بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة المجادلة
الدَّرس: الثَّالث
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:9-11]
– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلَّا الله.
هذهِ الآياتُ اشتملَتْ على بعضِ آدابِ الحديثِ والكلامِ وآدابِ المجالسةِ، فمن آدابِ الحديثِ أنْ يكونَ التَّحدُّثُ والكلامُ والتَّناجي بالأمورِ الصَّالحةِ الطَّيِّبةِ الَّتي يحبُّها اللهُ {بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وألَّا يكونَ التَّناجي والكلام {بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} فالكلامُ نوعان: نوعٌ مشروعٌ ومُستحَبٌّ أو واجبٌ، ونوعٌ هو حرامٌ، فالكلامُ فيه منه ما أمرَ اللهُ بهِ ومنهُ ما نهى عنهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ … وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} تآمرٌ بالمعروفِ، وتناهٍ عن المنكرِ، ودعوةٌ إلى الله، وتناصحٌ، هذا هو البرُّ والتَّقوى {وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ} وصيَّةٌ عامَّةٌ شاملةٌ فهي شاملةٌ للوصيَّةِ بفعلِ كلِّ ما أمرَ اللهُ به، وتركِ كلِّ ما نهى اللهُ عنهُ { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
ثمَّ قالَ تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} النَّجوى الَّتي هي المسارَّةُ بينَ اثنين، مثلًا، النَّجوى من الشَّيطانِ، التَّناجي بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ من الشَّيطانِ، والتَّناجي الَّذي يُؤذَى به المسلمُ هو من الشَّيطانِ كأنْ يتناجى اثنانِ دونَ الثَّالثِ كما جاءَ في الحديثِ (لا يتناجى اثنانِ دونَ الثَّالثِ فإنَّ ذلكَ يحزنُهُ) {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} فهذا من أدبِ الحديثِ وأدبِ الكلامِ، كلامُ النَّاسِ بعضهم معَ بعضٍ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} فالجزاءُ من جنسِ العملِ، من أدبِ المجالسةِ أن يَفسحَ بعضُ الجالسين لبعضٍ ويُوسِّعَ بعضُهم لبعضٍ {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا} يعني: قوموا وارفعوا {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} يعني: ويرفعُ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ، فالإيمانُ والعلمُ الصَّحيحُ هو سببُ الرِّفعةِ والعزِّ والكرامةِ في الدُّنيا والآخرةِ، يقولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنَّ اللهَ ليرفعُ بهذا الكتابِ) يعني: القرآنَ (ليرفعُ بهذا الكتابِ أقوامًا ويضعُ بهِ آخرينَ)، (يرفعُ اللهُ بهِ أقوامًا) الَّذين آمنوا به وتدبَّرُوه وفقهُوه، (ويضعُ بهِ آخرينَ) الَّذين أعرضُوا عنهُ.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} الآياتِ
– الشيخ : لا، قبلها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ}
– القارئ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ}؟
– الشيخ : {فَلَا تَتَنَاجَوْا}
– القارئ : هو الشَّيخُ ما تكلَّمَ عن هذه الآيةِ، والكلام الي قبل هو آخرُ شيء قرأناه بالأمسِ
– الشيخ : الآيةُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} ما تكلَّمَ عنها؟!
– القارئ : {فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
– الشيخ : إي
– القارئ : لا، الكلامُ الي قبل {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} وقرأْناه أمسِ، يقولُ هنا: قالَ تعالى في بيانِ أنَّهُ يُمهِلُ ولا يُهمِلُ: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي: تكفيهم جهنَّمُ الَّتي جمعَتْ كلَّ عذابٍ وشقاءٍ عليهم، تحيطُ بهم، ويُعذَّبونَ بها {فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} وهؤلاءِ المذكورونَ إمَّا أناسٌ مِن المنافقينَ يُظهرونَ الإيمانَ، ويخاطبونَ
– الشيخ : واضح كلُّه قرأْناه
– القارئ : إي هذا قرأْناه بالأمس، وقفْنا هنا
– الشيخ : وقفنا وين [أين توقفنا]؟
– القارئ : عند بدايةِ كلامِه على {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ}
– الشيخ : إذًا الشَّيخ تجاوزَ الآيةَ؟ تجاوزَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}؟
– القارئ : نعم
– طالب: في النُّسخ مو [ليس] مذكور إلَّا هذا {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ}
– الشيخ : يعني الشَّيخ تجاوزَها؟
– القارئ : نعم
– الشيخ : إي سبحانَ الله، بعضُ المواضعِ تسقطُ في التَّفسيرِ هذا، بعضُها يبدو أنَّ الشَّيخَ متعمِّدٌ، وبعضُها لا شكَّ أنَّ هذا سقْطٌ
– القارئ : قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: يقولُ تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى} أي: تناجي أعداءِ المؤمنينَ بالمؤمنينَ بالـمَكرِ والخديعةِ، وطلبِ السُّوءِ مِن الشَّيطانِ، الَّذي كيدُهُ ضعيفٌ ومكرُهُ غيرُ مفيدٍ.
{لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} هذا غايةُ هذا المكرِ ومقصودُهُ، {وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} فإنَّ اللهَ وعدَ المؤمنينَ بالكفايةِ والنَّصرِ على الأعداءِ، وقالَ تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ} [فاطر:43] فأعداءُ اللهِ ورسولِهِ والمؤمنينَ، مهما تناجَوا ومكرُوا، فإنَّ ضررَ ذلكَ عائدٌ إلى أنفسِهم، ولا يضرُّ المؤمنينَ إلَّا شيءٌ قدَّرَهُ اللهُ وقضاهُ، {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} أي: ليعتمدُوا عليهِ ويثقُوا بوعدِهِ، فإنَّ مَن توكَّلَ على اللهِ كفاهُ، وتولَّى أمرَ دينِهِ ودنياهُ وكفاهُ أمرَ دينِهِ ودنياهُ.
قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ…} الآيةَ:
هذا أدبٌ مِن اللهِ لعبادِهِ المؤمنينَ، إذا اجتمعُوا في مجلسٍ مِن مجالسِ مجتمعاتِهم، واحتاجَ بعضُهم أو بعضُ القادمينَ للتَّفسُّحِ لهُ في المجلسِ، فإنَّ مِن الأدبِ أنْ يفسحُوا لهُ تحصيلًا لهذا المقصودِ.
وليسَ ذلكَ بضارٍّ للفاسحِ شيئًا، فيحصلُ مقصودُ أخيهِ مِن غيرِ ضررٍ يلحقُهُ هوَ، والجزاءُ مِن جنسِ العملِ، فإنَّ مَن فَسَّحَ فسَّحَ اللهُ لهُ، ومَن وسَّعَ لأخيهِ، وسَّعَ اللهُ عليهِ.
{وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا} أي: ارتفعُوا وتنحَّوا عن مجالسِكم لحاجةٍ تعرضُ، {فَانْشُزُوا} أي: فبادرُوا للقيامِ لتحصيلِ تلكَ المصلحةِ، فإنَّ القيامَ بمثلِ هذهِ الأمورِ مِن العلمِ والإيمانِ
– الشيخ : تقتضي بعضَ الأحوالِ، تقتضي أنْ يقومَ الجالسُون من المكانِ، يقولُ صاحبُ المكانِ: لو سمحْتُم ممكن فيه ضيوف لهم منزلةٌ ولهم قدرٌ، فيستأذنُ صاحبُ المنزلِ يقولُ لهم: إذا سمحْتُم جاءَنا بعضُ الإخوان بعض الخاصَّة بعضُ الأقارب، فلا يكونُ هناك ممانعةٌ وزعلٌ، ما يكون، يعني ينبغي أنْ يقوموا بدونِ زعلٍ استجابةً لرغبةِ أخيهم وتحقيق مقصودِهِ.
– القارئ : فإنَّ القيامَ بمثلِ هذهِ الأمورِ مِن العلمِ والإيمانِ، واللهُ تعالى يرفعُ أهلَ العلمِ والإيمانِ درجاتٍ بحسبِ ما خصَّهم بهِ مِن العلمِ والإيمانِ.
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فيجازي كلَّ عاملٍ بعملِهِ، إنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشرٌّ.
– الشيخ : اللَّهمَّ سلِّمْ سلِّمْ، اللَّهمَّ سلِّمْ سلِّمْ، انتهَتْ؟
– القارئ : وفي هذهِ الآيةِ فضيلةُ العلمِ، وأنَّ زينتَهُ وثمرتَهُ التَّأدُّبُ بآدابِهِ والعملُ بمقتضاهُ.
نعم انتهى.