بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
علم الأخلاق
الدَّرس: العاشر
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ.
– الشيخ : سبق في الأسبوع الماضي التنبيه على أن الأربعاء والخميس -إن شاء اللهُ- إجازة
– القارئ : إن شاء الله.
قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنَهُ فسيحَ جنانه- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الـمَلِكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ الـمُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى:
حُسْنِ الخُلُقِ
ومِنْ فوائدِ هذا المقامِ الجليلِ: أنَّ صاحبَهُ مستريحُ القلبِ، مطمئنُ النفسِ قدْ وَطَّنَ نفسَهُ على ما يُصيبُهُ مِنَ الناسِ مِن الأذى، وقدْ وطَّنَ نفسَهُ أيضًا على إيصالِ النفعِ إليهِمْ بكلِّ مقدورِهِ، وقدْ تمكَّنَ مِنْ إرضاءِ الكبيرِ والصغيرِ والنظيرِ، وقدْ تحمَّلَ مَنْ لا تَحْمِلُهُ مِنْ ثِقَلَهِ الجبالُ، وقدْ خفَّتْ عنْهُ الأثقالُ، وقدِ انقلبَ عدوُّهُ صديقًا حميمًا، وقدْ أَمِنَ مِن فَلَتَاتِ الجاهلينَ ومضرِة الأعداءِ أجمعينَ، وقدْ سهلَ عليهِ مطلوبُهُ مِنَ الناسِ، وتيسَّرَ لَهُ نصحُهُم وإرشادُهُم والاقتداءُ بنبيِّهِ في قولِهِ تعالى في وصفِهِ: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] الآيةَ. ويتولَّدُ عنْهُ خلقُ وهِيَ:
الـرحمـةُ:
وهِيَ رِقَّةُ القلبِ وصفوهُ ورحمتُهُ للخلقِ وزوالُ قسوتِهِ وغِلْظَتِهِ، وهو مِنْ أخلاقِ صفوةِ الخلقِ.
قال تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]
فرأفتُهُ -صلى الله عليه وسلم- ورحمتُهُ لا يُقاربُهُ فيها أحدٌ مِن الخَلْقِ، وهذهِ الرأفةُ والرحمةُ ظهرَتْ آثارُها في معاملتِهِ للخلقِ، ولا تُنافي قوةَ القلبِ وصبرَهُ. فقدْ كانَ -صلى الله عليه وسلم- أصبرَ الخلقِ وأشجعَهم وأقواهُم قلبًا معَ كمالِ رحمتِهِ.
فقوةُ القلبِ مِن آثارِهَا: الصبرُ والحِلْمُ والشجاعةُ القوليةُ والفعليةُ، والقيامُ التامُّ بأمرِ اللهِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهيُ عَن المنكرِ.
ورحمةُ القلبِ مِن آثارِها: الشفقةُ والحُنُوُّ والنصيحةُ، وبذلُ الإحسانِ المتنوِّعِ، فأيُّ أخلاقٍ تقاربُ هذهِ الأخلاقَ الساميةَ الجليلةَ. فقوةُ القلبِ وشجاعتُهُ تَنفي الضَّعْفَ والخَوَرَ، ورحمتُهُ تَنفي القسوةَ والغِلْظَةَ والشَّراسةَ.
وهذهِ الأخلاقُ الجميلةُ -وإنْ كانَتْ مِن علمِ الأخلاقِ والتربيةِ على أحسنِها- فإنَّها أيضًا داخلةٌ في عِلْمِ التوحيدِ، كما دخلَ فيهِ الخوفُ والرجاءُ والدُّعاءُ وغيرُها.
فهِيَ مِنْ جهةِ: التعبُّدُ للهِ -تعالى- بها والتقرُّبُ إليهِ داخلةٌ في علمِ التوحيدِ. ومِن جهةِ: تكميلُها للعبدِ وترقيتُها لأخلاقِهِ وتهذيبُ النفوسِ وتزكيتُها داخلةٌ في علمِ الأخلاقِ.
وهذا أعظمُ البراهينِ على رسالةِ محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وعلى أنَّ ما جاءَ بِهِ مِن القرآنِ والدِّينِ هو الحقُّ الذي لا رُقِيَّ ولا علوَّ ولا كمالَ ولا سعادةً إلا بِهِ، وأنَّهُ هو الهُدَى العِلْميّ الإرشاديّ، والهُدَى العمليّ، والتربية النافعة. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
ثمَّ قالَ رحمه الله: النوعُ الثالثُ مِنْ علومِ القرآنِ الكليةِ الجامعةِ: علمُ الأحكامِ في العباداتِ والمعاملاتِ والمواريثِ والأنكحةِ وسائرِ الحقوقِ والروابطِ بينَ العبادِ
– الشيخ : كأنه التقسيم، الأولُ: الاعتقاداتُ، والثاني: الأخلاقُ، والثالثُ: الأحكامُ.
– القارئ : نعم الأحكام أحسن الله إليك
– الشيخ : إلى هنا يا شيخ
– القارئ : أحسن الله إليك .