بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس السَّادس والأربعون
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وآلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا وللمسلمينَ. قالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ- في "الطُّرقُ الحكميَّةُ في السِّياسةِ الشَّرعيَّةِ":
فَصْلٌ: وَحَيْثُ قُبِلَتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي نِصَابِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ -فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا- وَقَتَادَةُ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُدُ: لَا يُقْبَلُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَاسْتَثْنَى دَاوُد الرَّضَاعَ، فَأَجَازَ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: لَا يُقْبَلُ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٌ إلَّا ثَلَاثَ نِسْوَةٍ، لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُقْبَلُ امْرَأَتَانِ فِي كُلِّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٌ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، إلَّا فِي الِاسْتِهْلَالِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ الْقَابِلَةُ وَحْدَهَا.
وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ: لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا امْرَأَتَانِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَجَازَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَرُويِّنَا ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فِي الِاسْتِهْلَالِ، وَوَرَّثَ عُمَرُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ -فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا- وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَرَبِيعَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ يَهُودِيَّةً، كُلُّ ذَلِكَ فِي الِاسْتِهْلَالِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَحَمَّادٌ: ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: يُقْبَلُ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ وَمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ: امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ.
وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ وَالنَّخَعِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَطَاوُوسٍ، وَالشَّعْبِيِّ الْحُكْمَ فِي الرَّضَاعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَرَّقَ بِشَهَادَتِهِمَا بَيْنَ الرِّجَالِ وَنِسَائِهِمْ، وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ
– الشيخ : إي، بَيْنَ الرِّجَالِ وَنِسَائِهِمْ يعني إذا ادَّعَت رضاعًا واحدة خلاص فُرِّقَ بينَ الزَّوجين المتراضعين أو المرضَعين من امرأةٍ واحدةٍ
– القارئ : وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ، وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ ذَلِكَ عَنْ الْقُضَاةِ جُمْلَةً. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا تُسْتَحْلَفُ مَعَ ذَلِكَ.
وَصَحَّ عَنْ مُعَاوِيَةَ: أَنَّهُ قَضَى فِي دَارٍ بِشَهَادَةِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَشْهَدْ بِذَلِكَ غَيْرُهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: وَرُوِيِّنَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ
– الشيخ : يعني لم يفرِّقوا بينَ الزَّوجين اللَّذين ادَّعَت المرأةُ أنَّها أرضعَتْهما
– القارئ : وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: لَا أُفتي فِي ذَلِكَ بِالْفُرْقَةِ، وَلَا أَقْضِي بِهَا. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: "لَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَمْ تَشَأْ امْرَأَةٌ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ إلَّا فَعَلَتْ".
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: أَقْضِي بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَأَمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ وَلَا أُفَرِّقُ بِشَهَادَتِهَا بَعْدَ النِّكَاحِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
– الشيخ : هذا الأخير أيش؟
– القارئ : وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: أَقْضِي بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ قَبْلَ النِّكَاحِ
– الشيخ : يعني منع النِّكاح ما دامَ شهدتْ نقولُ له: لا تتزوَّج، لا تتزوَّج، جاءَنا واحدٌ يستفتي ويقول: "أنا خاطب، وجاءتْ امرأةٌ قالتْ: إنِّي أرضعْتُكَ أنت وهاي [هذه] البنت الي [التي] تخطبُها" نقولُ: لا تتزوَّجْ خلاص، خلاص تدخلُ في إشكالٍ وشبهةٍ وفي.. يعني رأيٌ فيه وجاهةٌ.
– القارئ : وَأَمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ وَلَا أُفَرِّقُ بِشَهَادَتِهَا بَعْدَ النِّكَاحِ.
– الشيخ : إذا جاءَت امرأةٌ قالت: "أنا أرضعْتُ هذا الرجَّال [الرَّجل] وزوجتَه"، نقول: توكَّلي على الله، اللهُ أعلمُ"، ولا نفرِّقُ بينَ الزَّوجين، والظَّاهرُ أنَّ المسألةَ معَ -كما سمعْنا هذه الأقاويل وهذا الآراء المتباينة- المسألةُ مسألةُ اجتهادٍ فالـمُبتلَى بها يجتهدُ واللهُ يسدِّدُ من اجتهدَ وحسنَ قصدُه، والشَّاهدُ -المرأةُ الشَّاهدةُ- تختلفُ، لا بدَّ من مراعاة العدالة والثِّقة وانتفاءِ التُّهمة، أحيانًا تكونُ متَّهمةً، فهذه المسألةُ اجتهاديَّةٌ لا بدَّ فيها، يعني إذا اقتضتْ شهادتها التَّفريقَ فلا بدَّ أن تكون يعني تُرفَع إلى حاكمٍ.
– القارئ : حَدَّثَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ إلَى أَهْلِ ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ تَنَاكَحُوا، فَقَالَتْ هُمْ بَنِيَّ وَبَنَاتِي، فَفَرَّقَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بَيْنَهُمْ.
– الشيخ : هذا يشهدُ له حديثُ عقبةَ بنِ الحارثِ الَّذي تزوَّجَ امرأةً فجاءَ يسألُ الرَّسولَ فقال: (كيفَ وقد قيلَ)، فالتَّفريقُ أحيانًا يكون من بابِ تركِ الـمُشتبِهاتِ.
– القارئ : قَالَ: وَرُويِّنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فَالنَّاسُ يَأْخُذُونَ الْيَوْمَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عُثْمَانَ فِي الْمُرْضِعَاتِ إذَا لَمْ يَتَّهِمْنَ.
– الشيخ : "إذَا لَمْ يَتَّهِمْنَ" تمام، هذا قيدٌ مهمٌّ
– القارئ : وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي الزِّنَى أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ عُدُولٍ مُسْلِمِينَ، أَوْ مَكَانِ كُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتَانِ مُسْلِمَتَانِ عَدْلَتَانِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ رِجَالٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ رَجُلَيْنِ وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ، أَوْ رَجُلًا وَاحِدًا وَسِتَّ نِسْوَةٍ
– الشيخ : هذه كلُّها مسائلُ افتراضيَّةٌ في الغالب، الآن يندرُ إثباتُ الزِّنى بشهادة أربعةِ رجالٍ، يندر، فكيف بشهادةِ ثمانِ نسوةٍ؟ اللهُ أعلمُ، يندر أكثر ما ثبتَ في عهد النَّبيِّ وبعدَه أكثر ما يثبتُ الزِّنى بالإقرار، الغامديَّة وماعز.
– القارئ : أَوْ رَجُلًا وَاحِدًا وَسِتَّ نِسْوَةٍ، أَوْ ثَمَانِي نِسْوَةٍ فَقَطْ، وَلَا يُقْبَلُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا مِنْ الْحُدُودِ وَالزِّنَى، وَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ، وَالنِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْأَمْوَالُ إلَّا رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ عَدْلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ كَذَلِكَ، أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ كَذَلِكَ، وَيُقْبَلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ -حَاشَا الْحُدُودَ- رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ، أَوْ امْرَأَتَانِ كَذَلِكَ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، وَيُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ وَحْدَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ عَدْلَةٌ، أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ.
فَصْلٌ: الطَّرِيقُ التَّاسِعُ الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، لَا بِالنُّكُولِ الْمُجَرَّدِ
– الشيخ : حسبُك، اللَّهمَّ اهدِنا لما اختُلِفَ فيه من الحقِّ، اللَّهمَّ اهدِنا لما اختُلِفَ فيه من الحقِّ، لا إله إلَّا الله