بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الستون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تَعالى، وأسكنهُ فسيحَ جِنانهِ في رسالتهِ "أصولٌ وقواعدُ في تَفْسيرِ القرآن":
القاعدة الثانية والستون: الصّبرُ أكبرُ عَونٍ على كُلِّ الأمور، والإحاطةُ بالشيء عِلماً وخَبراً هو الذي يُعينُ على الصبر.
وهذه القاعدةُ عَظيمةُ النفعِ قد دلَّ القرآنُ عَليها صَريحاً وظاهراً في أماكنَ كَثيرة، قالَ الله تَعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45]، أيْ: اسْتَعينوا على جميعِ المَطالِب، وفي جَميعِ شؤونِكم بالصّبر، فإنَّ الصّبرَ يُسهِّلُ على العبدِ القيامَ بِوظيفةِ الطّاعات، وأداءُ حقوقِ الله وحقوقِ عِبادهِ، وبالصبرِ يسْهُلُ عليهِ تَرْكُ ما تَهْواهُ نَفْسهُ مِنَ المُحرَّمات، فَيَنْهاها عَن هَواها حذَرَ شَقاها، وطَلباً لِرضى مَولاهُ، وبالصَّبر تَخفُّ عليهِ الكَريهات.
ولكنَّ هذا الصّبر وَسيلتهُ وآلَتهُ التي يَنْبَني عَليها، ولا يُمْكنُ وجودهُ بِدونِها: هو مَعْرِفةُ الشيءِ المَصبورِ عليه، وما فيهِ مِنَ الفضائِل وما يَتَرتّبُ عليهِ مِنَ الثمرات.
فَمتى عَرفَ العبدُ ما في الطّاعاتِ مِن صَلاحِ القلوبِ وزيادة الإيمان، واسْتِكْمالِ الفَضائِل، وما تُثْمِرهُ مِنَ الخَيراتِ والكَرامات، وما فيهِ مِنَ المحرّماتِ مِنَ الضّررِ والرّذائلِ وما تُوجِبهُ مِنَ العُقوباتِ المُتَنوّعة..
– الشيخ: أعد، أعد السؤال؟
– القارئ: أحسن الله إليك، فَمَتى عرفَ العبدُ ما في الطّاعات مِن صَلاحِ القلوبِ وزيادةِ الإيمان، واسْتِكمالِ الفَضائِل، وما تُثْمِرهُ مِنَ الخَيراتِ والكَرامات، وما فيهِ مِنَ المُحرَّماتِ مِنَ الضَّررِ والرّذائِل..
– الشيخ: لا
– القارئ: وما في المُحرَّمات من الضرر والرذائل..
– الشيخ: نعم
– القارئ: وما تُوجِبهُ مِنَ العُقوباتِ المُتَنوّعة، وعِلْمُ ما في أقدارِ الله مِنَ البَركة..
– الشيخ: وعَلِمَ
– القارئ: وعَلِمَ ما في أقْدارِ الله مِنَ البرَكةِ، وما لِمَن قامَ بوظيفتهِ فيها مِنَ الأجورِ: هانَ عليهِ الصّبر على جَميعِ ذلك.
– الشيخ: الكلام هذا راجع إلى أنَّ الصبر ثلاثة أنواع:
الصّبرُ على طاعةِ الله، هذه يُعينُ عَليها ما في الطّاعاتِ مِنَ الخَيرِ العَظيم في العاجِل والآجِل.
والثاني: الصّبرُ عَن مَعاصي الله، وهذا يُعينُ عليهِ العِلمُ بِما في مَعاصي الله مِنَ الضّررِ العَظيم عاجِلاً وآجِلاً.
والثالث: الصّبُر على أقْدارِ الله وهي المَصائِب، ويُعينُ عَليها العِلمُ بِما لله مِنَ الحِكَمِ في الأقْدارِ والعِلمُ بِما في الصّبر عَليها مِنَ الأجورِ، فهذا الأمرُ إلى الصّبر.
كل وجوه الاسْتِقَامة، كلُّ وجوه الاسْتِقامة في هذه المَجالات لا بدَّ فيها مِنَ الصّبر، فالصَّبرُ هو قاعِدةُ الاسْتِقامة، فالاسْتِقامةُ إنمّا تَتَحقَّقُ بالصّبر، والصّبرُ حَبْسُ النفسِ، فالنّفسُ تَهوى المعاصي بِطَبْعِها، وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى [النازعات:40] فالمؤمنُ يَنْهى نَفْسهُ عَن الهَوى ويَمْنَعها، وكذلكَ تَنْفرُ مِنَ المَشاق، وفي فعلِ الطّاعات مَشاقٌّ، فلا بُدَّ أنْ يَصْبِر على المشاقِّ، ويَصْبِر على مُخالَفة الهَوى.
– القارئ: أحسن الله إليك، وبِهذا يُعْلمُ فَضْلُ العِلمِ، وأنّهُ أصلُ العَملِ والفَضائِل كُلِّها، ولهذا كَثيراً يَذْكرُ في كِتابهِ أنَّ المُنْحَرِفينَ في الأبوابِ الثلاثة إنّما ذلكَ لِقُصورِ عِلمِهم، وعَدمِ إحاطَتِهم التّامة بِها.
وقالَ تَعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ [فاطر:28]، وقالَ تَعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء:17]، ليسَ مَعْناهُ: أنّهم لا يَعْتَرِفون أنّها ذُنوبٌ وسوء.
– الشيخ: لا يَعْرِفون
– القارئ: أحسن الله إليك
– الشيخ: لا يعرفون، لا يعرفون، عندك إيش؟
– القارئ: لا يعترفون
– الشيخ: انت يا أبو..
– طالب: زي ما عنده
– الشيخ: ليسَ مَعْناهُ أنّهم لا يَعْرِفون، أنسب هذا
– القارئ: أحسن الله إليك. ليسَ مَعْناهُ: أنّهم لا يَعْرِفونَ أنّها ذنوبٌ وسوء، وإنّما قَصُرَ عِمْلُهم وخِبْرَتُهم، بِما تُوجبهُ الذّنوبُ مِنَ العُقوباتِ وأنواعِ المَضرَّاتِ وزَوالِ المَنافِع.
وقالَ تَعالى مُبيّناً أنّهُ مُتقرَّرٌ أنَّ الذي لا يَعْرِفُ ما يَحْتَوي عليهِ الشيءُ يَتَعذَّرُ عليهِ الصّبر، فَقالَ عَن الخضر عليهِ السّلام لمّا قالَ لهُ موسى وطَلبَ مِنْهُ أنْ يَتَّبعهُ ليَتعلَّمَ مِمّا عَلمهُ الله: قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا [الكهف:67-68]، فَعدمُ إحاطَتهِ بهِ خَبَراً يَمْتَنِعُ مَعهُ الصّبر.
– الشيخ: إي نعم، فَعدمُ إحاطَتهِ بهِ..
– القارئ: فَعدمُ إحاطَتهِ بهِ خَبَراً يَمْتَنِعُ مَعهُ الصّبر..
– الشيخ: خُبْرَاً، كأنه خُبْرَاً
– القارئ: خُبْرَاً يَمْتَنِعُ مَعهُ الصّبر
– الشيخ: عندك إيش؟ خُبْرَاً؟
– طالب: نعم
– القارئ: أحسن الله إليك، فَعَدمُ إحاطَتهِ بهِ خُبَراً يَمْتَنِعُ مَعهُ الصّبر، ولو تَجلَّدَ ما تجلَّدَ، فلا بدَّ أنْ يُعالَ صَبْرهُ.
وقالَ تَعالى مُبيِّناً عَظمةَ القرآنِ وما هو عليهِ مِنَ الجلالةِ والصّدقِ والكَمال: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ [يونس:39]، فأبانَ أنَّ الأعداءَ المُكذِّبينَ بهِ إنّما تَكْذيبُهم بهِ لِعَدمِ إحاطَتِهم بِما هو عليهِ، وأنّهم لو أدْرَكوهُ كما هو، لألجأهُم واضّطرّهم إلى التّصديقِ والإذعانِ، فَهم وإنْ كانت الحُجّة قدْ قامتْ عَليهم ولكنَّهم لمْ يَفْقَهوهُ الفِقْهَ الذي يُطابِقُ مَعْناهُ، ولمْ يَعْرِفوهُ حقَّ مَعْرِفته، وقالَ في حقِّ المُعانِدين الذينَ بانَ لهمْ عِلْمهُ وخَبَروا صِدْقَه..
– الشيخ: إيش، بان لهم؟
– القارئ: وقالَ في حَقِّ المُعانِدين الذينَ بانَ لَهمْ عِلْمهُ وخَبَروا صِدْقَه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً [النمل:14]، وقالَ تَعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]
والمَقْصودُ أنَّ الله تَعالى أرشدَ العِبادَ إلى الاسْتِعانة على أمورِهم بِمُلازَمة الصّبر، وأرشَدَهم إلى تَحْصيلِ الصَّبر بالنّظرِ إلى الأمورِ، ومَعْرِفة حَقائِقها وما فيها مِنَ الفَضائِلِ أو الرَّذائِل. والله أعلم.
– الشيخ: أحسنت.