بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (الجوابُ الكافي لِمَن سألَ عن الدّواءِ الشَّافي) لابن القيّم
الدّرس: السَّابع والعشرون
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلِّ اللَّهمَّ وسلِّمْ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ:
قالَ العلَّامةُ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الجوابُ الكافي لـِمَن سألَ عن الدَّواءِ الشَّافي":
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَعَاصِيَ تُفْسِدُ الْعَقْلَ فَإِنَّ لِلْعَقْلِ نُورًا، وَالْمَعْصِيَةُ تُطْفِئُ نُورَ الْعَقْلِ وَلَا بُدَّ، وَإِذَا طُفِئَ نُورُهُ ضَعُفَ وَنَقَصَ.
– الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، هذا بالنِّسبة للمؤمنِ، إذا اجترأَ على المعاصي أثَّرَ ذلك في إيمانه وفي قوَّتِه، لكنَّ الكفَّارَ والفجرةَ هؤلاء الَّذين عندهم من الذَّكاء والقُدَرِ العقليَّة هؤلاء ليس في قلوبهم نورٌ أصلًا، يجبُ أن نفهمَ أنَّ النُّورَ ليس هو الذَّكاءُ، النُّورُ الَّذي يُذكَرُ هنا نورُ العقلِ هو النُّورُ المقتبَسُ أو النُّورُ الَّذي يجعلُه اللهُ في قلب من يشاءُ من عباده، نورُ الإيمانِ، وأمَّا الذَّكاءُ فهذا حاصلٌ للكفَّار والفجرة عندَهم من الذَّكاء، لكنَّ هذا الذَّكاءَ هو ظلمةٌ ليس فيه هدىً، ليس في قلوبهم شيءٌ من الهدى والنُّور الَّذي يُضمر السَّعادة، إذا هؤلاء الكفرة…، العلمُ الَّذي يكون نورًا هو علمُ النُّبوَّة، "نورُ النُّبوَّة مثلُ نور الشَّمس" نورُ النُّبوَّة يعني العلم، علمُ النُّبوَّةِ.
نورُ النُّبوَّةِ مثلُ نورِ الشَّمسِ … للعينِ البصيرِ تتَّخذُهُ دليلًا
الله المستعان، هؤلاء عندهم ذكاءٌ فما.. يقول ابنُ تيميةَ -رحمه اللهُ- في شأن الفلاسفة، يقول: "أُوتوا ذكاءً وما أُوتوا زكاءً" أُوتوا ذكاءً عجيبًا، عجيب باهر، ولكنَّهم لم يُؤتوا زكاءً، أُوتوا علومًا ولم يُؤتَوا فهومًا.
– القارئ : وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا عَصَى اللَّهَ أَحَدٌ حَتَّى يَغِيبَ عَقْلُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ حَضَرَ عَقْلُهُ لَحَجَزَهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ
– الشيخ : (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وهوَ مؤمِنٌ)
– القارئ : وَهُوَ فِي قَبْضَةِ الرَّبِّ تَعَالَى، أَوْ تَحْتَ قَهْرِهِ، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَفِي دَارِهِ عَلَى بِسَاطِهِ، وَمَلَائِكَتُهُ شُهُودٌ عَلَيْهِ نَاظِرُونَ إِلَيْهِ، وَوَاعِظُ الْقُرْآنِ يَنْهَاهُ، وَوَاعِظُ الْإيمانِ يَنْهَاهُ وَوَاعِظُ الْمَوْتِ يَنْهَاهُ، وَوَاعِظُ النَّارِ يَنْهَاهُ، وَالَّذِي يَفُوِّتُهُ بِالْمَعْصِيَةِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَضْعَافُ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ السُّرُورِ وَاللَّذَّةِ بِهَا فَهَلْ يُقْدِمُ عَلَى الِاسْتِهَانَةِ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ ذُو عَقْلٍ سَلِيمٍ؟
فَصْلٌ: وَمِنْهَا: أَنَّ الذُّنُوبَ إِذَا تَكَاثَرَتْ
– الشيخ : وَمِنْهَا وَمِنْهَا" أي: من عقوباتها، كلُّ الضَّمير كذا ماشي، ومن عقوباتها، وأحيانًا قد يُعبِّرُ بالاسم الظَّاهر
– القارئ : وَمِنْهَا: أَنَّ الذُّنُوبَ إِذَا تَكَاثَرَتْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِ صَاحِبِهَا، فَكَانَ مِنَ الْغَافِلِينَ.
كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الْمُطَفِّفِينَ:14]، قَالَ: هُوَ الذَّنْبُ بَعْدَ الذَّنْبِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ، حَتَّى يُعْمِيَ الْقَلْبَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمَّا كَثُرَتْ ذُنُوبُهُمْ وَمَعَاصِيهِمْ أَحَاطَتْ بِقُلُوبِهِمْ.
وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْقَلْبَ يَصْدَأُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، فَإِذَا زَادَتْ غَلَبَ الصَّدَأُ حَتَّى يَصِيرَ رَانًا، ثُمَّ يَغْلِبُ حَتَّى يَصِيرَ طَبْعًا وَقُفْلًا وَخَتْمًا، فَيَصِيرُ الْقَلْبُ فِي غِشَاوَةٍ وَغِلَافٍ، فَإِذَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْهُدَى وَالْبَصِيرَةِ انْعَكَسَ فَصَارَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، فَحِينَئِذٍ يَتَوَلَّاهُ عَدُوُّهُ وَيَسُوقُهُ حَيْثُ أَرَادَ.
– الشيخ : أعوذُ بالله من الشِّقوة
– القارئ : فصلٌ: وَمِنْهَا: أَنَّ الذُّنُوبَ تُدْخِلُ الْعَبْدَ تَحْتَ لَعْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ لَعَنَ عَلَى مَعَاصِي وَغَيْرُهَا أَكْبَرُ مِنْهَا، فَهِيَ أَوْلَى بِدُخُولِ فَاعِلِهَا تَحْتَ اللَّعْنَةِ.
فَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَالْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصولَةَ، وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ، وَالْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَةَ.
وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيهُ.
– الشيخ : "الْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَة" جاءتْ في اللَّفظ الآخرِ: (المتفلِّجاتُ للحسنِ) الَّتي توشرُ الأسنانَ للحسنِ (المتفلِّجاتُ للحسنِ، المغيِّراتُ خلقَ اللهِ).
– القارئ : وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيهُ. وَلَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ. وَلَعَنَ السَّارِقَ. وَلَعَنَ شَارِبَ الْخَمْرِ وَسَاقِيهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ. وَلَعَنَ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَهِيَ أَعْلَامُهَا وَحُدُودُهَا. وَلَعَنَ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ. وَلَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا يَرْمِيهِ بِالسِّهامِ. وَلَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ. وَلَعَنَ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ. وَلَعَنَ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا. وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ. وَلَعَنَ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ. وَلَعَنَ مَنْ سَبَّ أَبَاهُ وَمَنْ سَبَّ أُمَّهُ. وَلَعَنَ مَنْ
– الشيخ : يعني أمرٌ خطيرٌ "لَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ" والأحاديث جاءَت عامَّةً، وقد هذه الفتنة، فتنةُ التَّصوير في هذا العصر بسببِ كثرةِ وسائلِها، وبسببِ تأويلِ بعضِ أهل الفتوى الَّذين رأوا أنَّ التَّصويرَ الفوتوغرافيَّ ليس تصويرًا، وهذا عجيبٌ! يقول: "التَّصويرُ ليسَ بتصويرٍ"، كذا يصحُّ الكلامُ، هذا معقولٌ؟! "التَّصويرُ ليسَ بتصويرٍ"، نقول: "صَوِّرْ"، ثمَّ نغالطُ أنفسَنا ونقول: "هذا ما هو تصويرٌ هذا"، فينبغي للمسلم أن يحترزَ منه كثيرًا.
– القارئ : وَلَعَنَ مَنْ كَمَّهَ أَعْمًى عَنِ الطَّرِيقِ.
– الشيخ : يعني أضلَّه، في تعليقات على الرِّوايات؟
– القارئ : نعم، هذهِ
– طالب: …
– الشيخ : لكن تخريج، خرَّجها قالَ رواه
– القارئ : هذه كلُّها ذكرَها استطرادًا، ذكرَ على أكمه: "وفي حاشيتِها أُشيرَ إلى هذه النُّسخةِ وضُبِطَ بتشديد الميم والمعنى: أضلَّ، وفي نسخةٍ أخرى: كَرِهَ" خطأ.
– الشيخ : طيِّب، تخريج تخريج؟
– القارئ : ما في
– الشيخ : بعده
– طالب: …
– الشيخ : هذا حديث كمه أعمى
– طالب: … أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: (لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، لَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ كَمَّهَ الْأَعْمَى عَنِ السَّبِيلِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ سَبَّ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ) أخرجَهُ أحمدُ.
– الشيخ : أيش بعده؟ بس [فقط] انتهى؟
– طالب: نعم
– القارئ : وَلَعَنَ مَنْ كَمَّهَ أَعْمًى عَنِ الطَّرِيقِ.
وَلَعَنَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً.
وَلَعَنَ مَنْ وَسَمَ دَابَّةً فِي وَجْهِهَا.
وَلَعَنَ مَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا أَوْ مَكَرَ بِهِ.
وَلَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ.
وَلَعَنَ مَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ مَمْلُوكًا عَلَى سَيِّدِهِ.
وَلَعَنَ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا.
وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ بَاتَتْ مُهَاجِرَةً لِفِرَاشِ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ.
وَلَعَنَ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ.
وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ.
وَلَعَنَ مَنْ سَبَّ أصحابَهُ.
وَقَدْ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ وَقَطَعَ رَحِمَهُ، وَآذَاهُ وَآذَى رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَلَعَنَ مَنْ كَتَمَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى.
وَلَعَنَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ بِالْفَاحِشَةِ.
وَلَعَنَ مَنْ جَعَلَ سَبِيلَ الْكَافِرِ أَهْدَى مِنْ سَبِيلِ الْمُؤمنِ.
وَلَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ.
وَلَعَنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي وَالرَّائِشَ، وَهُوَ: الْوَاسِطَةُ فِي الرِّشْوَةِ.
وَلَعَنَ عَلَى أَشْيَاءَ أُخْرَى غَيْرِ هَذِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِ ذَلِكَ إِلَّا رِضَاءُ فَاعِلِهِ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَلْعَنُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَلَائِكَتُهُ لَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَدْعُو إِلَى تَرْكِهِ.
فَصْلٌ: وَمِنْهَا: حِرْمَانُ دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ–
– الشيخ : إلى هنا يا أخي، نسألُ اللهَ العافيةَ.