الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الجمعة/(2) من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} الآية 9 إلى قوله تعالى {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} الآية 11

(2) من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} الآية 9 إلى قوله تعالى {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} الآية 11

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  الجمعة

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الجمعة:9-11]

– الشيخ : سبحانَهُ وتعالى.

الحمدُ للهِ، يأمرُ اللهُ عبادَه المؤمنين بالسَّعي إلى الجمعةِ بعدَ النِّداءِ، {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} فيجبُ السَّعي إلى الجمعةِ إذا نُودِيَ لها، وذلكَ بالمضيِ فيها، وليسَ المرادُ سرعةَ المشيِ والجري، لا، المرادُ المضي والعزمُ في القلبِ {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} اتركوا البيعَ، فهذا نهيٌ، أمرٌ مضمونُه النَّهي عن البيعِ، فلا يحلُّ البيعُ والاشتغالُ به بعدَ النِّداء الثَّاني للجمعةِ، بعدَ النِّداء الثَّاني؛ لأنَّ هذا هو الَّذي كان موجودًا في عهدِ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأمَّا النِّداءُ الأوَّلُ فهذا سنَّهُ الخليفةُ الرَّاشديُّ عثمان -رضيَ اللهُ عنهُ- وأخذَ به المسلمون من بعدِه.

{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} سعيُكم إلى الجمعةِ إلى ذكرِ اللهِ، وذكرُ اللهِ يشملُ الصَّلاةَ والخطبةَ، فيجبُ السَّعي، ولا يجوزُ التَّأخُّرُ، {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} وهو ما يحصلُ لهم من الأجرِ والثَّوابِ وتحقيقِ إيمانِهم بفعلِ ما فرضَ اللهُ عليهم {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إنْ كنْتُم من أهلِ العلمِ والبصيرةِ فهذا هو الواجبُ عليكم.

{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} وفُرِغَ من الصَّلاةِ، هذا هو المقصودُ، إذا فُرِغَ من الصَّلاةِ {فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} وهذا أمرٌ معناه الإباحةُ والإذنُ، هذا إذنٌ، {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} اطلبوا التِّجارةَ واطلبوا الرِّزقَ فلا حرجَ، فلمَّا نهى عن البيعِ قبلَ الصَّلاةِ أذنَ فيه بعدَ الصَّلاةِ، ولهذا صارَ من عادةِ النَّاسِ بعدَ صلاةِ الجمعةِ أنَّهم يعرضون تجاراتهم ويعرضون السِّلعَ ويقصدون الأسواقَ، {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} فلا ينبغي الاشتغالُ بالدُّنيا عن الآخرةِ، بل ينبغي للمسلمِ أن يكثرَ من ذكرِ اللهِ وإنْ اتَّجرَ وإنْ باعَ واشترى فلا يُلهِهِ ذلك، كما قالَ تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37]، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

ثمَّ قالَ تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} وهذا إخبارٌ عمَّا جرى في مرَّةٍ من المرَّات أنَّ الصَّحابةَ كانوا معَ النَّبيِّ في المسجدِ وهو يخطبُ بهم فسمعوا مقدمَ تجارةٍ، سمعوا بذلك، ولعلَّ السُّوقَ ليسَ بعيدًا عن المسجدِ، فلمَّا سمعوا انفضُّوا أو انفضَّ كثيرٌ منهم، ولعلَّهم كانوا في حاجةٍ، فعابَهم اللهُ بذلك {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} رأوها بأبصارِهم أو علمُوا بها {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} انصرفُوا إليها {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}.

{قُلْ} يا أيُّها النَّبيُّ قلْ لأصحابِك قلْ لهؤلاء الَّذين انفضُّوا {قُلْ} لهم {مَا عِنْدَ اللَّهِ} مِن الأجرِ والثَّواب والعطاءِ والرِّزقِ {خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} سبحانَه وتعالى، فلا رزقَ إلَّا منه، وكلُّ رزقٍ يحصلُ للعبدِ فهو منهُ، وإنْ حصلَ على يدِ بعضِ العبادِ، فهو منهُ تعالى، هو الخالقُ له وهو الميسِّرُ لأسبابِهِ.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الآياتِ:

يأمرُ تعالى عبادَهُ المؤمنينَ بالحضورِ لصلاةِ الجمعةِ والمبادرةِ إليها، مِن حينِ يُنادَى لها والسَّعي إليها، والمرادُ بالسَّعي هنا: المبادرةُ إليها والاهتمامُ لها، وجعلُها أهمُّ الأشغالِ، لا العدوُ الَّذي قد نُهِيَ عنهُ عندَ المضيِ إلى الصَّلاةِ، وقولُهُ: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} أي: اتركُوا البيعَ، إذا نُودِيَ للصَّلاةِ، وامضوا إليها.

فإنَّ {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} مِن اشتغالِكم بالبيعِ، وتفويتِكم الصَّلاةَ الفريضةَ، الَّتي هيَ مِن آكدِ الفروضِ.

{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أنَّ ما عندَ اللهِ خيرٌ وأبقى، وأنَّ مَن آثرَ الدُّنيا على الدِّينِ، فقد خسرَ الخسارةَ الحقيقيَّةَ، مِن حيثُ يظنُّ أنَّهُ يربحُ، وهذا الأمرُ بتركِ البيعِ مؤقَّتٌ مدَّةَ الصَّلاةِ.

{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ} لطلبِ المكاسبِ والتِّجاراتِ، ولَمَّا كانَ الاشتغالُ في التِّجارةِ مظنَّةُ الغفلةِ عن ذكرِ اللهِ، أمرَ اللهُ بالإكثارِ مِن ذكرِهِ، فقالَ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} أي: في حالِ قيامِكم وقعودِكم

– الشيخ : في جميعِ الأحوالِ

– القارئ : وعلى جنوبِكم، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فإنَّ الإكثارَ مِن ذكرِ اللهِ أكبرُ أسبابِ الفلاحِ.

{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} أي: خرجُوا مِن المسجدِ، حرصًا على ذلكَ اللَّهوِ، وتلكَ التِّجارةِ، وتركُوا الخيرَ، {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} تخطبُ النَّاسَ، وذلكَ في يومِ جمعةٍ، بينَما النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطبُ النَّاسَ، إذْ قدمَ المدينةَ، عِيْرٌ تحملُ تجارةً، فلمَّا سمعَ النَّاسُ بها، وهم في المسجدِ، انفضُّوا مِن المسجدِ، وتركُوا النَّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطبُ استعجالًا لِمَا لا ينبغي أنْ يُستعجَلَ لهُ، وتركَ أدبٍ، {قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ} مِن الأجرِ والثَّوابِ، لِمَن لازمَ الخيرَ وصبَّرَ نفسَهُ على عبادةِ اللهِ.

{خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} الَّتي، وإنْ حصلَ منها بعضُ المقاصدِ، فإنَّ ذلكَ قليلٌ منغِّصٌ، مفوِّتٌ لخيرِ الآخرةِ، وليسَ الصَّبرُ على طاعةِ اللهِ مفوِّتًا للرِّزقِ، فإنَّ اللهَ خيرُ الرَّازقينَ، فمَن اتَّقى اللهَ رزقَهُ مِن حيثُ لا يحتسبُ.

وفي هذهِ الآياتِ فوائدُ عديدةٌ:

منها: أنَّ الجمعةَ فريضةٌ على المؤمنينَ، يجبُ عليهم السَّعيُ لها، والمبادرةُ والاهتمامُ بشأنِها.

ومنها: أنَّ الخطبتَينِ يومَ الجمعةِ، فريضةٌ يجبُ حضورُهما، لأنَّهُ فسَّرَ الذِّكرَ هنا بالخطبتينِ، فأمرَ اللهُ بالمضيِ إليهِ والسَّعيِ لهُ.

ومنها: مشروعيَّةُ النِّداءِ ليومِ الجمعةِ، والأمرُ بهِ.

ومنها: النَّهيُ عن البيعِ والشِّراءِ، بعدَ نداءِ الجمعةِ، وتحريمُ ذلكَ، وما ذاكَ إلَّا لأنَّهُ يفوِّتُ الواجبَ ويُشغِلُ عنهُ، فدلَّ ذلكَ على أنَّ كلَّ أمرٍ ولو كانَ مباحًا في الأصلِ، إذا كانَ ينشأُ عنهُ تفويتُ واجبٍ، فإنَّهُ لا يجوزُ في تلكَ الحالِ.

ومنها: الأمرُ بحضورِ الخطبتَينِ يومَ الجمعةِ، وذمُّ مَن لم يحضرْهما، ومِن لازمِ ذلكَ الإنصاتُ لهما.

ومنها: أنَّهُ ينبغي للعبدِ المقبِلِ على عبادةِ اللهِ، وقتَ دواعي النَّفسِ لحضورِ اللَّهوِ والتِّجاراتِ والشَّهواتِ، أنْ يذكِّرَها بما عندَ اللهِ مِن الخيراتِ، وما لمؤثِرِ رضاهُ على هواهُ.

تمَّ تفسيرُ سورةِ الجمعةِ، بمنِّ اللهِ وعونِهِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

– الشيخ : أحسنْتَ.