الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة المنافقون/(3) من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم} الآية 9 إلى قوله تعالى {ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها} الآية 11

(3) من قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم} الآية 9 إلى قوله تعالى {ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها} الآية 11

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة "المنافقون"

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:9-11]

– الشيخ : إلى هنا.

بعدَما ذكرَ اللهُ أحوالَ المنافقين وقبَّحَهم وذمَّهم توجَّهَ الكلامُ والخطابُ إلى المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ} لا تشغلكم {أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ} واللَّهوُ: هو انشغالُ القلبِ بالشَّيءِ وتعلُّقِهِ به، {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ} جمعُها وحفظُها {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} ذكرُه بالقلبِ واللِّسانِ، ذكرُهُ الواجبُ والمستحَبُّ، وأعظمُ الذِّكرِ الواجب الصَّلواتُ الخمسُ.

قالَ اللهُ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} يعني: اللَّهو بالأموالِ والأولادِ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} وهذا يختصُّ بالذِّكرِ الواجبِ، فالذِّكرُ فيه واجبٌ وفيه مستحَبٌّ وفيه مطلَقٌ وفيه مقيَّدٌ، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} يعني: من يلهو بمالِهِ وولدِه عمَّا أوجبَ اللهُ عليهِ مِن الذِّكرِ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.

ثمَّ أمرَ تعالى بالإنفاقِ من هذهِ الأموالِ، فنهى عن اللَّهوِ بها وأمرَ باستعمالِها فيما يقرِّبُ إلى اللهِ {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} يشملُ: النَّفقةَ الواجبةَ كالزَّكاةِ والنَّفقاتِ الواجبةِ، ويشملُ الإنفاقَ المستحَبَّ من الصَّدقات العامَّة {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} يعني: بادرُوا بادروا قبلَ الموتِ فإنَّه إذا جاءَ الموتُ فاتَ، فاتَتِ الفرصةُ وفاتَ وقتُ الإنفاقِ، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ}

مَن جاءَه الموتُ وقد فرَّطَ {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} يتمنَّى الرَّجعةَ، يتمنَّى التَّأخيرَ، تأخيرُ الموتِ، لعلَّه يتصدَّقُ، ولكن هيهاتَ، {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ}

قالَ اللهُ: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا} إذًا هذا مطلبٌ مستحيلٌ، {لَوْلَا أَخَّرْتَنِي…} هذا مطلبٌ غيرُ ممكنٍ، وبيَّنَ اللهُ ذلك في قولِهِ: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} فإذا حضرَ الموتُ فلا يمكن التَّأخيرُ، {لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]، {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} اللهُ لا تخفى عليه خافيةٌ، يعلمُ ما يخفي العبادُ وما يعلنون، ويعلمُ أعمالَهم قليلَها وكثيرَها صغيرَها وكبيرَها ظاهرَها وخفيَّها.

{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فخافوهُ وراقبوهُ واتَّقوهُ، يعني: ذكرَ العلمَ والخبرةَ هنا؛ للأمرِ بالمبادرةِ والإنفاقِ والإحسانِ والتَّقوى، فمَن استحضرَ واستشعرَ علمَ اللهِ واطِّلاعَهُ عليهِ لم يُقدِمْ على معاصيه ولم يفرِّطْ في الواجباتِ حياءً من الله وتعظيمًا لهُ سبحانَهُ.

 

 (تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:

ثمَّ قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الآياتِ:

يأمرُ تعالى عبادَهُ المؤمنينَ بالإكثارِ مِن ذكرِهِ، فإنَّ في ذلكَ الرِّبحَ والفلاحَ، والخيراتِ الكثيرةَ، وينهاهم أنْ تُشغِلَهم أموالُهم وأولادُهم عن ذكرِهِ، فإنَّ محبَّةَ المالِ والأولادِ مجبولةٌ عليها أكثرُ النُّفوسِ، فتقديمُها على محبَّةِ اللهِ، وفي ذلكَ الخسارةُ العظيمةُ، ولهذا قالَ تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} أي: يُلهِهِ مالُهُ وولدُهُ عن ذكرِ اللهِ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} للسَّعادةِ الأبديَّةِ، والنَّعيمِ المقيمِ، لأنَّهم آثرُوا ما يفنى على ما يبقى، قالَ تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن:15]

وقولُهُ: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} يدخلُ في هذا، النَّفقاتُ الواجبةُ، مِن الزَّكاةِ والكفَّاراتِ ونفقةِ الزَّوجاتِ، والمماليكِ ونحوِ ذلكَ، والنَّفقاتُ المُستحَبَّةُ، كبذلِ المالِ في جميعِ المصالحِ، وقالَ: {مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} ليدلَّ ذلكَ على أنَّهُ تعالى، لم يكلِّفْ العبادَ مِن النَّفقةِ، ما يعنتُهم ويشقُّ عليهم، بل أمرَهم

– الشيخ : لم يقلْ: "أنفقُوا ما رزقْناكم"، بل {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، فالمأمورُ به هو البعضُ، ولهذا الزَّكاةُ ربعُ العُشرِ، نصفُ العُشرِ، قليلٌ من كثيرٍ.

 

– القارئ : بل أمرُهُ بإخراجِ جزءٍ ممَّا رزقَهم اللهُ ويسَّرَ لهم أسبابَهُ. فليشكرُوا الَّذي أعطاهم، بمواساةِ إخوانِهم المحتاجينَ، وليبادرُوا بذلكَ، قبلَ الموتِ الَّذي إذا جاءَ، لم يُمْكِنِ العبدُ أنْ يأتيَ بمثقالِ ذرَّةٍ مِن الخيرِ، ولهذا قالَ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ} متحسِّرًا على ما فرَّطَ في وقتِ الإمكانِ، سائلًا الرَّجعةَ الَّتي هيَ مُحالٌ: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي: لأتداركَ ما فرَّطْتُ فيهِ، {فَأَصَّدَّقَ} مِن مالي، ما بهِ أنجو مِن العذابِ، وأستحقُّ بهِ جزيلَ الثَّوابِ، {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} بأداءِ المأموراتِ كلِّها، واجتنابِ المنهيَّاتِ، ويدخلُ في هذا، الحجُّ وغيرُهُ، وهذا السُّؤالُ والتَّمنِّي قد فاتَ وقتُهُ ولا يمكنُ تدارُكُهُ، ولهذا قالَ: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} المحتومُ لها {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} مِن خيرٍ وشرٍّ، فيجازيكم على ما عَلِمَهُ منكم، مِن النِّيَّاتِ والأعمالِ.

تمَّ تفسيرُ سورةِ "المنافقونَ"، وللهِ الحمدُ.