الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة القمر/(5) من قوله تعالى {ولقد جاء آل فرعون النذر} الآية 41 إلى قوله تعالى {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} الآية 55
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(5) من قوله تعالى {ولقد جاء آل فرعون النذر} الآية 41 إلى قوله تعالى {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} الآية 55

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  القمر

الدَّرس: الخامس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:41-55]

– الشيخ : سبحانَهُ وتعالى، نسألُ اللهَ من فضله، لا إله إلَّا الله.

هذه هي القصَّةُ الخامسةُ من قصصِ الـمُهلَكين، قومِ نوحٍ وهودٍ وصالحٍ ولوطٍ، وفرعون الَّذي أهلكَه اللهُ وأرسلَ اللهُ له موسى وهارونَ.

{وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} جاءَهم نُذُرُ اللهِ، وهي رسالةُ موسى وهارونَ -عليهما السَّلامُ-، {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} كذَّبُوا رسلَ اللهِ وكذَّبُوا بآياتِ اللهِ وطغَوا في الأرضِ، فَأَخَذهُ اللهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، سبحانَه وتعالى، أخذَهُ وألقاهُ في اليمِّ {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ} [القصص:40]، نَبَذْنَاهُمْ: طرحْناهم طرحَ الحقيرِ الخسيسِ، {فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [القصص:40]،  {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ}.

يقولُ اللهُ لمشركي قريشٍ ومَن معَهم: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} خيرٌ من هذهِ الأممِ المكذِّبةِ الَّتي أهلكَها اللهُ {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} أو لكم براءةٌ، وأنَّكم من بينِ الأممِ لا تُعاقَبون {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} يعني: في كتبِ اللهِ الماضيةِ {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}؟

{أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} قالَ المفسِّرونَ: إنَّ هذا فيهِ إشارةٌ إلى ما وقعَ بعدَ ذلكَ من هزيمتِهم يومَ بدرٍ {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ}، {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ}، السَّاعةُ إمَّا ساعةُ القيامةِ أو ساعةُ العذابِ النَّازلِ بهم، {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}.

{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} وفي هذا وعيدٌ شديدٌ للكافرين {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} يُجمَعُ لهم بينَ العذابِ الحسِّيِّ والعذابِ الرُّوحيِّ، يُعذَّبونَ ويُوبَّخونَ {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} وهذا فيه إجمالٌ لما تقدَّمَ {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} يعني: أشباهَكم وأمثالَكم {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}.

{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} كلُّ ما فعلَه النَّاسُ كلُّه مسطورٌ في الزُّبرِ الأولى ومكتوبٌ في الكتابِ الأوَّلِ كتابِ القدرِ {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} فكتابُ القدرِ محيطٌ بكلِّ ما سيكونُ، وكتابُ الأعمالِ محيطٌ بكلِّ ما يعملُ النَّاسُ {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} مسطورٌ ومحفوظٌ وهو ما في أيدي الملائكةِ ممَّا يكتبونَهُ {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} لا إله إلَّا اللهَ، {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ}

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} ثمَّ خُتِمَتِ الآيةُ بهذه البشارةِ للمتَّقينَ، ضدُّ ما توعَّدَ اللهُ بهِ المجرمين، فكانَت السُّورةُ من أوَّلها إلى آخرِها فيها ذكرُ عقوباتِ اللهِ للمكذِّبين في الدُّنيا وفي الآخرة، وخُتِمَتِ الآيةُ بالوعدِ بما أعدَّ اللهُ لأوليائِه من الرُّسلِ وأتباعِهم {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} يعني: أنهارٌ، قالَ المفسِّرونَ {جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} يعني: أنهارٌ {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}

 

(تفسيرُ الشَّيخِ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} الآياتِ:

أي: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ} أي: فرعونَ وقومَهُ {النُّذُرُ} فأرسلَ اللهُ إليهم موسى الكليمَ، وأيَّدَهُ بالآياتِ البيِّناتِ، والمعجزاتِ الباهراتِ وأشهدَهم مِن العِبرِ ما لم يشهدْ غيرَهم فكذَّبُوا بآياتِ اللهِ كلِّها، فأخذَهم أخذَ عزيزٍ مُقتدِرٍ، فأغرقَهُ وجنودَهُ في اليمِّ، والمرادُ مِن ذكرِ هذهِ القصصِ تحذيرُ النَّاسِ والمكذِّبينَ لمحمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولهذا قالَ: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} أي: هؤلاءِ الَّذينَ كذَّبُوا أفضلَ الرُّسلِ، خيرٌ مِن أولئكَ المكذِّبينَ، الَّذين ذكرَ اللهُ هلاكَهم وما جرى عليهم؟ فإنْ كانُوا خيرًا منهم، أمكنَ أنْ ينجوا مِن العذابِ، ولم يصبْهم ما أصابَ أولئكَ الأشرارِ، وليسَ الأمرُ كذلكَ، فإنَّهم إنْ لم يكونُوا شرًّا منهم، فليسُوا بخيرٍ منهم، {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} أي: أم أعطاكم اللهُ عهدًا وميثاقًا في الكتبِ الَّتي أنزلَها على الأنبياءِ، فتعتقدونَ حينئذٍ أنَّكم النَّاجونَ بإخبارِ اللهِ ووعدِهِ؟ وهذا غيرُ واقعٍ، بل غيرُ ممكنٍ عقلًا وشرعًا، أنْ تُكتَبَ براءتُهم في الكتبِ الإلهيَّةِ المتضمِّنةِ للعدلِ والحكمةِ، فليسَ مِن الحكمةِ نجاةُ أمثالِ هؤلاءِ المعاندينَ المكذِّبينَ، لأفضلِ الرُّسلِ وأكرمِهم على اللهِ، فلم يبقَ إلَّا أنْ يكونَ بهم قوَّةٌ ينتصرونَ بها.

فأخبرَ تعالى أنَّهم يقولونَ: {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} قالَ تعالى مبيِّنًا لضعفِهم، وأنَّهم مهزومونَ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فوقعَ كما أخبرَ، هزمَ اللهُ جمعَهم الأكبرَ يومَ بدرٍ، وقُتِلَتْ صناديدُهم وكبراؤُهم ما ذلُّوا بهِ ونصرَ اللهُ دينَهُ ونبيَّهُ وحزبَهُ المؤمنينَ.

ومعَ ذلكَ، فلهم موعدٌ يجمعُ بهِ أوَّلَهم وآخرَهم، ومَن أُصيبَ في الدُّنيا منهم، ومَن مُتِّعَ بلذَّاتِهِ، ولهذا قالَ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} الَّذي يحازونَ بهِ، ويُؤخَذُ منهم الحقُّ بالقسطِ، {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} أي: أعظمُ وأشقُّ، وأكبرُ مِن كلِّ ما يُتوهَّمُ، أو يدورُ في الخيالِ.

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ} أي: الَّذين أكثرُوا مِن فعلِ الجرائمِ، وهيَ الذُّنوبُ العظيمةُ مِن الشِّركِ وغيرِهِ، مِن المعاصي {فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} أي: هم ضالُّونَ في الدُّنيا، ضلالٌ عن العلمِ، وضلالٌ عن العملِ، الَّذي يُنجيهم مِن العذابِ، ويومَ القيامةِ في العذابِ الأليمِ، والنَّارُ الَّتي تستعرُ بهم، وتشتعلُ في أجسامِهم، حتَّى تبلغَ أفئدتَهم.

{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} الَّتي هيَ أشرفُ ما بهم مِن الأعضاءِ، وأَلمُها أشدُّ مِن غيرِها،

– الشيخ : أعوذُ باللهِ، كثيرًا ما يذكرُ اللهُ وجوهَ المجرمين ووجوهَ الكافرين في العذابِ، {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف:29]، {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:24]، ولا شكَّ أنَّ مقاساةَ العذابِ بالوجهِ أشدُّ من كلِّ الأعضاءِ، نسألُ اللهَ العافيةَ، أعوذُ بالله.

 

– القارئ : فيُهانونَ بذلكَ ويُخزونَ، ويُقالُ لهم:

{ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} أي: ذوقوا ألمَ النَّارِ وأسفَها وغيظَها ولهبَها.

{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وهذا شاملٌ للمخلوقاتِ والعوالمِ العلويَّةِ والسُّفليَّةِ، أنَّ اللهَ تعالى وحدَهُ خلقَها لا خالقَ لها سواهُ، ولا مشاركَ لهُ في خلقِها.

وخلقَها بقضاءٍ سبقَ بهِ علمُهُ، وجرى بهِ قلمُهُ، بوقتِها ومقدارِها، وجميعِ ما اشتملَتْ عليهِ مِن الأوصافِ، وذلكَ على اللهِ يسيرٌ، فلهذا قالَ: {وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} فإذا أرادَ شيئًا قالَ لهُ كنْ فيكونُ كما أرادَ، كلمحِ البصرِ، مِن غيرِ ممانعةٍ ولا صعوبةٍ.

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} مِن الأممِ السَّابقينَ الَّذينَ عملُوا كما عملْتُم، وكذَّبُوا كما كذَّبْتُم {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أي: متذكِّرٍ يعلمُ أنَّ سنَّةَ اللهِ في الأوَّلِينَ والآخرينَ واحدةٌ، وأنَّ حكمتَهُ كما اقتضَتْ إهلاكَ أولئكَ الأشرارِ، فإنَّ هؤلاءِ مثلُهم، ولا فرقَ بينَ الفريقَينِ.

{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} أي: كلُّ ما فعلُوهُ مِن خيرٍ وشرٍّ مكتوبٌ عليهم في الكتبِ القدَريَّةِ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطِرٌ

– الشيخ : مُسْتَطَرٌ

– القارئ : مُسْتَطَرٌ

– الشيخ : من السَّطْر

– القارئ : أي: مُسطَّرٌ مكتوبٌ، وهذا حقيقةُ القضاءِ والقدرِ، وأنَّ جميعَ الأشياءِ كلَّها، قد علمَها اللهُ تعالى، وسطَّرَها عندَهُ في اللَّوحِ المحفوظِ، فما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشأْ لم يكنْ، فما أصابَ الإنسانَ لم يكنْ ليخطئَهُ، وما أخطأَهُ لم يكنْ ليصيبَهُ.

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} للهِ، بفعلِ أوامرِهِ وتركِ نواهيِهِ، الَّذينَ اتَّقوا الشِّركَ والكبائرَ والصَّغائرَ.

{فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} أي: في جناتِ النَّعيمِ، الَّتي فيها ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أذنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، مِن الأشجارِ اليانعةِ، والأنهارِ الجاريةِ، والقصورِ الرَّفيعةِ، والمنازلِ الأنيقةِ، والمآكلِ والمشاربِ اللَّذيذةِ، والحورِ الحِسانِ، والرَّوضاتِ البهيَّةِ في الجنانِ، ورضى الملكِ الدَّيَّانِ، والفوزِ بقربِهِ، ولهذا قالَ: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} فلا تسألْ بعدَ هذا عمَّا يعطيهم ربُّهم مِن كرامتِهِ وجودِهِ، ويمدُّهم بهِ مِن إحسانِهِ ومنَّتِهِ، جعلَنا اللهُ منهم، ولا حرمَنا خيرَ ما عندَهُ بشرِّ ما عندَنا.

تمَّ تفسيرُ هذهِ السُّورةِ والحمدُ للهِ.

– الشيخ : باركَ اللهُ بكَ، رحمَه اللهُ.