الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب حراسة الفضيلة/(35) الأصل التاسع “قوله كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(35) الأصل التاسع “قوله كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح رسالة (حراسة الفضيلة) للشيخ بكر بن عبدالله 
الدّرس الخامس والثّلاثون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ، الحمدُ لله والصّلاةُ والسّلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، قال الشيخُ بكر بن عبد الله أبو زيد -رَحِمنا الله وإيّاه- في كتابهِ "حِراسةُ الفضيلة":
في الأصل التاسع: وهو وجوبُ حِفظِ الأولادِ عن البداياتِ المُضلّة: وفي الحديث المتفقِ على صِحّتهِ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعتُ رسول الله -صلّى الله عليهِ وسلّم- يقول:
(كُلّكم راعٍ وكُلّكم مسؤولٌ عن رعيتهِ، فالرجلُ راعٍ في أهلِ بيتهِ وهو مسؤولٌ عنهم..)
وجليٌّ مِن هذه النصوص وجوبِ تربيةِ الأولادِ على الإسلام، وأنها أمانةٌ في أعناقِ أوليائِهم، وأنّها مِنْ حقِ الأولادِ على أوليائِهم مِنَ الآباءِ والأوصياءِ وغيرهم، وأنها مِنْ صالحِ الأعمالِ التي يتقرّبُ بها الولدان إلى ربّهم، ويستمرُ ثوابُها كاستمرارِ الصدقةِ الجارية، وقدْ ثبتَ عن النبي -صلّى الله عليهِ وسلّم- أنّهُ قال: (إذا ماتَ ابن آدمَ انقطعَ عملهُ إلّا مِنْ ثلاثٍ: عِلمٌ يُنتفعُ بهِ، أو ولدً صالح يدعو له، أو صدقةٍ جارية) وأنَّ المُفرّطَ في هذه الأمانة آثمٌ عاصٍ للهِ تعالى، يَحْمِلُ وِزرَ معصيتهِ أمامَ ربّهِ، ثمَّ أمامَ عِبادهِ.
عنْ حميد الضَّبعي قال: كُنَّا نَسْمعُ أنَّ أقواماً سحبوهم عيالاتُهم على المهالِك. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب [العيال].
والله سبحانه يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14]
ومِن عدواتِهم للوالدين: التّفريطُ في تربيتِهم، لما يؤولُ إليهِ مِنَ التّأثيم، قالَ قُتادةُ بن دَعامة السدوسي -رحمهُ الله تعالى-: كانَ يُقال: إذا بلغَ الغلامُ فلم يُزوّجهُ أبوهُ فأصابَ فاحشةً أثِمَ الأبُ. رواه ابن أبي الدنيا في [كتاب العيال].
وقالَ مُقاتلُ بن محمدٍ العتكي: حضرتُ مع أبي وأخي عِندَ أبي إسحاقَ -إبراهيم الحربي- فقالَ إبراهيمُ الحربي لأبي: هؤلاءِ أولادك؟ قال: نعم، قال: احذر لا يَرونَكَ حيثُ نهاكَ الله فتسقطَ مِن أعينهم. كما في [صفة الصفوة] لابن الجوزي.
وأن هذا التفريط يوجبُ عزلَ ولايتهِ، أو ضمُّ صالحٍ إليهِ، إذ القاعدة أنّهُ لا وِلاية لكافرٍ ولا لفاسقٍ، لخطرِ تلكَ المحاضِن على المواليدِ في إسلامِهم وأخلاقِهم.
والشأنُ هنا في تَشْخيصِ البداياتِ المُضرّة، والأوليّات المُضلّة التي يواجِهُها الأطفال، الذينَ بلغوا مرحلة التّمييزِ بينَ الأشياءِ بالتّفريقِ بينَ النافعِ والضار، والتّمييزُ يختلفُ باختلافِ قدراتِ الأطفال، وهي تلكَ البداياتُ التي يُتَساهلُ فيها في تربية الذريّة بدافعِ العاطفةِ والوجدان، حتى إذا بلغَ المولودُ رشدهُ كانَ قد استمرأ هذه الأذايا، وخالطت دمهُ وقلبهُ، وكسرتْ حاجِزَ النُفرة بينهُ وبينَ ما يضرّه أو يُضلّه، فيبقى الوالدان والأولياء في اضطرابٍ ونكد، ومكابدةٌ في العودةِ بِهم إلى طريقِ السلامة، فكأنَّ لِسانَ الحالِ يقول: يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56]
فصارَ حقاً علينا بيانُ هذا الأصل، الذي يقومُ على أُسس الفِطرة، والعقيدة الصّحيحة، والعقلِ السليم، في دائرةِ الكتابِ والسنّة، ولفت نظر الأولياءِ إليهِ، ليكونَ وعاءً للتربية الأوليّة للمواليد، وحِفْظِهم مِنَ البداياتِ المُضرّة بدينهم ودُنياهم، فَمِن هذه البدايات المُضرّة بالفضائل، لا سيما الحجاب..

– الشيخ: إلى هنا. الله المستعان، لا حولَ ولا قوّة إلّا بالله، أعوذُ باللهِ.الحمدُ للهِ وصلّى اللهُ وسلّم وباركَ على رسول الله، هذا أصلٌ عظيم، وفصلٌ عظيم وأنّهُ يجبُ على الوالدين وأولياء اليتامى يجبُ عليهم أنْ يُؤدّوا أماناتِهم ويرعوا أماناتِهم، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8] (كُلّكمْ راعٍ وكُلّكمْ مسؤولٌ عنْ رعيتهِ) هذه الأمانة تكونُ بِحُسن التربية وحُسن الرِّعاية، وذلكَ بتربيةِ النشء على عقيدة الإسلام، وعلى خُلقِ الإسلام وأداءِ شرائعِ الإسلامِ وفرائضِ الإسلام، وحِمايتهم عن كلِّ ما يخالفُ ذلكَ مِن أنواعِ المعاصي والعاداتِ القبيحة والأخلاقِ السيئة.
وإنَّ الذي يقومُ في هذا الواجب أولاً: تبرأُ ذمتهُ مِن هذه المسؤولية، ثانياً: يُثيبهُ الله على ما قدّم؛ لأنَّ رِعايةَ الأولادِ وتربيتهم على الخيرِ عملٌ صالح، وكما قال الشيخ: يبقى لهُ امتداد لهُ بعدَ موتهِ؛ لأنّهم يكونونَ عَقِباً لهُ يدعونَ لهُ، وما يعملونهُ مِنَ الأعمالِ الصّالحة بسببهِ يكونُ لهُ مِثلُ أجرهم مِثلُ الدّاعية؛ (مَنْ دعا إلى هُدى كانَ لهُ مثلُ أجرِ مَنْ تَبِعهُ لا يُنْقصُ ذلكُ مِنْ أجورِهم شيئاً)
ومِن سعادةِ الآباء وسعادة الأولاد أنْ يتعاونوا على ذلك، ومِنْ مُصيبة الأولاد جهلُ الوالدين بهذه المسؤولية وهم كثير، كثيرٌ مِنَ النّاس يُفرّطُ في هذا جهلاً؛ لأنَّ هو نُفسُ الأبِ غيرُ صالح وغيرُ مستقيم؛ فيكونُ هذا مصيبةً على الأولاد.
هذا الخطابُ الذي ذكرهُ الشيخ هذا يُناسبُ مَنْ لديهِ علمٌ وبصيرة فيما يجبُ مِنَ الرعاية، لكنْ كما قيل: "فاقدُ الشيءِ لا يُعطيهِ" إذا كانَ الأبُ وكانت الأم ليس عندهم مِن البصيرة فيما يجب عليهم نحو أولادهم، صار ذلك ضرراً عظيماً على الأولاد، وأقبحُ مِن ذلك أن تكون لديهم العلم، ويكون لديهم المعرفة بِما ينفع وما يضر، ثمَّ لا يقومون بالواجب، ولا يُرّبونَ أولادهم على ما يُصلحهم ويُسعدهم، فتكونُ المصيبةُ أعظم؛ لأنّهم قصّروا مِن غيرِ عذرٍ.
وفي هذا العصرِ العصيب، هذا العصرِ العصيب اشتدّت المشقّة في تربيةِ الأولادِ لكثرةِ عواملِ الشرّ والتّغيير للفِطر، وكذلكَ انجرَّ الأولياءُ والآباءُ لتحقيقِ رغباتهم أو رغبات الأولادِ والنّساء، لجلبِ ما يطلبونَ وما يُريدونَ مِنَ الشّهوات ومِن طُرق الشّهوات والشّبهات خُصوصاً في وسائلِ الإعلام، يفتحونَ لهم الباب ثمَّ يتركونَ لهم الأمرَ والحبلَ على الغالب، لا يأمرونَ ولا يَنهون، فيسري الفسادُ في عقولِ الأُسر، يسري ما تبثّهُ وسائلُ الإعلامِ، يسري في عقولِ الأُسر مِنَ الرجال والنّساء والبنينَ البنات، ولا حولَ ولا قوّة إلّا بالله، بلاءٌ عظيم.
فالواجبُ على الأبِ أن يشعرَ بالمسؤولة نحو أولاده، أن يتقي الله ويراقبهُ، وعلى الأولادِ إذا ميّزوا أن يتقبّلوا ما يؤمرونَ بهِ مِنَ الخيرِ، وما يفعلهُ الأب ما هو إلا سبب، أمّا الِهداية، هِداية القلوبِ وتحقيقُ المطلوبِ فذلكَ إلى الله سُبحانه وتعالى، فإذا فعلَ النّاس السبب، إذا فعلَ الآباءُ السبب في تربية أولادهم فلا يضرّهم بعدَ ذلك لو انحرفَ مَن انحرفَ منهم، لا يضرّهم؛ لأنّهم أدّوا الواجبَ وقد قالَ سبحانه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] ولا يندمُ الإنسانُ إذا لم يُفرّط، لكنّهُ يندم إذا حصلَ لهم انحرافٌ بسبهِ، بسببِ تفريطهِ، أو بسبب -نسألُ الله العافية-أنْ كانَ لهم قدوةً سيئة.    
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله