بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس الخامس والثّلاثون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، اللهمَّ متِّعْ شيخَنا على طاعتِكَ، واغفرْ لنا وله وللمسلمين. قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمهُ اللهُ تعالى:
والْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَجْعَلَ مَا قَالَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هُوَ الْأَصْلَ، وَيَتَدَبَّرَ مَعْنَاهُ، وَيَعْقِلَ وَيَعْرِفَ بُرْهَانَهُ وَدَلِيلَهُ إمَّا الْعَقْلِيَّ وَإِمَّا الْخَبَرِيَّ السَّمْعِيَّ، وَيَعْرِفَ دَلَالَةَ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا وَهَذَا، وَتُجْعَلُ أَقْوَالُ النَّاسِ الَّتِي قَدْ تُوَافِقُهُ وَتُخَالِفُهُ مُتَشَابِهَةً مُجْمَلَةً، فَيُقَالُ لِأَصْحَابِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ: يُحْتَمَلُ كَذَا وَكَذَا، وَيُحْتَمَلُ كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنْ أَرَادُوا بِهَا مَا يُوَافِقُ خَبَرَ الرَّسُولِ قُبِلَ، وَإِنْ أَرَادُوا بِهَا مَا يُخَالِفُهُ رُدَّ.
وَهَذَا مِثْلُ لَفْظِ "الْمُرَكَّبِ" و "الجسمِ" و "المُتَحَيِّزِ" و "الْجَوْهَرِ" و "الجهَةِ" و "العَرَضِ" وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَفْظِ "الْحَيِّزِ" وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تُوجَدُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُرِيدُهُ أَهْلُ هَذَا الِاصْطِلَاحِ؛ بَلْ وَلَا فِي اللُّغَةِ أَيْضًا؛ بَلْ هُمْ يَخْتَصُّونَ بِالتَّعْبِيرِ بِهَا عَلَى مَعَانٍ لَمْ يُعَبِّرْ غَيْرُهُمْ عَنْ تِلْكَ الْمَعَانِي بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ؛ فَيُفَسِّرُ تِلْكَ الْمَعَانِي بِعِبَارَاتِ أُخْرَى، وَيُبْطِلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ، وَإِذَا وَقَعَ الِاسْتِفْسَارُ وَالتَّفْصِيلُ تَبَيَّنَ الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ، وَعُرِفَ وَجْهُ الْكَلَامِ عَلَى أَدِلَّتِهِم؛ فَإِنَّهَا مُلَفَّقَةٌ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ مُشْتَرَكَةٍ، يَأخُذُونَ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ فِي إحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ بِمَعْنَى وَفِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُخْرَى بِمَعْنَى آخَرَ؛ فَهُوَ فِي صُورَةِ اللَّفْظِ دَلِيلٌ وَفِي الْمَعْنَى لَيْسَ بِدَلِيلِ؛ كَمَنْ يَقُولُ: سُهَيْلٌ بَعِيدٌ مِنْ الثُّرَيَّا.
– الشيخ: لا إلهَ إلّا الله، كثيرًا ما يُقرِّرُ شيخُ الإسلامِ هذه القاعدةَ، وهي حُكمُ الألفاظِ المُجْملَةِ، حكمُها: ألّا نَقبَلَها ممّن أطْلَقها ولا نرُدّها، بل يجبُ أن نَستفصِلَ منه ونسألَهُ عن مُرادِه، ما تُريدُ بكذا؟ ما تريدُ بالجسمِ؟ بالحيّزِ؟ بكذا؟ فإن أرادَ حقًا قُبِلَ، وإن أرادَ باطلًا رُدَّ، وإن أرادَ حقًا وباطلًا مُيِّزَ بين الحقِّ والباطلِ، وما كان المُثْبِتُ فيه مُحِقًّا كان النَّافي فيه مُبطِلًا، وبالعكس.
– القارئ: كَمَنْ يَقُولُ: سُهَيْلٌ بَعِيدٌ مِنْ الثُّرَيَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا وَلَا يَتَزَوَّجَهَا، وَاَلَّذِي قَالَ: "أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا"، أَرَادَ امْرَأَةً اسْمُهَا "الثُّرَيَّا" وَرَجُلًا اسْمُهُ "سُهَيْلٌ". ثُمَّ قَالَ:
عَمْرَك اللَّهَ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ
هِيَ شَامِيَّةٌ إذَا مَا اسْتَقَلَّتْ وَسُهَيْلٌ إذَا اسْتَقَلَّ يَمَانِ
– الشيخ: أرادَ بالشيءِ في البيتِ الثاني النجمينِ، الثُّرَيَّا وَسُهَيْل.
– القارئ: وَهَذَا لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ، فَجَعَلَ يُعْجِبُهُ، وَإِنْكَارُهُ مِنْ الظَّاهِرِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ، وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى أَدِلَّتِهِمْ الْمُفَصَّلَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
وَالْأَصْلُ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ نفاةُ الصِّفَاتِ وَعَطَّلُوا مَا عَطَّلُوهُ حَتَّى صَارَ مُنْتَهَاهُمْ إلَى قَوْلِ فِرْعَوْنَ الَّذِي جَحَدَ الْخَالِقَ وَكَذَّبَ رَسُولَهُ مُوسَى فِي أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُ: هُوَ اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ؛ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُحْدَثَةٌ، وَاسْتِدْلَالُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ الْحَوَادِثِ وَلَمْ تَسْبِقْهَا، وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ وَلَمْ يَسْبِقْهَا فَهُوَ مُحْدَثٌ، وَهَذَا أَصْلُ قَوْلِ الجهمية الَّذِينَ أَطْبَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى ذَمِّهِمْ، وَأَصْلُ قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ الَّذِينَ أَطْبَقُوا عَلَى ذَمِّهِمْ، وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ مُصَنَّفَاتٍ مُتَعَدِّدَةً فِيهَا أَقْوَالُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي ذَمِّ الجهمية وَفِي ذَمِّ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ. والسَّلَفُ لَمْ يَذُمُّوا جِنْسَ الْكَلَامِ فَإِنَّ كُلَّ آدَمِيٍّ يَتَكَلَّمُ، وَلَا ذَمُّوا الِاسْتِدْلَالَ وَالنَّظَرَ وَالْجَدَلَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَالِاسْتِدْلَالَ بِمَا بَيَّنَهُ اللَّهُ.
– الشيخ: المَذْمُومُ هو الجَدلُ بالباطِلِ، سبيلُ أعداءِ الرُّسُلِ هو الجِدَالُ بالباطلِ، يُجَادِلُونَ بالبَاطل، وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ.
– طالب: أحسنَ اللهُ إليكم، المُؤلَّفاتُ التي ذكرها الشيخُ في ذمِّ الجاميةِ، الجَهْميةِ عفوًا، هي ما يُسمَّى بذمِّ الكلامِ، ذَمِّ الكلامِ وأهلِه.
– الشيخ: ما أدري وش قصدك؟
– طالب: الشيخُ ذكرَ مُصنَّفاتٍ في ذمِّ الجهميةِ.
– الشيخ: إي، وش فيه؟
– طالب: هي التي في ذمِّ الكلامِ يعني.
– الشيخ: ما يُصنَّفُ في ذمِّ الكلامِ أعمُّ يبدو، يبدو أنَّه أَعَمُّ، يعني فيه الجهميَّة وفيه أهل الكلام، إذا قُلتُ: أهلَ الكلام، شملَ الجَهميَّة والمُعتزِلة ومن تفرَّع عنهم؛ كُلُّهم أهلُ كلامٍ، فالأشاعرةُ مثلًا أو الكُلَّابيةُ أو الماتُريديةُ لا يشملُهم اسمُ الجهميَّةِ، ولا يَكادُ يُطلَقُ عليهم، لكنْ المُعتزلةُ يُمكن أن يُطلقُ عليهم مُسمَّى الجهميَّةِ، لتوغُّلِهم في هذا البابِ، بابِ التَّعْطيلِ، وقُوَّةُ الشَّبَهِ بالجهْميَّةِ في بابِ الصِّفاتِ، وإلّا فهُما في بابِ القدَرِ نقِيضَان، المُعتزلةُ والجَهميةُ في بابِ القدَرِ نقيضان، الجَهميَّةُ جبْريَّةٌ، وهؤلاءِ نُفَاةٌ.
– القارئ: وَالِاسْتِدْلَالَ بِمَا بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ بَلْ وَلَا ذَمُّوا كَلَامًا هُوَ حَقٌّ؛ بَلْ ذَمُّوا الْكَلَامَ الْبَاطِلَ وَهُوَ الْمُخَالِفُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ الْمُخَالِفُ لِلْعَقْلِ أَيْضًا، وَهُوَ الْبَاطِلُ. فَالْكَلَامُ الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ هُوَ الْكَلَامُ الْبَاطِلُ وَهُوَ الْمُخَالِفُ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ خَفِيَ عَلَيْهِ بُطْلَانُ هَذَا الْكَلَامِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَقَدَهُ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ حَتَّى اعْتَقَدَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ اسْتَدَلَّ بِهِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَجْعَلُهُ أَصْلَ الدِّينِ وَلَا يَحْصُلُ الْإِيمَانُ أَوْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ؛ وَلَكِنْ مَنْ عَرَفَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ عَلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الرَّسُولَ وَالصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَسْلُكُونَ هَذَا الْمَسْلَكَ؛ فَصَارَ مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا بِدْعَةٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ فَاسِدٌ؛ بَلْ يَظُنُّ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ؛ لَكِنَّهُ طَوِيلٌ أَوْ يُبْعِدُ الْمَعْرِفَةُ، -أحسنَ اللهُ إليك-، أَوْ هُوَ طَرِيقٌ مُخِيفَةٌ مُخْطِر يُخَافُ عَلَى سَالِكِهِ، فَصَارُوا يَعِيبُونَهُ كَمَا يُعَابُ الطَّرِيقُ الطَّوِيلُ وَالطَّرِيقُ الْمُخِيفُ، مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ يُوَصِّلُ إلَى الْمَعْرِفَةِ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ. وَأَمَّا الْحُذَّاقُ الْعَارِفُونَ تَحْقِيقَهُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ بَاطِلٌ عَقْلًا وَشَرْعًا، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ مُوَصِّلٍ إلَى الْمَعْرِفَةِ؛ بَلْ إنَّمَا يُوَصِّلُ لِمَنْ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ إلَى الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ، وَمَنْ تَبَيَّنَ لَهُ تَنَاقُضُهُ أَوْصَلَهُ إلَى الْحَيْرَةِ وَالشَّكِّ. وَلِهَذَا صَارَ حُذَّاقُ سَالِكِيهِ يَنْتَهُونَ إلَى الْحَيْرَةِ وَالشَّكِّ؛ إذْ كَانَ حَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ فَهُوَ حَادِثٌ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ قَدِيمٌ وَهَذَا مُكَابَرَةٌ..
– الشيخ: كلُّ من سِوى الله فهو مُحدَثٌ بعد أن لم يكن، وليسَ في المخلوقاتِ قديمٌ، ليسَ في المخلوقاتِ شيءٌ مُعيَّنٌ قديمٌ، خلافًا للمَلاحِدةِ الفَلاسِفةِ القائِلينَ بقِدَمِ الأفْلَاكِ.
– القارئ: إذْ كَانَ حَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ فَهُوَ حَادِثٌ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ، وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ.
– الشيخ: ما في تعليق على هذا؟
– القارئ: لا يا شيخ
– القارئ: وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ قَدِيمٌ، وَهَذَا مُكَابَرَةٌ؛ فَإِنَّ الْوُجُودَ مَشْهُودٌ؛ وَهُوَ إمَّا حَادِثٌ وَإِمَّا قَدِيمٌ، وَالْحَادِثُ..
– الشيخ: لا إلهَ إلَّا الله، فإنَّ الوجودَ مشهودٌ، الوُجودُ مَشهودٌ، يعني من يقول: لا وُجودَ، ليسَ هُنَاك موجودٌ، هذه مُكَابرة، الوُجودُ مَشْهودٌ، وأيش يقول..
– القارئ: فَإِنَّ الْوُجُودَ مَشْهُودٌ وَهُوَ إمَّا حَادِثٌ وَإِمَّا قَدِيمٌ.
– الشيخ: وإمّا قديمٌ، الموجودُ القديمُ لا يَستقيمُ أنّه يُقالُ أنَّه مشهودٌ؛ لأنَّ الموجودَ القديمَ هو ليس إلّا الله، هو وَاجِبُ الوجودِ، وهو القديمُ.
– طالب: بغَضِّ النظرِ يا شيخ، هل من أسماءِ اللهِ القَدِيم؟
– الشيخ: قُلْ، قُلْ
– القارئ: فَإِنَّ الْوُجُودَ مَشْهُودٌ؛ وَهُوَ إمَّا حَادِثٌ وَإِمَّا قَدِيمٌ، وَالْحَادِثُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَدِيمٍ؛ فَثَبَتَ وُجُودُ الْقَدِيمِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
– الشيخ: وُجُودُ الْقَدِيمِ، أما لو قال: أنَّ الوُجودَ معلومٌ، وهو إمَّا قديمٌ وإمَّا حادثٌ، صحيحٌ معلومٌ، لكنَّ المَشْهودَ هو الموجود المُحْدَث، فإنَّ ابنَ تيميةَ يقولُ في التدمريَّةِ وفي غيرِها: فنحنُ نشاهدُ حُدُوثَ المُحدَثات، إذن المُحدَثَات هي المُشَاهَدَةُ، حُدُوثُ المُحدَثاتِ، والمُحْدَثُ لابدَّ لهُ من مُحِدِثٍ، والمُمْكِن لا بُدَّ له من واجبٍ.
– القارئ: وَالْحَادِثُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَدِيمٍ؛ فَثَبَتَ وُجُودُ الْقَدِيمِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
وَكَذَلِكَ مَا ابْتَدَعَهُ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ ابْنُ سِينَا وَأَتْبَاعُهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْمُمْكِنِ عَلَى الْوَاجِبِ أَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قَدْ بُسِطَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
– الشيخ: مِنْ الِاسْتِدْلَالِ؟
– القارئ: بِالْمُمْكِنِ عَلَى الْوَاجِبِ أَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ.
– طالب: مُمْكنْ، ممكن الوُجُود، أحسنَ اللهُ إليكم يعني؟ الواجب، واجبُ الوجودِ؟
– الشيخ: الِاسْتِدْلَالِ بِالْمُمْكِنِ عَلَى الْوَاجِبِ يقول أَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ. الشيءُ المعلومُ بالضَّرُورةِ أنَّ المُحدَثَ لا بُدَّ له من مُحدِثٍ، ولا بُدَّ أن ينتهي إلى مُوجدٍ واجبٍ قطعًا للتسلسلِ، لا بُدَّ أن ينتهي الوُجودُ إلى واجبٍ، نعم، بعده.
– القارئ: وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ.
– الشيخ: هل رجعت أنت؟
– القارئ: لا يا شيخ.
– الشيخ: كأنَّك رَجعت؟
– القارئ: لا لا يا شيخ، بس هو ذكرَ الكلامَ بعدَه مُختلِفٌ.
– الشيخ: يعني، هو حقيقة، قلتها العبارة، قلتها العبارة.
– القارئ: بس اللي قبلها يا شيخ، أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ فَهُوَ حَادِثٌ مَسْبُوقٌ، وهُنا أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ
– الشيخ: نعم، وَحَقِيقَتُهُ..
– القارئ: وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ
– الشيخ: كُلُّ مَوْجُودٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ، نعم، كُلُّ مَوْجُودٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ، شو [ما هي] التي بعدها؟
– القارئ: لَيْسَ فِي الْوُجُودِ مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا هَذَا طَرِيقًا لِإِثْبَاتِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ كَمَا يَجْعَلُ أُولَئِكَ هَذَا طَرِيقًا لِإِثْبَاتِ الْقَدِيمِ، وَكِلَاهُمَا يُنَاقِضُ ثُبُوتَ الْقَدِيمِ وَالْوَاجِبِ؛ فَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا إثْبَاتُ قَدِيمٍ وَلَا وَاجِبٍ بِنَفْسِهِ، مَعْ أَنَّ ثُبُوتَ مَوْجُودٍ قَدِيمٍ وَوَاجِبٍ بِنَفْسِهِ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا صَارَ حُذَّاقُ هَؤُلَاءِ إلَى أَنَّ الْمَوْجُودَ الْوَاجِبَ وَالْقَدِيمَ هُوَ الْعَالَمُ بِنَفْسِهِ وَقَالُوا: هُوَ اللَّهُ.
– الشيخ: هؤلاء الاتِّحاديَّة، الاتِّحَاديَّة، قِفْ على هذا لأن الكلام مُتواصل، بس [فقط].. حقيقته، قف على حقيقته.