الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الصف/(3) من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} الآية 10 إلى قوله تعالى {يا أيها الذين امنوا كونوا أنصار الله} الآية 14

(3) من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} الآية 10 إلى قوله تعالى {يا أيها الذين امنوا كونوا أنصار الله} الآية 14

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  الصَّف

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:10-14]

– الشيخ : لا إله إلَّا الله.

الحمدُ لله، يدعو اللهُ عبادَه المؤمنين إلى أمرٍ عظيمِ النَّفعِ لهم، وهو ما سمَّاه تجارةً، تجارةٌ تنجيهم من عذابِ الله، ثمَّ فسَّرَ ذلك بأنَّه الإيمانُ باللهِ ورسولِه والجهادُ في سبيلِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ} {تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وليسَ هناك تجارةٌ ممَّا يتسابقُ إليه النَّاسُ وينافسون فيه تحصلُ هذه النَّتيجةُ العظيمةُ، فهذهِ أربحُ تجارةٍ، هذه هي التِّجارة الرَّابحةُ {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

ومن عواقبِ ذلك ونتائجِه مغفرةُ الذُّنوبِ: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} فوعدَ على الإيمانِ والجهادِ في سبيلهِ، وعدَ على ذلك النَّجاةَ من العذابِ ومغفرةَ الذُّنوب والفوزَ بالجنَّات، وذلك يجمعُ الأمنَ ممَّا يُخافُ والفوزَ بالمطلوبِ، الفوزُ بالمطلوبِ والنَّجاةُ من المرهوبِ، ولهذا قالَ تعالى: {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} حقًّا إنَّه الفوزُ الَّذي لا أعظمَ منه، والفوزُ هو الظَّفرُ بالمطلوبِ والنَّجاةُ من المرهوبِ.

قالَ اللهُ: {وَأُخْرَى} أيضًا، وفائدةٌ أخرى {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} أيضًا من عواقب الإيمانِ والجهادِ في سبيلِ اللهِ النَّصرُ على الأعداءِ، فهذا من الخيرِ المعجَّلِ، فذكرَ لهم الثَّوابَ العاجلَ والآجلَ، {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} ولا شكَّ أنَّ الثَّوابَ المعجَّلَ محبَّبٌ إلى النُّفوس ولهذا قالَ تعالى: {تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}

ثمَّ قالَ تعالى لنبيِّه: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} بشِّرْهم بكلِّ خيرٍ وربحٍ عاجلًا وآجلًا، {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} يعني أخبرْهم بما يسرُّهم، أخبرْهم بما وعدَهم اللهُ به من الثَّوابِ أخبرْهم، والبشارةُ هي الإخبارُ بما يسرُّ، ثمَّ وجَّهَ اللهُ تعالى أيضًا نداءً ودعوةً للمؤمنين مرَّةً أخرى دعاهم إلى أنْ يكونوا أنصارًا للهِ، أنصارًا لدينِه يوالون أولياءَ اللهِ ويعادون أعداءَ اللهِ، ويجاهدون في سبيلهِ: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} والحواريِّينَ: هم أصحابُ المسيحُ، خواصُّ الأصحابِ، الحواريُّون هم خواصُّ الأصحابِ، قالَ عيسى -عليه السَّلامُ- للحواريِّين: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} قالُوا: {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ}، {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ}

{فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} هذه نهايةُ أمرِ بني إسرائيلَ معَ المسيحِ، جاءَ المسيحُ يدعوهم يقولُ لهم: إنِّي رسولُ اللهِ، يدعوهم إلى الإيمانِ باللهِ، ويدعوهم إلى أنْ يكونوا أنصارَ اللهِ، {فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} فالَّذين آمنُوا به هم الحواريُّون ومن سارَ على أثرِهم، والَّذين كفرُوا هم اليهودُ فأيَّدَ اللهُ المؤمنين على الكافرين وأمدَّهم ونصرَهم عليهم {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ} الآياتَ:

هذهِ وصيَّةٌ ودلالةٌ وإرشادٌ مِن أرحمِ الرَّاحمينَ لعبادِهِ المؤمنينَ، لأعظمِ تجارةٍ، وأجلِّ مطلوبٍ، وأعلى مرغوبٍ، يحصلُ بها النَّجاةُ مِن العذابِ الأليمِ، والفوزِ بالنَّعيمِ المقيمِ.

وأتى بأداةِ العرضِ الدَّالَّةِ على أنَّ هذا أمرٌ يَرغبُ فيهِ كلُّ متبصِّرٍ، ويسمو إليهِ كلُّ لبيبٍ، فكأنَّهُ قيلَ: ما هذهِ التِّجارةُ الَّتي هذا قدرُها؟ فقالَ: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}

ومِن المعلومِ أنَّ الإيمانَ التَّامَّ هوَ التَّصديقُ الجازمُ بما أمرَ اللهُ بالتَّصديقِ بهِ، المستلزِمُ لأعمالِ الجوارحِ، الَّتي مِن أجلِّها الجهادُ في سبيلِهِ فلهذا قالَ: {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} بأنْ تبذلُوا نفوسَكم ومُهجَكم، لمصادمةِ أعداءِ الإسلامِ، والقصدُ نصرُ دينِ اللهِ وإعلاءُ كلمتِهِ، وتنفقونَ ما تيسَّرَ مِن أموالِكم في ذلكَ المطلوبِ، فإنَّ ذلكَ وإنْ كانَ كريهًا للنُّفوسِ شاقًّا عليها، فإنَّهُ {خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فإنَّ فيهِ الخيرَ الدُّنيويَّ، مِن النَّصرِ على الأعداءِ، والعزِّ المنافي للذُّلِّ والرِّزقِ الواسعِ، وسعةِ الصَّدرِ وانشراحِهِ.

والخيرَ الأخرويَّ بالفوزِ بثوابِ اللهِ والنَّجاةِ مِن عقابِهِ، ولهذا ذكرَ الجزاءَ في الآخرةِ، فقالَ: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وهذا شاملٌ للصَّغائرِ والكبائرِ، فإنَّ الإيمانَ باللهِ والجهادَ في سبيلِهِ، مكفِّرٌ للذُّنوبِ، ولو كانَتْ كبائرَ.

{وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} أي: مِن تحتِ مساكنِها وقصورِها وغرفِها وأشجارِها، أنهارٌ مِن ماءٍ غيرِ آسنٍ، وأنهارٌ مِن لبنٍ لم يتغيَّرْ طعمُهُ، وأنهارٌ مِن خمرٍ لذَّةً للشَّاربينَ، وأنهارٌ مِن عسلٍ مصفَّىً، ولهم فيها مِن كلِّ الثَّمراتِ، {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} أي: جمعَتْ كلَّ طيِّبٍ، مِن علوٍّ وارتفاعٍ، وحسنِ بناءٍ وزخرفةٍ، حتَّى إنَّ أهلَ الغرفِ مِن أهلِ عليِّينَ، يتراءاهم أهلُ الجنَّةِ كما يُتراءَى الكوكبُ الدُّرِّيُّ في الأفقِ الشَّرقيِّ أو الغربيِّ، وحتَّى إنَّ بناءَ الجنَّةِ بعضُهُ مِن لَبَنِ ذهبٍ وبعضُهُ مِن لَبِنِ ذهبٍ وبعضُهُ مِن لَبِنِ فضَّةٍ، وخيامُها مِن اللُّؤلؤِ والمرجانِ، وبعضُ المنازلِ مِن الزُّمردِ والجواهرِ الملوَّنةِ بأحسنِ الألوانِ، حتَّى إنَّها مِن صفائِهِا يُرَى ظاهرُها مِن باطنِها، وباطنُها مِن ظاهرِها، وفيها مِن الطِّيبِ والحسنِ ما لا يأتي عليهِ وصفُ الواصفِينَ، ولا خطرَ على قلبِ أحدٍ مِن العالمينَ، لا يمكنُ أنْ يدركُوهُ حتَّى يروهُ، ويتمتَّعُوا بحسنِهِ وتقرَّ بهِ أعينُهم، ففي تلكَ الحالةِ، لولا أنَّ اللهَ خلقَ أهلَ الجنَّةِ، وأنشأَهم نشأةً كاملةً لا تقبلُ العدمَ، لأوشكَ أنْ يموتوا مِن الفرحِ، فسبحانَ مَن لا يحصي أحدٌ مِن خلقِهِ ثناءً عليهِ، بل هوَ كما أثنى على نفسِهِ وفوقَ ما يثني أحدٌ مِن خلقِهِ وتباركَ الجليلُ الجميلُ، الَّذي أنشأَ دارَ النَّعيمِ، وجعلَ فيها مِن الجلالِ والجمالِ ما يبهرُ عقولَ الخلقِ ويأخذُ بأفئدتِهم.

وتعالى مَن لهُ الحكمةُ التَّامَّةُ، الَّتي مِن جملتِها، أنَّهُ: أنَّهُ لو رأى العبادُ الجنَّةَ ونظرُوا إلى ما فيها مِن النَّعيمِ لَمَا تخلَّفَ عنها أحدٌ، ولَمَا هناهم العيشُ في هذهِ الدَّارِ المنغَّصةِ، المشوبِ نعيمُها بألمِها، وفرحُها بترحِها.

وسُمِّيَتِ الجنَّةُ جنَّةَ عدنٍ، لأنَّ أهلَها مقيمونَ فيها، لا يخرجونَ منها أبدًا، ولا يبغونَ عنها حِوَلًا ذلكَ الثَّوابُ الجزيلُ، والأجرُ الجميلُ، الفوزُ العظيمُ، الَّذي لا فوزَ مثلُهُ، فهذا الثَّوابُ الأخرويُّ.

وأمَّا الثَّوابُ الدُّنيويُّ لهذهِ التِّجارةِ، فذكرَهُ بقولِهِ: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} أي: ويحصلُ لكم خصلةٌ أخرى تحبُّونَها وهيَ: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ} لكم على الأعداءِ، يحصلُ بهِ العزُّ والفرحُ، {وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} تتَّسعُ بهِ دائرةُ الإسلامِ، ويحصلُ بهِ الرِّزقُ الواسعُ، فهذا جزاءُ المؤمنينَ المجاهدينَ، وأمَّا المؤمنونَ مِن غيرِ أهلِ الجهادِ، إذا قامَ غيرُهم بالجهادِ فلم يُؤَيِّسْهُمُ اللهُ تعالى مِن فضلِهِ وإحسانِهِ، بل قالَ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} أي: بالثَّوابِ العاجلِ والآجلِ، كلٌّ على حسبِ إيمانِهِ، وإنْ كانُوا لا يبلغونَ مبلغَ المجاهدينَ في سبيلِ اللهِ، كما قالَ النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَن رضيَ باللهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمَّدٍ رسولًا، وجبَتْ لهُ الجنَّةُ) فعجبَ لها أبو سعيدٍ الخدريُّ -راوي الحديثِ- فقالَ: أعدْها عليَّ يا رسولَ اللهِ، فأعادَها عليهِ ثمَّ قالَ: (وأخرى يرفعُ بها العبدَ مائةَ درجةٍ في الجنَّةِ ما بينَ كلِّ درجتَينِ كما بينَ السَّماءِ والأرضِ) فقالَ: وما هيَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: (الجهادُ في سبيلِ اللهِ، الجهادُ في سبيلِ اللهِ) رواهُ مُسلِمٌ.

ثمَّ قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} أي: بالأقوالِ والأفعالِ، وذلكَ بالقيامِ بدينِ اللهِ، والحرصِ على تنفيذِهِ على الغيرِ، وجهادِ مَن عاندَهُ ونابذَهُ، بالأبدانِ والأموالِ، ومِن نصرِ الباطلِ بما يزعمُهُ مِن العلمِ وردِّ الحقِّ، بدحضِ حجَّتِهِ، وإقامةِ الحجَّةِ عليهِ، والتَّحذيرِ منهُ.

ومِن نصرِ دينِ اللهِ، تعلُّمُ كتابِ اللهِ وسنَّةِ رسولِهِ، والحثُّ على ذلكَ، والأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكرِ.

ثمَّ هيَّجَ اللهُ المؤمنينَ بالاقتداءِ بمَن قبلَهم مِن الصَّالحينَ بقولِهِ: {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} أي: قالَ لهم منبِّهًا مَن يعاونُني ويقومُ معي في نصرتي لدينِ اللهِ، ويدخلُ مدخلي، ويخرجُ مخرجي؟

فابتدرَ الحواريُّونَ، فقالُوا: {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} فمضى عيسى -عليهِ السَّلامُ- على أمرِ اللهِ ونصرِ دينِهِ، هوَ ومَن معَهُ مِن الحواريِّينَ، {فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} بسببِ دعوةِ عيسى والحواريِّينَ، {وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ} منهم، فلم ينقادُوا لدعوتِهم، فجاهدَ المؤمنونَ الكافرين،َ {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ} أي: قوَّيْناهم ونصرْناهم عليهم.

{فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} عليهم وقاهرينَ لهم، فأنتم يا أمَّةَ محمَّدٍ كونُوا أنصارَ اللهِ ودعاةَ دينِهِ، ينصرُكم اللهُ كما نصرَ مَن قبلَكم، ويظهرُكم على عدوِّكم.

تمَّتْ وللهِ الحمدُ.

– الشيخ : الحمدُ للهِ.