الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الذاريات/(5) من قوله تعالى {والسماء بنيناها بأيد} القرآن 47 إلى قوله تعالى {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} القرآن 55
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(5) من قوله تعالى {والسماء بنيناها بأيد} القرآن 47 إلى قوله تعالى {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} القرآن 55

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  الذَّاريات

الدَّرس: الخامس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:47-55]

– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلَّا الله.

يقولُ -سبحانَه وتعالى- مُنبِّهًا عبادَه على ما نصبَهُ من الآياتِ الدَّالَّةِ على قدرتِهِ وسعةِ ملكِهِ وعظمِ شأنِهِ سبحانَه، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} أي: بقوَّةٍ، ليسَتْ {أَيْدٍ} بمعنى أيدي، الأيدي، لا، بل معناها بقوَّةٍ، وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بقوَّةٍ، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} يعني: السَّمواتُ خلقَها اللهُ ووسَّعَها فهي واسعةٌ، واسعةُ الأرجاءِ متباعدةٌ، سبحانَ الَّذي خلقَها ورفعَها وأوسعَها.

{وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا} اللهُ جعلَ السَّماءَ بناءً والأرضَ فراشًا {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} اللهُ هو الَّذي مهدَ الأرضَ، هيَّأَها وذلَّلَها وجعلَها صالحةً للاستقرارِ عليها، {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ:6-7]، {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} ثناءٌ من اللهِ على نفسِه، كما يقولُ: {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الأنفال:40]، {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}.

{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} صِنفَينِ، من كلِّ شيءٍ خلقْنا صِنفَينِ، خلقَ الذَّكرَ والأنثى، وخلقَ سائرَ الأضدادِ: الحَرُّ والبردُ، والنُّورُ والظَّلامُ {جَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1]، كلُّ هذه المتقابلاتِ أنواعٌ متقابلةٌ متضادَّةٌ، فاللهُ خالقُ الأضدادِ، اللهُ تعالى خالقُ كلِّ شيءٍ، وخلقُه للأضدادِ مِن أدلِّ دليلٍ على قدرته وحكمته سبحانه، {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} يعني: فعلَ هذا ليتذكَّرَ العبادُ، ليتذكَّروا ويتفكَّروا ويهتدوا بذلك إلى ربِّهم، ويعرفون ربَّهم، فالتَّفكُّرُ في هذه الآياتِ هو طريقٌ لمعرفة اللهِ، ولهذا يقولُ أُولو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]، {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

ثمَّ قالَ تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} يأمرُ اللهُ النَّاسَ أن يفرُّوا إلى اللهِ ويهربوا ممَّا يخافونه إلى اللهِ الَّذي لا ملجأَ ولا منجى منه إلَّا إليهِ، {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}، أمرَ اللهُ نبيَّهُ أن يقولَ للنَّاس: {فِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}، فأنتم فقراءُ إلى اللهِ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ…} [فاطر:15]، فإلى اللهِ الملجأُ وإليه المفرُّ؛ لأنَّه الَّذي بيدِه ملكوتُ كلِّ شيءٍ، هو القادرُ على جلب المنافعِ ودفعِ المضارِّ، لا يأتي بالحسناتِ إلَّا هو، ولا يدفعُ السَّيِّئاتِ إلَّا هو، يقولُ: {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أمرَ اللهُ نبيَّه أنْ يقولَ للنَّاس: {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ} إِنِّي لَكُمْ من اللهِ {نَذِيرٌ} بيِّنٌ، نذيرٌ بيِّنُ النِّذارةِ، ظاهرٌ.

{وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} فتُسوُّوا به مخلوقًا وعاجزًا مُدبَّرًا تسوُّونه بالقادرِ الحكيمِ الرَّحيمِ، القادرُ على كلِّ شيءٍ الخالقُ لكلِّ شيءٍ، هذا من أسفهِ السَّفهِ، بل هو أسفهُ السَّفهِ، اتِّخاذُ إلهٍ معَ اللهِ هو أسفهُ السَّفهِ، وهو مناقِضٌ للعقل أعظمَ مناقضةٍ، {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}

ثمَّ قالَ تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} يعني: هذه شِنشِنَةُ الأممِ المكذِّبةِ للرُّسلِ كلِّهم.. وفي هذا تسليةٌ للنَّبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-، يقولُ: كلُّ الأممِ قالَتْ مثلما قالَ قومُكَ لكَ، {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} فرعونُ قالَ لموسى: أنتَ ساحرٌ ومجنونٌ، وعادٌ قالوا لهودٍ، وثمودُ قالوا لصالحٍ، {مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}. قالَ اللهُ: {أَتَوَاصَوْا بِهِ} كأنَّهم تواصوا بهذا، كأنَّ هذه الأممَ يوصي بعضُها بعضًا، هذا صورةُ حالِهم، {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أعرضْ عنهم، اللهُ يأمرُ نبيَّه يقولُ: أعرضْ عنهم {فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} إذا دعوْتَهم وبيَّنْتَ لهم وأقمْتَ الحجَّةَ عليهم فعصَوا وتمرَّدوا فأعرضْ عنهم، لسْتَ مُكلَّفًا بهدايتهم، لسْتَ مُكلَّفًا بهدايتِهم، {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272]، {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} ما أَنْتَ بِمَلُومٍ على عدمِ اهتدائِهم، ما أَنْتَ بِمَلُومٍ على الإعراضِ عنهم، {فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}.

{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} أمرَ نبيَّه بالتَّذكير وبيَّنَ أنَّ التَّذكيرَ والذِّكرى إنَّما ينتفعُ بها المؤمنون، أمَّا الكافرون العصاةُ المعاندون فلا ينتفعون بالتَّذكير، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} فكلَّما كانَ الإيمانُ أكملَ كانَ قبولُ التَّذكيرِ أتمَّ وأعظمَ.

 

 (تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.

قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} الآياتِ:

يقولُ تعالى مبيِّنًا لقدرتِهِ العظيمةِ: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} أي: خلقْناها وأتقنَّاها، وجعلْناها سقفًا للأرضِ وما عليها.

{بِأَيْدٍ} أي: بقوَّةٍ وقدرةٍ عظيمةٍ {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} لأرجائِها وأنحائِها، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أيضًا على عبادِنا بالرِّزقِ الَّذي ما تركَ دابَّةً في مهامِهِ القِفارِ، ولُجَجِ البحارِ وأقطارِ العالمِ العلويِّ والسُّفليِّ إلَّا وأوصلَ إليها مِن الرِّزقِ ما يكفيها

– الشيخ : أبو أيُّوب، أبو أيُّوب

– القارئ : غير موجود

الشيخ : شوف [انظرْ] هذه الآيةَ عندَ ابن كثيرٍ

القارئ : نعم

ولججِ البحارِ وأقطارِ العالمِ العلويِّ والسُّفليِّ إلَّا وأوصلَ إليها مِن الرِّزقِ ما يكفيها، وساقَ إليها مِن الإحسانِ ما يُغنيها.

فسبحانَ مَن عمَّ بجودِهِ جميعَ المخلوقاتِ! وتباركَ الَّذي وسعَتْ رحمتُهُ جميعَ البريَّاتِ.

{وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا} أي: جعلْناها فراشًا للخلقِ، يتمكَّنونَ فيها مِن كلِّ ما تتعلَّقُ بهِ مصالحُهم، مِن مساكنَ، وغراسٍ، وزرعٍ، وحرثٍ، وجلوسٍ وسلوكٍ للطُّرقِ الموصِلةِ إلى مقاصدِهم ومآربِهم، ولمَّا كانَ الفِراشُ، قد يكونُ صالحًا للانتفاعِ مِن كلِّ وجهٍ، وقد يكونُ مِن وجهٍ دونَ وجهٍ، أخبرَ تعالى أنَّهُ مهدَها أحسنَ مهادٍ، على أكملِ الوجوهِ وأحسنِها، وأثنى على نفسِهِ بذلكَ فقالَ: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} الَّذي مهَّدَ لعبادِهِ ما اقتضَتْهُ حكمتُهُ ورحمتُهُ وإحسانُهُ.

{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} أي: صِنفَينِ، ذكرٌ وأنثى مِن كلِّ نوعٍ مِن أنواعِ الحيواناتِ، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} لِنعمِ اللهِ الَّتي أنعمَ بها عليكم في تقديرِ ذلكَ، وحكمتِهِ حيثُ جعلَ ما هوَ السَّببُ لبقاءِ نوعِ الحيواناتِ كلِّها، لتقومُوا بتنميتِها وخدمتِها وتربيتِها، فيحصلَ مِن ذلكَ ما يحصلُ مِن المنافعِ.

فلمَّا دعا العبادَ النَّظرَ لآياتِهِ الموجبةِ لخشيتِهِ والإنابةِ إليهِ، أمرَ بما هوَ المقصودُ مِن ذلكَ، وهوَ الفِرارُ إليهِ، أي: الفِرارُ ممَّا يكرهُهُ اللهُ ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبُّهُ ظاهرًا وباطنًا، فرارًا مِن الجهلِ إلى العلمِ، ومِن الكفرِ إلى الإيمانِ، ومِن المعصيةِ إلى الطَّاعةِ، ومِن الغفلةِ إلى الذِّكرِ، فمَن استكملَ هذهِ الأمورَ فقد استكملَ الدِّينَ كلَّهُ وقد زالَ عنهُ المرهوبُ، وحصلَ لهُ غايةُ المرادِ والمطلوبِ.

وسمَّى اللهُ الرُّجوعَ إليهِ فرارًا؛ لأنَّ في الرُّجوعِ لغيرِهِ أنواعَ المخاوفِ والمكارهِ، وفي الرُّجوعِ إليهِ أنواعُ المحابِّ والأمنِ والسُّرورِ والسَّعادةِ والفوزِ، فيفرُّ العبدُ مِن قضائِهِ وقدرِهِ إلى قضائِهِ وقدرِهِ، وكلُّ مَن خِفْتَ منهُ فررْتَ منهُ إلى اللهِ تعالى فإنَّهُ بحسبِ الخوفِ منهُ، يكونُ الفرارُ إليهِ، {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي: منذِرٌ لكم مِن عذابِ اللهِ، ومخوِّفٌ بيِّنُ النِّذارةِ.

{وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} هذا مِن الفِرارِ إلى اللهِ، بل هذا أصلُ الفرارِ إليهِ أنْ يفِرَّ العبدُ مِن اتِّخاذِ آلهةٍ غيرِ اللهِ مِن الأوثانِ والأندادِ والقبورِ، وغيرِها ممَّا عُبِدَ مِن دونِ اللهِ، ويخلصُ العبدُ لربِّهِ العبادةَ والخوفَ، والرَّجاءَ والدُّعاءَ، والإنابةَ.

قالَ اللهُ تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الآياتِ:

يقولُ اللهُ مسلِّيًا لرسولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن تكذيبِ المشركينَ باللهِ، المكذِّبينَ لهُ، القائلينَ فيهِ مِن الأقوالِ الشَّنيعةِ ما هوَ منزَّهٌ عنهُ، وأنَّ هذهِ الأقوالَ ما زالَتْ دأبًا وعادةً للمجرمينَ المكذِّبينَ للرُّسلِ فما أرسلَ اللهُ مِن رسولٍ، إلَّا رماهُ قومُهُ بالسِّحرِ أو الجنونِ. يقولُ اللهُ تعالى: هذهِ الأقوالُ الَّتي صدرَتْ منهم -الأوَّلينَ والآخرينَ- هل هيَ أقوالٌ تواصَوا بها، ولقَّنَ بعضُهم بعضًا بها؟

فلا يُستغرَبُ -بسببِ ذلكَ- اتِّفاقُهم عليها: {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} تشابهَتْ قلوبُهم وأعمالُهم بالكفرِ والطُّغيانِ، فتشابهَتْ أقوالُهم النَّاشئةُ عن طغيانِهم؟ وهذا هوَ الواقعُ، كما قالَ تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة:118]، وكذلكَ المؤمنونَ لـمَّا تشابهَتْ قلوبُهم بالإذعانِ للحقِّ وطلبِهِ والسَّعي فيهِ، بادرُوا إلى الإيمانِ برسلِهم وتعظيمِهم، وتوقيرِهم، وخطابِهم بالخطابِ اللَّائقِ بهم.

{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}

الشيخ : طيب، هات ابن كثير {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}

القارئ : يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى خَلْقِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} أَيْ: جَعَلْنَاهَا سَقْفًا مَحْفُوظًا رَفِيعًا {بِأَيْدٍ} أَيْ: بِقُوَّةٍ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أَيْ: قَدْ وَسَّعْنَا أَرْجَاءَهَا وَرَفَعْنَاهَا بِغَيْرِ عَمِدٍ، حَتَّى اسْتَقَلَّتْ كَمَا هِيَ.

{وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا}

الشيخ : هذا هو الظَّاهرُ، أنَّ المرادَ "مُوسِعُونَ" أي: موسِّعون للسَّماء بتباعدِ أرجائِها، والشَّيخُ السَّعديُّ -رحمه اللهُ- جعلَه من توسعة الرِّزقِ، فموسِعون الأرزاقَ للعبادِ، من نوعِ أنَّه تعالى يبسطُ الرِّزقَ ويوسعُه على من شاءَ، {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} والظَّاهرُ هو المعنى الَّذي ذكرَه ابنُ كثيرٍ {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} للسَّماء بتباعدِ أطرافِها وأرجائِها، هذا هو الَّذي يقتضيه السِّياقُ، واللهُ أعلمُ.