بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّامن والخمسون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي غفر الله له، وأسكنهُ فسيحَ جِنانهِ، "أصولٌ وقواعدُ في تَفْسيرِ القرآن":
القاعدة التاسعة والخمسون:
قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] ما أعظمَ هذه القاعدةَ، والأصلَ العظيمَ الذي نَصَّ الله عليهِ نَصّاً صريحاً، وعمَّمَ ذلكَ ولمْ يُقيِّدهُ بحالةٍ مِنَ الأحوالِ، فَكُلُّ حالٍ هي أقوم، في العقائدِ والأخلاقِ والأعمالِ والسّياسات الكِبارِ والصّغار والصّناعات والأعمال الدينيّة والدنيوية، فإنَّ القرآنَ يَهْدي إليها ويُرشِدُ إليها، ويأمرُ بِها ويَحثُّ عليها.
ومَعْنى أَقْوَمُ: أي أكمل..
– الشيخ: يعني هِداية القرآن إمّا إلى يَعْني أنواعٍ مِنَ الأعمال، أو أعيان مِنَ الأعمالِ والأقوال يعني بالنصِّ عليها، أو يَهْدي إليها على وَجه الإجمال، فالقرآنُ فيهِ الإرشادُ إلى أداءِ الواجبات مِنَ الأعمالِ والأقوالِ والمُستحبّات.
ومِن ذلكَ ما يُعينُ على هذه العبادات، وما ذكرهُ الشيخ مِنَ الصناعات هي مِمّا يَدْخلُ في الهِداية العامة، هدايةُ القرآن إلى كُلِّ خيرٍ وكُلِّ نافِع، لكنْ على وَجه الإجمال، الله أمرَ بِطَلبِ الرّزق: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ [الملك:15]، وقال: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10]، فكلُّهُ يَدْخلُ في عمومِ قولهِ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] مِنَ الأحوالِ والأعمالِ والأقوالِ في مُخْتَلف المَجالات.
بيانُ الحلالِ مِنَ الحَرام هِدايةُ، القرآنِ تضمَّنَ بيانَ الحلالِ والحرام في التّجارةِ وفي السّياسة وفي مُعامَلة الآخرين، فأرشدَ إلى الإحسان، ونَهى عَن الظّلم، وأمرَ بالعدلِ في كُلِّ شيء.
– القارئ: أحسن الله إليك، ومَعْنى أَقْوَمُ: أي أكملُ وأصلَحُ وأعظم قياماً وصَلاحاً.
فأمّا العقائِدُ فإنَّ عَقائِدَ القرآنِ هي العَقائِدُ النّافِعة التي فيها صَلاحُ القلوبِ وغِذاؤها وكَمالُها، فإنّها تَمْلأُ القلوبَ مَحبّةً لله وتَعْظيماً لهُ، وألوهيةً وإنابة، وهذا المعنى..
– الشيخ: وألوهيةً
– القارئ: وألوهيةً وإنابةً..
– الشيخ: وألوهية، يعني التألُّهَ والتعبُّدَ، الألوهية بِمَعْنى التّألُّه، يَمْلأُ القلبَ مَحبّةً وتَعْظيماً لله، وتَألُّهاً لهُ بِمَعْنى التّعبُّد.
– القارئ: وهذا المَعْنى هو الذي أوجَدَ اللهُ الخَلقَ لأجلهِ..
– الشيخ: نعم، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]
– القارئ: وأمّا أخلاقهُ التي يَدْعو إليها، فإنّهُ يَدْعو إلى التَحلِّي بِكُلِّ خُلقٍ جَميلٍ، مِنَ الصّبرِ والحِلم والعَفو وحُسنِ الخُلقِ والأدبِ وجَميعِ مَكارِم الأخلاق..
– الشيخ: الله أكبر
– القارئ: ويَحثُّ عَليها بِكُلِّ طَريق، ويُرْشِدُ إليها بِكُلِّ وَسيلة.
وأمّا الأعمالُ الدينيّة التي يَهْدي إليها: فَهي أحسنُ الأعمالِ التي فيها القيامُ بِحقوقِ الله وحُقوقِ العِباد على أكْملِ الحالاتِ وأجلِّها وأسهَلِها وأوصَلِها إلى المَقاصِد.
وأمّا السّياسات الدينيّة والدنيويّة: فهو يُرْشِدُ إلى سُلوكِ الطّرقِ النّافِعة في تَحْصيلِ المصالِح الكليّة، وفي دَفْعِ المَفاسِد، ويأمرُ بالتّشاورِ على ما لَمْ تَتّضحْ مَصْلَحتهُ، والعملُ بِما تَقْتَضيهِ المَصلحة في كُلِّ وَقْتٍ بِما يُناسِبُ ذلكَ الوَقتَ والحال.
حتّى في سياسةِ العَبدِ معَ أولادهِ وأهلهِ وخادِمهِ وأصحابهِ ومُعامِليهِ، فلا يُمْكن أنّهُ وُجِدَ، ويُوجَدُ حالةٌ يَتّفِقُ العُقلاءُ أنّها أقومُ مِن غَيرها وأصلَح، إلّا القرآن يُرْشِدُ إليها نَصاً أو ظاهراً أو دخولاً تَحتَ قاعدةٍ مِن قَواعِده الكليّة.
وتَفْصيلُ هذه القاعدة لا يُمْكنُ اسْتِيفاؤها، وبالجملة فالتفاصيلُ الوارِدة في القرآنِ وفي السُنّة، مِنَ الأوامرِ والنّواهي والإخبارات كُلّها تَفْصيلٌ لهذا الأصلِ المُحيط.
وبهذا وغَيرهِ يَتبيَّنُ لكَ أنّهُ لا يُمكنُ أنْ يَرِدَ علمٌ صَحيح أو مَعْنىً نافِع أو طريقِ صَلاحٍ يُنافي القرآن.
والله تعالى وليُّ الإحسان.
– الشيخ: انتهى؟
– القارئ: انتهى أحسن الله إليك
– الشيخ: الطريق الأقوم هو الصِّراط المُسْتَقيم، فالقرآنُ يَهْدي، يَهْدي إلى الصِّراط في كُلِّ شيء، الصِّراط المُسْتَقيم اسمٌ جامعٌ، جامع، إذا فُسِّر بالإسلام فالإسلامُ مَعْنىً جامِع في كُلِّ ما في الإسلامِ مِنَ الشّرائِع، مِنَ الاعتقاداتِ ومِنَ العباداتِ الظّاهرة والباطنة، فالصّراطُ المُسْتَقيم لهُ مَفْهومٌ واسِع، واسع، هذا الصِّراط الواسِع هو الأقوم الذي يَهْدي إليهِ القرآن، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، ومِن هِدايتهِ ما فيهِ مِن بيانِ الحَلالِ والحَرام في العباداتِ وفي المُعاملات، في العباداتِ وفي المُعاملات، مُعاملاتُ الفردِ أو المجتمع، المُعاملات بِكُلِّ مَفْهومِ المُعاملات.
فالقرآنُ يَهْدي إلى كُلِّ طريقةٍ هي أقوم، بل كُلُّ ما يَهْدي إليهِ القرآنُ فهو الأقومُ والأفضَلُ والأكمل.
وحظُّ الإنسانِ مِنَ السعادة بقدرِ، بِحَسبِ اسْتِهْدائهِ بِهدى القرآن، وحَظّهُ مِنَ الشّقوة بِحَسبِ إعراضهِ عَن هُدى القرآن، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:123-124] إلى هنا يا أخي.
– القارئ: أحسن الله إليك.
– الشيخ: آمنت بالله ورسول الله..