الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية/(142) فصل متابعة حكاية كلام ابن البطريق عن النصارى قوله “فلما سمع قسطنطين الملك مقالاتهم عجب من ذلك وأخلى لهم دارا”

(142) فصل متابعة حكاية كلام ابن البطريق عن النصارى قوله “فلما سمع قسطنطين الملك مقالاتهم عجب من ذلك وأخلى لهم دارا”

 

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس: الثَّاني والأربعون بعد المئة

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ، نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ؛ فيقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمَهُ اللهُ تعالى في كتابِهِ "الجوابِ الصَّحيحِ لِمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ":

يقولُ رحمَهُ اللهُ: قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ "قُسْطَنْطِينُ" الْمَلِكُ مَقَالَاتِهِمْ، عَجِبَ مِنْ ذَلِكَ وَأَخْلَى لَهُمْ دَارَا وَتَقَدَّمَ لَهُمْ بِالْإِكْرَامِ وَالضِّيَافَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَنَاظَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ لِيَنْظُرَ مَنْ مَعَهُ الْحَقُّ فَيَتَّبِعَهُ.

فَاتَّفَقَ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُسْقُفًّا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ، فَنَاظَرُوا بَقِيَّةَ الْأَسَاقِفَةِ الْمُخْتَلِفِينَ فَأَفْلَجُوا عَلَيْهِمْ حُجَجَهُمْ وَأَظْهَرُوا الدِّينَ الْمُسْتَقِيمَ، وَكَانَ أَيْضًا بَاقِي الْأَسَاقِفَةِ مُخْتَلِفِي الْأَدْيَانِ وَالْآرَاءِ.

وَصَنَعَ الْمَلِكُ لِلثَّلَاثِمِائَةِ وَالثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُسْقُفًّا مَجْلِسًا خَاصًّا عَظِيمًا، وَجَلَسَ فِي وَسَطِهِ، وَأَخَذَ خَاتَمَهُ وَسَيْفَهُ وَقَضِيبَهُ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ سَلَّطْتُكُمُ الْيَوْمَ عَلَى الْمَمْلَكَةِ لِتَصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ، لِتَصْنَعُوا مَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَصْنَعُوا مِمَّا فِيهِ قِوَامُ الدِّينِ وَصَلَاحُ الْمُؤْمِنِينَ.

فَبَارَكُوا عَلَى الْمَلِكِ وَقَلَّدُوهُ سَيْفَهُ، وَقَالُوا لَهُ: أَظْهِرْ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ وَذُبَّ عَنْهُ.

وَوَضَعُوا لَهُ أَرْبَعِينَ كِتَابًا، فِيهَا السُّنَنُ وَالشَّرَائِعُ، وَفِيهَا مَا يَصْلُحُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ الْأَسَاقِفَةُ وَمَا يَصْلُحُ لِلْمَلِكِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا فِيهَا.

وَكَانَ رَئِيسُ الْمَجْمَعِ وَالْمُقَدَّمُ فِيهِ "الْأَكْصَنْدَرُوسَ" بَطْرِيَرْكَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَبَطْرَكَ الْإِنْطَاكِيَةِ، وَأُسْقُفَّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

وَوَجَّهَ بَطْرَكُ رُومِيَّةَ مِنْ عِنْدِهِ رَجُلَيْنِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى نَفْيِ "أَرِيُوسَ" وَأَصْحَابِهِ وَلَعَنُوهُمْ وَكُلَّ مَنْ قَالَ مَقَالَتَهُ، وَوَضَعُوا تِلْكَ الْأَمَانَةَ، وَثَبَّتُوا أَنَّ الِابْنَ مَوْلُودٌ مِنَ الْأَبِ قَبْلَ كُلِّ الْخَلَائِقِ، وَأَنَّ الِابْنَ مِنْ طَبِيعَةِ الْأَبِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَكُونَ فِصْحُ النَّصَارَى فِي يَوْمِ الْأَحَدِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ فِصْحِ الْيَهُودِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِصْحُ الْيَهُودِ مَعَ فِصْحِ النَّصَارَى فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَثَبَّتُوا مَا وَضَعَهُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ حِسَابِ الصَّوْمِ وَالْفِصْحِ، وَأَنْ يَكُونَ فِطْرُ النَّصَارَى يَوْمَ فِصْحِهِمْ، يَوْمَ الْأَحَدِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ فِصْحِ الْيَهُودِ.

لِأَنَّ النَّصَارَى كَمَا قُلْنَا مِنْ قَبْلُ كَانُوا إِذَا عَيَّدُوا عِيدَ الْحَمِيمِ وَهُوَ عِيدُ الْغِطَاسِ صَامُوا مِنَ الْغَدِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَيُفْطِرُونَ.

فَإِذَا كَانَ عِيدُ الْيَهُودِ عَيَّدُوا مَعَهُمُ الْفِصْحَ، فَصَيَّرُوا يَوْمَ الْفِصْحِ لِلْفِطْرِ، وَمَنَعُوا أَنْ يَكُونَ لِلْأُسْقُفِّ زَوْجَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَسَاقِفَةَ مُنْذُ وَقْتِ الْحَوَارِيِّينَ إِلَى مَجْمَعِ الثَّلَاثِمِائَةِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ كَانَ لَهُمْ نِسَاءٌ، لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا اخْتِيرَ وَاحِدٌ أُسْقُفًّا وَكَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ، تَبِيتُ مَعَهُ وَلَمْ تَتَنَحَّ عَنْهُ، مَا خَلَا الْبَطَارِكَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نِسَاءٌ وَلَا كَانُوا أَيْضًا يُصَيِّرُونَ أَحَدًا بَطْرَكًا لَهُ زَوْجَةٌ.

– الشيخ : رهبانيَّة يعني، أقولُ: من الرَّهبانيَّة تركُ النِّكاحِ.

– القارئ : قَالَ: وَانْصَرَفُوا مُكْرَمِينَ مَحْظُوظِينَ، وَذَلِكَ فِي سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مُلِكِ "قُسْطَنْطِينَ".

قَالَ: وَسَنَّ "قُسْطَنْطِينُ" الْمَلِكُ ثَلَاثَ سُنَنٍ:

أَحَدُهَا: كَسْرُ الْأَصْنَامِ وَقَتْلُ كُلِّ مَنْ يَعْبُدُهَا.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يُثْبَتَ فِي الدِّيوَانِ إِلَّا أَوْلَادُ النَّصَارَى، وَيَكُونُونَ أُمَرَاءَ وَقُوَّادًا.

وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يُقِيمَ النَّاسُ جُمُعَةَ الْفِصْحِ وَالْجُمُعَةَ الَّتِي بَعْدَهَا لَا يَعْمَلُونَ فِيهَا عَمَلًا، وَلَا يَكُونُ فِيهَا حَرْبٌ.

قَالَ: وَتَقَدَّمَ "قُسْطَنْطِينُ" إِلَى أُسْقُفِّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَطْلُبَ مَوْضِعَ الْمَقْبَرَةِ وَالصَّلِيبِ، وَيَبْنِيَ الْكَنَائِسَ وَيَبْدَأَ بِبِنَاءِ الْقِيَامَةِ الْمُقَدَّسَةِ.

فَقَالَتْ "هِيلَانَةُ" أُمُّ "قُسْطَنْطِينَ" لِلْمَلِكِ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَصِيرَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَطْلُبَ الْمَوَاضِعَ الْمُقَدَّسَةَ فَأَبْنِيَهَا، فَدَفَعَ الْمَلِكُ إِلَيْهَا أَمْوَالًا كَثِيرَةً جَزِيلَةً.

وَسَارَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَ أُسْقُفِّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا وَصَلَتْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِرْصٌ وَلَا هِمَّةٌ إِلَّا طَلَبَ الصَّلِيبِ.

فَجَمَعَتِ الْيَهُودَ وَالسُّكَّانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَاخْتَارَتْ مِنْهُمْ عَشْرَةً، وَمِنَ الْعَشْرَةِ ثَلَاثَةً كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: "يَهُوذَا" فَسَأَلَتْهُمْ أَنْ يَدُلُّوهَا عَلَى مَوْضِعِ الصَّلِيبِ فَامْتَنَعُوا، وَقَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا عِلْمٌ مِنْهُ وَلَا خِبْرَةٌ بِالْمَوْضِعِ.

فَأَمَرَتْ بِهِمْ فَطَرَحَتْهُمْ فِي جُبٍّ لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ، فَأَقَامُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَمْ يُطْعَمُوا وَلَمْ يُسْقَوْا، فَقَالَ أَحَدُهُمْ الَّذِي اسْمُهُ يَهُوذَا لِصَاحِبَيْهِ: إِنَّ أَبَاهُ عَرَّفَهُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تَطْلُبُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ، وَإِنَّ جَدَّهُ عَرَّفَ أَبَاهُ.

فَصَاحَ الِاثْنَانِ مِنَ الْجُبِّ: أَخْرِجُونَا حَتَّى نُعْلِمَ الْمَلِكَةَ بِحَالِ هَذَا الرَّجُلِ.

فَأَخْرَجُوهُمْ، فَأَخْبَرُوا الْمَلِكَةَ بِمَا قَالَ لَهُمَا "يَهُوذَا" فَأَمَرَتْ بِضَرْبِهِ بِالسِّيَاطِ فَأَقَرَّ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْمَوْضِعَ، فَخَرَجَ حَتَّى جَاءَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْمَقْبَرَةُ وَالْأَقْرَانِيُّونَ، وَكَانَتْ مَزْبَلَةٌ عَظِيمَةٌ هُنَاكَ، فَصَلَّى وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمَقْبَرَةُ فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُزَلْزِلَ الْمَكَانَ وَتُخْرِجَ مِنْهُ دُخَانًا حَتَّى نُؤْمِنَ، فَزُلْزِلَ الْمَوْضِعُ وَخَرَجَ مِنْهُ دُخَانٌ كَمَا سَأَلَ فَآمَنَ.

فَأَمَرَتْ "هِيلَانَةُ" بِكَنْسِ الْمَوْضِعِ مِنَ التُّرَابِ، فَظَهَرَتِ الْمَقْبَرَةُ وَالْأَقْرَانِيُّونَ وَوُجِدَ ثَلَاثَةُ صُلْبَانٍ، قَالَتْ "هَيْلَانَةُ" كَيْفَ لَنَا أَنْ نَعْلَمَ بِصَلِيبِ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ؟ وَكَانَ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ عَلِيلٌ شَدِيدُ الْعِلَّةِ قَدْ يُئِسَ مِنْهُ، فَوُضِعَ الصَّلِيبُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ فَقَامَ الْمَرِيضُ وَلَيْسَ بِهِ شَيْءٌ يَكْرَهُ.

فَعَلِمَتْ "هَيلَانَةُ" أَنَّهُ الصَّلِيبُ الَّذِي لِسَيِّدِنَا الْمَسِيحِ

– الشيخ : يعني الصَّليب الَّذي صُلِبَ عليه، يعني الخشبةُ الَّتي صُلِبَ عليها على زعمِهم بزعمِهم، لأنَّ مذهبَهم في الصَّلب أنَّه صُلِبَ وأنَّه قُبِضَ أيَّامًا ثمَّ قامَ، وهذا من أشنعِ مقالاتِ الأممِ، يزعمون أنَّ الإلهَ الَّذي يؤلِّهونه أنَّه صُلِبَ، اليهودُ يزعمون أنَّهم صلبُوه، والنَّصارى صدَّقُوا ذلك وآمنُوا به، ومن أجل ذلك عظَّمُوا الصَّليبَ، والصَّليبُ في اللُّغةِ هو المصلوبُ، ولكن الآنَ اسمُ الصَّليبِ عندَهم هو نفسُ الخشبِ الَّذي صُلِّيَ عليه بزعمِهم، وكلُّ شكلٍ عليه يسمُّونه صليب.

 

– القارئ : فَعَلِمَتْ "هَيلَانَةُ" أَنَّهُ الصَّلِيبُ الَّذِي لِسَيِّدِنَا الْمَسِيحِ، فَجَعَلَتْهُ فِي غِلَافٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَحَمْلَتْهُ مَعَهَا وَجَمَّلَتْهُ بِمَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَظْهَرَتْ كُلَّ مَا كَانَ مَدْفُونًا مِنْ آثَارِ سَيِّدِنَا الْمَسِيحِ وَحَمَلَتْهُ إِلَى ابْنِهَا "قُسْطَنْطِينَ" وَبَنَتْ كَنِيسَةَ الْقِيَامَةِ فِي مَوْضِعِ الصَّلِيبِ وَالْأَقْرَانِيُّونَ وَكَنِيسَةَ "قُسْطَنْطِينَ"، وَانْصَرَفَتْ وَأَمَرَتْ أُسْقُفَّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ يَبْنِيَ بَاقِيَ الْكَنَائِسَ، وَذَلِكَ فِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ مُلْكِ "قُسْطَنْطِينَ".

قَالَ: فَمِنْ مِيلَادِ سَيِّدِنَا الْمَسِيحِ إِلَى أَنْ وُجِدَ الصَّلِيبُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَذَكَرَ أَنَّهُ بَعْدَ هَذَا اجْتَمَعُوا بِمَجْمَعٍ عَظِيمٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ.

وَكَانَ مَعَهُمْ رَجُلٌ قَدْ دَسَّهُ بَطْرَكُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ لِيَسْأَلُوا بَطْرَكَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ لَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَلِكِ أَظْهَرَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَرِيُوسَ، وَكَانَ يَرَى رَأْيَهُ وَيَقُولُ بِمَقَالَتِهِ، فَقَامَ هَذَا الرَّجُلُ وَاسْمُهُ "مَانْيُوسُ" فَقَالَ: إِنَّ "أَرِيوُسَ" لَمْ يَقُلْ إِنَّ الْمَسِيحَ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ، وَلَكِنْ قَالَ بِهِ خُلِقَتِ الْأَشْيَاءُ، لِأَنَّهُ "كَلِمَةُ اللَّهِ" الَّتِي بِهَا خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَإِنَّمَا خَلَقَ اللَّهُ الْأَشْيَاءَ بِكَلِمَتِهِ، وَلَمْ تَخْلُقِ الْأَشْيَاءَ كَلِمَتُهُ، كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا الْمَسِيحُ فِي الْإِنْجِيلِ الْمُقَدَّسِ: "كُلٌّ بِيَدِهِ كَانَ، وَمِنْ دُونِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ". فَقَالَ: بِهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ نُورُ الْبَشَرِ. وَقَالَ: فِي هَذَا الْعَالَمِ وَالْعَالَمُ بِهِ تَكَوَّنَ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ بِهِ تَكَوَّنَتْ وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهَا كُوِّنَتْ لَهُ، قَالَ: فَهَذِهِ كَانَتْ مَقَالَةُ "أَرِيُوسَ" وَلَكِنَّ الثَّلَاثَمِائَةِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُسْقُفًّا تَعَدَّوْا عَلَيْهِ وَظَلَمُوهُ وَحَرَّمُوهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا.

فَرَدَّ عَلَيْهِ بَطْرَكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَقَالَ: أَمَّا "أَرِيُوسُ" فَلَمْ يَكْذِبْ عَلَيْهِ الثَّلَاثُمِائَةِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُسْقُفًّا وَلَا ظَلَمُوهُ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ: "إِنَّ الِابْنَ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ دُونَ الْأَبِ".

وَإِذَا كَانَتِ الْأَشْيَاءُ إِنَّمَا خُلِقَتْ بِالِابْنِ دُونَ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ لَهَا خَالِقًا، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا خُلِقَ مِنْهَا شَيْئًا، وَفِي ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلْمَسِيحِ، قَوْلَهُ: "الْأَبُ يَخْلُقُ وَأَنَا أَخْلُقُ"

– الشيخ : نسألُ اللهَ العافيةَ

– القارئ : وَقَالَ: "إِنْ أَنَا لَمْ أَعْمَلْ عَمَلَ أَبِي فَلَا تُصَدِّقُونِي". وَقَالَ: "كَمَا أَنَّ الْأَبَ يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ وَيُمِيتُهُ، كَذَلِكَ الِابْنُ يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ وَيُمِيتُهُ".

فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُحْيِي وَيَخْلُقُ، وَفِي هَذَا تَكْذِيبٌ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَالِقٍ، وَإِنَّمَا خُلِقَتْ بِهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّ الْأَشْيَاءَ كُوِّنَتْ بِهِ، فَإِنَّمَا كُنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّ الْمَسِيحَ حَيٌّ فَعَالٌ، وَكَانَ قَدْ دَلَّ بِقَوْلِهِ: "إِثْمًا أَفْعَلُ الْخَلْقَ وَالْحَيَاةَ" كَانَ قَوْلُكَ: "بِهِ كُوِّنَتِ الْأَشْيَاءُ" إِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ فِي الْمَعْنَى إِلَى أَنَّهُ كَوَّنَهَا فَكَانَتْ بِهِ مُكَوَّنَةً، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَتَنَاقَضَ الْقَوْلَانِ.

قَالَ: وَرَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا فَقَالَ: "أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ "أَرِيُوسَ": إِنَّ الْأَبَ يُرِيدُ الشَّيْءَ فَيُكَوِّنُهُ الِابْنُ، وَالْإِرَادَةُ لِلْأَبِ وَالتَّكْوِينُ لِلِابْنِ"، فَإِنَّ ذَلِكَ يَفْسُدُ أَيْضًا إِذْ كَانَ الِابْنُ عِنْدَهُ مَخْلُوقًا فَقَدْ صَارَ حَظُّ الْمَخْلُوقِ فِي الْخَلْقِ أَوْفَى مِنْ حَظِّ الْخَالِقِ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَرَادَ وَفَعَلَ، وَذَاكَ أَرَادَ وَلَمْ يَفْعَلْ، فَهَذَا أَوْفَرُ حَظًّا فِي فِعْلِهِ مِنْ ذَاكَ، وَلَا بُدَّ لِهَذَا أَنْ يَكُونَ فِي فِعْلِهِ لِمَا يُرِيدُ ذَلِكَ، بِمَنْزِلَةِ كُلِّ فَاعِلٍ مِنَ الْخَلْقِ لِمَا يُرِيدُ الْخَالِقُ مِنْهُ

– الشيخ : كأنَّ هذا راجعٌ إلى معنى قولِهِ: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران:49]، كأنَّ هذا الكلامَ راجعٌ إلى ما أخبرَ اللهُ به عن المسيحِ.

 

– القارئ : وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ فِي الْجَبْرِ وَالِاخْتِيَارِ، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا فَجَائِزٌ أَنْ يُطَاعَ، وَجَائِزٌ أَنْ يُعْصَى وَجَائِزٌ أَنْ يُثَابَ، وَجَائِزٌ أَنْ يُعَاقَبَ، وَهَذَا أَشْنَعُ فِي الْقَوْلِ.

قَالَ: وَرَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا وَقَالَ: إِنْ كَانَ الْخَالِقُ إِنَّمَا خَلَقَ خَلْقَهُ بِمَخْلُوقٍ، فَالْمَخْلُوقُ غَيْرُ الْخَالِقِ بِلَا شَكٍّ، فَقَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْخَالِقَ يَفْعَلُ بِغَيْرِهِ، وَالْفَاعِلُ بِغَيْرِهِ مُحْتَاجٌ إِلَى مُتَمِّمٍ لِيَفْعَلَ بِهِ إِذْ كَانَ لَا يَتِمُّ لَهُ الْفِعْلُ إِلَّا بِهِ، وَالْمُحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ مَنْقُوصٌ، وَالْخَالِقُ يَتَعَالَى عَنْ هَذَا كُلِّهِ.

قَالَ: فَلَمَّا دَحَضَ بَطْرَكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ حُجَجَ أُولَئِكَ الْمُخَالِفِينَ وَظَهَرَ لِمَنْ حَضَرَ بُطْلَانَ قَوْلِهِمْ، تَحَيَّرُوا وَخَجِلُوا فَوَثَبُوا عَلَى بَطْرَكِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَضَرَبُوهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُقْتَلَ، فَخَلَّصَهُ مِنْ أَيْدِيهِمُ ابْنُ أُخْتِ "قُسْطَنْطِينَ"، وَهَرَبَ بَطْرَكُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ الْمُحْتَجُّ عَلَى أَصْحَابِ "أَرِيُوسَ" وَصَارَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ أَحَدٍ مِنَ الْأَسَاقِفَةِ، ثُمَّ أَصْلَحَ دُهْنَ الْمَيْرُونِ وَقَدَّسَ الْكَنَائِسَ وَمَسَحَهَا بِدُهْنِ الْمَيْرُونِ، وَسَارَ إِلَى الْمَلِكِ فَأَعْلَمَهُ بِالْخَبَرِ فَصَرَفَهُ الْمَلِكُ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ.

قَالَ رحمَهُ اللهُ:

فصلٌ: وَأَمَرَ الْمَلِكُ أَلَّا يَسْكُنَ يَهُودِيٌّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَلَا يَجُوزَ بِهَا، وَمَنْ لَمْ يَتَنَصَّرْ يُقْتَلْ. فَتَنَصَّرَ

– الشيخ : يعني أصبحَ الملك الآنَ، تنصَّرَ الملكُ

– القارئ : وَأَمَرَ الْمَلِكُ أَلَّا يَسْكُنَ يَهُودِيٌّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَلَا يَجُوزَ بِهَا، وَمَنْ لَمْ يَتَنَصَّرْ يُقْتَلْ. فَتَنَصَّرَ مِنَ الْيَهُودِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَظَهَرَ دِينُ النَّصْرَانِيَّةِ.

فَقِيلَ لِـقُسْطَنْطِينَ الْمَلِكِ: إِنَّ الْيَهُودَ يَتَنَصَّرُونَ مَنْ فَزِعِ الْقَتْلِ وَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ. قَالَ الْمَلِكُ: كَيْفَ لَنَا أَنْ نَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ؟

قَالَ بُولُسُ الْبَتْرَكُ: إِنَّ الْخِنْزِيرَ فِي التَّوْرَاةِ حَرَامٌ وَالْيَهُودُ لَا يَأْكُلُونَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، فَأْمُرْ أَنْ تُذْبَحَ الْخَنَازِيرُ وَتُطْبَخَ لُحُومُهَا وَتُطْعِمَهُمْ مِنْهَا، فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ.

فَقَالَ الْمَلِكُ: إِذَا كَانَ الْخِنْزِيرُ فِي التَّوْرَاةِ حَرَامًا، فَكَيْفَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَأْكُلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَنُطْعِمَهُ لِلنَّاسِ؟

فَقَالَ لَهُ "بُولُسُ" الْبَتْرَكُ: إِنَّ سَيِّدَنَا الْمَسِيحَ قَدْ أَبْطَلَ كُلَّ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَجَاءَ بِنَامُوسٍ آخَرَ وَبِتَوْرَاةٍ جَدِيدَةٍ وَهُوَ الْإِنْجِيلُ، وَفِي إِنْجِيلِهِ الْمُقَدَّسِ: "أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ الْبَطْنَ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا يُنْجِسُ، وَإِنَّمَا يُنْجِسُ الْإِنْسَانَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ".

وَقَالَ بُولُسُ الرَّسُولُ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ مَدِينَةِ "فُورِينْيُوسَ" الْأُولَى: "الطَّعَامُ لِلْبَطْنِ آلَتُهُ لَهَا، وَالْبَطْنُ لِلطَّعَامِ، وَلَهُ يُلْعَنُ". وَمَكْتُوبٌ فِي "الْإِبْرِكْسِسِ" يَعْنِي أَخْبَارَ الْحَوَارِيِّينَ: أَنَّ بُطْرُسَ رَئِيسَ الْحَوَارِيِّينَ كَانَ فِي مَدِينَةِ "يَافَا" فِي مَنْزِلِ رَجُلٍ دَبَّاغٍ يُقَالُ لَهُ: "سِيمُونُ"، وَأَنَّهُ صَعِدَ إِلَى الْمَنْزِلِ لِيُصَلِّيَ وَقْتَ سِتِّ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ، فَوَقَعَ عَلَيْهِ سُبَاتٌ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ قَدْ تَفَتَّحَتْ وَإِذَا إِزَارٌ قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى بَلَغَ الْأَرْضَ.

وَفِيهِ: كُلُّ ذِي أَرْبَعِ قَوَائِمَ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ السِّبَاعِ وَالذِّئَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَيْرِ السَّمَاءِ. وَسَمِعَ صَوْتًا يَقُولُ لَهُ: يَا بُطْرُسُ، قُمْ فَاذْبَحْ وَكُلْ، فَقَالَ بُطْرُسُ: يَا رَبِّ مَا أَكَلْتُ شَيْئًا نَجِسًا قَطُّ وَلَا وَسِخًا قَطُّ فَجَاءَ صَوْتٌ ثَانٍ: كُلُّ مَا طَهَّرَهُ اللَّهُ فَلَيْسَ بِنَجِسٍ، وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى: مَا طَهَّرَهُ اللَّهُ فَلَا تُنَجِّسْهُ أَنْتَ.

ثُمَّ جَاءَ الصَّوْتُ بِهَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ إِنَّ الْإِزَارَ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، فَعَجِبَ بُطْرُسُ وَتَحَيَّرَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ.

فَبِهَذَا الْمَنْظَرِ وَبِمَا قَالَ سَيِّدُنَا الْمَسِيحُ فِي إِنْجِيلِهِ الْمُقَدَّسِ، أَمَرَ بُطْرُسُ وَبُولُسُ أَنْ نَأْكُلَ كُلَّ ذِي أَرْبَعِ قَوَائِمَ مِنَ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ حَلَالًا لَنَا.

فَأَمَرَ الْمَلِكُ أَنْ تُذْبَحَ الْخَنَازِيرُ وَتُطْبَخَ لُحُومُهَا وَتُقَطَّعَ صِغَارًا صِغَارًا وَتَصِيرَ عَلَى أَبْوَابِ الْكَنَائِسِ فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ يَوْمَ أَحَدِ الْفِصْحِ، وَكُلُّ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْكَنِيسَةِ يَلْقُمُ لُقْمَةً مِنْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ يُقْتَلْ، فَقُتِلَ لِأَجْلِ ذَلِكَ خَلْقٌ كَثِيرٌ.

قَالَ سَعِيدٌ: وَكَانَ لِـ "قُسْطَنْطِينَ" ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ أَكْبَرُهُمْ "قُسْطَنْطِينُ" بْنُ "قُسْطَنْطِينَ" وَذَلِكَ حِينَ مَلَكَ "أَزْدَشِيُرُ بْنُ سَابُورَ بْنِ هُرْمُزَ" عَلَى الْفُرْسِ، وَمَلَكَ بَعْدَهُ "سَابُورُ بْنُ سَابُورَ" لِخَمْسِ سِنِينَ مِنْ مُلْكِ "قُسْطَنْطِينَ".

قَالَ: وَفِي ذَلِكَ الْعَصْرِ اجْتَمَعَ أَصْحَابُ "أَرِيُوسَ" وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِمَقَالَتِهِ إِلَى الْمَلِكِ "قُسْطَنْطِينَ"، فَحَمَلُوا لَهُ دِينَهُمْ وَمَقَالَتَهُمْ، وَقَالُوا: إِنَّ الثَّلَاثَمِائَةِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُسْقُفًّا الَّذِينَ كَانُوا اجْتَمَعُوا بِنِيقِيَّةَ قَدْ أَخْطَؤُوا وَحَادُوا عَنِ الْحَقِّ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الِابْنَ مُتَّفِقٌ مَعَ الْأَبِ فِي الْجَوْهَرِ، فَتَأْمُرُ أَلَّا يُقَالَ هَذَا، فَإِنَّهُ خَطَأٌ. فَأَرَادَ الْمَلِكُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.

قَالَ: وَفِي ذَلِكَ الْعَصْرِ ظَهَرَ عَلَى "الْأَقْرَانِيُّونَ" وَهُوَ الْجَلْجَلَةُ نِصْفَ النَّهَارِ صَلِيبٌ مِنْ نُورٍ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ يَفُوقُ ضَوْءُهُ ضَوْءَ الشَّمْسِ، فَكَانَ يَبْلُغُ إِلَى طُورِ زَيْتَا فَرَأَى ذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ مِنْ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ.

فَكَتَبَ أُسْقُفُّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى "قُسْطَنْطِينَ" بْنِ "قُسْطَنْطِينَ" بِالْخَبَرِ وَقَالَ: فِي أَيَّامِ أَبِيكَ السَّعِيدِ ظَهَرَ صَلِيبٌ كَوَاكِبُ مِنَ السَّمَاءِ فِي نِصْفِ النَّهَارِ، وَفِي أَيَّامِكَ ظَهَرَ أَيُّهَا الْمَلِكُ عَلَى "الْأَقُرَانِيُّونَ" صَلِيبٌ مِنْ نُورٍ يَفُوقُ نُورُهُ نُورَ الشَّمْسِ فِي نِصْفِ النَّهَارِ.

وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَلَّا يَقْبَلَ قَوْلَ أَصْحَابِ "أَرِيُوسَ" فَإِنَّهُمْ حَائِدُونَ عَنِ الْحَقِّ كُفَّارٌ، قَدْ لَعَنَهُمُ الثَّلَاثُمِائَةِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أُسْقُفًّا، وَلَعَنُوا كُلَّ مَنْ يَقُولُ بِمَقَالَتِهِمْ. فَقبلَ قَوْلُهُ.

قَالَ: وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَلَبَتْ مَقَالَةُ "أَرِيُوسَ" عَلَى قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَأَنْطَاكِيَةَ وَبَابِلَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ.

فَسُمِّيَ التَّابِعُونَ لِأَرِيُوسَ وَالْقَائِلُونَ بِمَقَالَتِهِ "أَرِيُوسِيِّيِنَ" مُشْتَقًّا مِنَ اسْمِهِ.

قَالَ: وَفِي ثَانِي سَنَةٍ مِنْ مُلْكِ "قُسْطَنْطِينَ" صُيِّرَ عَلَى أَنْطَاكِيَةَ بَطْرَكٌ أَرِيُوسِيٌّ، ثُمَّ بَعْدَهُ آخَرُ أَرِيُوسِيٌّ، ثُمَّ بَعْدَهُ آخَرُ مَنَانِيٌّ، وَصُيِّرَ عَلَى قُسْطَنْطِينِيَّةَ بَتْرَكٌ مَنَانِيٌّ.

قَالَ فَفِي عَشْرِ سِنِينَ مِنْ مُلْكِهِ صُيِّرَ عَلَى قُسْطَنْطِينِيَّةَ بَطْرَكٌ، وَكَانَ يَقُولُ: رُوحَ الْقُدُسِ مَخْلُوقَةٌ، وَأَقَامَ عَشْرَ سِنِينَ وَمَاتَ.

وَنُقِلَ بَعْدَ ذَلِكَ بَطْرَكُ أَنْطَاكِيَةَ فَصُيِّرَ عَلَى قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَكَانَ مَنَانِيًّا.

قَالَ: وَأَمَّا أَهْلُ مِصْرَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ

– الشيخ : قفْ على هذا يا أخي، سبحانَ الله! ما انتهى؟!! سبحانَ الله كنت [….] على الكتاب ولكنِّي في الحقيقة نسيْتُ أن…، ما تصوَّرْتُ الآن أنَّ هذا كلَّه، في الحقيقةِ نقل ما أشعرُ فيه بكبير فائدةٍ من تأريخِ النَّصارى وما فعلَ بهم قسطنطينُ والاختلافاتُ الَّتي بينَهم، يعني معروفة الافتراق والاختلاف الَّذي بينهم معروفٌ مقرَّرٌ ذكرَه الشَّيخُ وذكرَه ابنُ القيِّم في "هدايةِ الحيارى"، لكن النَّقل الطَّويل هذا عجيب! النَّقلُ الأوَّلُ، ما نقلَه الشَّيخ عن حسن بن أيُّوبَ كانَ فيه نوعُ نقدٍ للنَّصرانيَّة وردٌّ، أمَّا هذا مجرَّدُ نقل تأريخٍ، نقلٌ تأريخيٌّ.

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة