بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة المطففين
الدَّرس الثَّاني
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُون [المطففين:18-36]
– الشيخ : الحمد لله، لـمَّا ذكر اللهُ حال الفجار وكتابَهم ونهايتَهم ذكرَ عاقبةَ الأبرار وكتابَهم:
{كَلَّا} حقًّا {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} الأبرار مكتوبٌ لهم أن يكونوا في عِلِّيِّينَ، وعِلِّيُّون: هي الجنَّات العالية {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّون} قال الله: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} كتابُ الأبرار يشهدُهُ المقرَّبون مِن الملائكة ومِن عباد الله الصالحين، فإنَّ المؤمنين طبقتانِ: أبرارٌ، ومُقرَّبون، فكتابُ الأبرار يشهدُهُ المقرَّبون مِن عباد الله.
{عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} ينظرونَ ماذا؟ قيل: ينظرُ بعضُهم إلى بعض، وقيل: ينظرون نعيمَهم، النعيمَ الذي أكرمَهم الله به، وقال بعض المفسرين: ينظرون إلى ربِّهم، والآية شاملةٌ لهذا كلِّه، والله أعلم {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ}.
{تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} يعني: أثرَ النعيم، تعرفُ في وجوهِهم وتدركُ أنهم في نعيمٍ مِن النظر إلى وجوههم؛ لأنَّ وجوهَهُم نَضِرة، كما قال الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23،22]، {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ}.
ثمَّ ذكرَ بعضَ أنواعٍ مِن نعيمِهم وشرابِهم {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ} ختامُه الطِّيْب المسْكِ الطَّيْب فهو شرابٌ مُطيَّبٌ، {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ}.
{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} هذا إرشادٌ من الله وأمرٌ من الله بأن يتنافس في ذلك المتنافسون، حقًّا إن هذا النعيم جديرٌ أن يتنافس به المتنافِسون الطالبون للفضلِ والنعيمِ والكرامةِ كما قال تعالى: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات:61] {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} فأكثرُ الخلقِ يتنافسون في الفاني، في الدنيا الفانية، والموفَّقُون المهتدون يتنافسون في الدَّارِ الآخرة وما أعدَّ اللهُ لأوليائِهِ مِن الكرامة، واللهُ -تعالى- يقول: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } [الحديد:21] فالتنافسُ يَبعثُ على المسابقة، على السِّباق في فعلِ الخيرات، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.
{وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} شرابُهم الرحيقُ ممزوجٌ مِن شرابِ آخَرٍ وهو التَّسْنِيْمُ، هذا شرابُ الأبرارِ، شراب الأبرار مِن رحيقٍ وممزوج من التسنيم، والتسنيم: هو شرابُ المقرَّبين كما قالَ تعالى في سورة الإنسان: { إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان:6،5] فالأبرار يُمزَجُ لهم من ذلك الشراب، والمقربونَ يشربونها صِرْفًا، أي: خالصةً، يشربون التسنيم خالصًا.
ثم خُتمتِ السُّورة بحالِ المجرمين مع المؤمنين في هذه الدنيا، فالمجرمون يَسخرون مِن المؤمنين ويضحكونَ منهم غرورًا بأنفسِهم وجهلًا {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} يتغامزونَ استهزاءً بالمؤمنين {إِذَا مَرُّوا بِهِمْ} يعني: مرُّوا بهم هذا يَحتملُ أنهم أن المجرمين قعودٌ ويمرُّ بهم المؤمنون، ويحتمل أن يكون المؤمنون قعودًا ثم يمرُّ بهم المجرمون، لكن على كلِّ حال إذا رأى المجرمون المؤمنين استهزئوا بهم وسخروا منهم وتغامَزوا سخريةً بهم.
{وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} ليسُوا بموكَّلين بالمؤمنين لكنَّهم هم الظالمونَ المعتدونَ الـمُتسلِّطون {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ}.
{وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا} قال الله: {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} إذا انقلبَ المجرمونَ إلى أهليهم صاروا يتحدَّثون عن المؤمنين حديثَ السُّخرية، يتفكَّهونَ بعِرضهم يتفكَّهونَ بعِرض المؤمنين استهزاءَ وسخريةَ، {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ}.
ثم قال تعالى: {فَالْيَوْمَ} أي: في ذلك اليوم تنعكسُ الحال فالمؤمنونَ يضحكونَ مِن الكافرين ويَسخرون منهم {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} يعني: فاليوم الذين آمنوا يَضْحَكُونَ مِنَ الْكُفَّارِ ويسألون عنهم {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُون}؟ نظيرَ قوله -تعالى- في سورة المدثر: {يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:39-42]
{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُون} ثم يَطَّلعون ويسألون ويعلمون أنَّهم قد جازاهم الله بما يستحقون {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [الكهف:49] {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف:44] وكأنَّ خَتْمَ هذه الآية -والله أعلم- بهذا المعنى بذكرِ حالِ المجرمين وعاقبةِ المؤمنين كأنَّ فيها إشعارٌ بأنَّ المطففين هم مِن المجرمينَ الظالمينَ، من المجرمين، وبهذا يحصلُ التَّناسب بينَ آخرِ السُّورة وأولها، والله أعلم.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:
{كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} الآيات:
لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ فِي أَسْفَلِ الْأَمْكِنَةِ وَأَضْيَقِهَا، ذَكَرَ أَنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ فِي أَعْلَاهَا وَأَوْسَعِهَا، وَأَفْسَحِهَا وَأَنَّ كِتَابَهُمُ الْمَرْقُومَ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ، وَأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ، وَيُنَوِّهُ اللَّهُ بِذِكْرِهِمْ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، وَعِلِّيُّونَ اسْمٌ لِأَعْلَى الْجَنَّةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ كِتَابَهُمْ، ذَكَرَ أَنَّهُمْ فِي نَعِيمٍ، وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِنَعِيمِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ وَالْبَدَنِ، {عَلَى الأَرَائِكِ} أَيْ: عَلَى السُّرُرِ الْمُزَيَّنَةِ بِالْفُرُشِ الْحِسَانِ.
{يَنْظُرُونَ} إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ، وَيَنْظُرُونَ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمِ الْكَرِيمِ، {تَعْرِفُ} أَيُّهَا النَّاظِرُ {فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} أَيْ: بَهَاءَهُ وَنَضَارَتُهُ وَرَوْنَقُهُ، فَإِنَّ تَوَالِيَ اللَّذَّاتِ وَالْمَسَرَّاتِ وَالْأَفْرَاحِ يُكْسِبُ الْوَجْهَ نُورًا وَحُسْنًا وَبَهْجَةً.
– الشيخ : كالعكس، كما أن المشاقَّ والشرورَ والعذابَ يُورِثُ الوجوهَ عبوسًا وشحوبًا وسوادًا وظلمةً.
– القارئ : فَإِنَّ تَوَالِيَ اللَّذَّاتِ وَالْمَسَرَّاتِ وَالْأَفْرَاحِ يُكْسِبُ الْوَجْهَ نُورًا وَحُسْنًا وَبَهْجَةً.
{يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ} وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ مَا يَكُونُ مِنَ الْأَشْرِبَةِ وَأَلَذِّهَا {مَخْتُومٍ}
ذَلِكَ الشَّرَابُ {خِتَامُهُ مِسْكٌ} يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَخْتُومٌ عَنْ أَنْ يُدَاخِلَهُ شَيْءٌ يُنْقِصُ لَذَّتَهُ، أَوْ يُفْسِدُ طَعْمَهُ، وَذَلِكَ الْخِتَامُ، الَّذِي خُتِمَ بِهِ، مِسْكٌ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ الَّذِي يَكُونُ فِي آخِرِ الْإِنَاءِ، الَّذِي يَشْرَبُونَ مِنْهُ الرَّحِيقَ حُثَالَةٌ، وَهِيَ الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، فَهَذَا الْكَدَرُ مِنْهُ، الَّذِي جَرَتِ الْعَادَةُ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ يُرَاقُ، يَكُونُ فِي الْجَنَّةِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَفِي ذَلِكَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، الَّذِي لَا يَعْلَمُ حُسْنَهُ وَمِقْدَارَهُ إِلَّا اللَّهُ، {فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} أَيْ: فَلْيَتَسَابَقُوا فِي الْمُبَادَرَةِ إِلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ، فَهَذَا أَوْلَى مَا بُذِلَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الْأَنْفَاسِ، وَأَحْرَى مَا تَزَاحَمَتْ لِلْوُصُولِ إِلَيْهِ فُحُولُ الرِّجَالِ.
وَمِزَاجُ هَذَا الشَّرَابِ مِنْ تَسْنِيمٍ، وَهِيَ عَيْنٌ يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَهِيَ أَعْلَى أَشْرِبَةِ الْجَنَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ خَالِصَةً لِلْمُقَرَّبِينَ، الَّذِينَ هُمْ أَعْلَى الْخَلْقِ مَنْزِلَةً، وَمَمْزُوجَةً لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ أَيْ: مَخْلُوطَةً بِالرَّحِيقِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَشْرِبَةِ اللَّذِيذَةِ.
– الشيخ : فعُلِمَ بذلك أنَّ الأبرارَ يشربونَ الرحيقَ ممزوجًا مِن التَّسنيم، والمقرّبون يشربون التسنيم خالصًا صِرْفًا.
– القارئ : قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} الآيات:
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى جَزَاءَ الْمُجْرِمِينَ وَجَزَاءَ الْمُؤْمِنِينَ وَ ذَكَرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ، أَخْبَرَ أَنَّ الْمُجْرِمِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَسْخَرُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ، وَيَضْحَكُونَ مِنْهُمْ، فَيَتَغَامَزُونَ بِهِمْ عِنْدَ مُرُورِهِمْ عَلَيْهِمْ، احْتِقَارًا لَهُمْ وَازْدِرَاءً، وَمَعَ هَذَا تَرَاهُمْ مُطْمَئِنِّينَ، لَا يَخْطُرُ الْخَوْفُ عَلَى بَالِهِمْ، {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ} صَبَاحًا أَوْ مَسَاءً {انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} أَيْ: مَسْرُورِينَ مُغْتَبِطِينَ ، وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الِاغْتِرَارِ، أَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ غَايَةِ الْإِسَاءَةِ مَعَ الْأَمْنِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى كَأَنَّهُمْ قَدْ جَاءَهُمْ كِتَابٌ وَعَهْدٌ مِنَ اللَّهِ، أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَقَدْ حَكَمُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْهُدَى، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ ضَالُّونَ، افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ، وَتَجَرَّأُوا عَلَى الْقَوْلِ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ.
قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} أَيْ: وَمَا أُرْسِلُوا وُكَلَاءَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مُلْزَمِينَ بِحِفْظِ أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى يَحْرِصُوا عَلَى رَمْيِهِمْ بِالضَّلَالِ، وَمَا هَذَا مِنْهُمْ إِلَّا تَعَنُّتٌ وَعِنَادٌ وَتَلَاعُبٌ، لَيْسَ لَهُ مُسْتَنَدٌ وَلَا بُرْهَانٌ، وَلِهَذَا كَانَ جَزَاؤُهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: {فَالْيَوْمَ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} حِينَ يَرَوْنَهُمْ فِي غَمَرَاتِ الْعَذَابِ يَتَقَلَّبُونَ، وَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ، وَالْمُؤْمِنُونَ فِي غَايَةِ الرَّاحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ.
– الشيخ : الله أكبر، الله أكبر، سبحان الله العظيم، سبحان الله العظيم، عجبًا لِمَنْ يُؤمِنُ بهذا ثم لا يُنافسُ فيه ولا يَجِدُّ ويجتهدُ في بلوغه! إنَّ هذا لَنَقْصٌ في العقل والدِّين، العقل والدِّين يأمرانَ بطلبِ المعالي وطلب الكمال، وطلبِ الخير والسعادة، والتقصيرُ في ذلك نقصٌ في العقل ونقصٌ في الدِّين.
– القارئ : {عَلَى الأرَائِكِ} وَهِيَ السُّرُرُ الْمُزَيَّنَةُ، {يَنْظُرُونَ} إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ، وَيَنْظُرُونَ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِمِ الْكَرِيمِ.
{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} أَيْ: هَلْ جُوزُوا مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِمْ؟ فَكَمَا ضَحِكُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَمَوْهُمْ بِالضَّلَالِ، ضَحِكَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ، حِينَ رَأَوْهُمْ فِي الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، الَّذِي هُوَ عُقُوبَةُ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ.
نَعَمْ، ثُوِّبُوا مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ، عَدْلًا مِنَ اللَّهِ وَحِكْمَةً، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. انتهى
– الشيخ : اللهم صل وسلم.. الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله .