الرئيسية/شروحات الكتب/الأسماء والصفات للبيهقي/(133) باب ما جاء في إثبات الوجه صفة قوله “بأبي أنت وأمي يا رسول الله، تفلت هذا القرآن من صدري”

(133) باب ما جاء في إثبات الوجه صفة قوله “بأبي أنت وأمي يا رسول الله، تفلت هذا القرآن من صدري”

تتمة ما جاء في إثبات صفة الوجه لله تعالى وإثبات صفة النور

القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الإمامُ البيهقيُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ “الأسماءِ والصِّفاتِ”:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ حدَّثَنا دَعْلجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلجٍ، حدَّثَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حدَّثَنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حدَّثَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَفَلَّتَ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ صَدْرِي، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، وَذَكَرَ فِيمَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دُعَاءِ حِفْظِ الْقُرْآنِ: أَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنَورِ وَجْهِكَ أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حَفِظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنِّي، اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، أَسْأَلُكَ يَا اللهُ يا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ بَصَرِي، وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي، وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي، وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي، وَأَنْ تَسْتَعْمِلَ بِهِ بَدَنِي، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُنِي عَلَى الْحَقِّ غَيْرُكَ، وَلَا يُؤْتِيهِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَإِنْ كَانَ لَفْظُ «النُّورِ» مَحْفُوظًا فِيهِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ وَيُرِيدُونَ بِهِ نَفْيَ النَّقْصِ عَنْهُ لَا غَيْرَ. ثُمَّ قَدْ …

الشيخ: سبحانَ اللهِ، سبحانَ اللهِ، هذا ضربٌ من التَّأويلِ يعني جعلَ النُّورَ معناهُ التَّنزيهُ، تنزيهُ اللهِ عن النَّقائِصِ، واللهُ تعالى موصوفٌ بالنُّورِ كما في الحديثِ المتقدِّمِ، حجابُهُ النُّورُ لو كشفَهُ لأحرقَتْ سبحاتُ وجهِهِ ما انتهى إليهِ بصرُهُ ، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا  [الزمر:69] فالنُّورُ صفتُهُ، هو تعالى ذو نورٍ، والمؤلِّفُ -عفا اللهُ عنهُ- يذهبُ إلى أنَّه إنْ صحَّ إضافةُ النُّورِ إلى اللهِ فالمرادُ بهِ نفيُ النَّقصِ، لا أنَّ له نورًا حسِّيًّا، والرَّسولُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لما قالَ لهُ أبو ذرٍ: هل رأيْتَ ربَّكَ؟ قالَ: رأيْتُ نورًا .

القارئ: ثُمَّ قَدْ حَكَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ مِنْ كِتَابِهِ عَنِ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ ثَعْلَبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  [النور:35]: “يَعْنِي أَنَّهُ حَقٌّ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهَذَا نَظِيرُ..

الشيخ: أيش يعني؟

القارئ: يَعْنِي أَنَّهُ حَقٌّ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِ الْعَرَبِ إِذَا سَمِعُوا قَوْلَ الْقَائِلِ: حَقًّا: كَلَامُكَ هَذَا عَلَيْهِ نُورٌ، أَيْ هُوَ حَقٌّ”. فَيُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ إِنْ كَانَ ثَابِتًا: أَسْأَلُكَ بِجَلَالِكَ وَنَورِ وَجْهِكَ  أَيْ: وَحَقِّ وَجْهِكَ، وَالْحَقُّ هُوَ الْمُتَحَقَّقُ كَوْنُهُ وَوُجُودُهُ.

الشيخ: يعني هذا تأويلٌ آخرُ، أوَّلَهُ في الأوَّلِ بنفيِ النَّقصِ، وفي الثَّاني أوَّلَه بالحقِّ، بنورِ وجهِكَ يعني بحقِّه، بحقِّ وجهِه، ولا موجبَ لهذا، فهو تعالى ذو نورٍ، والنُّورُ صفتُهُ، وهو نورُ السَّمواتِ والأرضِ يعني أنَّه مُنَوِّرُ السَّمواتِ والأرضَ بالنُّورِ الحسِّيِّ وبالنُّورِ المعنويِّ، وكتابُ اللهِ نورٌ، ورسولُه نورٌ، والإيمانُ في قلبِ المؤمنِ نورٌ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ  [النور:35].

معنى النور

القارئ: وَكَانَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ فِي مَعْنَى النُّورِ: إِنَّهُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى أَوْلِيَائِهِ بِالدَّلِيلِ، وَتصِحُّ رُؤْيَتُهُ بِالْأِبْصَارِ، وَيَظْهَرُ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ بِالْعَقْلِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: «أَسْأَلُكَ بِجَلَالِكَ وَنَورِ وَجْهِكَ» رَاجِعًا فِي النُّورِ إِلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: إمَّا النُّورُ الَّذي هو التَّنزيهُ عن النَّقائصِ أو النُّورُ الَّذي هو الحقُّ المتحقِّقُ أو الَّذي لا يخفى على أهلِ معرفتِه، يعرفونَه بدلائلِ ربوبيَّتِهِ.

القارئ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حدَّثَنا أَبُو الْعَبَّاسِ هُوَ الْأَصَمُّ، حدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، حدَّثَنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حدَّثَنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حدَّثَنا الزُّبَيْرُ أَبُو عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِكْرَزٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: “إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عِنْدَهُ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ، نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ”، هَذَا مَوْقُوفٌ وَرَاوِيهِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أخبرَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أخبرَنا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، أخبرَنا مِسْعَرٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ عِنْدَ الْمَسَاءِ. قَالَ: قُلْ: “أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَبِاسْمِكَ الْعَظِيمِ، وَبِكَلِمَاتِكَ التَّامَّةُ مِنْ شَرِّ السَّامَّةِ وَالْعَامَّةَ، وَمِنْ شَرِّ مَا خَلَقْتَ أَيْ رَبِّ، وَمِنْ شَرِّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، وَمِنْ شَرِّ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَمِنْ شَرِّ مَا بَعْدَهَا، وَشَرِّ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا”.
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِهْرَجَانِيُّ الْعَدْلُ، أخبرَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، حدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، حدَّثَنا ابْنُ بُكَيْرٍ، حدَّثَنا مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: إِنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَالَ: لَوْلَا كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَتْنِي يَهُودُ حِمَارًا. فَقِيلَ لَهُ: مَا هِيَ؟ فَقَالَ: “أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ كمثلِهِ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ”.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أخبرَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، حدَّثَنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حدَّثَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ  [الرحمن:27] فَيَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَاكَ الْوَجْهِ الْبَاقِي الْجَمِيلِ. قال الشيخ: الْجَمِيلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ ذَكَرْنَا، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ بِمَعْنَى الْمُجَمِّلِ الْمُحَسِّنِ.

الشيخ: أيش؟

القارئ: وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ بِمَعْنَى الْمُجَمِّلِ الْمُحَسِّنِ.

الشيخ: سبحانَ اللهِ، لا، هوَ الجميلُ ذاتًا وصفةً، هو جميلُ الذَّاتِ والصِّفاتِ، إنَّ اللهَ جميلٌ يُحبُّ الجمالَ ، وعلى طريقةِ المؤلِّفِ ومَن نقلَ عنهُ أنَّه الجميلُ يعني المُجمِّلُ لمن شاءَ من الخلقِ، يعني أو الخالقُ للجمالِ، وهذا ضربٌ من التَّأويلِ وصرفٌ للكلامِ عن ظاهرهِ، بل اللهُ جميلٌ حقيقةً، ذاتًا وصفاتٍ.

القارئ: قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: “وَقَدْ يَكُونُ الْجَمِيلُ مَعْنَاهُ ذُو النُّورِ. قُال الشَّيخُ: ثُمَّ يَكُونُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنَ صِفَاتِ الْفِعْلِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ  [النور:40]، وَقَالَ تَعَالَى: يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ  [البقرة:257]، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ النُّورُ فِي صِفَاتِ الذَّاتِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَوْلِيَائِهِ بِالدِّلِيلِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْجَمِيلِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ”.

إثبات صفة العين

بَابُ مَا جَاءَ فِي إِثْبَاتِ الْعَيْنِ صِفَةً لَا مِنْ حَيْثُ الْحَدَقَةِ

الشيخ: اللهُ تعالى كما سيأتي -إنْ شاءَ اللهُ- دلَّ القرآنُ والسُّنَّةُ على إثباتِ العينِ للهِ أو العينينِ للهِ، والواجبُ إمرارُ مثلِ هذا على ظاهرِهِ من غيرِ تكييفٍ، فلا نقولُ أنَّها حدقةٌ ولا أنَّها ليسَتْ حدقةً ولا نقولُ فيها هذا، بل تعالى هو يرى وله عينٌ أو له أعينٌ، وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي  [طه:39]، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا  [القمر:14]، نعم اقرأ.

القارئ: قَالَ اللَّهُ جل ثناؤه: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي  [طه:39]، وَقَالَ تَعَالَى: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا  [الطور:48]، وَقَالَ: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا  [هود:37]، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا  [القمر:14].
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، أخبرَنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، حدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيُّ، حدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءٍ، حدَّثَنا عَمِّي، جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءٍ عَنْ نَافِعٍ.

قال: حدَّثَني عمِّي جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءٍ؟

الشيخ: أي.

القارئ: هكذا؟

الشيخ: أي.

القارئ: أحسنَ اللهُ إليك.

الشيخ: يسمُّون جويرية.

القارئ: جويريَّة؟

الشيخ: إي.

القارئ: عَنْ نَافِعٍ، أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسِيحَ ذُكِرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ . ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ وَقَالَ فِي مَتْنِهِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حدَّثَنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَسْفَاطِيُّ، حدَّثَنا أَبُو الْوَلِيدُ، حدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: مَا بُعِثَ نَبِيُّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْأَعْوَرَ الْكَذَّابَ: أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبُّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ: كَافِرٌ .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أخبرَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النِّجَّادُ، حدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، حدَّثَنا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا بُعِثَ نَبِيُّ إِلَّا قَدْ أُنْذِرَ الدَّجَّالَ؛ أَلَا وَإِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبُّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، أخبرَنا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، حدَّثَنا أَبُو دَاوُدَ، حدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، فَذَكَرَهُ وَزَادَ: وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَ فَ رَ . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي عُمَرَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حدَّثَنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ، حدَّثَنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا  [هود:37] قَالَ: بِعَيْنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. قُال الشَّيخُ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَ الْعَيْنَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ عَلَى الرُّؤْيَةِ، وَقَالَ: قَوْلُهُ: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي  [طه:39] مَعْنَاهُ: بِمَرْأَى مِنِّي. وَقَوْلُهُ: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا  [الطور:48] أَيْ: بِمَرْأَى مِنَّا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا  [القمر:14] وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَتَكُونُ صِفَةً وَاحِدَةً وَالْجَمْعُ فِيهَا عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ، كَقَوْلِهِ: مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ  [لقمان:27] وَمِنْهُمْ مِنْ حَمْلَهَا عَلَى الْحِفْظِ وَالْكِلَاءَةِ، وَزَعَمَ أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَالْجَمْعُ فِيهَا سَائِغٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: المعاني هذه صحيحةٌ إلَّا أنْ يعني تُنفَى حقيقةُ العينِ، فاللهُ تعالى له عينٌ ويرى بها ما شاءَ، فالواجبُ إثباتُ العينِ وإثباتُ الرُّؤيةِ وإثباتُ أثرِهما وهو الحفظُ، كلُّ هذه المعاني صحيحةٌ، اللهُ لهُ عينٌ يرى بها ما شاءَ، ومِن صفاتِ العينِ البصرُ، ما انتهى إليهِ بصرُهُ ، والرَّسولُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- لما قرأَ إنَّ اللهَ كانَ سميعًا بصيرًا وضعَ إبهامَهُ على أذنِهِ والسَّبابةَ على عينِهِ، قالَ المحقِّقونَ إنَّ هذا للتَّدليلِ على أنَّ المرادَ الحقيقةُ حقيقةُ العينِ وحقيقةُ البصرِ، أمَّا الأذنُ فلم يأتِ لها ذكرٌ، فلا تُنفَى ولا تُثْبَتُ، لا نقولُ للهِ اُذُنٌ ولا ليسَ لهُ أُذُنٌ، لأنَّه مسكوتٌ عنها في النُّصوصِ بخلافِ العينِ، وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي  [طه:39]، تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا  [القمر:14]، وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا  [هود:37]، وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا  [الطور:48].

القارئ: وَمَنْ قَالَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَبَرِ نَفْيُ نَقْصِ الْعَوَرِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ مِنَ الَآفَاتِ وَالنَّقَائِصِ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهَرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ إِثْبَاتِ الْعَيْنِ لَهُ صِفَةً لَا مِنْ حَيْثُ الْحَدَقَةِ أَوْلَى وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْبُورٍ الدَّهَّانُ، حدَّثَنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ هَارُونَ الْفَقِيهُ، حدَّثَنا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْبَزَّازُ، حدَّثَنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُوَفَّقِ، حدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: مَا وَصَفَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ فَقِرَاءَتُهُ تَفْسِيرُهُ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا بِالْفَارِسِيَّةِ.

الشيخ: يعني ما جاءَ عن السَّلفِ من هذا النَّوعِ المرادُ بهِ ليسَ لأحدٍ أنْ يُفسِّرَهُ بخلافِ ظاهرهِ، على حدِّ قولِ الإمامِ مالكٍ: الاستواءُ معلومٌ، والكيفُ مجهولٌ، فلا يجوزُ تفسيرُ الاستواءِ بخلافِ ما هو معلومٌ، وكذلك العينُ وكذلك اليدُ وكذلك الوجهُ، كلُّها أسماءٌ لها معانٍ معروفةٌ، لها معانٍ معروفةٌ يعرفُها من يعرفُ اللِّسانَ العربيَّ، فليسَ لأحدٍ أنْ يفسِّرَها بخلافِ ظاهرِها ومفهومِها.

القارئ: قالَ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: بَابُ مَا جَاءَ فِي إِثْبَاتِ الْيَدَيْنِ صِفَتَيْنِ لَا مِنْ حَيْثُ الْجَارِحَةِ لِوُرُودِ الْخَبَرِ الصَّادِقِ بِهِ.

الشيخ: إلى هنا.

القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ.

الشيخ: قفْ على هذا، لا إله إلَّا الله.