بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة التَّحريم
الدَّرس: الثَّالث
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيم:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:9-12]
– الشيخ : الحمدُ لله، يقولُ تعالى لنبيه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} {جَاهِدِ الْكُفَّارَ} بالقتالِ وجاهد المُنافقين ببيانِ الحُجَّةِ، وكفِّ شرِّ الكافرين، والمُنافقين، {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} يعني جاهِدْهم بغِلظةٍ لا بلينٍ وتسهيل، لأنَّهم أعداءٌ أَلِدَّاء ولا يردعُهم إلَّا الشدة، قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123] فهذا تطابقٌ بين الآيتين بين أمرِ الله لنبيِّه وأمرِه للمؤمنين.
ثم يُخبرُ تعالى أنَّ مأوى الجميعِ من الكفارِ والمنافقين مأواهم جهنم: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء:140] {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} جهنم، إي واللهِ إنَّها المصيرُ الذي هو غايةٌ في الشقاءِ والشِّدة.
ثم قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} اللهُ يذكرُ امرأةَ نوحٍ وامرأة لوطٍ مثلًا للكافرِ الذي لا تنفعُه صلتُه بالصالحِ فلا يُغني أحدٌ عن أحد، لا يُغني أحدٌ عن أحدٍ، فهذه امرأةُ نوحٍ امرأةُ نبيٍّ، وامرأةُ لوطٍ كذلك، وقد هلكَا مع الهالكين، هلكَتَا مع الهالِكين، فلم يُغني عنهما زوجَاهما {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} فالأنبياءُ هم خِيرةُ الصالحين، الأنبياءُ هم خِيرةُ الصَّالحين لكنهم يدخلون في عمومِ الصَّالِحين، قالَ الله في لوط: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء:75].
يقولُ تعالى: {فَخَانَتَاهُمَا} قالَ أهلُ العلم: خيانتُهما بالكفرِ والتكذيبِ ومُمالئةِ قومِهما لا بالزِّنى، فما زنَت امرأةُ نبيٍّ قط؛ لأنَّ اللهَ يُطهِّرُ أنبياءه ويعصمُهم من أن يُعاشروا زانيةً، فخيانتُهما بالكفرِ والتكذيب {فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} ما نفعَهما، ما نفعَ امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ أنَّهما زوجتان لعبدَين من عبادِ اللهِ الصالحين، فلا يتكلُ أحدٌ لا على نسبٍ ولا على قرابةٍ وعلى علاقةِ صِهرٍ، الرسولُ -عليه الصلاةُ والسلام- حين أنزلَ اللهُ عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] صارَ يُخاطِبُ قريشًا ويقولُ لكلٍّ منهم: (لا أُغني عنكم مِن اللهِ شيئًا).
{وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} قِيلَ: امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ {ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} لأنَّ قومَهما صارا إلى النار، كما قالَ اللهُ في قومِ نوح: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح:25] فامرأةُ نوحٍ مع قومِها وامرأةُ لوطٍ مع قومِها في المصيرِ هلكَتا مع الهالِكين وصارا إلى النارِ مع قومِهما: {وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} وكأنَّ هذا -واللهُ أعلمُ- مُناسِبٌ لما جاءَ في أول السورةِ من العِتابِ لزوجَتَي النبيِّ عائشةَ وحفصةَ اللتَين كانَ منهما بعضُ التظاهرِ وإفشاءُ السِّرِّ، ففيه تنبيهٌ لهما إلى لزومِ الطاعة -طاعةِ الله ورسوله- وأنَّه لا يُغني عنهما صلتُهما بالنبيِّ، قالَ اللهُ في نساءِ النبي: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب:30].
ثم قالَ تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا} ويذكرُ امرأةَ فرعون امرأة الطاغيةِ الكافرِ الشديدِ الكفرِ والعناد، لما آمنت لم يضرَّها صلتُها به –بفرعون-. كونُ المؤمنِ له قرابةٌ فلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، اللهُ تعالى يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] فصِلةُ الكافرِ بالمؤمنِ لا تضرُّ المؤمنَ ولا تنفعُ الكافرَ،صلتُه بالمؤمنِ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} وهي التي لما أُتِيَ لها بموسى رضيعًا قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص:9] كانت امرأةً مؤمنةً صالحةً من أولِ أمرِها قبل إرسالِ موسى، فلمَّا جاءَ موسى آمنَت به، فسبحانَ اللهِ الذي يمنُّ على من يشاء، يهدي من يشاء، ويُضِلُّ من يشاء.
ومن النساءِ الصالحاتِ المؤمنات الصِّدِّيقةُ مريمُ بنت عمران {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} وقد قصَّ الله علينا قصةَ ولادتِها وحمْلَ أمِّها بها "امرأة عمران" {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} وهي التي دعَتْ لها أمُّها فقالت: {إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:36] وقد أعاذَها الله وذرِّيَتَها من الشيطانِ أجابَ الله دعاءَ امرأةِ عمران، قالَ اللهُ في شأنِ مريم: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}.
(تفسيرُ السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصَّلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السَّعدي -رحمَه الله تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} الآية:
يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا شَامِلٌ لِجِهَادِهِمْ، بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَدَعْوَتِهِمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَإِبْطَالِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّلَالِ، وَجِهَادِهِمْ بِالسِّلَاحِ وَالْقِتَالِ لِمَنْ أَبَى أَنَّ يُجِيبَ دَعْوَةَ اللَّهِ وَيَنْقَادَ لِحُكْمِهِ، فَإِنَّ هَذَا يُجَاهَدُ وَيُغْلَظُ لَهُ، وَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الْأَوْلَى، فَتَكُونُ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَالْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ لَهُمْ عَذَابٌ فِي الدُّنْيَا، بِتَسْلِيطِ اللَّهِ لِرَسُولِهِ وَحِزْبِهِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى جِهَادِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَعَذَابُ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهَا كُلُّ شَقِيٍّ خَاسِرٍ.
– الشيخ : نعوذُ بالله، نعوذُ بالله
– القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا} الآيات:
هَذَانَ الْمَثَلَانِ اللَّذَانِ ضَرَبَهُمَا اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ اتِّصَالَ الْكَافِرِ بِالْمُؤْمِنِ وَقُرْبَهُ مِنْهُ لَا يُفِيدُهُ شَيْئًا،
– الشيخ : يعني: بنسبٍ أو صِهْر.
– القارئ : وَأَنَّ اتِّصَالَ الْمُؤْمِنِ بِالْكَافِرِ لَا يَضُرُّهُ شَيْئًا مَعَ قِيَامِهِ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ.
فَكَأَنَّ فِي ذَلِكَ إِشَارَةً وَتَحْذِيرًا لِزَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَنَّ اتِّصَالَهُنَّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يَنْفَعُهُنَّ شَيْئًا مَعَ الْإِسَاءَةِ، فَقَالَ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا} أَيِ: الْمَرْأَتَانِ {تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} وَهَمَا نُوحٌ، وَلُوطٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
{فَخَانَتَاهُمَا} فِي الدِّينِ، بِأَنْ كَانَتَا عَلَى غَيْرِ دِينِ زَوْجَيْهِمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْخِيَانَةِ لَا خِيَانَةَ النَّسَبِ وَالْفِرَاشِ، فَإِنَّهُ مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطْ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْعَلَ امْرَأَةَ أَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَائِهِ بَغْيًا، {فَلَمْ يُغْنِيَا} أَيْ: نُوحٌ وَلُوطٌ {عَنْهُمَا} أَيْ: عَنِ امْرَأَتَيْهِمَا {مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ} لَهُمَا {ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}.
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} وَهِيَ آسِيَةُ بِنْتِ مُزَاحِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فَوَصَفَهَا اللَّهُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّضَرُّعِ لِرَبِّهَا، وَسُؤَالِهَا أَجَلَّ الْمُطَالِبِ، وَهُوَ دُخُولُ الْجَنَّةِ، وَمُجَاوَرَةُ الرَّبِّ الْكَرِيمِ، وَسُؤَالُهَا أَنْ يُنْجِيَهَا اللَّهُ مِنْ فِتْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَعْمَالِهِ الْخَبِيثَةِ، وَمِنْ فِتْنَةِ كُلِّ ظَالِمٍ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهَا، فَعَاشَتْ فِي إِيمَانٍ كَامِلٍ، وَثَبَاتٍ تَامٍّ، وَنَجَاةٍ مِنَ الْفِتَنِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ، إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عُمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ، كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ).
وَقَوْلُهُ: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} أَيْ: صَانَتْهُ وَحَفِظَتْهُ عَنِ الْفَاحِشَةِ، لِكَمَالِ دِيَانَتِهَا، وَعِفَّتِهَا، وَنَزَاهَتِهَا.
{فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} بِأَنْ نَفْخَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا فَوَصَلَتْ نَفْخَتُهُ إِلَى مَرْيَمَ، فَجَاءَ مِنْهَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، الرَّسُولُ الْكَرِيمُ وَالسَّيِّدُ الْعَظِيمُ.
{وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} وَهَذَا وَصْفٌ لَهَا بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَإِنَّ التَّصْدِيقَ بِكَلَمَّاتِ اللَّهِ، يَشْمَلُ كَلِمَاتِهِ الدِّينِيَّةَ وَالْقَدَرِيَّةَ، وَالتَّصْدِيقَ بِكُتُبِهِ، يَقْتَضِي مَعْرِفَةَ مَا بِهِ يَحْصُلُ التَّصْدِيقُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} أَيِ: الْمُدَاوِمِينَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِخَشْيَةٍ وَخُشُوعٍ، وَهَذَا وُصْفٌ لَهَا بِكَمَالِ الْعَمَلِ، فَإِنَّهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا صِدِّيقَةٌ، وَالصِّدِّيقِيَّةُ: هِيَ كَمَالُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ.
تمَّ تفسيرُ سورةِ "التحريم" بعونِ اللهِ وتيسيرِه.
انتهى
– طالب: هل يجوزُ وصفُ أحدٍ بأنَّه السيِّدُ، بـِ "ألف لام التعريف"؟
– الشيخ : الرسولُ أنكرَ على الذين قالُوا أنتَ سيِّدنا، قال: (قولوا بِقَولكم، أو بعضِ قولكم، ولا يَسْتَجْرِيَنَّكُم الشَيطانُ) لكن إذا قِيل: "فلانٌ سيِّدُ بني فلان" هذا صحيحٌ، يقولُ الرسولُ للأنصار: (قومُوا إلى سيِّدِكم)، والرسولُ -صلَّى الله عليه وسلَّم- هو سيدُ ولدِ آدم، فنقول: هو سيِّدُنا صلَّى الله عليه وسلَّم.
– طالب: أما السيِّدُ بـِ "ألف ولام التعريف" ما تُطلَقُ على أحدٍ؟
– الشيخ : ما ينبغي إطلاق "السيد، السيد" بهذا الإطلاق، مع الإضافةِ الأمرُ كذا..، مثل: يُشبه "الرَّب" هذه لا تُطلَق..، لكن "رَبُّ كذا، رَبُّ الدَّار، رَبُّ الدَّابة" تُشبهُ هذه
– طالب: … النبي الكريم والسيد العظيم
– الشيخ : فيها غلوٌّ وفيها..، لأنَّ السيدَ من أسمائِه تعالى
– طالب: ألا يكونُ من المُشترَكِ، السيدُ الملكُ؟
– الشيخ : صحيح، ولفظُه فيه اشتراكٌ
– طالب آخر: لكن -أحسنَ الله إليك- النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- ألم يُنكِرْ ويقول: (السيِّدُ اللهُ)؟
– الشيخ : إلا [طبعاً]، قال: (السيِّدُ الله)
– طالب: أمَّا في غيره ما وردَ إنكارٌ، كالملكِ؟
– الشيخ : ومالكُ الرقيقِ اسمُه سيدٌ، يُقالُ له: سيِّدٌ، ومولى، (وليقُلْ: سيِّدي ومولَاي)
– طالب: لكن المقصودُ إضافةُ "أل" التعريف "السيدُ" لكن تقييدَها هذا أمرٌ آخر
– الشيخ : صحيح، وكأنَّه يختلفُ أيضًا باختلافِ مقصود المُتكلِّمِ، أحيانًا يُنبِّئُ تعبيرُه عن غلوٍّ ومُبالغةٍ وأحيانًا لا، إخبارٌ عن حالِه فقط: أنَّه سيِّد.