بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّالث والستون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرّحمن بن ناصر السّعدي رحمهُ الله تعالى، وأسكنهُ فسيحَ جِنانهِ، في رسالتهِ "أصولٌ وقواعدُ في تَفْسيرِ القرآن":
القاعدة التاسعة والستون: مَن تَركَ شَيئاً لله عَوّضهُ الله خَيراً مِنهُ.
وهذه القاعدةُ وردتْ في القرآنِ في مَواضِعَ كَثيرة، فَمِنها: ما ذَكرهُ الله عَن المُهاجِرين الأوّلين الذينَ هَجروا أوطانَهم وأموالَهم وأحبابَهم لله، فَعوَّضَهم الله الرّزقَ الواسِعَ في الدنيا والعزَّ والتّمكين.
وإبراهيم عليه الصّلاة والسّلام لمّا اعْتَزلَ قَومهُ وأباهُ، وما يَدْعُونَ مِن دونِ الله، وَهبَ الله لهُ إسحاقَ ويَعْقوبَ والذُّرِّيةَ الصّالِحة يَدْعونَ مِن دونِ الله..
– الشيخ: إيش؟
– القارئ: وهبَ لهُ إسحاقَ ويَعْقوبَ والذّريّةَ الصّالِحة، وسُليمانَ عليه الصّلاة والسّلام لمّا ألْهَتهُ الخَير عَن ذِكرِ ربّه فأتْلَفها عوَّضهُ الله الرّيحَ تَجْري بأمرهِ والشّياطينَ كلَّ بنَّاءَ وغوّاص.
وأهلَ الكهفِ لمّا اعْتَزَلوا قَومَهم وما يَعْبدونَ مِن دونِ الله، وَهبَ لَهم مِن رَحمتهِ وهيَّأ لهم أسبابَ التّوفيقِ والرّاحة وَجَعَلهم هِدايةً للضّالين، وَٱلَّتِيٓ أَحصَنَتْ فَرجَهَا فَنَفَخنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلنَٰهَا وَٱبنَهَآ ءَايةٗ لِّلعَٰلَمِينَ [الأنبياء: 91]
ومَن تَركَ ما تَهواهُ نَفْسهُ مِن الشَّهوات لله، عَوّضهُ مِن مَحبّتهِ وعِبادتهِ والإنابة إليهِ ما يَفوقُ جَميعَ لذَّاتِ الدّنيا.
القاعدة السبعون:
القرآنُ كَفيلٌ بِمُقاومةِ جَميعِ المُفسِدين ولا يَعصِمُ مِن جَميعِ الشّرورِ إلّا التّمسُّكَ بأصولهِ وفُروعهِ.
تَقدّمَ مِن الأدلةِ على هذا الأصلِ الكبيرِ في دَعوةِ القرآنِ إلى الإصلاحِ والصَّلاح، وفي طَريقتهِ في مُحاجَّة أهلِ الباطِل، وفي سياستهِ الدّاخلية والخارجية ما يَدلُّ على هذا الأصل.
ويُعرِّفُ الخَلقَ أنَّ العِصمةَ مِنَ الشّرورِ كلِّها التمسُّكُ بِهذا القرآنِ وأصولهِ وعقائدهِ وأخلاقهِ وآدابهِ وأعماله.
– الشيخ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] الله أكبر
– القارئ: ويُعرِّفُ الخَلقَ أنَّ العِصمةَ مِنَ الشّرورِ كلِّها التّمسّكُ بِهذا القرآنِ وأصولهِ وعَقائِدهِ وأخلاقهِ وآدابهِ وأعماله.
ولكن نَزيدُ هُنا بَعضَ التّفصيلات، فَنقولُ: أهلُ الشرِّ والفسادِ نَوعان:
أحَدهما المُبطِلونَ في عَقائِدهم وأدْيانِهم ومَذاهِبهم، الذين يَدعونَ إليها، فَفي القرآنِ مِنَ الاحْتِجاجِ على هؤلاءِ وإقامةِ الحُججِ والبَراهين على فَسادِ قَولِهم شيءٌ كثير، لا يأتي مُبْطِلٌ بِقولٍ إلّا وفي القرآنِ بَيانهُ بالحقِّ الواضِح والبُرهانِ الجَليِّ.
– الشيخ: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ [الفرقان:33]
– القارئ: فَفيهِ الردُّ على جَميعِ المُبْطِلينَ مِنَ الدّهريِّين والمادِّيينَ والمُعطِّلينَ والمُشْركينَ والمُتَمَسْكينَ بالأديانِ المُبدَّلة والمَنْسوخةِ مِنَ اليهودِ والنّصارى والأمِّيِّينَ، وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان:33]
يَذْكُر الله حِجج هؤلاءِ وينْقُضها ويُبْدي مِنَ الأساليبِ المُتنوِّعةِ في إفسادِها ما هو مَعْروف، وتَفْصيلُ هذه الجملة لا يَتَحمَّله هذا الموضِع.
النوع الثاني: من المُقاومينَ للأديانِ والدّنيا والسّياساتِ والحقوق، الشّيوعيونَ الذين انْتَشَرَ شرُّهم وتَفاقَم أمرُهمْ، وسَرتْ دِعايتهم في طَبقاتِ الخَلقِ سَريان النّار في العشبِ الهَشيم.
– الشيخ: هذا الاسم "الشّيوعيّون" اسمٌ حَديث وإنْ كانَ أصلهُ قَديمٌ، والشّيوعيّة تَقوم على عُنصرٍ مادي، يعني وهو الاشتراكُ في المال، يُقابِلُهم في هذا الأصل مَن يُسمَّونَ "بالرأسمالية" الذين يُغلِّبُونَ المُلكيّة الفَردية، وهؤلاءِ يُحارِبونَ المُلكية الفردية، ويَقولون المال للمَجموعة، لا يَسْتقلُّ بهِ أحدٌ ولا يَنْفَردُ أحدٌ بشيء، يَذْكرونَ أنّهم يَقولون: على الإنسانِ أنْ يَعْمل، أنْ يأخذَ بِقَدرِ ما يَحْتاج، بس، ويَعْمل بِقَدرِ ما يَسْتَطيع، يَعْمل، يكدّ، ويكْدَحُ بِقَدرِ ما يَسْتَطيع، لكنْ ما يأخذ إلّا بِقدرِ حاجتهِ، قبَّحهم الله، والأصل، وأصلُ اعْتِقَادِهم "الإلحاد"، جَحدُ وجودِ الله وإنكارِ الأديان.
وقدْ صارَ لِمَذهبهم رَواجٌ كما ذكر الشيخ، رَواجٌ في كثيرٍ مِن طوائِف النّاس وسائِر البُلدان، تقبَّلَتْهُ النّفوسُ الخَبيثة الشّريرة.
أمّا الشُّيوعيَّة التي يُعبّر عَنها أحياناً "بالاشتراكيّة"، فهذه قَدْ ظهرَ للنّاسِ فَسادُها وبُطْلانُها، ولهذا انْحَسرت، لكنْ الجانِب الاعتقادي مَوجود وباقي، ولهُ أتْباعٌ ولهُ مُعْتَنِقونَ كَثيرون.
– طالب: لكن أحسن الله إليك، هذا في عَصْرهِ، الآنْ حَلَّ مَحلَّهم المُنافِقين مِنَ العِلمانيين والليبراليينّ!
– الشيخ: المنافِقين، المُنافِقون أجناس، المُنافِقون هم الذينَ يُظْهِرونَ الإسلام ويُبْطِنونَ الاعتِقادات الباطِلة، مِنْهم المُشْرِكون، ومِنهم المُلحِدون، ومِنهم ومنهم، لكنّهم جَميعاً يُظْهرونَ الإسلام ويُبْطِنونَ الكفر.
– القارئ: ولمْ يَكنْ عِندَ الأكثرين ما يَردُّ صَولَتهم ويَقْمعُ شَرَّهم، وإنّما عِندَهم مِنَ الأصولِ والعَقائِد والأخلاقِ والسّياسات، ما يُمكِّن أمثالَ هؤلاءِ الذينَ هُمْ فَسَادُ العبادِ والبِلاد، ولكن ولله الحمد القرآنُ العَظيم والدّينُ القَويم تَكفَّلَ بِمقاومةِ هؤلاءِ كما تَكفَّلَ بِمقاومة ِغَيرهم، وفيهِ مِنَ الأصولِ والأخلاقِ والآدابِ الرّاقية ما يَردُّهم على أعْقابِهم مُنْهَزمين.
فما فيهِ مِنَ العدلِ ووجوبِ الحُقوقِ العادِلة بينَ طَبقاتِ النّاس بِحَسبِ أحوالِهم، وما فيهِ مِن إيجابِ الزّكاة والإلزامِ بِها، ودَفعِ حاجاتِ الفُقراءِ والمُضطرِّينَ ووجوبِ القيامِ بالمصالِح الكُليّة والجزئية ووجوبِ حِفظِ الأملاكِ والحقوقِ، كلُّ هذا أعظمُ سدٍّ وأحْكم حِصْنٍ للوقاية مِن شُرورِ هؤلاءِ المُفسدين.
وكذلكَ ما حَضَّ عليهِ القرآن مِن لزومِ الآدابِ العالية والأخلاقِ السّامية والأخوَّة الدينيّة والرّابطة الإسلامية يَمْنعُ مِن تَغلغلِ شُرورِهم التي طَريقها الأقوم تَحْليلَ الأخلاقِ وانْحِلالِ الآدابِ وتَحْلحُلِ الروابِط النّافِعة والثّورة العامّة على الرأسماليين الذينَ يَجْمعونَ ويَمْنَعون، فهؤلاءِ وإنْ أبدَوا مِنَ القوّة المادية والتسلُّطِ على العبادِ بالقهرِ والاسْتِعبادِ والطّمعِ والجّشعِ فإنّهم لا ثُبوتَ لهم على مُقاومةِ هذا التيارِ المُزعج المُخرِّبِ المُدمِّرِ ما مَرَّ عليهِ، فما مَعَهم سلاحٌ يُقاوِم سِلاحَهم، ولا قُوّةً تُجابهُ قُوّتَهم، لِكَونِهم لمْ يَتَمسَّكوا بالقرآن..
– الشيخ: يعني الرأسمالية لا تَسْتَطيع أنْ تُقاوِم الشّيوعيّة هذا..
– القارئ: نعم، فَما مَعهمْ سِلاحٌ يُقاوِمُ سِلاحَهم، ولا قوّةً تُجابهُ قوتهم، لِكونِهم لمْ يَتَمسَّكوا بالقرآنِ الذي فيهِ العِصمةُ والقوّة المَعْنويّة..
– الشيخ: لا إله إلا الله
– القارئ: والصَّلاح والإصلاح والعدلِ ودَفعِ الظُلم والآدابِ والأخلاقِ العالية التي لا تُزَعْزِعُها عَواصِفُ الخَراب، بلْ تَقْذفُ بالحقِّ على الباطِلِ فَتَدْمَغُهُ فإذا هو زاهِق، فإذا جاءَ هؤلاءِ المُفسِدونَ بالتّعطيلِ المَحْضِ، والإنكارِ الصَّرْفِ، أبدى القرآنُ مِنَ الحُجَجِ والبَراهينِ على وجودِ الله وعَظمتهِ وتَوحيدهِ وصِدْقهِ وصِدقِ مَن جاءَ بهِ ما تَصَدَّعُ لهُ الِجبال.
– الشيخ: وفي كُلِّ شيءٍ لهُ آيةٌ تَدلُّ على أنّهُ الواحِدُ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ [الذاريات:21] خَلْقُ الإنسانِ هو أقْربُ آيةٍ لكَ أيّها العاقِل، تَسْتَدلُّ بهِ على قُدْرةِ خَالِقكَ وحِكْمَتهِ ورَحمتهِ وإحسانهِ، ماذا في جسدك أيّها الإنسان مِنَ الآياتِ الباهِرة؟ آيات، آيات
خَلقَ الإنسانَ أطواراً، مِن ماءٍ مَهين، ثمَّ بعدَ تَكامُلهِم يَخْرجُ في غايةٍ مِنَ التّكامُل، هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ [آل عمران:6] نُطْفة، فَعلَقَة، فَمُضْغة؛ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا [المؤمنون:14] لا إله إلّا الله.
– القارئ: أحسن الله إليك
– الشيخ: انتهى؟
– القارئ: لا
– الشيخ: باقي قواعد؟
– القارئ: باقي شيء بسيط أحسن الله إليك
– الشيخ: باقي قواعد أقول؟
– القارئ: باقي قاعدة وحيدة لكنّها طويلة، الأخيرة، الحادية والسبعون، ثلاث صفحات.
– الشيخ: قف على هذا بس الآن
– القارئ: نقف هنا؟
– الشيخ: إي قف
– القارئ: يعني نكملها مع الأخيرة؟
– الشيخ: نُكملها إن شاء الله
– القارئ: أحسن الله إليك.