الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الفرقان بين الحق والباطل/(37) فصل وأهل الضلال الذين فرقوا دينهم “قوله ومنهم من فرق بين الوجود والثبوت”

(37) فصل وأهل الضلال الذين فرقوا دينهم “قوله ومنهم من فرق بين الوجود والثبوت”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس السّابع والثّلاثون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ:  الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، اللهمَّ متِّعْ شيخَنا على طاعتِك واغفرْ لنا وله وللمسلمين. قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمنا اللهُ وإيّاهُ ووالدِينا والمسلمين:
وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالثُّبُوتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ التَّعْيِينِ وَالْإِطْلَاقِ.
– الشيخ: شوي شوي، ومنهم..
– القارئ: وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالثُّبُوتِ..
قال: وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: هُوَ وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ
 وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالثُّبُوتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ التَّعْيِينِ وَالْإِطْلَاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ فِي الْعَالَمِ كَالْمَادَّةِ فِي الصُّورَةِ.
– الشيخ: نسألُ اللهَ العافيةَ، نعم.
– القارئ: وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ فِي الْعَالَمِ؛ كَالزُّبْدِ فِي اللَّبَنِ، وَكَالزَّيْتِ والشَّيرجِ ِفي السِّمْسِمِ وَالزَّيْتُونِ، وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
والْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي أَضَلَّهُمْ: قَوْلُهُمْ مَا قَامَتْ بِهِ الصِّفَاتُ وَالْأَفْعَالُ وَالْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ أَوْ الْحَوَادِثُ فَهُوَ حَادِثٌ، ثُمَّ قَالُوا: وَالْجِسْمُ لَا يَخْلُو مِنْ الْحَوَادِثِ، وَأَثْبَتُوا ذَلِكَ بِطُرُقِ؛ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَخْلُو عَنْ الْأَكْوَانِ الْأَرْبَعَةِ: الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَخْلُو عَنْ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ فَقَطْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَخْلُو عَنْ الْأَعْرَاضِ، وَالْأَعْرَاضُ كُلُّهَا حَادِثَةٌ؛ وَهِيَ لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الآمدي، وَزَعَمَ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ الْأَشْعَرِيَّةِ اعْتَمَدُوا عَلَيْهَا، والرازي اعْتَمَدَ عَلَى طَرِيقَةِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الطُّرُقِ وَجَمِيعِ مَا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى حُدُوثِ الْجِسْمِ وَإِمْكَانِهِ، وَذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ كَلَامَهُمْ هُمْ أَنفُسهمْ فِي فَسَادِ جَمِيعِ هَذِهِ الطُّرُقِ، وَأَنَّهُمْ هُمْ بَيَّنُوا فَسَادَ جَمِيعِ مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى حُدُوثِ الْجِسْمِ وَإِمْكَانِهِ، وَبَيَّنُوا فَسَادَهَا طَرِيقًا طَرِيقًا بِمَا ذَكَرُوهُ كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَأَمَّا الهِشاميّةُ والكرَّاميَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ جِسْمٌ قَدِيمٌ فَقَدْ شَارَكُوهُمْ فِي أَصْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ؛ لَكِنْ لَمْ يَقُولُوا بِحُدُوثِ كُلِّ جِسْمٍ، وَلَا قَالُوا: إنَّ الجسمَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْحَوَادِثِ؛ إذْ كَانَ الْقَدِيمُ عِنْدَهُمْ جِسْمًا قَدِيمًا وَهُوَ خَالٍ مِنْ الْحَوَادِثِ، وَقَدْ قِيلَ: أَوَّلُ مَنْ قَالَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ الْقَدِيمَ جِسْمٌ هُوَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ، كَمَا أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ فِي الْإِسْلَامِ نَفْيَ الجسمِ هُوَ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ، وكَلَامُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي ذَمِّ الجهمية كَثِيرٌ مَشْهُورٌ.

– الشيخ: المنهجُ الصَّحيحُ أنَّه لا يُقال أنَّ اللهَ جِسمٌ ولا ليسَ بجِسمٍ؛ لأنَّ هذا لفظٌ لم يرِدْ، وهو لفظٌ مُجمَلٌ يحتمِلُ حقًا وباطلًا.
 
– القارئ: وَكَلَامُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي ذَمِّ الجهمية كَثِيرٌ مَشْهُورٌ؛ فَإِنَّ مَرَضَ التَّعْطِيلِ شَرٌّ مِنْ مَرَضِ التَّجْسِيمِ، وَإِنَّمَا كَانَ السَّلَفُ يَذُمُّونَ الْمُشَبِّهَةَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ راهويه وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: الْمُشَبِّهَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: بَصَرٌ كَبَصَرِي، وَيَدٌ كَيَدِي، وَقَدَمٌ كَقَدَمِي. وَابْنُ كُلَّابٍ وَمَنْ تَبِعَهُ أَثْبَتُوا الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ؛ فَأَمَّا الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فَيَنْفُونَهَا؛ قَالُوا: لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ؛ وَلَوْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ لَكَانَ حَادِثًا؛ لِأَنَّ مَا قَبِلَ الشَّيْءَ لَمْ يَخْلُ عَنْهُ وَعَنْ ضِدِّهِ؛ فَلَوْ قَبِلَ بَعْضَ هَذِهِ الْحَوَادِثِ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ وَمِنْ ضِدِّهِ فَلَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَيَكُونُ حَادِثًا. ومُحَمَّدُ بْنُ كَرَّامٍ كَانَ بَعْدَ ابْنِ كُلَّابٍ فِي عَصْرِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ؛ أَثْبَتَ أَنَّهُ يُوصَفُ بِالصِّفَاتِ الاختياريات وَيَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ؛ وَلَكِنْ عِنْدَهُ يَمْتَنِعُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَزَلِ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ؛ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا، فَلَمْ يَقُلْ بِقَوْلِ السَّلَفِ إنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ؛ بَلْ قَالَ: إنَّهُ صَارَ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَمَا صَارَ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَقَالَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ: إنَّ الْحَوَادِثَ الَّتِي تَقُومُ بِهِ لَا يَخْلُو مِنْهَا وَلَا يَزُولُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ ثُمَّ زَالَتْ عَنْهُ كَانَ قَابِلًا لِحُدُوثِهَا وَزَوَالِهَا، وَإِذَا كَانَ قَابِلًا لِذَلِكَ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ عَلى أَصْلِهِمْ أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ فَقَطْ، كَمَا يُقْبَلُ أَنْ يَفْعَلَهَا وَيُحْدِثَهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْهُ كَمَا لَمْ يَلْزَمْ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا لَهَا، وَالْحُدُوثُ عِنْدَهُمْ غَيْرُ الْإِحْدَاثِ، وَالْقُرْآنُ عِنْدَهُمْ حَادِثٌ لَا مُحْدَثٌ؛ لِأَنَّ الْمُحْدَثَ يَفْتَقِرُ إلَى إحْدَاثٍ بِخِلَافِ الْحُدُوثِ.
وَهُمْ إذَا قَالُوا: كَانَ خَالِيًا مِنْهَا فِي الْأَزَلِ وَكَانَ سَاكِنًا لَمْ يَقُولُوا إنَّهُ قَامَ بِهِ حَادِثٌ؛ بَلْ يَقُولُونَ السُّكُونُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ كَمَا يَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ؛ وَلَكِنَّ الْحَرَكَةَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ؛ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ: إنَّ السُّكُونَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ كَالْحَرَكَةِ؛ فَإِذَا حَصَلَ بِهِ حَادِثٌ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَدَمُ هَذَا الْحَادِثِ؛ فَإِنَّمَا يَعْدَمُ الْحَادِثُ بِإِحْدَاثِ يَقُومُ بِهِ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ، وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ يَمْتَنِعُ عَدَمُ الْجِسْمِ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْبَارِيَ..

– الشيخ: لعلَّك تقفْ على هذا، بس يا أخي.
وهم يقولون إلى آخره، الحمدُ لله الذي … وهَدَانا بكتابِه وسُنَّةِ رسولِه، عرَّفَنا سُبحانَه وتعالى بنفسِه، وما يجوزُ عليه وما يجِبُ له ويجُوزُ عليه ويمتنعُ عليه، كلامًا مُبيَّنًا بيِّنًا سهلًا مُفصَّلًا، وهؤلاءِ الَّذين أعْرَضوا عن الكتابِ والسُّنَّةِ صاروا يتخبَّطُونَ ويتجادَلُونَ، وكُلُّهم غَالِطُونَ مُنحرفونَ عن الصِّراطِ المُستقِيمِ.
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة