الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الرحمن/(5) من قوله تعالى {ومن دونهما جنتان} الآية 62 إلى قوله تعالى {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} الآية 78
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(5) من قوله تعالى {ومن دونهما جنتان} الآية 62 إلى قوله تعالى {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} الآية 78

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  الرَّحمن

الدَّرس: الخامس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:62-78]

الشيخ : لا إله إلَّا أنتَ سبحانَكَ.

يقولُ تعالى: {وَمِنْ دُونِهِمَا} يعني: من دونِ الجنَّتينِ الأوليينِ العليتينِ جنَّتانِ أخريانِ، وجاءَ في الحديث الصَّحيحِ: (جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَحليتُهما، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَحليتُهما) فالجنَّتانِ العلييانِ تكون للمقرَّبينَ؛ لأنَّ المؤمنين طبقتانِ مقرَّبون وأصحابُ يمينٍ أو تقولُ: مقرَّبون وأبرارٌ، واللهُ يذكرُ هذه المراتبَ في عددٍ من سورِ القرآنِ، {جَنَّتَانِ}.

{مُدْهَامَّتَانِ} هذهِ صفةٌ لها من كمالٍ وزيادةِ الخضرةِ تكونُ فيها دُهمةٌ مُدْهَامَّةٌ، والخضرةُ إذا اشتدَّتْ تكونُ تضربُ إلى سوادٍ وهذهِ هي الدُّهمةُ.

{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} فالجنَّتينِ العليَينِ فيهما عينان تجريانِ، وهنا قالَ: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} يقولُ بعضُ المفسِّرين إنَّها تجري بغيرٍ أخدودٍ، يعني: تكونُ سائحةً ساريةً.

{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ} فاكهةٌ مطلَق، فيها فاكهةٌ يعني من أنواعِ الفواكهِ {وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} إذا فيها رُطَب وفيها رمَّان، {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} أي: زوجاتٌ حسناواتٌ حِسانٌ {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ}

{حُورٌ} فسَّرَ الخيراتِ، هذا تفسيرٌ للخيراتِ أنَّهنَّ {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} من مساكنِ الجنَّةِ الخيامُ، فالجنَّةُ فيها الخيامُ وفيها القصورُ، أنواعُ المساكنِ، فيها أنواعُ المطاعمِ والمشاربِ والملابسِ وفيها الزَّوجاتُ وفيها المساكنُ كالقصور والخيامِ والغرفِ، {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} بعدَ ذكرِ كلِّ نعمةٍ ينعمُ اللهُ بها على أهلِ الجنَّةِ يقولُ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} فتذكيرُنا بهذا الخيرِ وهذا الوعدِ هو نعمةٌ تستحقُّ الشُّكرَ فله الحمدُ والشُّكرُ، في هذه الآياتِ بشارةٌ للمؤمنين، نسألُ اللهَ أن يجعلَنا وإيَّاكم منهم، اللَّهمَّ اجعلْنا منهم.

{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} هذا مثلُ ما قيلَ في نساءِ وزوجاتِ الجنَّتينِ الأوليينِ قيلَ مثلُ ذلك في زوجاتِ الجنَّتينِ الأخريينِ {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} لم يطأْهنَّ أحدٌ قبلَهم فهنَّ أبكارٌ، {أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:36-38]

{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} من أنواعِ الفرشِ، هذه أنواعُ فرشٍ ومتَّكَئاتٍ، إذًا ذُكِرَ في هذه الآياتِ من نعيمِ الجنَّةِ: المطاعمُ والمشاربُ والزَّوجاتُ والفرشُ والسُّررُ.

وخُتِمَتِ السُّورةُ بقوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} تباركَ اللهُ ربُّ العالمينَ، {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} لهُ الجلالُ والعظمةُ والإكرامُ، وهو يستحقُّ الْإجلَالَ وَالْإِكْرَامَ، يستحقُّ على عباده الإجلالَ والإكرامَ والتَّعظيمَ.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} الآياتِ:

 {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} مِن فضَّةٍ بنيانُهما وحليتُهما وآنيتُهما وما فيهما لأصحابِ اليمينِ.

وتلكَ الجنَّتانِ {مُدْهَامَّتَانِ} أي: سوداوانِ مِن شدَّةِ الخضرةِ والرَّيِّ.

{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} أي: فوَّارتانِ.

{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ} مِن جميعِ أصنافِ الفواكهِ، وأخصُّها النَّخلُ والرُّمَّانُ اللَّذانِ فيهما مِن المنافعِ ما فيهما.

{فِيهِنَّ} أي: في الجنَّاتِ كلِّها {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} أي: خيِّراتُ الأخلاقِ حسانُ الأوجهِ، فجمعْنَ بينَ جمالِ الظَّاهرِ والباطنِ، وحُسنِ الخَلقِ والخُلقِ.

{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} أي: محبوساتٌ في خيامِ اللُّؤلؤِ، قد تهيَّأْنَ وأعددْنَ أنفسَهنَّ لأزواجِهنَّ، ولا ينفي ذلكَ خروجُهنَّ في البساتينِ ورياضِ الجنَّةِ، كما جرَتِ العادةُ لبناتِ الملوكِ ونحوِهنَّ المخدَّراتِ الخَفِراتِ.

{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} أي: أصحابُ هاتينِ الجنَّتَينِ، متَّكَؤُهم على الرَّفرفِ الأخضرِ، وهيَ الفرشُ الَّتي تحتَ المجالسِ العاليةِ، الَّتي قد زادَتْ على مجالسِهم، فصارَ لها رفرفةٌ مِن وراءِ مجالسِهم، لزيادةِ البهاءِ وحسنِ المنظرِ، {وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} العبقريُّ: نسبةً لكلِّ منسوجٍ نسجًا حسنًا فاخرًا، ولهذا وصفَها بالحسنِ الشَّاملِ، لحسنِ الصِّفةِ وحسنِ المنظرِ، ونعومةِ الملمسِ، وهاتانِ الجنَّتانِ دونَ الجنَّتَينِ الأوليينِ، كما نصَّ اللهُ على ذلكَ بقولِهِ: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} وكما وصفَ الأوليَينِ بعدَّةِ أوصافٍ لم يصفْ بهِ الأخريَينِ، فقالَ في الأوليَين: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} وفي الأخريَينِ: {عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} ومِن المعلومِ الفرقُ بينَ الجاريةِ والنَّضَّاخةِ.

وقالَ في الأوليَينِ: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} ولم يقلْ ذلكَ في الأخريَينِ. وقالَ في الأوليَينِ: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} وفي الأخريَينِ {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} وقد عُلِمَ ما بينَ الوصفَينِ مِن التَّفاوُتِ.

وقالَ في الأوليَينِ: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} ولم يقلْ ذلكَ في الأخيرتَينِ، بل قالَ: {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}

وقالَ في الأوليَينِ، في وصفِ نسائِهم وأزواجِهم: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} وقالَ في الأخريَينِ: {حور مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} وقد عُلِمَ التَّفاوُتُ بينَ ذلكَ.

وقالَ في الأوليَينِ: {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ} فدلَّ ذلكَ أنَّ الأوليَينِ جزاءُ المحسنينَ، ولم يقلْ ذلكَ في الأخريَينِ.

ومجرَّدُ تقديمِ الأوليَينِ على الأخريَينِ، يدلُّ على فضلِهما.

فبهذهِ الأوجهِ يُعرَفُ فضلُ الأوليَينِ على الأخريَينِ، وأنَّهما معدَّتانِ للمقرَّبِينَ مِن الأنبياءِ، والصِّديقينَ، وخواصِّ عبادِ اللهِ الصَّالحِينَ، وأنَّ الأخريَينِ معدَّتانِ لعمومِ المؤمنينَ، وفي كلٍّ مِن الجنَّاتِ المذكوراتِ ما لا عينٌ رأَتْ، ولا أذنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، وفيهنَّ ما تشتهيهِ الأنفسُ وتلذُّ الأعينُ، وأهلُها في غايةِ الرَّاحةِ والرِّضا والطُّمأنينةِ وحسنِ المأوى، حتَّى إنَّ كلَّ واحدٍ منهم لا يرى أحدًا أحسنَ حالًا منهُ، ولا أعلى مِن نعيمِهِ الَّذي هوَ فيهِ.

ولمَّا ذكرَ سعةَ فضلِهِ وإحسانِهِ، قالَ: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإكْرَامِ} أي: تعاظمَ وكثرَ خيرُهُ، الَّذي لهُ الجلالُ الباهرُ، والمجدُ الكاملُ، والإكرامُ لأوليائِهِ.

تمَّ تفسيرُ سورةِ الرَّحمنِ، وللهِ الحمدُ والشُّكرُ والثَّناءُ الحسنُ.