الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الجن/(3) من قوله تعالى {وأن المساجد لله} الآية 18 إلى قوله تعالى {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم} الآية 28
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(3) من قوله تعالى {وأن المساجد لله} الآية 18 إلى قوله تعالى {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم} الآية 28

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الجن

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن:18-28]

– الشيخ : لا إله إلا الله، يقول تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} كأنَّ هذا -والله أعلم- معطوفٌ على ما في أولِ السورة: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ..} [الجن:1] إلى آخرِه، {وأَنَّ.. يعني وأُوحِي إليَّ {أَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}.

{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} يأمرُ الله نبيَّه أن يُعلنَ التوحيدَ، وأنه لا يدعو إلا الله، كما أمرَ تعالى في قولِه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا}، {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا}، {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} فالرسولُ –عليه الصلاة والسلام- عبدٌ ورسولٌ لا يملك لنفسِه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًّا كما قال تعالى: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} يعني: إذا أرادني اللهُ بسوءٍ فلن يُجيرني مما أرادَ بي أحدٌ من الناس، فلا يستطيع لنفسِه ولا لغيرِه نفعًا ولا ضرًّا، ولا يستطيع أن يدفعَ عن نفسه سوءًا.

يقول: {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} هذا هو الذي أملكُهُ، وهو الواجبُ عليَّ: البلاغُ، {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} لأنَّه {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة:99]

{إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} وهذا وعيدٌ لِمَن عصى اللهَ بالكفر، لِمَن عصى الله بالكفر، ليسَ كلُّ معصية تُوجبُ الخلودَ في النار، فأهل الكبائر من الموحدين وإنْ دخلوا النار وعُذِّبوا بها ما شاء الله فهم لا يُخلَّدون، فهذه الآية المراد بها مَنْ عصى اللهَ معصيةَ الكفر به {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}.

{حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا} إذا رأى الكفارُ ما وُعِدوا بِه يومَ القيامة أو ما وُعِدوا به في هذه الدنيا مِن العذابِ المعجَّل فإنَّهم فسيعلمون مَنْ هو القوي ومَنْ هو الذي له التَّصرُّفُ، ومَنْ هو الضعيفُ العاجزُ القليلُ العددِ، {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا}.

ثم قال تعالى: {قُلْ} أيُّها النبي {إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ} {إِنْ أَدْرِي} يعني: ما أدري، "إنْ" هذه نافية عندَ أهلِ اللغة {إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} يعني: ويُؤخِّره ما شاءَ، {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ} هو اللهُ تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا}، {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}، فالرسولُ يعلم مِن الغيبِ ما أطلعَهُ الله عليه {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ}.

{إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} يجعلُ مع الرسولِ حَفَظَةً {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} سبحانه وتعالى.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} أي: لا دعاءَ عبادةٍ، ولا دعاءَ مسألةٍ،

– الشيخ : دعاءُ العبادةِ: الصلاةُ والصيامُ وسائرُ الطاعات هي كلُّها مِن دعاءِ العبادة، ودعاءُ المسألة: هي التي فيها: "اللهمَّ اغفرْ لي، اللهمَّ ارزقني، اللهمَّ أصلح لي، اللهمَّ يسِّر أمري"، هذا اسمُه: "دعاء مسألة"، دعاء العبادة أعمُّ مِن دعاءِ المسألة.

 

– القارئ : فإنَّ المساجدَ التي هِيَ أعظمُ مَحالِّ العبادةِ مبنيةٌ على الإخلاصِ للهِ، والخضوعِ لعظمتِهِ، والاستكانةِ لِعِزَّتِهِ، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} أي: يسألُهُ ويتعبَّدُ لَه ويقرأُ القرآنَ {كَادُوا} أي: الجنُّ، مِن تكاثرِهِم عليهِ {يكونونَ عليهِ لِبَدًا}،

– الشيخ : يعني: المراد بــ {عَبْدُ اللَّهِ} هو الرسول {أَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} يعني: الرسولُ.

– القارئ : {يكونونَ عليهِ لِبَدًا}، أيْ: مُتَلَبِّدِينَ متراكمينَ حرصًا على ما جاءَ بِهِ مِن الهُدَى.

– طالب: حرصًا على سماعِ ما جاءَ بِهِ مِن الهدى

– الشيخ : هو أيش قال؟

– القارئ : بس "سماع" ما هي بعندي، هذا الفرق

– طالب: نسخة ثانية

– القارئ : إي نسخة

– الشيخ : اقرأ

– القارئ : أي: مُتَلَبِّدِينَ متراكمينَ حرصًا على ما جاءَ بِهِ مِن الهُدَى.

{قُلْ} لهمْ يا أيُّها الرسولُ، مُبينًا حقيقةَ ما تدعُو إليهِ: {إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} أيْ: أُوَحِّدُهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأخلعُ ما دونَهُ مِن الأندادِ والأوثانِ، وكلَّ ما يتخذُهُ المشركونَ مِن دونِهِ.

{قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا} فإني عبدٌ ليسَ لي مِن الأمرِ ولا مِن التصرُّفِ شيءٌ.

{قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} أيْ: لا أحدَ أستجيرُ بِه يُنقذني مِنْ عذابِ اللهِ، وإذا كانَ الرسولُ الذي هو أكملُ الخلقِ، لا يملكُ ضرًّا ولا رشدًا، ولا يمنعُ نفسَهُ مِن اللهِ شيئًا إنْ أرادَهُ بسُوءٍ، فغيرُهُ مِن الخلقِ مِن بابِ أولى وَأَحْرَى.

{وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} أي: مَلجًأ ومُنتَصَرًا.

{إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ} أي: ليسَ لي مزيةٌ على الناسِ، إلا أنَّ اللهَ خَصَّنِي بإبلاغِ رسالاتِهِ ودعوةِ خلقِهِ إليهِ، وبذلكَ تقومُ الحُجَّةُ على الناسِ. {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} وهذا المرادُ بِهِ المعصيةُ الكُفريَّة، كما قيَّدتْها النصوصُ الأُخَرُ الـمُحْكَمَةُ.

وأمَّا مجردُ المعصيةِ، فإنَّه لا يوجبُ الخلودَ في النارِ، كما دلَّتْ على ذلكَ آياتُ القرآنِ، والأحاديثُ عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأجمعَ عليهِ سلفُ الأمةِ وأئمَّةُ هذهِ الأمةِ.

{حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} أي: شاهدوهُ عيانًا، وجزموا أنَّه واقعٌ بهم، {فَسَيَعْلَمُونَ} في ذلكَ الوقتِ حقيقةَ المعرفةِ {مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا} حينَ لا ينصرُهُم غيرُهُم ولا أنفسَهم يَنتصرونَ، وإذْ يُحشَرونَ فُرَادى كما خُلِقُوا أولَ مرةٍ.

{قُلْ} لهمْ إنْ سألوكَ فقالوا: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ}؟ [يونس:48] {إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا} أيْ: غايةً طويلةً، فعلمُ ذلكَ عندَ اللهِ.

{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} مِن الخلقِ، بلْ انفردَ بعلمِ الضمائرِ والأسرارِ والغيوبِ، {إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} أي: فإنَّهُ يخبرُهُ بما اقتضَتْ حكمتُهُ أنْ يخبرُهُ بِهِ، وذلكَ لأنَّ الرسلَ ليسُوا كغيرِهِم، فإنَّ اللهَ أيَّدَهُم بتأييدِ ما أيَّدَهُ أحدًا مِن الخلقِ، وحِفظَ ما أوحاهُ إليهِم حتَّى يُبلِّغُوهُ على حقيقتِهِ، مِن غيرِ أنْ تُقرِّبَهُ الشياطينُ، فيَزيدوا فيهِ أو يُنقصُوا، ولهذا قالَ: {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} أي: يَحفظونَهُ بأمرِ اللهِ؛ {لِيَعْلَمَ} بذلكَ {أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ} بما جعلَهُ لهمْ مِن الأسبابِ، {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} أيْ: بما عندَهم، وما أسرُّوهُ وما أعلنوهُ، {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} وفي هذهِ السُّورةِ فوائدُ عديدةٌ: منها: وجودُ الجِنِّ، وأنَّهم مأمورونَ مَنهيُّونَ، ومُجازونَ بأعمالِهم، كما هو صريحٌ في هذه السُّورةِ.

ومنها: أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رسولٌ إلى الجِنِّ، كما هو رسولٌ إلى الإنسِ، فإنَّ اللهَ صرفَ نفرًا الجِنِّ لِيَستمعوا ما يُوحى إليهِ ويُبلِّغُوا قومَهم.

ومنها: ذكاءُ الجِنِّ ومعرفتُهم بالحقِّ، وأنَّ الذي ساقَهم إلى الإيمانِ هو ما تحقَّقوهُ مِن هدايةِ القرآنِ، وحسنِ أدبِهِم في خطابِهِم.

ومنها: اعتناءُ اللهِ برسولِهِ، وحفظِهِ لـِما جاءَ بِه، فحينَ ابتدأتْ بشائرُ نبوَّتِهِ، والسماءُ محروسةٌ بالنجومِ، والشياطينُ قد هربَتْ مِن أماكنِها، وأزعجَتْ عَن مراصدِها، وأنَّ اللهَ رَحِمَ بِه أهلَ الأرضِ رحمةً ما يقدرُ لها قَدْرٌ، وأرادَ بهم ربُّهم رشدًا، فأرادَ أنْ يُظهرَ مِن دينِهِ وشرعِهِ ومعرفتِهِ في الأرضِ، ما تبتهجُ بِه القلوبُ، وتفرحُ بِه أولو الألبابِ، وتَظهرُ بِه شعائرُ الإسلامِ، ويَنقمعُ بِه أهلُ الأوثانِ والأصنامُ.

ومنها: شدةُ حِرصِ الجِنِّ على استماعِهم للرسولِ -صلى الله عليه وسلم-، وتراكمِهم عليهِ.

ومنها: أنَّ هذهِ السورةَ قدْ اشتملَتْ على الأمر بالتوحيدِ والنَّهي عَن الشِّرك، وبينتْ حالةَ الخلقِ، وأنَّ كلَّ أحدٍ منهم لا يستحقُّ مِن العبادةِ مثقالَ ذرةٍ؛ لأنَّ الرسولَ محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، إذا كانَ لا يملكُ لأحدٍ نفعًا ولا ضرًّا، بلْ ولا يملكُ لنفسِهِ، عُلِمَ أنَّ الخلقَ كلُّهم كذلكَ، فمِنَ الخطأِ والظلمِ اتخاذُ مَنْ هذا وصفُهُ إلهًا آخرَ معَ اللهِ.

ومنها: أنَّ علومَ الغيوبِ قدْ انفردَ اللهُ بعلمِها، فلا يعلمُها أحدٌ مِن الخلقِ، إلا مَنْ ارتضاهُ اللهُ واختصَّهُ بعلمِ شيءٍ منها. تمَّ تفسيرُ سورةِ الجِنِّ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين. انتهى