الرئيسية/شروحات الكتب/الرسالة المدنية لابن تيمية/(10) قوله “المقام الرابع قلت له أنا أذكر لك من الأدلة الجلية القاطعة والظاهرة”

(10) قوله “المقام الرابع قلت له أنا أذكر لك من الأدلة الجلية القاطعة والظاهرة”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (الرّسالة المدنيّة) لابن تيمية
الدّرس العاشر

***    ***    ***    ***

– القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين وصلّى الله وسلّم على عبدهِ ورسولهِ نبيّنا محمّد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، أمّا بعد؛ اللهم أغفر لشيخنا وللحاضرين وللمستمعين.
يقولُ شيخُ الإسلامِ الإمامُ أبو العباس ابن تيمية -رحمهُ الله تعالى وأجزلَ مثوبتهُ- في "الرسالة المدنية في الحقيقةِ والمجازِ في الصفات" قال رحمهُ الله:
المقام الرابع
قلتُ له: أنا أذكرُ لكَ مِنَ الأدلّة الجليّة القاطعة والظاهرة ِما يُبيّنُ لكَ أنَّ لله يَدينِ حقيقةً. فَمِنْ ذلكَ: تَفْضيلهُ لآدمَ يَسْتوجبُ سجودُ الملائكة..
– الشيخ:
أيش؟
– القارئ: يَسْتوجِبُ سُجودُ الملائكة، وامتِناعهم عَنِ التكبّرِ عليه، فلو كانَ المرادُ أنّهُ خَلقهُ بقدرتهِ أو بنعمتهِ، أو مُجرّد إضافة خَلقهِ إليهِ؛ لشاركهُ في ذلكَ إبليس وجميعُ المخلوقاتِ، قالَ لي..
– الشيخ:
هذا وجهٌ عظيم، هذا دليلٌ قاطعٌ بأنَّ الله، أنَّ لآدمَ خُصوصيّة، لو كانَ المرادُ القدرة لمْ يَكنْ لهُ تلكَ الخصوصيّة، ولكانَ خَلقهُ تعالى كَخلقهِ لبهيمةِ الأنعام؛ ولهذا قولهُ تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا [يس:71]، لا يَدلُّ على أنَّ الله خلقَ الأنعامَ بيديهِ؛ لأنَّ هذا الأسلوب لا يُفيد هذا المعنى، هذا الأسلوب لا يُفيد ما فَعلهُ الفاعلُ بيديهِ، بلْ يُفيد أنّهُ فَعلهُ، مثل: بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ [الحج:10] بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ لا يفيدُ خصوص ما فعلَ المُخَاطَبون بأيديهم.
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] هذا ليسَ خاصًا بِما فعلهُ الفاعلونَ وأكتسبهُ المكتسبونَ بأيديهم، بلْ هو شاملٌ لكلِّ ما فعلوا بآذانهم أو بِعيونِهم أو ألسنتِهم أو أرجلهم، فيكونُ المعنى "بما"، وما أصابكم مِنْ مُصيبة فَبِما كَسَبتُم، بِما كَسبتْ أيديكم، المعنى بِما كسبتم، هذا أسلوبٌ عربي مَعْروف، أمّا إذا قال: كتبوهُ بأيديهم، فهذا نصٌ في أنّهم باشروا ذلك، أو: هذا ما فَعلتُ بيدِي، أو هذا ما فَعلتَه بيدِك، هذا لا يَحْتَملُ أبداً إلّا فعلَ اليدِ.
 
– القارئ: قالَ لي: فَقدْ يُضافُ الشيءُ إلى الله على سبيلِ التّشريف، كقولهِ: نَاقَةُ اللَّهِ [الشمس:13]، و "بيتُ الله".
قلتُ لهُ: لا تكونُ الإضافةُ تَشْريفًا حتى يكونَ في المضافِ معنىً أفردهُ بهِ عَنْ غيرهِ، فلو لمْ يَكنْ في الناقةِ والبيتِ مِنَ الآياتِ البيّنات ما تَمتْازُ بهِ على جميعِ النوقِ والبيوت لَما استحقّا هذه الإضافة، والأمرُ هنا كذلك، فإضافةُ خلقِ آدمَ إليه أنّهُ خَلقهُ بيديهِ، يوجبُ أنْ يكونَ خَلْقهُ بيديهِ أنّهُ قدْ فعلهُ بيديهِ، وخَلْقُ هؤلاءِ بقولهِ: كُنْ فَيَكون، كما جاءتْ بهِ الآثار..
– الشيخ:
أيش؟
– القارئ: وخلْقُ هؤلاءِ بقولهِ: كُنْ فَيَكون، كما جاءتْ بهْ الآثارُ..
– الشيخ:
لا، وخَلْقَ
– القارئ: وخَلَقَ هؤلاءِ بقولهِ: كُنْ فَيَكون، كما جاءتْ بهِ الآثار..
– الشيخ:
كلُّ المخلوقات يعني كذا، إنّما قولهُ لشيءٍ إذا أردنا، وأدمُ وعيسى معَ ما لَهُما مِنْ خُصوصيّة في الخَلقِ لا يَخْرُجانِ عَنْ أيضاً هذا المعنى، إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59]، وقولهُ "كُنْ" لا يَنْفي أنْ يكونَ لهُ أيضاً خُصوصيّة، فالله قالَ لهُ كُنْ وخَلقهُ بيديهِ، وعيسى قالَ الله لهُ كُنْ وقدْ خلقهُ مِنْ أنثى بلا ذَكر.
 
– القارئ: فإضافةُ خَلقِ آدمَ إليهِ أنّهُ خَلقهُ بيديهِ، يوجبُ أنْ يكونَ خَلْقُه بيديهِ أنّهُ قدْ فعلهُ بيديهِ، وخَلْقُ هؤلاءِ بقولهِ: كُنْ فَيَكون، كما جاءتْ بهِ الآثار.
ومِن ْذلكَ أنّهم إذا قالوا: بيَدهِ المُلك، أو عَمِلَتْهُ يَداكْ، فَهُما شيئان؛ أحدهما: إثباتُ اليدِ، والثاني: إضافةُ المُلك والعملِ إليها، والثاني يقعُ فيهِ التجوّز كثيرًا، أمّا الأولُ: فإنّهم لا يُطْلِقونَ هذا الكلامَ إلّا لجنسٍ لهُ يدٌ..
– الشيخ:
الأول بيديهِ، بيده تعبير، مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] هذا هو الأول، والثاني: بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1]، والآية الثالثة؟ بيده الملك وما أيش؟ الآية الثالثة، بيده الملك وش اللي بعدها؟
– القارئ: هي الآيتين المشهورة، لِما خَلقتُ بيَدي، بيدهِ المُلك..
– الشيخ:
بيده الملك وش الآية الثانية؟ ما عملت أيدينا أو ما..
– القارئ: وما.. بما قدمت يداك
– الشيخ:
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ [الحج:10]، هي ما قَدْمتْ يَداكَ أو ما قَدْمتْ أيديكم، أو كَسبتْ أيديكم، كُلّها مِنْ جنس، فهذا هو الذي يقعُ فيهِ التجوّزُ كثيرًا، فإذا قالَ بيدهِ المُلك ليسَ معناهُ أنَّ الله مُمْسكٌ للسماواتِ والأرضِ بيديهِ، لا، بل المُرادُ أنّهما في مُلكهِ وتحتَ تَصرفهِ، لكنْ متى تكون ُالسّمواتُ والأرض بيديهِ؟ إذا قَبضَ الأرضَ وطوى السّموات بيمينهِ.
 
– القارئ: أمّا الأول فإنهّم لا يُطْلِقونَ هذا الكلام إلّا لجنسٍ لهُ يدٌ حقيقة، ولا يَقولونَ: يَدُ الهوى ولا يدُ الماءِ، فَهبْ أنَّ قولهُ: بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] قدْ عُلِمَ مِنْهُ أنَّ المرادَ بقدرتهِ، لكنْ لا يُتجوّزُ بذلكَ إلّا لِمَنْ لهُ يدٌ حقيقة، والفرقُ بينَ قولهِ تعالى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] وقولهُ: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس:71] مِنْ وَجْهين:
أحدهما: أنّهُ هنا أضافَ الفعلَ إليهِ، وبيّنَ أنّهُ خَلقهُ بيديهِ، وهناك أضافَ الفعلَ إلى الأيدي، الثاني: أنَّ مِنْ لغةِ العربِ أنّهم يَضعونَ اسمَ الجمعِ مَوْضِعَ التثنيةِ إذا أَمِنَ اللبس..
– الشيخ:
إذا أُمِن
– القارئ: أنَّ مِنْ لغةِ العربِ أنّهم يَضَعونَ اسمَ الجمعِ مَوْضِعَ التثنيةِ إذا أُمِنَ اللبس، كقولهِ تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38] أي: يَدَيهِما، وقولهُ: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [التحريم:4] أي: قَلْبَاكُما.
فكذلكَ قولهُ: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس:71]، وأمّا السُنّة فكثيرةٌ جدًّا، مِثلُ قولهِ..
 – الشيخ:
إلى هنا وأمّا السنّة، هات ما عندك يا إبراهيم، أسئلة بس، نعم في أسئلة، وش تقول؟
– القارئ: أحسن الله إليكم، تقدم قوله يعني، يقول يعني هذه الأيدي المحدثات تناسب المحدثات، يقول: "لا يدا تَليقُ بِجلالهِ ولا يداً تُناسبُ المحدَثات"، يعني قوله تناسب المحدثات..
– الشيخ:
وش معنى وش معنى، هذه الجملة من وين جبتها؟
– القارئ: الدرس الماضي، يقول: هل في العقل ما يدل دلالة ظاهرة على أن الباري لا يد له حقيقة البتة لا يداً تليق بجلاله ولا يداً تناسب المحدثات، المحدثات يعني كالمخلوقات.
– الشيخ:
المخلوقات أي، يعني الأول هو التعطيل والثاني هو التمثيل
– القارئ: التمثيل
– الشيخ:
كلٌّ مِنْهُما باطل، فالله تعالى لهُ يدانِ تَليقُ بجلالهِ، تليقانِ بجلالهِ، فقولهُ "لهُ يدانِ": هذا خلاف للمعطّلة، و"تَليقانِ بِجلالهِ": خلاف للمُشبّهة.
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة