بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس الحادي والثّلاثون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمهُ اللهُ تعالى- في كتابِه "الفرقانُ بين الحقّ والبطلان":
فَصْلٌ: جِمَاعُ الْفُرْقَانِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالرَّشَادِ وَالْغَيِّ وَطَرِيقِ السَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ وَطَرِيقِ الشَّقَاوَةِ وَالْهَلَاكِ.
– الشيخ: أعوذُ بالله، نعم.
– القارئ: أَن يَجْعَلَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ هُوَ الْحَقَّ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْفُرْقَانُ وَالْهُدَى وَالْعِلْمُ وَالْإِيمَانُ؛ فَيصدُقُ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ فَيُصَدِّقُ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ كَلَامِ سَائِرِ النَّاسِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ فَإِنْ وَافَقَهُ فَهُوَ حَقٌّ، وَإِنْ خَالَفَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ وَافَقَهُ أَوْ خَالَفَهُ لِكَوْنِ ذَلِكَ الْكَلَامِ مُجْمَلًا لَا يُعْرَفُ مُرَادُ صَاحِبِهِ، أَوْ قَدْ عُرِفَ مُرَادُهُ وَلَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ هَلْ جَاءَ الرَّسُولُ بِتَصْدِيقِهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ؛ فَإِنَّهُ يُمْسِكُ فَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِعِلْمِ. وَالْعِلْمُ مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَالنَّافِعُ مِنْهُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَقَدْ يَكُونُ عُلِمٌ مِنْ غَيْرِ الرَّسُولِ؛ لَكِنْ فِي أُمُورٍ دُنْيَوِيَّةٍ؛ مِثْلِ الطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَالْفِلَاحَةِ وَالتِّجَارَةِ.
وَأَمَّا الْأُمُورُ "الْإِلَهِيَّةُ وَالْمَعَارِفُ الدِّينِيَّةُ" فَهَذِا الْعِلْمُ فِيهَا مَأخَذُهُ عَنْ الرَّسُولِ، فَالرَّسُولُ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِهَا، وَأَرْغَبُهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْخَلْقِ بِهَا، وَأَقْدَرُهُمْ عَلَى بَيَانِهَا وَتَعْرِيفِهَا، فَهُوَ فَوْقَ كُلِّ أَحَدٍ فِي العِلمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ بِهَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ، وَمَنْ سِوَى الرَّسُولِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي عِلْمِهِ بِهَا نَقْصٌ أَوْ فَسَادٌ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إرَادَةٌ فِيمَا عَلِمَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ؛ إمَّا لِرَغْبَةِ وَإِمَّا لِرَهْبَةِ وَإِمَّا لِغَرَضٍ آخَرَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيَانُهُ نَاقِصًا لَيْسَ بَيَانُهُ الْبَيَانُ عَمَّا عَرَفَهُ الْجَنَانُ أو الْجِنَانُ.
وَبَيَانُ الرَّسُولِ عَلَى وَجْهَيْنِ: تَارَةً يُبَيِّنُ "الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ" الدَّالَّةَ عَلَيْهَا، وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْبَرَاهِينِ الْيَقِينِيَّةِ عَلَى الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَطَالِبِ الدِّينِيَّةِ. وَتَارَةً يُخْبِرُ بِهَا خَبَرًا مُجَرَّدًا لِمَا قَدْ أَقَامَهُ مِنْ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْيَقِينِيَّاتِ عَلَى أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ الْمُبَلِّغُ عَنْ اللَّهِ وَأَنَّهُ…
– الشيخ: لا إلهَ إلّا الله، العلومُ الشرعيةُ طريقُها الوحيُ، لا طريقَ للعلمِ باللهِ وأسمائه وصفاتِه والعلمِ بشريعتِه وما يحبُّهُ سبحانَه وما لا يُحبُّه من الأعمالِ والأقوالِ، ولا طريقَ لمعرفةِ ما يصيرُ الناسُ إليه من الجزاءِ وأمرِ الآخرةِ، كلُّ هذه المعارفُ الثلاثةُ هذه لا طريقَ للخلقِ إليها إلّا الرسلُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم.
أمَّا العلومُ التجريبيةُ فهذه بابُها واسعٌ، العلومُ التجريبيةُ هي العلومُ الدنيويةُ من الطِّبِّ والصناعاتِ والزراعةِ، هذه يعني من ادَّعاها وظهرَ منه صدقُ قولِه يعني بالتجربةِ قَبلْنا قولَه، أمَّا العلومُ الشرعيةُ فلا يُقبَلُ فيها إلَّا من أسندَ إلى الرسولِ، سبحانَ اللهِ أو استدلَّ بالقرآنِ، فإذا احتجَّ على قولِه بآيةٍ وكانت الآيةُ دالّةٌ على ما يقولُ قبلناهُ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَبَيَانُ الرَّسُولِ عَلَى وَجْهَيْنِ: تَارَةً يُبَيِّنُ "الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ" الدَّالَّةَ عَلَيْهَا، وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْبَرَاهِينِ الْيَقِينِيَّةِ عَلَى الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَطَالِبِ الدِّينِيَّةِ. وَتَارَةً يُخْبِرُ بِهَا خَبَرًا مُجَرَّدًا لِمَا قَدْ أَقَامَهُ مِنْ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْيَقِينِيَّاتِ عَلَى أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ الْمُبَلِّغُ عَنْ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا يَقُولُ عَلَيْهِ إلَّا الْحَقَّ، وَأَنَّ اللَّهَ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ، وَأَعْلَمَ عِبَادَهُ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ صَادِقٌ مَصْدُوقٌ فِيمَا بَلَّغَهُ عَنْهُ، وَالْأَدِلَّةُ الَّتِي بِهَا نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ؛ وَهِيَ أَدِلَّةٌ عَقْلِيَّةٌ تُعْلَمُ صِحَّتُهَا بِالْعَقْلِ، وَهِيَ أَيْضًا شَرْعِيَّةٌ سَمْعِيَّةٌ لَكِنَّ الرَّسُولَ بَيَّنَهَا وَدَلَّ عَلَيْهَا وَأَرْشَدَ إلَيْهَا، وَجَمِيعُ طَوَائِفِ النُّظَّارِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ اشْتَمَلَ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فِي الْمَطَالِبِ الدِّينِيَّةِ، وَهُمْ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ وَفِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ، وَعَامَّةُ النُّظَّارِ أَيْضًا يَحْتَجُّونَ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْخَبَرِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ فِي الْمَطَالِبِ الدِّينِيَّة؛ِ فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ صِدْقُ الرَّسُولِ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ. والْعُلُومُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ…
– الشيخ: قف على هذا.
– طالب: أحسنَ اللهُ إليك، بالنسبةِ لما ذُكِرَ توًا بالنسبةِ لأخبارِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- .. أو أفعالِه، مثلًا: النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال عن الذبابِ غمسَه وغسلَ الإناءَ من وراءِ الكلبِ.
– الشيخ: أيش فيه؟
– طالب: المشاهداتُ هذه أو العلمُ، وثبتَ علميًا أنَّه حصلَ كذا وكذا، فهل من يصدّقُ بالمُشاهدةِ هذه يؤجرُ على اتباعِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-.
– الشيخ: ما وَضحَ السؤال؟
– طالب: السؤال شيخي الله يجزاك الجنّة، أفعالُ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أو أخبارِه، مثل أكلِه باليمينِ وأمرِه نفضَ الفراشِ، نحن لا نعلمُها ولكن الآن نقولُ: ثبتَ علميًا، بعضُ الناسِ مثلًا.
– الشيخ: ثبتَ علميًا أيش؟
– طالب: أنَّ فعلًا إذا في أشياء كذا إذا نفضتَ الفراشَ أنّها تزولُ هذه الأشياءُ، أو غمس الذباب.
– الشيخ: طيب
– طالب: ثبت علميًا
– الشيخ: طيب
– طالب: يعني هذا تصديقٌ للمشاهدةِ، لكنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أخبرَ أشياءَ غيبياتٍ نحن نتّبعُ فيها.
– الشيخ: المهم الذي يتّبع الرسولَ بقطعِ النظرِ عن، ولا يلتفت إلى التصديقِ العلميّ، هذا أكملُ إيمانًا واتّباعًا ممَّن إذا ثبتَ علميًا يصيرُ يتقبّله أكثرُ، لا، يصيرُ هذا إيمانُه ليس بدرجة، وإذا كان ما آمنَ بهذا إلّا لما صدَّقَه العلمُ الحديثُ؛ هذا لم يكن مؤمنًا.
– طالب: جزاكَ اللهُ الخير.
– الشيخ: مثل كلِّ الشرائعِ، الواجبة والطاعةُ والاتباعُ والقناعةُ والإيمانُ بأنَّ ما أمرَ به الرسولُ هو الحقُّ، سواءً ظهرتْ لنا الحكمةُ أو لم تظهرْ، ومن لا يطمئنَّ إلَّا إن ظهرت له الحكمةُ ففي إيمانِه نقصٌ، نعم.