الرئيسية/شروحات الكتب/الطرق الحكمية في السياسة الشرعية/(57) فصل وهل تعتبر عدالة الكافرين في الشهادة بالوصية في دينهم

(57) فصل وهل تعتبر عدالة الكافرين في الشهادة بالوصية في دينهم

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس السَّابع والخمسون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا ولوالدينا والمسلمينَ. قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "الطُّرقِ الحكميَّةِ في السِّياسةِ الشَّرعيَّةِ":

قَالَ شَيْخُنَا -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَهَلْ تُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْكَافِرِينَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ فِي دِينِهِمَا؟ عُمُومُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ، وَإِنْ كُنَّا إذَا قَبِلْنَا شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ اعْتَبَرْنَا عَدَالَتَهُمْ فِي دِينِهِمْ.

وَصَرَّحَ الْقَاضِي: بِأَنَّ الْعَدَالَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَصَرَّحَ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْحَالِ، وَجَعَلَهُ مَحَلَّ وِفَاقٍ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ. وَفِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ رِوَايَتَانِ، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ

– الشيخ : لأنَّه قالَ: مِنْ غَيْرِكُمْ [المائدة:106] بإطلاقٍ، وهذا يشملُ أهلَ الكتابِ وغيرِهم.

 

– القارئ : لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ [المائدة:106] وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ: هُمْ الْكُفَّارُ كُلُّهُمْ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَقَدْ لَا يحضرُ الْمُوصِي إلَّا كُفَّارًا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّ تَقْيِيدَهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَضْيِيقَ مَحَلِّ الرُّخْصَةِ، مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لِعُمُومِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ وَكَافِرَتَيْنِ؟ قِيلَ: لَا نَعْرِفُ عَنْ أَحمدَ فِي هَذَا شَيْئًا

– طالب: عَنْ أَحَدٍ

– الشيخ : عَنْ أَحَدٍ، جميل جدًّا

– القارئ : قِيلَ: لَا نَعْرِفُ عَنْ أَحَدٍ فِي هَذَا شَيْئًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، فَإِنَّ الْأَمْوَالَ يُقْبَلُ فِيهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ وَهُوَ يَحْتَجُّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلَيْسَتْ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟) وَهَذَا الْعُمُومُ جَوَّزَ الْحُكْمَ أَيْضًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ كَوَافِرَ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، إذَا لَمْ يَحْضُرْهُ إلَّا النِّسَاءُ بَلْ هُوَ مَحْضُ الْفِقْهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُ مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ؟ قِيلَ: أُصُولُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي نَقْضَ حُكْمِهِ، لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ الْكِتَابِ.

قَالَ شَيْخُنَا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى "الْمُحَرَّرِ": وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُنْقَضَ حُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا حَكَمَ بِخِلَافِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ خَالَفَ نَصَّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ بِدَلَالَاتٍ ضَعِيفَةٍ.

– الشيخ : قالَ شيخُنا نعم فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى "الْمُحَرَّرِ"

– القارئ : انتهى المجلَّدُ الأوَّلُ، الآنَ المجلَّدُ الثَّاني في فصلِ: الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ

قالَ رحمَهُ اللهُ: الطَّرِيقُ الثَّامِنَ عَشَرَ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ [المائدة:8]، وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ [النساء:135] وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَنْ يَكُونَ بِمَجْلِسِ الْحَاكِمِ، إلَّا شَيْئًا حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْجَوْهري فِي كِتَابِ "النَّوَادِرِ" لَهُ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا أُجِيزُ إقْرَارًا فِي حَقٍّ أَنْكَرَهُ الْخَصْمُ عِنْدِي إلَّا إقْرَارًا بِحَضْرَتِي، – وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمَّا كَانَ شَهَادَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ اُعْتُبِرَ لَهُ مَجْلِسُ الْحُكْمِ، كَالْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ.

فَصْلٌ:

وَيَحْكُمُ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ فِي مَجْلِسِهِ إذَا سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدَانِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ، فَإِنَّ مَجْلِسَ الْحَاكِمِ مَجْلِسُ فَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَقَدْ جَلَسَ لِذَلِكَ، وَقَدْ أَقَرَّ الْخَصْمُ فِي مَجْلِسِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِهِ، كَمَا لَوْ قَامَتْ بِذَلِكَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ يَسْمَعُ مَعَهُ شَهَادَتَهُمَا، فَإِنَّ هَذَا مَحَلُّ وِفَاقٍ.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْكُمُ بِالْإِقْرَارِ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى يَسْمَعَهُ مَعَهُ شَاهِدَانِ؛ دَفْعًا لِلتُّهْمَةِ عَنْهُ، إلَّا أَنْ نقُولُ، يَقْضِي بِعِلْمِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا يُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَيُفَارِقُهَا مِنْ وَجْهٍ. فَشُبِّهَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ؛ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ تُهْمَةٍ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؛ أَنَّ الْإِقْرَارَ بَيِّنَةٌ قَامَتْ فِي مَجْلِسِهِ؛ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ: اسْمٌ لِمَا يُبَيَّنُ بِهِ الْحَقُّ، فَعَلِمَ الْحَقَّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ الَّذِي انْتَصَبَ فِيهِ لِلْحُكْمِ بِهِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرِ الشَّاهِدَيْنِ، فَكَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ فِي طَرِيقِهِ أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرِ شَاهِدَيْنِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ.

فَصْلٌ: الطَّرِيقُ التَّاسِعَ عَشَرَ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِ:

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَفِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا: -وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ، الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ- أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِلْمِهِ لِأَجْلِ التُّهْمَةِ.

وَالثَّانِيَةُ: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا.

وَالثَّالِثَةُ: يَجُوزُ إلَّا فِي الْحُدُودِ.

وَلَا خِلَافَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى عِلْمِهِ، فِي عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَجَرْحِهِمْ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهُ عَمَّا عَلِمَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: يَقْضِي بِعِلْمِهِ قَطْعًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ يَقْضِي بِهِ.

– الشيخ : لا، عندَ أصحابِهِ، عندَ أصحابِ الشَّافعيِّ

– القارئ : قالَ في الحاشيةِ: هكذا، ولعلَّ الصَّوابَ "عندَ أصحابِهِ"

قَالُوا: لِأَنَّهُ يَقْضِي بِشَاهِدَيْنِ، وَذَلِكَ يُفِيدُ ظَنًّا، فَالْعِلْمُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. وَأَجَابُوا عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ التُّهْمَةِ؛ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَالَ: ثَبَتَ عِنْدِي وَصَحَّ كَذَا وَكَذَا أُلْزِمَ قَبُولُهُ بِلَا خِلَافٍ. وَلَمْ يَبْحَثْ عَمَّا ثَبَتَ بِهِ وَصَحَّ وَالتُّهْمَةُ قَائِمَةٌ. وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْإِنْشَاءَ، مَلَكَ الْإِخْبَارَ. ثُمَّ بَنَوْا عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا عَلِمَهُ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَكَانِهَا، وَمَا عَلِمَهُ فِي غَيْرِهَا.

قَالُوا: فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فَذَلِكَ إذَا كَانَ مُسْتَنَدُهُ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ، أَمَّا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ يَعْرِفُ عَدَالَتَهُمَا، فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ، وَيُغْنِيهِ عِلْمُهُ بِهِمَا عَنْ تَزْكِيَتِهِمَا. وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ: لَا يُغْنِيهِ ذَلِكَ عَنْ تَزْكِيَتِهِمَا لِلتُّهْمَةِ. قَالُوا: وَلَوْ أَقَرَّ بِالْمُدَّعَى بِهِ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ قَضَى، وَذَلِكَ قَضَاءٌ بِالْإِقْرَارِ لَا بِعِلْمِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ سِرًّا فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: يَقْضِي قَطْعًا.

وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ وَاحِدٌ، فَهَلْ يُغْنِيهِ عِلْمُهُ عَنْ الشَّاهِدِ الْآخَرِ؟ عَلَى قَوْلِ الْمَنْعِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَهَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ.

وَأَمَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ: فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْمُدَّعَى بِهِ بِحَالٍ، سَوَاءٌ عَلِمَهُ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا، فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ أَوْ غَيْرِهِ، قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمُحَاكَمَةِ أَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ، فَهُوَ أَشَدُّ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسُحْنُونٌ: يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِيمَا عَلِمَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْمُحَاكَمَةِ. قَالُوا: فَإِنْ حُكِمَ بِعِلْمِهِ -حَيْثُ قُلْنَا: لَا يَحْكُمُ- فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ: لَا يُنْقَضُ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَعِنْدِي أَنَّهُ يُنْقَضُ. قَالُوا: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَا رَآهُ الْقَاضِي، أَوْ سَمِعَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهِ، وَأَنَّهُ يُنْقَضُ إنْ حَكَمَ بِهِ، وَيَنْقُضُهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَتَقَارَرُ بِهِ الْخَصْمَانِ فِي مَجْلِسِهِ، فَإِنْ حَكَمَ بِهِ نَقَضَهُ هُوَ، وَلَا يَنْقُضُهُ غَيْرُهُ.

قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَقَدْ اخْتُلِفَ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ أَنْ جَلَسَا لِلْخُصُومَةِ، ثُمَّ أَنْكَرَا فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسُحْنُونٌ: يَحْكُمُ، لِأَنَّ الْخَصْمَيْنِ إذَا جَلَسَا لِلْمُحَاكَمَةِ فَقَدْ رَضِيَا أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا يَقُولَانِهِ، وَلِذَلِكَ قَصَدَاهُ، هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ.

وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقَالُوا: إذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ وَمَحَلِّهَا، جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ، لِأَنَّ عِلْمَهُ كَشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ، بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّ الْيَقِينَ حَاصِلٌ بِمَا عَلِمَهُ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ السَّمَاعِ، وَالْحَاصِلُ بِالشَّهَادَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَأَمَّا مَا عَلِمَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ، أَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَا يَقْضِي بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَقْضِي بِهِ، كَمَا فِي حَالِ وِلَايَتِهِ وَمَحَلِّهَا.

قَالَ الْمُنْتَصِرُونَ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: هُوَ فِي غَيْرِ مِصْرِهِ وَغَيْرِ وِلَايَتِهِ، شَاهِدٌ لَا حَاكِمٌ، وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ لَا تُقْبَلُ، وَصَارَ كَمَا إذَا عَلِمَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، ثُمَّ وُلِّيَ الْقَضَاءَ، فَإِنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِهَا. قَالُوا: وَأَمَّا الْحُدُودُ، فَلَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهَا؛ وَلِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ نَائِبُهُ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْعَبْدِ، وَإِلَّا فِي الْسُّكْرِ، إذَا وُجِدَ سَكْرَانًا، أَوْ مَنْ بِهِ أَمَارَاتُ السُّكْرِ، فَإِنَّهُ يُعَذَّرُ. هَذَا تَحْصِيلُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ.

أَمَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ، فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: وَفَرْضٌ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي الدِّمَاءِ، وَالْأَمْوَالِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْفُرُوجِ وَالْحُدُودِ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَوْ بَعْدَ وِلَايَتِهِ، قَالَ: وَأَقْوَى مَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ، ثُمَّ بِالْإِقْرَارِ ثُمَّ بِالْبَيِّنَةِ.

فَصْلٌ: وَأَمَّا الْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ

– الشيخ : إلى هنا، حسبُكَ.

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :متفرقات