بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (الجوابُ الكافي لِمَن سألَ عن الدّواءِ الشَّافي) لابن القيّم
الدّرس: التَّاسع والثَّلاثون
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمِينَ، وصلِّ اللَّهمَّ وسلِّمْ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. أمَّا بعدُ؛ قالَ العلَّامةُ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "الجوابِ الكافي لـِمَن سألَ عن الدَّواءِ الشَّافي":
فصلٌ: وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تُجَرِّئُ عَلَى الْعَبْدِ مَا لَمْ يَكُنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ مِنْ أَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَتَجْتَرِئُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينَ بِالْأَذَى وَالْإِغْوَاءِ وَالْوَسْوَسَةِ
– الشيخ : أعوذُ باللهِ، أعوذُ باللهِ
– القارئ : وَالتَّخْوِيفِ وَالتَّحْزِينِ، وَإِنْسَائِهِ مَا بِهِ مَصْلَحَتُهُ فِي ذِكْرِهِ، وَمَضَرَّتُهُ فِي نِسْيَانِهِ، فَتَجْتَرِئُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ حَتَّى تَؤُزَّهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ أَزًّا.
وَتَجْتَرِئُ عَلَيْهِ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ بِمَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَذَى فِي غَيْبَتِهِ وَحُضُورِهِ، وَيَجْتَرِئُ عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَخَدَمُهُ وَأَوْلَادُهُ وَجِيرَانُهُ حَتَّى الْحَيَوَانُ الْبَهِيمُ.
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنِّي لَأَعْصِي اللَّهَ فَأَعْرِفُ ذَلِكَ فِي خُلُقِ امْرَأَتِي وَدَابَّتِي.
وَكَذَلِكَ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ أَوْلِيَاءُ الْأَمْرِ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي إِنْ عَدَلُوا فِيهَا أَقَامُوا عَلَيْهِ حُدُودَ اللَّهِ، وَتَجْتَرِئُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فَتَتَأَسَّدُ عَلَيْهِ وَتَصْعُبُ عَلَيْهِ، فَلَوْ أَرَادَهَا لِخَيْرٍ لَمْ تُطَاوِعْهُ وَلَمْ تَنْقَدْ لَهُ، وَتَسُوقُهُ إِلَى مَا فِيهِ هَلَاكُهُ، شَاءَ أَمْ أَبِيَ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّاعَةَ حِصْنُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ كَانَ مِنَ الْآمِنِينَ، فَإِذَا فَارَقَ الْحِصْنَ اجْتَرَأَ عَلَيْهِ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَغَيْرُهُمْ، وَعَلَى حَسَبِ اجْتِرَائِهِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ يَكُونُ اجْتِرَاءُ هَذِهِ الْآفَاتِ وَالنُّفُوسِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ يَرُدُّ عَنْهُ. فَإِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ وَطَاعَتَهُ وَالصَّدَقَةَ وَإِرْشَادَ الْجَاهِلِ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وِقَايَةٌ تَرُدُّ عَنِ الْعَبْدِ، بِمَنْزِلَةِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَرُدُّ الْمَرَضَ وَتُقَاوِمُهُ، فَإِذَا سَقَطَتِ الْقُوَّةُ غَلَبَ وَارِدُ الْمَرَضِ فَكَانَ الْهَلَاكُ، فَلَابُدَّ لِلْعَبْدِ مِنْ شَيْءٍ يَرُدُّ عَنْهُ، فَإِنَّ مُوجِبَ السَّيِّئَاتِ وَالْحَسَنَاتِ يَتَدَافَعُ وَيَكُونُ الْحُكْمُ لِلْغَالِبِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكُلَّمَا قَوِيَ جَانِبُ الْحَسَنَاتِ كَانَ الرَّدُّ أَقْوَى كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، فَبِحَسَبِ قُوَّةِ الْإِيمَانِ يَكُونُ الدَّفْعُ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
فَصْلٌ:
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا: أَنَّهَا تَخُونُ الْعَبْدَ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ أَعْرَفُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَأَقْوَاهُمْ وَأَكْيَسُهُمْ مَنْ قَوِيَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَاسْتَعْمَلَهَا فِيمَا يَنْفَعُهُ وَكَفَّهَا عَمَّا يَضُرُّهُ، وَفِي ذَلِكَ تَفَاوَتَتْ مَعَارِفُ النَّاسِ وَهِمَمُهُمْ وَمَنَازِلُهُمْ، فَأَعْرَفُهُمْ مَنْ كَانَ عَارِفًا بِأَسْبَابِ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَأَرْشَدُهُمْ مَنْ آثَرَ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ، كَمَا أَنَّ أَسْفَهَهُمْ مَنْ عَكَسَ الْأَمْرَ.
وَالْمَعَاصِي تَخُونُ الْعَبْدَ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَى نَفْسِهِ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الْعِلْمِ، وَإِيثَارِ الْحَظِّ الْأَشْرَفِ الْعَالِي الدَّائِمِ عَلَى الْحَظِّ الْخَسِيسِ الْأَدْنَى الْمُنْقَطِعِ، فَتَحْجُبُهُ الذُّنُوبُ عَنْ كَمَالِ هَذَا الْعِلْمِ، وَعَنْ الِاشْتِغَالِ بِمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ وَأَنْفَعُ لَهُ فِي الدَّارَيْنِ.
فَإِذَا وَقَعَ مَكْرُوهٌ وَاحْتَاجَ إِلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ، خَانَهُ قَلْبُهُ وَنَفْسُهُ وَجَوَارِحُهُ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مَعَهُ سَيْفٌ قَدْ غَشِيَهُ الجربُ وَلَزِمَ قِرَابَهُ، بِحَيْثُ لَا يَنْجَذِبُ مَعَ صَاحِبِهِ إِذَا جَذَبَهُ، فَعَرَضَ لَهُ عَدُوٌّ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَوَضَعَ يَدِهِ عَلَى قَائِمِ سَيْفِهِ وَاجْتَهَدَ لِيُخْرِجَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ، فَدَهَمَهُ الْعَدُوُّ وَظَفِرَ بِهِ.
وكَذَلِكَ الْقَلْبُ يَصْدَأُ بِالذُّنُوبِ ويجربُ وَيَصِيرُ مُثْخَنًا بِالْمَرَضِ، فَإِذَا احْتَاجَ إِلَى مُحَارَبَةِ الْعَدُوِّ لَمْ يَجِدْ مَعَهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَالْعَبْدُ إِنَّمَا يُحَارِبُ وَيُصَاوِلُ وَيُقْدِمُ بِقَلْبِهِ، وَالْجَوَارِحُ تَبَعٌ لِلْقَلْبِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ مَلِكِهَا قُوَّةٌ يَدْفَعُ بِهَا، فَمَا الظَّنُّ بِهَا؟
وَكَذَلِكَ النَّفْسُ فَإِنَّهَا تتخنَّثُ بِالشَّهَوَاتِ وَالْمَعَاصِي وَتَضْعُفُ، أَعْنِي النَّفْسَ الْمُطْمَئِنَّةَ، وَإِنْ كَانَتِ الْأَمَّارَةُ تَقْوَى وَتَتَأَسَّدُ، وَكُلَّمَا قَوِيَتْ هَذِهِ ضَعُفَتْ تِلْكَ، فَيَبْقَى الْحُكْمُ وَالتَّصَرُّفُ لِلْأَمَّارَةِ.
وَرُبَّمَا مَاتَتْ نَفْسُهُ الْمُطْمَئِنَّةُ مَوْتًا لَا يُرْجَى مَعَهُ حَيَاةٌ فهذا ميِّتٌ في الدُّنيا ميِّتٌ في البرزخِ غيرُ حيٍّ في الآخرةِ حياةً يَنْتَفِعُ بِهَا، بَلْ حَيَاتُهُ حَيَاةٌ يُدْرِكُ بِهَا الْأَلَمَ فَقَطْ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا وَقَعَ فِي شِدَّةٍ أَوْ كُرْبَةٍ أَوْ بَلِيَّةٍ خَانَهُ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَجَوَارِحُهُ عَمَّا هُوَ أَنْفَعُ شَيْءٍ لَهُ، فَلَا يَنْجَذِبُ قَلْبُهُ لِلتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَالْجَمْعِيَّةِ عَلَيْهِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّذَلُّلِ وَالِانْكِسَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا يُطَاوِعُهُ لِسَانُهُ لِذِكْرِهِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ بِلِسَانِهِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، فَيَنْحَبِسُ الْقَلْبُ عَلَى اللِّسَانِ بِحَيْثُ يُؤَثِّرُ الذِّكْرُ، وَلَا يَنْحَبِسُ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ عَلَى المذكورِ، بَلْ إِنْ ذَكَرَ أَوْ دَعَا ذَكَرَ بِقَلْبٍ لَاهٍ سَاهٍ غَافِلٍ، وَلَوْ أَرَادَ مِنْ جَوَارِحِهِ أَنْ تُعِينَهُ بِطَاعَةٍ تَدْفَعُ عَنْهُ لَمْ تَنْقَدْ لَهُ وَلَمْ تُطَاوِعْهُ.
وَهَذَا كُلُّهُ أَثَرُ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي كَمَنْ لَهُ جُنْدٌ يَدْفَعُون عَنْهُ الْأَعْدَاءَ، فَأَهْمَلَ جُنْدَهُ، وَضَيَّعَهُمْ، وَأَضْعَفَهُمْ، وَقَطَعَ أَخْبَارَهُمْ، ثُمَّ أَرَادَ مِنْهُمْ عِنْدَ هُجُومِ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَفْرِغُوا وُسْعَهُمْ فِي الدَّفْعِ عَنْهُ بِغَيْرِ قُوَّةٍ.
هَذَا، وَثَمَّ أَمْرٌ أَخْوَفُ مِنْ ذَلِكَ وَأَدْهَى مِنْهُ وَأَمَرُّ، وَهُوَ أَنْ يَخُونَهُ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَالِانْتِقَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى
– الشيخ : أعوذُ باللهِ
– القارئ : فَرُبَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَةِ، كَمَا شَاهَدَ النَّاسُ كَثِيرًا مِنَ الْمُحْتَضَرِينَ أَصَابَهُمْ ذَلِكَ، حَتَّى قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ: آهْ آهْ، لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَهَا.
وَقِيلَ لِآخَرَ: قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ: شَاهْ رُخْ، غَلَبْتُكَ. ثُمَّ قَضَى.
وَقِيلَ لِآخَرَ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ:
يَا رُبَّ قَائِلَةٍ يَوْمًا وَقَدْ تَعِبَتْ كيفَ الطَّرِيقُ إِلَى حَمَّامِ مِنْجَابِ
ثُمَّ قَضَى.
وَقِيلَ لِآخَرَ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَجَعَلَ يَهْذِي بِالْغِنَاءِ وَيَقُولُ: تَاتِنَا تِنِنْتَا. حَتَّى قَضَى.
وَقِيلَ لِآخَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَمَا يَنْفَعُنِي مَا تَقُولُ وَلَمْ أَدَعْ مَعْصِيَةً إِلَّا رَكِبْتُهَا؟ ثُمَّ قَضَى وَلَمْ يَقُلْهَا.
وَقِيلَ لِآخَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَمَا يُغْنِي عَنِّي، وَمَا أَعْرِفُ أَنِّي صَلَّيْتُ لِلَّهِ صَلَاةً؟ وَلَمْ يَقُلْهَا.
– الشيخ : أعوذُ بالله من سوءِ الخاتمةِ، هذهِ أمثلةٌ لسوءِ الخاتمةِ فكلٌّ يهذي بما اعتادَ ويثقلُ عليه ذكرُ اللهِ، نسألُ اللهَ العافيةَ، سوءُ الخاتمةِ ما بعدَها إصلاح، وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء:18]، وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [النساء:18]، هؤلاءِ حتَّى عندَ الموتِ لم يتوبوا، حتَّى عندَ الموتِ.
– القارئ : وَقِيلَ لِآخَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: هُوَ كَافِرٌ بِمَا يقُولُ. وَقَضَى.
وَقِيلَ لِآخَرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَهَا لِسَانِي يُمْسِكُ عَنْهَا.
وَأَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَ بَعْضَ الشَّحَّاذِينَ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: لِلَّهِ فِلْسٌ لِلَّهِ فِلْسٌ حَتَّى قَضَى.
– الشيخ : لِلَّهِ فِلْسٌ ولَّا [أم] فُلَيْس؟
– طالب: فُلَيْس
– الشيخ : فُلَيْسٌ نحفظُها، شحَّاذٌ شحَّاذٌ يقولُ: فُلَيْسٌ يردِّدُ كلمتَه الَّتي اعتادَ عليها "لِلَّهِ لِلَّهِ" يعني تصدَّقُوا للهِ، تصدَّقُوا عليَّ فُلَيْس، أعوذُ بالله.
– القارئ : وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ التُّجَّارِ عَنْ قَرَابَةٍ لَهُ أَنَّهُ احْتُضِرَ وَهُوَ عِنْدَهُ، وَجَعَلُوا يُلَقِّنُونَهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ يَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ رَخِيصَةٌ، هَذَه مُشْتَرٍ جَيِّدٌ، هَذِهِ كَذَا. حَتَّى قَضَى.
وَسُبْحَانَ اللَّهِ! كَمْ شَاهَدَ النَّاسُ مِنْ هَذَا عِبَرًا؟ وَالَّذِي يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِنْ أَحْوَالِ الْمُحْتَضِرِينَ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ.
فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ فِي حَالِ حُضُورِ ذِهْنِهِ وَقُوَّتِهِ وَكَمَالِ إِدْرَاكِهِ قَدْ تَمَكَّنَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ، وَاسْتَعْمَلَهُ فِيمَا يُرِيدُهُ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَقَدْ أَغْفَلَ قَلْبَهُ عَنْ اللَّهِ، وَعَطَّلَ لِسَانَهُ عَنْ ذِكْرِهِ وَجَوَارِحَهُ عَنْ طَاعَتِهِ، فَكَيْفَ الظَّنُّ بِهِ عِنْدَ سُقُوطِ قُوَاهُ وَاشْتِغَالِ قَلْبِهِ وَنَفَسِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ أَلَمِ النَّزْعِ؟
وَجَمَعَ الشَّيْطَانُ لَهُ كُلَّ قُوَّتِهِ وَهِمَّتِهِ، وَحَشَدَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِيَنَالَ مِنْهُ فُرْصَتَهُ
– الشيخ : نسألُ اللهَ العافيةَ، أعوذُ باللهِ.
– القارئ : فَإِنَّ ذَلِكَ آخِرُ الْعَمَلِ، فَأَقْوَى مَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَضْعَفُ مَا يَكُونُ هُوَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَمَنْ تُرَى يَسْلَمُ عَلَى ذَلِكَ؟ فَهُنَاكَ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إِبْرَاهِيمَ:27]
فَكَيْفَ يُوَفَّقُ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ مَنْ أَغْفَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِهِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا. فَبَعِيدٌ مَنْ قَلْبُهُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، غَافِلٌ عَنْهُ مُتَعَبِّدٌ لِهَوَاهُ أَسِيرٌ لِشَهَوَاتِهِ، وَلِسَانُهُ يَابِسٌ مِنْ ذِكْرِهِ، وَجَوَارِحُهُ مُعَطَّلَةٌ مِنْ طَاعَتِهِ مُشْتَغِلَةٌ بِمَعْصِيَتِهِ أَنْ يُوَفَّقَ لِلْخَاتِمَةِ بِالْحُسْنَى.
وَلَقَدْ قَطَعَ خَوْفُ الْخَاتِمَةِ ظُهُورَ الْمُتَّقِينَ، وَكَأَنَّ الْمُسِيئِينَ الظَّالِمِينَ قَدْ أَخَذُوا تَوْقِيعًا بِالْأَمَانِ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ [الْقَلَمِ:39-40]
شعرٌ:
يَا آمِنًا مِنْ قَبِيحِ الْفِعْلِ مِنْهُ أَهَلْ |
|
أَتَاكَ تَوْقِيعُ أَمْنٍ أَنْتَ تَمْلِكُهُ |
فصلٌ
– الشيخ : حسبُكَ يا أخي، اللهُ المستعانُ، لا إله إلَّا الله، نسألُ اللهَ حسنَ الخاتمةِ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، نعوذُ باللهِ من سوءِ الخاتمةِ، نعوذُ باللهِ من سوءِ الخاتمةِ، نعوذُ باللهِ من سوءِ الخاتمةِ.