بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (رسالة ابن القيّم إلى أحد إخوانه)
الدّرس الحادي عشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ وسلّمَ على نبيّنَا محمّدٍ وعلى آله وصحبهِ أجمعين. قالَ ابنُ القيّمِ رحمهُ الله تعالى: والمقصودُ أَنَّ مَا تَقرُّ بِهِ العينُ أَعلَى من مُجَرَّدِ مَا يُحِبُّهُ، فَالصَّلَاةُ قُرَّةُ عَينِ المحبّين فِي هَذِه الدُّنْيَا لما فِيهَا من مُنَاجَاة مَن لَا تَقَرُّ الْعُيُونُ وَلَا تطمئِنُّ الْقُلُوبُ وَلَا تَسكُنُ النُّفُوسُ إِلَّا إِلَيْهِ، والتنعّمِ بِذكرِهِ والتذلّلِ للخضوعِ لَهُ والقربِ مِنْهُ، وَلَا سِيّمَا فِي حَالِ السُّجُود، وَتلك الحَال أقربُ مَا يكون العَبدُ من ربّه فِيهَا، وَمن هَذَا قَولُ النَّبِيِّ صلّى الله عَلَيْهِ وَسلّم: (يَا بِلَال أَرحْنَا بِالصَّلَاةِ)، فَاعْلَمَ بذلك أنّ
– الشيخ: في تخريج؟
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، قال: رواهُ أحمدُ في المسندِ: المجلد السادس، ورواهُ أبو داود من طريقين في كتاب الأدب، في باب صلاة العَتْمَة.
– الشيخ: العَتَمَة
– القارئ: العَتَمَة، أحسن الله إليكم، وصحّحَ إسنادَه العِراقيُّ
– الشيخ: نعم
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، كَمَا أخبرَ أَنّ قُرَّةَ عينِه فِيهَا، فَأَيْنَ هَذَا من قَولِ الْقَائِلِ: نُصلّي ونستريحُ من الصَّلَاة.
فالمحبُّ رَاحَتُه وقرَّةُ عينِه فِي الصَّلَاة، والغافلُ المُعرضُ لَيْسَ لَهُ نصيبٌ من ذَلِك، بل الصَّلَاةُ كَبِيرَةٌ شاقّةٌ عَلَيْهِ، إِذا قَامَ فِيهَا كَأَنَّهُ على الجَمْر حَتَّى يتَخَلَّصَ مِنهَا، وَأحبُّ الصَّلَاةِ إِلَيْهِ أعجلُها وأسرعُها.
– الشيخ: الله المستعان
– القارئ: فإنّهُ لَيْسَ لَهُ قُرَّةُ عينٍ فِيهَا وَلَا لِقَلْبِهِ رَاحَةٌ بهَا. وَالعَبدُ إِذا قَرَّت عينُه بِشَيءٍ واستراحَ قلبُه بِهِ، فأشقُّ مَا عَلَيْهِ مُفَارقَته، والمُتكلِّفُ الفارغُ القلبِ من الله وَالدَّار الْآخِرَة، الْمُبْتَلى بمحبةِ الدُّنْيَا أشقُّ مَا عَلَيْهِ الصَّلَاة، وأكرَهُ مَا إِلَيْهِ طولُهَا مَعَ تفرّغِه وَصِحَّتِه وَعدم اشْتِغَالِه.
– الشيخ: الله المستعان، وهذا هو الأغلبُ على الخَلْق، لا حولَ ولا قوّةَ، هذا هو الأغلبُ، لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله، لكن الله كريمٌ سبحانَه وتعالى، النّفوسُ مجبولةٌ على حبِّ يعني مصالِحها ومنافِعها في الدّنيا، فإذا الإنسانُ عَجَّلَ من أجلِ ألّا يفوتَهُ أمرٌ، الرّسولُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ كان إذا سمعَ بكاءَ الصّبيّ مع المرأةِ تَجَوَّزَ في صلاتِه، شَفَقَةً على أمّه ورِفقاً بها.
ولمراعاةِ أحوالِ النّاس نهى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم معاذًا وغيرَه عن التَّطويلِ يعني رِفقاً بهم، (إذا صلّى أحدُكُم بالنّاس فليخفّف فإنّ من ورائه الضّعيف والكبير والسّقيم وذا الحاجة)، ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا بالله.
بعضُ النّاسِ يقولُ خلّونا نصلّي حتى نستريحَ، ما يريدون حتى نستريحَ من الصّلاةِ لأ من يعني من همِّ الصّلاةِ، ما دامَ الإنسانُ ما صلّى تبقى نفسُهُ مشغولةٌ يعني، فيريدُ أن يؤدِّي الواجبَ حتى يفرغَ لبعضِ شؤونِه؛ لنومِهِ أو جلستِهِ أو ما أشبَهَ ذلك.
– القارئ: أحسن الله إليكم، وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يُعلَمَ أَنّ الصَّلَاةَ الَّتِي تَقَرُّ بهَا العينُ ويستريحُ بهَا القلبُ هِيَ الَّتِي تجمعُ سِتَّةَ مشَاهد؛ المشهدُ الأوّلُ: الْإِخْلَاصُ.
– الشيخ: الله أكبر الله أكبر الله أكبر.
– القارئ: وَهُوَ أَن يكونَ الحامِلُ عَلَيْهَا والدّاعي إِلَيْهَا رَغبَةَ العَبْدِ فِي الله، ومحبَّتَه لَهُ وَطلبَ مرضاتِه والقُربَ مِنْهُ والتودُّدَ إِلَيْهِ وامتثالَ أمرِه بِحَيْثُ لَا يكونُ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَيْهَا حظّاً من حظوظِ الدُّنْيَا الْبَتَّة، بل يَأْتِي بهَا ابْتِغَاءَ وَجهِ ربِّه الْأَعْلَى محبَّةً لَهُ وخوفاً من عَذَابه ورجاءً لمغفرتِه وثوابِه.
المشهدُ الثَّانِي: مَشْهَدُ الصِّدْقِ والنّصحِ، وَهُوَ أَن يُفرِّغَ قلبَه لله فِيهَا ويَستفرغَ جُهدَهُ فِي إقبالِه فِيهَا على الله، وَجمع قلبِه عَلَيْهَا وإيقاعها على أحسنِ الْوُجُوهِ وأكملِها ظَاهراً وَبَاطناً، فَإِنّ الصَّلَاةَ لَهَا ظَاهرٌ وباطنٌ، فظاهرُها الْأَفْعَالُ الْمُشَاهدَةُ والأقوالُ المسموعةُ، وباطنُها الْخُشُوعُ والمراقبةُ وتفريغُ القلبِ لله والإقبالُ بكلّيتِه على الله فِيهَا، بِحَيْثُ لَا يلْتَفِت قلبُه عَنهُ إِلَى غَيره، فَهَذَا بِمَنْزِلَة الرَّوحِ لَهَا، وَالْأَفْعَالُ بِمَنْزِلَةِ البدنِ، فَإِذا خَلَت من الرُّوحِ كَانَت كبدنٍ لَا روحَ فِيهِ، أَفلا يستحي العَبْدُ أَن يواجِه سَيّدَه بِمثلِ ذَلِك؟! وَلِهَذَا تُلفُّ كَمَا يُلفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ وَيُضْربُ بهَا وَجُهُ صَاحبِهَا وَتقولُ: ضيّعكَ اللهُ كَمَا ضيّعتني.
وَالصَّلَاةُ الَّتِي كملَ ظَاهرُهَا وباطنُها تَصعدُ وَلها نورٌ وبرهانٌ كنورِ الشَّمْسِ، حَتَّى تُعرَضَ على الله فيرضاها ويقبَلُها وَتقولُ: حفظكَ الله كَمَا حَفِظتَني. المشهدُ الثالث..
– الشيخ: إلى هنا بس [فقط].
– القارئ: أحسن الله إليكم.