الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة القلم/(4) من قوله تعالى {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث} الآية 44 إلى قوله تعالى {وما هو إلا ذكر للعالمين} الآية 52

(4) من قوله تعالى {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث} الآية 44 إلى قوله تعالى {وما هو إلا ذكر للعالمين} الآية 52

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القلم

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ بالله من الشيطانِ الرجيمِ

فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [القلم:44-52]

– الشيخ : يقول سبحانه وتعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} هذا أسلوبُ تهديدٍ {ذَرْنِي} هذا أسلوبٌ في العربية يُؤتَى به للتهديد: "اتركْني وفلان، خَلِّني"،  {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} هذا الحديثُ الذي هو القرآن {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:34] {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر:23] {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} الاستدراجُ نوعٌ مِن الـمَكْر، ومِن ذلك إعطاؤُهم النِّعَمَ حتى يغترُّوا بها ثمَّ يأخذُهم كما قالَ سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الأنعام:44] فهذا استدراجٌ ومَكْر، وهذه مِن أنواع العقوبات.

 {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} ومِن الاستدراج إمهالُهم إمهالُهم فلا يُعاجَلُون بالعقوبة، يقول تعالى: {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} كيدُه -سبحانه وتعالى- شديدٌ، {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق:15-17] هذا مِن جنس {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]

{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} هؤلاء الكُفَّار إذا سمعوا القرآن مِن الرسول -عليه الصلاة والسلام- صاروا ينظرونَ إليه لِيُصِيْبوهُ بعيونِهم، ولكنَّ اللهَ يَكُفُّ شرَّهم ويحفظُ نبيَّه، {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} وهذا متناسبٌ مع ما جاء في أول السُّورة، فاللهُ نزَّهَ نبيَّه عَن الجنون في أولِ السورة {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم:3] فجاء تكذيُبهم وتنزيهُ نبيِّه في أولِ السورة، فعلمْنَا من قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} إنه مِن الباطل الذي يتكلَّمُ به الكفار ويطعنونَ به على الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو بَريءٌ مِن ذلك {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} هذا القرآن {ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} يعني: تذكيرٌ لهم، تذكيرٌ للعالمين {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} لجميعِ الناس، ولكن مِن الناسِ مَن يتذكَّرُ، ومنهم مَن لا يتذكر، منهم من يتذكَّرُ فيؤمنُ ويفعلُ الخير ويعملُ الصالحات، ومنهم مَن يُعرضُ يقول تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ، والتذكير هو مِن مقاصدِ الرسالة، فالله أرسل رسولَه داعيًا ومُعلِّمًا ومُذكِّرًا ومُنذرًا صلى الله عليه وسلَّم.

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبه أجمعين. قالَ الشيخُ عبد الرحمن السَّعدي -رحمه الله تعالى- في تفسيرِ قول الله تعالى:

{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ.} الآيات:

أَيْ: دَعْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فَإِنَّ عَلَيَّ جَزَاءَهُمْ، وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ، {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} فَنَمُدُّهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، وَنَمُدُّهُمْ فِي الْأَرْزَاقِ وَالْأَعْمَالِ، لِيَغْتَرُّوا وَيَسْتَمِرُّوا عَلَى مَا يَضُرُّهُمْ، وَهَذَا مِنْ كَيْدِ اللَّهِ لَهُمْ، وَكَيْدُ اللَّهِ لِأَعْدَائِهِ، مَتِينٌ قَوِيٌّ، يَبْلُغُ مِنْ ضَرَرِهِمْ وَعُقُوبَتِهِمْ كُلَّ مَبْلَغٍ.

{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} أَيْ: لَيْسَ لِنُفُورِهِمْ عَنْكَ، وَعَدَمِ تَصْدِيقِهِمْ لَكَ سَبَبٌ يُوجِبُ لَهُمْ ذَلِكَ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُهُمْ وَتَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ لِمَحْضِ مَصْلَحَتِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَطْلُبَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مُغْرَمًا يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ.

{أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْغُيُوبِ، وَقَدْ وَجَدُوا فِيهَا أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ، وَأَنَّ لَهُمُ الثَّوَابَ عِنْدَ اللَّهِ، فَهَذَا أَمْرٌ مَا كَانَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ حَالُهُمْ حَالَ مُعَانِدٍ ظَالِمٍ.

فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الصَّبْرُ لِأَذَاهُمْ، وَالتَّحَمُّلُ لِمَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ، وَالِاسْتِمْرَارُ عَلَى دَعْوَتِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} أَيْ: لِمَا حَكَمَ بِهِ شَرْعًا وَقَدَرًا، فَالْحُكْمُ الْقَدَرِيُّ يُصْبَرُ عَلَى الْمُؤْذِي مِنْهُ، وَلَا يَتَلَقَّى بِالسُّخْطِ وَالْجَزَعِ، وَالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، يُقَابَلُ بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، وَالِانْقِيَادِ التَّامِّ لِأَمْرِهِ.

وَقَوْلُهُ: {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} وَهُوَ يُونُسُ بْنُ مَتَّى -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَيْ: وَلَا تُشَابِهُهُ فِي الْحَالِ الَّتِي أَوْصَلَتْهُ وَأَوْجَبَتْ لَهُ الِانْحِبَاسَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، وَهُوَ عَدَمُ صَبْرِهِ عَلَى قَوْمِهِ، الصَّبْرُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ وَذَهَابُهُ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ، حَتَّى رَكِبَ فِي الْبَحْرِ فَاقْتَرَعَ أَهْلُ السَّفِينَةِ حِينَ ثَقُلَتْ بِأَهْلِهَا أَيُّهُمْ يُلْقُونَ لِكَيْ تَخِفَّ بِهِمْ، فَوَقَعَتِ الْقَرْعَةُ عَلَيْهِ {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} وَقَوْلُهُ: {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} أَيْ: وَهُوَ فِي بَطْنِهَا قَدْ كَظَمَتْ عَلَيْهِ، أَوْ نَادَى وَهُوَ مُغْتَمُّ مُهْتَمٌّ فَقَالَ: لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَقَذَفَتْهُ الْحُوتُ مِنْ بَطْنِهَا بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ، وَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينَ، وَلِهَذَا قَالَ هُنَا: {لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ} أَيْ: لِطُرِحَ فِي الْعَرَاءِ، وَهِيَ الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ وَهُوَ مَذْمُومٌ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَغَمَّدَهُ بِرَحْمَتِهِ فَنُبِذَ وَهُوَ مَمْدُوحٌ، وَصَارَتْ حَالُهُ أَحْسَنَ مِنْ حَالِهِ الْأُولَى، وَلِهَذَا قَالَ: {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ} أَيِ: اخْتَارَهُ وَاصْطَفَاهُ وَنَقَّاهُ مِنْ كُلِّ كَدَرٍ، {فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} أَيِ: الَّذِينَ صَلَحَتْ أَعْمَالُهُمْ وَأَقْوَالُهُمْ وَنِيَّاتُهُمْ وَأَحْوَالُهُمْ، فَامْتَثَلَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَ اللَّهِ فَصَبَرَ لِحُكْمِ رَبِّهِ صَبْرًا لَا يُدْرِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْعَاقِبَةَ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَمْ يَبْلُغْ أَعْدَاؤُهُ فِيهِ إِلَّا مَا يَسُوءُهُمْ، حَتَّى إِنَّهُمْ حَرِصُوا عَلَى أَنْ يَزْلِقُوهُ بِأَبْصَارِهِمْ أَيْ: يُصِيبُوهُ  بِأَعْيُنِهِمْ، مِنْ حَسَدِهِمْ وَغَيْظِهِمْ وَحِنْقِهِمْ، هَذَا مُنْتَهَى مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأَذَى الْفِعْلِيِّ، وَاللَّهُ حَافِظُهُ وَنَاصِرُهُ، وَأَمَّا الْأَذَى الْقَوْلِيُّ، فَيَقُولُونَ فِيهِ أَقْوَالًا بِحَسَبِ مَا تُوحِي إِلَيْهِمْ قُلُوبُهُمْ، فَيَقُولُونَ تَارَةً "مَجْنُونٌ" وَتَارَةً "شَاعِرٌ" وَتَارَةً "سَاحِرٌ".

قَالَ تَعَالَى: {وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} أَيْ: وَمَا هَذَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ، إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالِمِينَ، يَتَذَكَّرُونَ بِهِ مَصَالِحَ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. انتهتِ السورةُ.

– الشيخ : أحسنتَ

– طالب: قوله عن يونس عليه السلام: "ذهبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ" يستقيم؟ السياق "ذهبَ مُغَاضِبًا لقومه" … لنبي يكون هذا شأنه مع ربه!

– الشيخ : هذا تفسير الشيخ؟! وكأنه يشيرُ إلى عدمِ صبرِه "مُغاضبًا لربِّه بعدمِ صبره"، ولهذا قالَ تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} يدلُّ على أن عندَه تقصيرٌ في الصبرِ

– طالب: تقصيرٌ في الصبر على دعوة قومه وإلا لا؟

– الشيخ : الصبرُ على دعوة قومِه وعلى أذاهُم

– طالب: يعني ما صبر، مغاضبًا لقومه

– الشيخ : شوف [انظر] تفسير ابن كثير أيش قال؟ عندك؟ أبو أيوب شوف تفسير ابن كثير

– طالب: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} هَذِهِ الْقِصَّةُ مَذْكُورَةٌ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ "الصَّافَّاتِ" وَفِي سُورَةِ "ن" وَذَلِكَ أَنَّ يُونُسَ بْنَ مَتَّى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ قَرْيَةِ "نَينَوَى"، وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَتَمَادَوْا عَلَى كُفْرِهِمْ، فَخَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ مُغَاضِبًا لَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ بِالْعَذَابِ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَلَمَّا تَحَقَّقُوا مِنْهُ ذَلِكَ، وَعَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ لَا يَكْذِبُ، خَرَجُوا إِلَى الصَّحْرَاءِ بِأَطْفَالِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْأُمَّهَاتِ وَأَوْلَادِهَا، ثُمَّ تَضَرَّعُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَأَرُوا إِلَيْهِ، وَرَغَتِ الإبل وفُصلانها، وَخَارَتِ الْبَقَرُ وَأَوْلَادُهَا، وَثَغَتِ الْغَنَمُ وحُمْلانها، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، قَالَ تَعَالَى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} [يُونُسَ:98]

وَأَمَّا يُونُسُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَإِنَّهُ ذَهَبَ فَرَكِبَ مَعَ قَوْمٍ فِي سَفِينَةٍ فَلَجَّجت بِهِمْ، وَخَافُوا أَنْ يَغْرَقُوا. فَاقْتَرَعُوا عَلَى رَجُلٍ يُلْقُونَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ يَتَخَفَّفُونَ مِنْهُ، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونُسَ، فَأَبَوْا أَنْ يُلْقُوهُ، ثُمَّ أَعَادُوا الْقُرْعَةَ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا، فَأَبَوْا، ثُمَّ أَعَادُوهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا، قَالَ تَعَالَى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصَّافَّاتِ:141] أَيْ: وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ، فَقَامَ يُونُسُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَجَرَّدَ مِنْ ثِيَابِهِ، ثُمَّ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مِنَ الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ -فِيمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ-حُوتًا يَشُقُّ الْبِحَارَ، حَتَّى جَاءَ فَالْتَقَمَ يُونُسَ حِينَ أَلْقَى نَفْسَهُ مِنَ السَّفِينَةِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ الْحُوتِ أَلَّا تَأْكُلَ لَهُ لَحْمًا، وَلَا تُهَشِّمَ لَهُ عَظْمًا؛ فَإِنَّ يُونُسَ لَيْسَ لَكَ رِزْقًا، وَإِنَّمَا بَطْنُكَ لَهُ يَكُونُ سِجْنًا.

وقال: وَقَوْلُهُ: {وَذَا النُّونِ} يَعْنِي: الْحُوتَ، صَحَّتِ الْإِضَافَةُ إِلَيْهِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ.

وَقَوْلُهُ: {إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا}: قَالَ الضَّحَّاكُ: لِقَوْمِهِ، {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أَيْ: نُضَيِّقَ عَلَيْهِ فِي بَطْنِ الْحُوتِ، يُروَى نَحْوُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطَّلَاقِ:7]

وَقَالَ عَطِيَّةُ العَوفي: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}، أَيْ: نَقْضِيَ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: قَدِرَ وقَدَّرَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَقَالَ الشاعر:

فَلا عَائدٌ ذَاكَ الزّمَانُ الَّذِي مَضَى     تَبَارَكْتَ مَا تَقْدرْ يَكُنْ فَلَكَ الأمْرُ

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [الْقَمَرِ:12]، أَيْ: قُدِّرَ.

وَقَوْلُهُ: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ}

– الشيخ : إلى هنا، أنت تقرأ من سورة الأنبياء؟

– طالب: إي نعم سورة الأنبياء

– الشيخ : كما سمعتَ يا أبا محسن، ولكن الشيخ أحيانًا يعتمدُ على ابن كثير، وكثيرًا يستفيدُ منه، لكن أحيانًا يصير في رأيٌ في التفسير، وما ذُكِرَ مِن التفصيل هذا يمكن يدخلُ فيه إسرائيليات، يعني ما ذكروه أنه صار كذا وأنه واعدَهم وتأخَّر العذابُ، وأنهم..، وما فعلوهُ مِن الخروجِ بأنعَامِهم، هذه أخبارٌ إسرائيلية ما هي..، لكن يذكرُها المفسرون، لكن لا نرويها على وجهِ التَّصديقِ، وأنَّ الأمرَ كما ذُكرَ واقعًا.

– طالب: ابن القيم في تفسيرِهِ يقولُ: {مُغاضبًا} لِرَبِّهِ يعني: في عدمِ صبرِهِ

– الشيخ : هذا توجيههُ عندي، توجيهٌ لكلام الشيخ

– طالب: … قال: {مُغَاضِبًا} لقومه لله، هذا التقديرُ عنده. والشيخ قال: مُغاضبًا لله

– الشيخ : الشيخ السعدي؟

– طالب: إي نعم

– الشيخ : الشيخ السعدي يقول: لربِّه، هذا الذي أوجبَ

– طالب: مُغاضبًا قومه لربِّه، بسببِ معصيتِهِم حملَهُ الغضبُ للهِ

– الشيخ : العبارة ما تصير، عبارة الشيخ ما هي.. عبارة الشيخ ما تتوجه بهذا، رحمهم الله.

– طالب: ذكر في سورة القلم قال: {وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} يعني: ذا النونِ، وهو يونسُ بنُ متَّى عليهِ السلام حين ذهبَ مُغاضِبًا على قومِه.

– الشيخ : غاضبًا، غاضبًا على قومِهِ.