الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الممتحنة/(4) من قوله تعالى {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} الآية 12 إلى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم} الآية 13

(4) من قوله تعالى {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} الآية 12 إلى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم} الآية 13

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  الممتحنة

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ [الممتحنة:12-13]

– الشيخ : أحسنْتَ.

الحمدُ للهِ، يأمرُ اللهُ نبيَّه بمبايعةِ مَن جاءَه من النِّساءِ للبيعةِ، وقد تضمَّنَتْ بيعةُ النِّساءِ البيعةَ على تركِ الشِّرك والزِّنا والسَّرقة وافتراء الكذبِ، وتركِ معصيةِ اللهِ مُطلقًا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} أي: ليُبَايِعْنَكَ {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ} فأمرَ اللهُ نبيَّه أنْ يبَايِعْهُنَّ ويستغفرَ لَهُنَّ، والبيعةُ على هذهِ الأمورِ تُسمَّى: "بيعة النِّساء" {وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

وكانَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يبايعُ النِّساءَ بالكلامِ لا بالمصافحة كما يفعلُ معَ الرِّجالِ، فما مسَّتْ يدُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يدَ امرأةٍ قط.

ثمَّ ختمَ اللهُ هذه السُّورةَ بمعنى ما بدأَها به وهو نهي المؤمنين عن موالاةِ الكافرين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} ولعلَّ المرادَ بأولئك اليهودُ؛ لأنَّهم هم الموصوفون بالغضبِ دائمًا في القرآنِ {لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}، {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}، {يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:

وقولُهُ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} بأنْ ذهبْنَ مرتدَّاتٍ {فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} كما تقدَّمَ أنَّ الكفَّارَ إذا كانُوا يأخذونَ بدلَ ما يفوتُ مِن أزواجِهم إلى المسلمينَ، فمَن ذهبَتْ زوجتُهُ مِن المسلمينَ إلى الكفَّارِ وفاتَتْ عليهِ، لزمَ أنْ يعطيهِ المسلمونَ مِن الغنيمةِ بدلَ ما أنفقَ.

{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} فإيمانُكم باللهِ يقتضي منكم أنْ تكونُوا ملازمينَ للتَّقوى على الدَّوامِ.

قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} الآياتِ:

هذهِ الشُّروطُ المذكورةُ في هذهِ الآيةِ، تُسمَّى "مبايعةُ النِّساءِ" اللَّاتي كنَّ يبايعْنَ على إقامةِ الواجباتِ المشتركةِ، الَّتي تجبُ على الذُّكورِ والنِّساءِ في جميعِ الأوقاتِ.

وأمَّا الرِّجالُ، فيتفاوتُ ما يلزمُهم بحسبِ أحوالِهم ومراتبِهم وما يتعيَّنُ عليهم، فكانَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يمتثلُ ما أمرَهُ اللهُ بهِ، فكانَ إذا جاءَتْهُ النِّساءُ يبايعْنَهُ، والتزمْنَ بهذهِ الشُّروطِ بايعَهنَّ، وجبرَ قلوبَهنَّ، واستغفرَ لهنَّ اللهَ، فيما يحصلُ منهنَّ مِن التَّقصيرِ وأدخلَهنَّ في جملةِ المؤمنينَ بأنْ {لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} ويفردْنَ اللهَ وحدَهُ بالعبادةِ.

{وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ} كما يجري لنساءِ الجاهليَّةِ الجهلاءِ، {وَلا يَزْنِينَ} كما كانَ ذلكَ موجودًا كثيرًا في البغايا وذواتِ الأخدانِ، {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} والبهتانُ: الافتراءُ على الغيرِ أي: لا يفتريْنَ بكلِّ حالةٍ، سواءٌ تعلَّقَتْ بهنَّ معَ أزواجِهنَّ أو تعلَّقَ ذلكَ بغيرِهم، {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} أي: لا يعصيْنَكَ في كلِّ أمرٍ تأمرُهنَّ بهِ، لأنَّ أمرَكَ لا يكونُ إلَّا بمعروفٍ، ومِن ذلكَ طاعتُهنَّ لكَ في النَّهي عن النِّياحةِ، وشقِّ الثِّيابِ، وخمشِ الوجوهِ، والدُّعاءِ بدعوةِ الجاهليَّةِ.

{فَبَايِعْهُنَّ} إذا التزمْنَ بجميعِ ما ذُكِرَ.

{وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ} عن تقصيرِهنَّ، وتطييبًا لخواطرِهنَّ، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} أي: كثيرُ المغفرةِ للعاصِينَ، والإحسانِ إلى المذنِبينَ التَّائبينَ، {رَحِيمٌ} وسعَتْ رحمتُهُ كلَّ شيءٍ، وعمَّ إحسانُهُ البرايا.

قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا…} الآيةَ:

أي: يا أيُّها المؤمنونَ، إنْ كنْتُم مؤمنينَ بربِّكم، ومتَّبعينَ لرضاهُ ومجانبينَ لسخطِهِ، {لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} وإنَّما غضبَ عليهم لكفرِهم، وهذا شاملٌ لجميعِ أصنافِ الكفَّارِ. {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ} أي: قد حُرِمُوا مِن خيرِ الآخرةِ، فليسَ لهم منها نصيبٌ، فاحذرُوا أنْ تولُّوهم فتوافقُوهم على شرِّهم وكفرِهم فتُحرَمُوا خيرَ الآخرةِ كما حُرِمُوا.

وقولُهُ: {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} حينَ أفضَوا إلى الدَّارِ الآخرةِ، وشاهدُوا حقيقةَ الأمرِ وعلمُوا علمَ اليقينِ أنَّهم لا نصيبَ لهم منها. ويُحتمَلُ أنَّ المعنى: قد يئسُوا مِن الآخرةِ أي: قد أنكرُوها وكفرُوا بها، فلا يُستغرَبُ حينئذٍ منهم الإقدامُ على مساخطِ اللهِ وموجباتِ عذابِهِ وإياسِهم مِن الآخرةِ، كما يئسَ الكفَّارُ المنكرونَ للبعثِ في الدُّنيا مِن رجوعِ أصحابِ القبورِ إلى اللهِ تعالى.

تمَّ تفسيرُ سورةِ الممتحنةِ، واللهُ أعلمُ.

الشيخ : اللَّهمَّ صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ.