الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الإنسان/(2) من قوله تعالى {ويطاف عليهم بآنية من فضة} الآية 15 إلى قوله تعالى {إن هذا كان لكم جزاء} الآية 22
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) من قوله تعالى {ويطاف عليهم بآنية من فضة} الآية 15 إلى قوله تعالى {إن هذا كان لكم جزاء} الآية 22

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الإنسان

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا [الإنسان:15-22]

– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلَّا الله.

ومن نعيمِ أولياءِ اللهِ المقرَّبين في جنَّاتِ النَّعيمِ أنَّهم يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ فيها ألوانُ الطَّعامِ وألوانُ الشَّرابِ، كما قالَ تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف:71]، وهنا قالَ: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ} يطوفُ عليهم الوِلدانُ الغِلمانُ الحِسانُ.

{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ} آنيةٌ متنوِّعةٌ، {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} هي من فضَّة ولكنَّها شفَّافةٌ كالزُّجاجِ، {بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} سبحانَ الله! تقولُ: أهِيَ زجاجٌ أو فضَّةٌ؟ هي فضَّةٌ زجاج، يعني فضَّة وشفَّافة، {كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} آنيةٌ مقدَّرةٌ، يعني: مقدَّرةُ الأحجامِ، فيكونُ فيها الشَّرابُ المقدَّرُ بحسبِ ما يلائمُ الشَّاربينَ.

{وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا} أيضًا يُسْقَوْنَ الخمرَ ممزوجًا بالزَّنجبيلِ كما تقدَّمَ أنَّه يكونُ ممزوجًا بالكافورِ {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} [الإنسان:5]، وهنا قالَ: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} الزَّنجبيلُ هذا أيضًا له عينٌ في الجنَّةِ وسمَّاها اللهُ سَلْسَبِيلًا {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا}، {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا}.

ثمَّ قالَ تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} خدمٌ، في الآيةِ الأخرى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ} [الطور:24]، {وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} من حُسنِهم، خدمٌ لهم يقدِّمون لهم الطَّعامَ والشَّرابَ بآنيةٍ، وفي الآيةِ الأخرى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة:16-17]، {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا}.

{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ} يا تُرى هذه الثِّيابُ على الغلمان أم على العبادِ المقرَّبين؟ كأنَّ الظَّاهر الثَّاني، واللهُ أعلمُ، {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ} كما أخبرَ اللهُ في الآياتِ الأخرى، والسُّندسُ والإستبرقُ نوعانِ من الحريرِ، وقد قالَ تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج:23]، {ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} حُلُّوا أي: زُيِّنُوا، زُيِّنُوا بحليةٍ بأَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ، {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} نعم اقرأ الآيةَ

– القارئ : {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}

– الشيخ : {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا}، {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} وفي هذا امتنانٌ من اللهِ على أوليائِه في الجنَّة، بأنَّ ما أعطاهم هو شكرٌ على أعمالهم الصَّالحةِ، فاللهُ شكورٌ يجزي على العملِ القليلِ الأجرَ العظيمَ الجزيلَ كما قالَ تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} الآياتِ:

{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ} أي: يدورُ الوِلدانُ والخدمُ على أهلِ الجنَّةِ {بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} أي: مادَّتُها مِن فضَّةٍ، وهيَ على صفاءِ القواريرِ، وهذا مِن أعجبِ الأشياءِ، أنْ تكونَ الفضَّةُ الكثيفةُ مِن صفاءِ جوهرِها وطيبِ معدنِها على صفاءِ القواريرِ.

{قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} أي: قدَّرُوا الأوانيَ المذكورةَ على قدرِ ريِّهم، لا تزيدُ ولا تنقصُ، لأنَّها لو زادَتْ نقصَتْ لذَّتُها، ولو نقصَتْ لم تكفِهم لريِّهم. ويُحتمَلُ أنَّ المرادَ: قدَّرَها أهلُ الجنَّةِ بنفوسِهم بمقدارٍ يوافقُ لذَّاتِهم، فأتَتْهم على ما قدَّرُوا في خواطرِهم.

{وَيُسْقَوْنَ فِيهَا} أي: في الجنَّةِ {كأسًا}، وهوَ الإناءُ المملوءُ مِن خمرٍ ورحيقٍ، {كَانَ مِزَاجُهَا} أي: خلطُها {زَنْجَبِيلا} ليطيبَ طعمُهُ وريحُهُ.

{عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلا} سُمِّيَتْ بذلكَ لسلاستِها ولذَّتِها وحسنِها.

{وَيَطُوفُ عليهم} على أهلِ الجنَّةِ، في طعامِهم وشرابِهم وخدمتِهم.

{وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} أي: خُلِقُوا مِن الجنَّةِ للبقاءِ، لا يتغيَّرُونَ ولا يكبرونَ

– الشيخ : يعني دائمًا شباب

– القارئ : ولا يكبرونَ، وهم في غايةِ الحسنِ، {إِذَا رَأَيْتَهُمْ} منتشرينَ في خدمتِهم {حَسِبْتَهُمْ} مِن حسنِهم {لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا} وهذا مِن تمامِ لذَّةِ أهلِ الجنَّةِ، أنْ يكونَ خدَّامُهم الوِلدانُ المخلَّدونَ، الَّذينَ تسرُّ رؤيتُهم، ويدخلونَ على مساكنِهم، آمنينَ مِن تبعتِهم، ويأتونَهم بما يدَّعُونَ وتطلبُهُ نفوسُهم، {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ} أي: رمقْتَ ما أهلُ الجنَّةِ عليهِ مِن النَّعيمِ الكاملِ {رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} فتجدُ الواحدَ منهم، عندَهُ مِن القصورِ والمساكنِ والغرفِ المزيَّنةِ المزخرفةِ، ما لا يُدركُهُ الوصفُ، ولديهِ مِن البساتينِ الزَّاهرةِ، والثِّمارِ الدَّانيةِ، والفواكهِ اللَّذيذةِ، والأنهارِ الجاريةِ، والرِّياضِ المعجبةِ، والطُّيورِ المطرِبةِ المشجيةِ ما يأخذُ بالقلوبِ، ويفرحُ النُّفوسَ.

وعندَهُ مِن الزَّوجاتِ. اللَّاتي هنَّ في غايةِ الحسنِ والإحسانِ، الجامعاتِ لجمالِ الظَّاهرِ والباطنِ، الخيِّراتِ الحسانِ، ما يملأُ القلبَ سرورًا، ولذَّةً وحبورًا، وحولَهُ مِن الوِلدانِ المخلَّدينَ، والخدمِ المؤبَّدينَ، ما بهِ تحصلُ الرَّاحةُ والطَّمأنينةُ، وتتمُّ لذَّةُ العيشِ، وتكملُ الغِبطةُ.

ثمَّ علاوةَ ذلكَ وأعظمَهُ الفوزُ برضا الرَّبِّ الرَّحيمِ، وسماعِ خطابِهِ، ولذَّةِ قربِهِ، والابتهاجِ برضاهُ، والخلودِ الدَّائمِ، وتزايدِ ما هم فيهِ مِن النَّعيمِ كلَّ وقتٍ وحينٍ، فسبحانَ مالكِ الملكِ، الحقِّ المبينِ، الَّذي لا تنفدُ خزائنُهُ، ولا يقلُّ خيرُهُ، فكما لا نهايةَ لأوصافِهِ فلا نهايةَ لبرِّهِ وإحسانِهِ.

{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ} أي: قد جلَّلَتْهم ثيابُ السُّندسِ والإستبرقِ الأخضرانِ، اللَّذانِ هما أجلُّ أنواعِ الحريرِ، فالسُّندسُ: ما غلُظَ مِن الحريرِ، والإستبرقُ: ما رقَّ منهُ. {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} أي: حُلُّوا في أيديهم أساورَ الفضَّةِ، ذكورُهم وإناثُهم، وهذا وعدٌ وعدَهم اللهُ، وكانَ وعدُهُ مفعولًا؛ لأنَّهُ لا أصدقَ منهُ قيلًا ولا حديثًا.

وقولُهُ: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} أي: لا كدرَ فيهِ بوجهٍ مِن الوجوهِ، مُطهِّرًا لما في بطونِهم مِن كلِّ أذىً وقذىً.