بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
علم الأخلاق
الدَّرس: الثَّالث
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ.
– الشيخ : اللهمَّ اغفرْ لنا، اللهم اغفرْ لنا، اللهم اغفرْ لنا، اللهم اغفر لنا
– القارئ : قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بن ناصر السَّعديُّ في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ:
النصيحة
أخبرَ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- أنَّ الدَّينَ النصيحةُ، كرَّرَها ثلاثًا، وفسَّرَها بأنَّها النصيحةُ للهِ، ولكتابِه ولرسولِه ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم.
وأخبرَ تعالى أنَّ النصيحةَ طريقةُ أنبيائِه وأصفيائه، وأخبرَ أنَّ الحرجَ مَنفيٌّ عمَّن نصحَ للهِ ولرسولِه. فالنصيحةُ للهِ هي القيامُ التامُّ بحقوقِه علمًا وعملاً، ودعوةً وتنفيذًا، والنصيحةُ لكتابه: الاجتهادُ في معرفةِ ألفاظِه ومعانيه، والعملُ به والدعوةُ لذلك.
والنصيحةُ لرسولِه: الإيمانُ به، ومحبتُه واتباعُه، ونصرُ سنَّتِه، وتقديمُ هديِه على هديِ كلِّ أحدٍ، والاجتهادُ في كلِّ ما يحبُّه.
والنصيحةُ لأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم: أنْ يحبَّ لهم الخيرَ، ويكرهَ لهم الشرَّ، ويسعى في ذلك بحسبِ مقدورِه، فيُعلِّمُ جاهلَهم، ويُرشدُ مُنحرفَهم، ويُذكِّرُ غافلَهم ويَعِظُ مُعرضَهم ومُعارضَهم، ويدعو إلى سبيلِ ربِّه بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، والمُجادلةِ بالتي هي أحسن، ويسلكَ كلَّ طريقٍ فيه صلاحٌ لإخوانِه المسلمين، ويسعى في تأليفِ ذاتِ بينِهم، وفي إرشادِهم على اختلافِ طبقاتِهم لمصالحِ دينِهم ودنياهم، كلُّ أحدٍ على حسبِ حالِه.
وللنصيحةِ فوائدُ عظيمةٌ:
منها: أنَّ الدِّينَ لا يتمُّ إلا بها، بل هي الدِّينُ كما ذكرَه صلَّى الله عليه وسلم.
ومنها: أنَّ الناصحَ للهِ ولرسولِه ولكتابِه وللخلقِ نفسُ عملِ قلبِه هذا، واستعدادِه وتهيئتِه للنصيحةِ من أكبرِ الأعمالِ المُقرِّبةِ إلى ربِّ العالمين، فما تقرَّبَ أحدٌ إلى اللهِ بمثلِ توطينِ النفسِ على النصيحةِ الشرعيةِ المذكورةِ، فالناصحُ في عبادةٍ مُستمرةٍ إنْ قامَ أو قعدَ، أو عملَ، أو تركَ العملَ.
ومنها: أنَّ من عجزَ عن العملِ الدِّينيِّ إذا كان ناصحًا للهِ ولرسوله، ناويًا الخيرَ إذا تيسَّرَ له، فإنَّه لا حرجَ عليه، ويُشاركَ العاملين في عملِهم، فإنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ.
ومنها: أنَّ اللهَ يُيسِّرُ للناصحِ الصادقِ أمورًا لا تخطرُ له على بالٍ، وأنَّ الساعي في نفعِ المسلمين إذا كان قصدُه النصيحةَ، فإنَّه يُفلحُ وينجحُ، فإنْ تمَّ ما سعى له فعلاً وهو الغالبُ وإلَّا تمَّ أجرُهُ، فمن عجزَ عن بعضِ عملٍ قد شرعَ فيه تمَّمَ له ذلك العملَ. قالَ تعالى: وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ[النساء:100]
ومنها: السلامةُ من الغِشِّ، فإنَّ من غشَّ المسلمين في دينِهم ودنياهم فليس منهم، والغِشُّ من أشنعِ الخِصالِ القبيحةِ في حقِّ القريبِ والبعيدِ
– الشيخ : الغِشُّ ضِدُّ النصيحةِ، الغشُّ ضدُّ النصيحةِ، النصيحةُ فيها محبةُ الخيرِ وكراهةُ الشَّرِّ للمسلمين، والغِشُّ بعكسِها.
– القارئ : والغشُّ من أشنعِ الخِصالِ القبيحةِ في حقِّ القريبِ والبعيد، والمُخالفِ والمُوافِق.
فهذا القرآنُ العظيمُ يدعو إلى هذا الخُلقِ الذي هو أفضلُ الأخلاق، وهو النصيحةُ التي أُسِّسَ عليها دينُ الإسلام، وقامَ عليها بُنيانُه، وبانَ بها فضلُه على كلِّ شيءٍ، فإنَّ النصحَ لكلِّ أحدٍ محمودٌ شرعًا وعقلاً وفِطرةً، وضدُّه قبيحٌ شرعًا وعقلاً وفطرةً.
ثم قالَ رحمه الله
– الشيخ : مِن الدليلِ على ذلك: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:91] فنفَى عنهم الحرجَ بشرطِ النصيحةِ وإرادةِ الخيرِ ونيةِ الخيرِ ونيةِ فِعلِ الخيرِ لو استطاعُوا، إلى هنا.