللهُ أعلمُ بالنَّوايا، الإعلامُ الإسلاميُّ كلُّه قائمٌ على الباطل واللَّهو وامتاعِ النَّاس بالفضول والباطلِ والشَّهواتِ، هذا هو حالُ الإعلامِ المقروءِ والإعلامِ المنظورِ والإعلامِ المسموعِ، كلِّه سبحان الله، سبحانَ الله العظيم، نسألُ اللهَ العافيةَ.

ثمَّ أعانَ على ذلك هذه الوسائلُ الَّتي تنفذُ إلى النَّاس الباطلَ من خلال هذه القنواتِ والإذاعاتِ والصُّحف، توصلُ إلى النَّاس في أعماق بيوتهم وتوصلُ ذلك إلى أعماق قلوبِهم بسبب تعلُّق النُّفوس باللَّهو والباطل، لا إله إلَّا الله، اللهُ المستعانُ.

 

القارئ : لاعبًا في كلِّ عملٍ لا فائدةَ فيهِ، بل هوَ دائرٌ بينَ البطالةِ والغفلةِ والمعاصي

الشيخ : يعني هذه الأعمال، يعني أكثرُ عمل النَّاس دائرٌ بينَ العمل الباطل واللَّهو والغفلة وبينَ المنكر والحرام، فإمَّا مكروهاتٌ أو فضولٌ أو منكراتٌ. أعد

القارئ : بل هوَ دائرٌ بينَ البطالةِ والغفلةِ والمعاصي، حتَّى يستكملَ دنياهُ، ويحضرَهُ أجلُهُ

الشيخ : نعوذ باللهِ، اللَّهمَّ سلِّم سلِّم

القارئ : فإذا هذهِ الأمورُ قد ولَّتْ وفارقَتْ، ولم يحصلْ العبدُ منها على طائلٍ

الشيخ : بل سبَّبتْ له الشَّرَّ والشَّقاءَ في مستقبله

القارئ : حتَّى يستكملَ دنياهُ، ويحضرَهُ أجلُهُ، فإذا هذهِ الأمورُ قد ولَّتْ وفارقَتْ، ولم يحصلْ العبدُ منها على طائلٍ، بل قد تبيَّنَ لهُ خسرانُهُ وحرمانُهُ، وحضرَ عذابُهُ، فهذا موجبٌ للعاقلِ الزُّهدَ فيها

الشيخ : يا سلامُ، يا سلام

القارئ : عدم الرَّغبةِ فيها، والاهتمام بشأنِها، وإنَّما الَّذي ينبغي أنْ يهتمَّ بهِ ما ذكرَهُ بقولِهِ: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا} بأنْ تؤمنوا باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليومِ الآخرِ، وتقومُوا بتقواهُ الَّتي هيَ مِن لوازمِ الإيمانِ ومقتضياتِهِ، وهيَ العملُ بمرضاتِهِ على الدَّوامِ، معَ تركِ معاصيهِ، فهذا الَّذي ينفعُ العبدَ، وهوَ الَّذي ينبغي أنْ يُتنافَسَ فيهِ، وتُبذَلَ الهممُ والأعمالُ في طلبِهِ، وهوَ مقصودُ اللهِ مِن عبادِهِ رحمةً بهم ولطفًا؛ ليثيبَهم الثَّوابَ الجزيلَ، ولهذا قالَ: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} أي: لا يريدُ تعالى أنْ يكلِّفَكم ما يشقُّ عليكم، ويعنتَكم مِن أخذِ أموالِكم، وبقائِكم بلا مالٍ، أو ينقصَكم نقصًا يضرُّكم، ولهذا قالَ: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} أي: ما في قلوبِكم مِن الضَّغنِ، إذا طلبَ منكم ما تكرهونَ بذلَهُ.

والدَّليلُ على أنَّ اللهَ لو طلبَ منكم أموالَكم وأحفاكم بسؤالِها، أنَّكم تمتنعونَ منها، أنَّكم {تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} على هذا الوجهِ، الَّذي فيهِ مصلحتُكم الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ.

{فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ} أي: فكيفَ لو سألَكم، وطلبَ منكم أموالَكم في غيرِ أمرٍ ترونَهُ مصلحةً عاجلةً؟ أليسَ مِن بابِ أولى وأحرى امتناعُكم مِن ذلكَ.

ثمَّ قالَ: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} لأنَّهُ حرَمَ نفسَهُ ثوابَ اللهِ تعالى، وفاتَهُ خيرٌ كثيرٌ، ولن يضرَّ اللهَ بتركِ الإنفاقِ شيئًا.

واللهُ هوَ {الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} تحتاجونَ إليهِ في جميعِ أوقاتِكم، لجميعِ أمورِكم.

{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} عن الإيمانِ باللهِ، وامتثالِ ما يأمرُكم بهِ {يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} في التَّولِّي، بل يطيعونَ اللهَ ورسولَهُ، ويُحِبُّونَ اللهَ ورسولَهُ، كما قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54]

تمَّ تفسيرُ سورةِ القتالِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ. انتهى.