بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس الثَّاني والأربعون
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا وللمسلمينَ، قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
وَالْحُكْمُ بِاللَّوَثِ فِي الْأَمْوَالِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الدِّمَاءِ، فَإِنَّ طُرُقَ ثُبُوتِهَا أَوْسَعُ مِنْ طُرُقِ ثُبُوتِ الدِّمَاءِ
– الشيخ : هو اللَّوْثُ شبهةٌ، الشُّبهةُ الَّتي تسوِّغُ الدَّعوةَ وتقوِّي جانبَ المدَّعي
– القارئ : فإنَّهَا تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَالنُّكُولِ مَعَ الرَّدِّ، وَبِدُونِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطُّرُقِ، وَإِذَا حَكَمْنَا بِالْعِمَامَةِ لِمَنْ هُوَ مَكْشُوفُ الرَّأْسِ وَأَمَامَهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَبِيَدِهِ أُخْرَى وَهُوَ هَارِبٌ: فَإِنَّمَا ذَلِكَ بِاللَّوَثِ الظَّاهِرِ الْقَائِمِ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ، وَأَقْوَى مِنْهُمَا بِكَثِيرٍ. وَاللَّوَثُ عَلَامَةُ ظَاهِرٍ لِصِدْقِ الْمُدَّعِي، وَقَدْ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ فِي اللُّقَطَةِ، وَفِي النَّسَبِ، وَفِي اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ إذَا ادَّعَى اثْنَانِ قَتْلَ الْكَافِرِ، وَكَانَ أَثَرُ الدَّمِ فِي سَيْفِ أَحَدِهِمَا أَدَلَّ مِنْهُ فِي سَيْفِ الْآخَرِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى هَذَا: إِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ سَرِقَةَ مَالِهِ، فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ لَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ مَعَهُ الْمَسْرُوقُ: حَلَفَ الْمُدَّعِي، وَكَانَتْ يَمِينُهُ أَوْلَى مِنْ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ
– الشيخ : لأنَّه ظهرَ كذبُه، ظهرَ كذبُه، المسروقُ وجدناه عنده، اللهُ أكبرُ، فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ.. ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ [يوسف:76] خلاص
– القارئ : وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ اسْتِحْقَاقِ الدَّمِ فِي الْقَسَامَةِ.
وَعَلَى هَذَا، فَلَوْ طَلَبَ مِنْ الْوَالِي أَنْ يَضْرِبَهُ لِيُحْضِرَ بَاقِي الْمَسْرُوقِ فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا عَاقَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمَّ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، حَتَّى أَحْضَرَ كَنْزَ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالثَّانِيَةُ: إذَا رُدَّتْ الْيَمِينُ إلَيْهِ.
وَالثَّالِثَةُ: إذَا شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ حَلَفَ مَعَهُ وَاسْتَحَقَّ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالرَّابِعَةُ: فِي مَسْأَلَةِ تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ وَالصَّانِعَيْنِ، فَيُحْكَمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَصْلُحُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ.
وَالْخَامِسَةُ: تَحْلِيفُهُ مَعَ شَاهِدَيْهِ.
– الشيخ : لا إله إلَّا الله، إذا تنازعَ زوجان في محتوى البيتِ مثلًا، افرضْ أنَّه طلَّقَ الزَّوجةَ فتناعوا فيما في البيت من الأشياء فإنَّه يُحكَم لكلِّ واحدٍ بما يناسبه، ثيابُ الرَّجل للرَّجل، وبشته للرجل، لو تدَّعي المرأةُ ما قُبِلَ، ثيابُ المرأة وما يناسبُها وكذلك الدواليب الَّتي تُعدُّ لمثل هذا لمن يناسبُه، لا إله إلَّا الله، وهذا كلُّه من الحكم بالقرائن والأماراتِ والعرفِ السَّائد الجاري.
– القارئ : وَالْخَامِسَةُ: تَحْلِيفُهُ مَعَ شَاهِدَيْهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ سُريج بْنُ يُونُسَ فِي "كِتَابِ الْقَضَاءِ"
– الشيخ : شُرَيْحُ شُرَيْحُ هو..
– القارئ : سُرَيْج
– الشيخ : حتَّى، علَّقَ عليه تعليق؟
– القارئ : يقول يا شيخنا: سُريجُ بْنُ يُونُسَ بن إبراهيم المروزيّ البغداديّ أبو الحارث، توفي سنة 235 هجريَّة
– الشيخ : الاسمُ المشهورُ: شريح، لكن، عندك شريح؟
– طالب: شُرَيْحُ بن يونس، نعم
– القارئ : حتَّى التَّعليق عندنا يا شيخ بالسين، الحاشية، شُرَيْحُ بن يونس هو شيخنا؟
– الشيخ : هو محتمل محتمل، ما نعرف، المعروفُ أنَّه ليس هو شريح القاضي
– القارئ : قالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ الشَّعْبِيِّ. قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ يَسْتَحْلِفُ الرَّجُلَ
– الشيخ : شريح القاضي الظَّاهر أنَّه كذا، شريح، يظهرُ شريح
– القارئ : قال: كَانَ شُرَيْحٌ يَسْتَحْلِفُ الرَّجُلَ مَعَ بَيِّنَتِهِ. حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مغيرةَ، عن إبراهيمَ مثلَ ذلكَ.
حدَّثَنا عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ اسْتَحْلَفَ رَجُلًا مَعَ بَيِّنَتِهِ، فَكَأَنَّهُ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَقْضِيَ لَكَ بِمَا لَا تَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَالشَّعْبِيِّ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إنَّمَا تَرَى شُرَيْحًا أَوْجَبَ الْيَمِينَ عَلَى الطَّالِبِ مَعَ بَيِّنَتِهِ، حِينَ رَأَى النَّاسَ مَدْخُولِينَ فِي مُعَامَلَتِهِمْ، فَاحْتَاطَ لِذَلِكَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ ابْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قِيلَ لِشُرَيْحٍ: مَا هَذَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي الْقَضَاءِ؟ قَالَ: رَأَيْتُ النَّاسَ أَحْدَثُوا فَأَحْدَثْتُ.
وقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حُيَيٍّ: يُسْتَحْلَفُ الرَّجُلُ مَعَ بَيِّنَتِهِ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَرَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ حنش "أَنَّ عَلِيًّا اسْتَحْلَفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ مَعَ بَيِّنَتِهِ" وَأَنَّهُ اسْتَحْلَفَ رَجُلًا مَعَ بَيِّنَتِهِ، فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، فَقَالَ: "لَا أَقْضِي لَكَ بِمَا لَا تَحْلِفُ عَلَيْهِ".
وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ احْتِمَالِ التُّهْمَةِ. وَيُخَرَّجُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَجْهَانِ: فَإِنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: قَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ وَالصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ-، وَفِيمَا إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: قَالَ فِيهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ كَذَا: وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ حَامِدٍ. قَالَ الْخَلَّالُ فِي "الْجَامِعِ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُهَنَّا، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يُقِيمُ الشُّهُودَ، أَيَسْتَقِيمُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِ الشُّهُودِ: احْلِفْ؟ فَقَالَ: قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، قُلْتُ: مَنْ ذَكَرَهُ؟ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ الْحَكَمِ، عَنْ حنشٍ قَالَ: اسْتَحْلَفَ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ مَعَ الشُّهُودِ، فَقُلْتُ: يَسْتَقِيمُ هَذَا؟ قَالَ: قَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إلَّا ذَلِكَ»
– الشيخ : إي، بس [لكن] قال يكفي يعني، "يَسْتَقِيمُ هَذَا"! عليٌّ -رضي الله عنه- قدوةٌ
– القارئ : وَهَذَا الْقَوْلُ يَقْوَى مَعَ وُجُودِ التُّهْمَةِ، وَأَمَّا بِدُونِ التُّهْمَةِ فَلَا وَجْهَ لَهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمُدَّعِي
– الشيخ : والَّذين رأَوا الحلف أو استحلفوا بعض أصحاب البيِّنة ما استحلفوا إلَّا لوجودِ تهمةٍ كأنَّهم لم يطمئنُّوا إلى شهادةِ الشُّهود فرأوا تعزيزَ البيِّنةِ باليمينِ.
– القارئ : وَهَذَا الْقَوْلُ يَقْوَى مَعَ وُجُودِ التُّهْمَةِ، وَأَمَّا بِدُونِ التُّهْمَةِ فَلَا وَجْهَ لَهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمُدَّعِي: (شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: (لَيْسَ لَكَ).
فَصَلِّ:
وَأَمَّا تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: فَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ الْيَمِينَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ جَانِبِهِ، وَبَنَوْا عَلَى
– الشيخ : من جانبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
– القارئ : وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ إنْكَارَ الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَإِنْكَارَ الْقَوْلِ بِرَدِّ الْيَمِينِ، وَأَنَّهُ يُبْدَأُ فِي الْقَسَامَةِ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
فَصْلٌ
– الشيخ : إلى هنا
– طالب: أحسنَ الله إليكم، عندما قالَ المحقِّق سريج بن يونس، بعده بصفحةٍ كما أثبتَ أنت أحسن الله إليك قال أبو عبيدٍ: إنَّما نرى شريحًا
– الشيخ : من الَّذي يقول؟
– طالب: وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ فِي " كِتَابِ الْقَضَاءِ
– الشيخ : لا، لا، واضح
– طالب: ثمَّ عدلت أحسن الله إليك، ثمَّ بعده بسطرين: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إنَّمَا نرَى شُرَيْحًا
– الشيخ : لا، لا، تصحيف، تصحيف.