الرئيسية/شروحات الكتب/أصول عظيمة من قواعد الإسلام للسعدي/(1) المقدمة، قوله: “هذه قواعد وأصول عظيمة من قواعد دين الإسلام”

(1) المقدمة، قوله: “هذه قواعد وأصول عظيمة من قواعد دين الإسلام”

بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح رسالة (أُصُولٌ عَظيمةٌ مِن قَواعدِ الإسلامِ) لابن السّعدي
الدّرس الأوّل

***     ***     ***     ***

– القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلى الله وسلمَ وباركَ على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آلِهِ وصحبهِ أجمعين.
قال الشيخُ عبد الرحمن بن ناصر السَّعدي رحمه الله تعالى ووالدِينا وشيخنا ووالدَيه والحاضرِينَ والمسلمينَ في رسالتِه الموسومةِ بـ: "أصول عظيمة من قواعدِ الإسلامِ"، قال رحمه الله:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ *إ ِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين [الفاتحة]
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابه، ومن تبعَهم إلى يوم الدين، هذه قواعدُ وأصولٌ عظيمةٌ من قواعدِ دين الإسلام.
القاعدة الأولى: الدِّينُ كلُّهُ مبنيٌّ..
– الشيخ:
إلى هنا، الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسلام على رسول الله.
من المُفيدِ كثيرًا في التأليف ذِكْرُ المعاني الجامعة للمسائلِ الكثيرة، لأنَّ هذا يجمعُ المعاني التفصيلية في معنى كبير، هو الذي نُسمِّيهِ أصلًا او قاعدةً، ترجعُ إليها الجُزئيات، وهذا من أنفع ما يكونُ لطالب العلم، ولهذا اعتنى العلماءُ بتأصيل الأصول، وتقعيدِ القواعد من أجل جمعِ شتاتِ المعاني والمسائل في معنىً كبير، إذا فهمَهُ المسلم انتفعَ به، وعلم ما يندرجُ تحته من المسائل التفصيلية، وهذا طريقٌ من طرق تسهيلِ العلم، من طرق تسهيلِ العلم.
الشيخ عبد الرحمن السِّعدي له عنايةٌ بهذا الأمر -رحمه الله-، فهو من أجِلَّاءِ العلماء، ومن ذوي الحكمةِ بالتأليفِ والتقعيدِ والتأصيلِ. وصدَّر هذهِ الرسالةَ، وافتتحَ بسورةِ الفاتحة، وهذا فيه تناسبٌ، فإنَّ سورةَ الفاتحةِ هي الأصلُ العظيمُ الكبيرُ الذي تضمَّنَ جميعَ أصولِ الدين، بأنَّها سورة الفاتحة، سورة الفاتحة أفضلُ سورة في القرآن، أمُّ القرآن وهي الفاتحة، فاتحةُ القرآن، الفاتحة: "الحمدُ" فرضَ الله قراءَتها على المسلمِ في كل ركعةٍ، (لا صلاةَ لِمَن لمْ يقرأ بفاتحةِ الكتاب).
وقد أفاضَ العلَّامة ابن القيم في بيان ما تحتويه من الدلالاتِ، في أصولِ الدين، وأصول الإيمان في أولِ كتابه المعروف "مدارج السالكين"، فبيَّنَ ما تشتملُ عليه من أصول الإسلام بالتوحيد والنبوَّات والمعادِ والردِّ وما تدلُّ عليه من الردٍّ على سائرِ الطوائفِ من أهل الكتاب والمشركين، وسائرِ الطوائف أيضاً الإسلامية، تكلَّمَ في ذلك كلاماً عظيماً مُفيداً. وكأنَّ الشيخ عبد الرحمن صدَّر -رحمه الله- كأنه صدَّرَ هذه الرسالة وجعلَ سورة الفاتحة هي المُقدِّمة لها، وهي الخطبة، لعلَّهُ فعل ذلك تنبيهًا إلى هذا المعنى الذي أشرتُ إليه من اشتمال ِالفاتحةِ على الأصولِ حتى جاءَ في الأثرِ: (أنَّ الله أنزلَ كذا وكذا من الكتب السماوية، وجمعَ معانيها في القرآن وجمعَ معاني القرآن في السُّوَرِ الأخيرة القصيرة المُّفصَّلة، وجمع معاني ذلك كله في سورة الفاتحة)، والكلام عن هذا يطولُ.
ومن شأنِ هذه السُّورة أنَّ الله في الحديث القدسي سمَّاها، "الصلاة"، سمَّاها، "الصلاة" قال الله: (قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، فاذا قال: الحمد لله رب العالمين. قال الله: حمدَني عبدي. فقال: الرحمنُ الرحيم. قال الله: أثنى عليَّ عبدي. فقال: مالكِ يومِ الدِّين. قال الله: مجَّدني عبدي. فإذا قال: إيَّاكَ نعبد واياك نستعين. قال الله: هذا بيني وبين عبدي).
إِيَّاكَ نَعْبُدُ هذا لله حقُّه العبادة، وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ هذا للعبد، وهو الإمدادُ بالعونِ منه سبحانه وتعالى، فإذا قالَ: اهدِنا الصِّراط المستقيمَ الى أخر السورة قال الله: (هذا لعبدي ولعبدي ما سألَ).
هذا وعدٌ من الله بأن يُجِيبَ دعاء عبده إذا دعا بهذا الدعاءِ العظيم، اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ
والآن يتبيَّنُ بعض ذلك في ما سيذكرهُ الشيخ من الأصول ولعلنا نمرُّ عليها إجمالاً، نأخذُها واحدًا واحدًا، إجمالًا ثم نعودُ، اقرأِ الأصلَ الأول.
 
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ.
القاعدةُ الأولى: الدِّينُ كلُّهُ مبنيٌّ على عبادةِ الله وحدَهُ والاستعانةُ به وحدَهُ.

– الشيخ: هذا هو الأصلُ، انظر إلى أنَّ هذا الأصلَ مُستمَدٌّ من سورة الفاتحة من الآية الرابعة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ الدِّينُ كله راجعٌ لهذينِ الأمرين عبادةُ الله والاستعانةُ به، وهذان الأمران يعودان إلى الإيمان والإقرارِ بتوحيد العبادة وتوحيد الرُّبوبية، إِيَّاكَ نَعْبُدُ: أي لا نعبدُ غيرك هذا هو توحيدُ العبادة، وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ: أي لا نستعين سواكَ، إيَّاك، وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ: أي لا نستعينُ غيرَك، فإنَّ تقديم المعمُولِ من طرق الحصْرِ، فإيَّاك نعبدُ أي: لا نعبد إلا أنت، لا نعبدُ إلا إيَّاك، ولا نستعينُ إلا إيَّاك.
الجملة الأولى تتضمنُ توحيد العبادة، والثانية تتضمنُ توحيدَ الربوبية، لأنَّ الإقرارَ بأنَّ الاستعانة به سبحانه يتضمن الإقرارَ بأنَّ الأمرَ كلَّه له، والملكَ كله بيده، والخيرَ كلَّهُ بيده، وأنه المُعطي المانع، فهو الذي يُمِدُّ عبده بما يحتاجُ إليه، منْ جلبِ المنافعَ أو دفعِ المضارِّ.
إيَاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، فهذا هو الأصل الأولُ أو القاعدة الأولى كما سمَّاها الشيخ. لا إله الا الله، الأصلُ الثاني هاته، نريد أن نمرَّ عليه.
 
– القارئ: القاعدة الثانية: الدِّينُ الحقُّ، هو ما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم من كتابِ اللهِ وسنَّةِ رسولِه.
– الشيخ:
نعم هذا هو الدِّينُ الحق، هو دين الإسلام، وما بعثَ الله به رُسُله، وأعظمُ ذلك وأكملُه ما بعَثَ الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الدِّين الحق، وكلُّ ما خالفه فهو باطلٌ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ [التوبة:33]
والهدى هو العلم، ودينُ الحقِّ هو العملُ الصَّالح، فدينُ الحق هو ما جاءَ به الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا الدِّينُ يقوم على الأصل المُتقدِّمِ، والقاعدة الأولى وهو عبادة الله وحدَهُ لا شريك له، والاستعانةُ به.
وذلك يتضمَّنُ الإقرار بتوحيده في ربوبيته وإلهيتهِ، وكأنَّ هذين الأصلين يرجعان إلى الشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله، هذا مضمون القاعدة الأولى، والقاعدةُ الثانية هي مضمونُ شهادةِ أنَّ محمداً رسول الله. وهذا من حُسْنِ ترتيبِ الشيخ لهذه المعاني.
 
– القارئ: القاعدة الثالثة: الإيمانُ باللهِ هو الأصلُ الذي دعتْ إليه جميعُ الرُّسُلِ، وبه الرُّقِيُّ الحقيقيُّ في الدُّنيا والآخرة.
– الشيخ:
هذا الأصل في الحقيقة يعني راجعٌ للأصلَين، لكنْ أرادَ الشَّيخُ أن يُنوع المعاني كما جاءت في النصوص، النصوص جاءتْ بمعاني مُتنوعة، وإن كانت مُتلازمةً.
الإيمان بالله هذا أصلُ أصول الإيمان، أصلُ أصول الإيمان، إذا قلنا أصول الإيمان، أو أركانُ الإيمان فهي الستة الذي فسَّرَ بها النبيُّ الإيمانَ في حديث جبريل، لكن أصلُها الذي ترجع إليهِ كلُّها هو الإيمانُ بالله. والإيمان بالله يتضمَّنُ الإقرار بأنه الإلهُ الحق الذي لا يستحقُّ العبادةَ سواه، الإيمان بربوبيَّتِهِ، فالإيمان بالله يتضمَّنُ أنواع التوحيد الثلاثة: الإيمان به ربَّاً وإلهاً وموصوماً بأكملِ الصفات. الإيمان بإلهيتِه وبربوبيتِه وكمالِه، سبحانه وتعالى في جميع الأوصافِ، الإيمان بالله. والإيمان بالله على الوجهِ الذي دعتْ إليه الرُّسلُ يُؤدي إلى السَّعادة، إلى سعادةِ العبدِ في الدنيا والاخرة، فهو أصلُ السعادة، سعادة الدنيا والآخرة، وفي مُقابل ذلك، أصلُ الشَّقاءِ هو الكفرُ بالله، والتكذيبُ لرسله.
فالمؤمنون بالله ورُسلهِ هم السُّعداءُ وإن ابتُلُوا في هذه الدنيا، فإنه ليست السعادة مُجرَّد حظوظٍ دنيوية، والتمتُّع بأنواع المتاع التي طُبعت النفوس على التعلُّقِ بها، السعادة تبدأ في القلبِ، نعيم القلب وسرورٌ، فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ [الأنعام:125]
فالمؤمن وإن ابتُلِيَ في هذه الدنيا، فهو في نعيم، في نعيمٍ لأنه يرجو ثواب الله، وينتظر الفوزَ في الآخرة ينتظر المستقبلَ العظيم، والفوزَ العظيم، وأما الأشقياءُ فهم الكَفَرةُ فإنهم يتمتعون، ويأكلونَ كما تأكل الانعامُ والنارُ مثوىً لهم، ماذا ينتظرون؟ لا يؤمنونَ بمبدأ، ما ينتظرون السعادة، إنَّما يتمتعون، وهم لا يرجون شيئًا، ولهذا كانت إراداتهم وهمومهم وكدُّهم وكدْحُهُمْ، كله مُستهلَكٌ في متاعِ الحياة الدنيا ولذَّاتها وشهواتِها المُختلفة على اختلافِ طبقاتهم. طيب الرابع..
 
– القارئ: القاعدةُ الرابعة: الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكرِ، والتواصي بالحقِّ والتواصي بالصَّبرِ.
– الشيخ
: هذا أصلٌ، إن اعتبرتَهُ بعمومِه فتجده شاملًا للأصول، لأنَّ المعروف، كلُّ ما أمرَ الله به ورسولُهُ أمرَ وجوبٍ أو استحبابٍ، والمُنكَرُ كلُّ ما نهى اللهُ عنه. والرُّسلُ إنما بعثهم الله للأمر بالمعروف، الأمرِ بالتوحيد والنهيِ عن الشِّرك، الأمر بطاعة الله والنهيِ عن معصيته؛ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح:3]
وأخبرَ عنهم الرسل، كلُّ نبيٍّ يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [آل عمران:50]، اتقوا الله بفعلِ أوامره، بفعل ما أمر به، وتركِ ما نهى عنه، اتقوا الله وأطيعونِ، فالتقوى حق الله، والطاعةُ للرسول صلى الله عليه وسلم، وطاعةُ الرسول طاعةٌ لله، مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]
هذا أصلٌ، وهو يُعتبرُ بهذا الاعتبار، هو أولُ ما يجب على الرُّسلِ أن يأمروا بالمعروف، يدعونَ إلى عبادة الله، يأمرونَ بأوجب الواجبات "التوحيد"، وهو أعرف المعروف، وينهون عن المنكر، وأعظمُ المُنكرات وأظلم الظُّلمِ هو الشِّرك. وهذا أصلٌ أيضًا يُراعى في سياسة المسلم، وتعاملِه مع كل الناس، فيدخلُ بالأمر بالمعروف والنهيِ عن المُنكر دعوةُ الكفار إلى الإيمان وإلى التوحيد، ويدخلُ فيه الدعوة الى الخير بأنواعه، ويدخل فيه دعوةُ العُصاة للتوبة والإنابة، وانتهائهم عمَّا ابتُلوا به من المنكرات، فالأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، أصلٌ جامعٌ لأنه يدخل في المعروف كلُّ ما أمرَ الله به، ويدخلُ في المُنكَر كلُّ ما نهى الله عنه. نعم، الخامس..
 
– القارئ: القاعدةُ الخامسة: الدِّينُ الإسلاميُّ هو الصَّلاحُ المُطلَقُ، ولا سبيلَ إلى صلاحِ البشرِ الصَّلاحَ الحقيقيَّ إلا بالدِّينِ الإسلاميِّ.
– الشيخ:
دينُ الإسلام هو أصلُ سعادةِ البشرِ في الدنيا والاخرة، أصلُ سعادةِ الإنسانِ في الدنيا والآخرةِ، أصلُ سعادةِ الإنسانِ في الدنيا والأخرة، دينُ الإسلامِ هو دينُ الله، الدِّينُ الحق الذي لا يقبلُ الله من أحدٍ سواه، فمن هُدِيَ للإسلام فقد أفلحَ، فالفوزُ الحقيقي والصَّلاحُ الحقيقي هو بلزومِ الإسلام، والاستقامة على الإسلام، فحظُّ الإنسان وحظُّ الأمة بحسب استقامتها على دين الله، حظُّهَا من السعادة، وحظُّها من الصَّلاح، وحظُّها من الهناء والاستقرارِ بحسبِ استقامتِها وما يُؤتى الناس، وما يُؤتى الفردُ، وما تُؤتى الأمَّةُ، إلا من جهة تفريطِها في هذا الحق العظيم.
فدينُ الله هو حقُّهُ على عبادهِ، دين الإسلام هو حقُّ الله على العباد، أن يعبدوهُ ولا يُشركوا به شيئاً، يعبدوه بفعلِ ما أمرهم به وتركِ ما نهاهم عنه.  فكأنَّ الشيخَ يذكر هذه القاعدة، كأنه من قبيل ذِكْرِ الثمرة لمضمونِ الأصول المُتقدِّمةِ، الصلاح والسعادة في الدنيا والآخرة مُترتِّبة على الاستقامة على دينِ الإسلام. نعم، اقرأِ الأصل الأول..
 
– القارئ: قال: القاعدةُ الأولى:
الدِّينُ كله مبنيٌّ على عبادةِ اللهِ وحدهُ والاستعانةُ به وحدَهُ، كما صرَّحتْ به هذه السُّورةُ الكريمةُ، وفي القرآنِ الجمعُ بين هذينِ الأمرين، في مواضعَ مُتعدِّدة كقولِهِ: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هود:123] ، وقولهِ: عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [هود:88]، وقولهِ: رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا [الممتحنة:4]
وغيرِ ذلكَ من الآياتِ، وفي الأحاديثِ عن النبي صلى اللهُ عليهِ وسلمَ من هذا شيءٌ كثيرٌ كقولهِ:
(احرصْ على ما ينفعُكَ واستعنْ باللهِ ولا تعجزْ)، وقوله: (إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعنْ بالله).
– الشيخ:
يُنبِّه الشيخ، وهذا يعني يُلاحظ أنه نبَّهَ إليه شيخ الإسلام في مواضعَ، وهو أنَّ الله تعالى في كتابه وكذلك الرسولُ يجمعُ في الإرشاد والتوجيه إلى هذا الأصل، وهو الجمعُ بين العبادة والاستعانةِ، الجمعُ بين العبادة والتوكل، التوكلُ والاستعانة مُتناسبان، فمن توكَّلَ على الله، وعلم أنهُ سبحانه وتعالى، أنَّ الأمرَ كلَّهُ له، وأنَّ الخيرَ بيده، وأنَّهُ هو المالك في كل شيء، توجَّهَ إليهِ في حوائجه، ويتوكلُ عليه بقلبه اعتمادًا وتفويضًا، ويستعين به بقلبه ولسانهِ، ويتوكل عليه بقلبه اعتماداً وتفويضاً، ويستعين به بقلبه وبلسانهِ.
يستعين يعني يطلبُ العون منهُ لعلمهِ أنَّ الأمرَ كله له، بيده الخير، وبيده الملك، فهو يتوجَّهُ إلى ربه، في طلبِ جميع حوائجهِ، لا يعتمدُ على نفسه ولا على غيره، لا يعتمد على حوله ولا قوته، بل يؤمنُ بمعنى لا حول ولا قوَّةَ إلا بالله، لا حول ولا قوَّةَ إلا بالله.
هذه الكلمة التي أرشدَ إليها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أبا موسى إلى فضلها، وأنَّها كلمةٌ عظيمة، وأنها من كنزٍ من كنوز الجنة، لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، وهي يعني استعانةٌ، ليست يعني استرجاعًا وتُقال عند المصائبِ كما يغلبُ على طريقة الناس، بل هي استعانةٌ، ولهذا شُرِعَ لنا عندَ الدعوةِ إلى الصَّلاحِ والفلاح، لا حول ولا قوة إلا بالله، كأنَّ المُجيب يقول: اللهم أعنِّي، اللهم أعنِّي، لا حول ولا قوة إلا بكَ، وما ينهضُ إلى الصلاة إلا بهدايةٍ وتوفيقٍ من الله سبحانه وتعالى.
 
– القارئ: وبتتميمِ العبدِ لعبادة الله واستعانتهِ به، تكمُلُ أمورهُ الدينية والدنيوية، فعبادةُ الله أن يقوم العبدُ بتوحيدِ الله، وعبوديتهِ الظاهرةِ والباطنةِ، الماليةِ والبدنيَّةِ والمُركَّبةِ منهما المُتعلِّقَةِ بحقوقِ الله تعالى، والمُتعلِّقَةِ بحقوقِ خلْقهِ، ومن ذلك القيامُ بالمصالحِ الكلِّيةِ النافعةِ للمسلمينَ في دينهم ودنياهُم، ويكونُ هذا القيامُ مصحوباً بثلاثة أمور، قوةُ الجدِّ والاجتهادِ، بحسبِ ما يستطيع العبدُ، وقوةُ الاعتمادِ على اللهِ في تيسير ذلك، الأمرُ الذي يُحاولُهُ العبدُ مع الثِّقةِ التامَّةِ بالله في تيسيرهِ وكمالِ الإخلاصِ لله، بحيثُ لا يكون الحاملُ له على ذلك غَرَضٌ خسيسٌ ولا قصْدُ مراءاةِ الناسِ وسُمعتِهم، ولا عصبيَّةٌ وطنيةٌ أو قوميةٌ أو جنسيةٌ بل الحاملُ له على ذلك إرادةُ رضا الله وحصولِ ثوابهِ، ومن ثوابهِ ما يترتَّبُ عليه من المصالحِ النافعةِ، وبهذا المعنى الكُلِّيِّ العظيمِ يتَّضحُ لنا أنَّ القيامَ بجميعِ الأسبابِ النافعةِ.
– الشيخ:
الشيخُ يُنبِّهُ إلى أن عبادةَ الله شاملةٌ، فيها شمولٌ، عبادة الله وحدَهُ لا شريكَ له، بالقيام بكلِّ ما أمرَ به سبحانه وتعالى ورسولهُ، وتركِ ما نهى اللهُ عنه ورسولُه، بهذا تُؤدَّى الحقوق، وأداءُ الحقوق، حقُّ الله على عباده، فإنَّ أنواعَ العبادة وأنواع المأمورات منها ما هي حقٌّ محضٌ لله، مثلَ العباداتِ البدنيةِ الصيام … تعلُّق، الصلاةُ ليس فيها حقٌّ، لا يتعلَّقُ بها حقٌّ لأحدٍ من الناس، عبادةٌ محضةٌ لله، عبادةٌ بدنيةٌ.
وعبادةٌ ماليةٌ؛ العبادةُ الماليةُ أعظمها الزكاة، هي حقُّ لله ولكن لها تعلُّقٌ بالخلق، وهي حقٌّ لمن ذكرهم الله سبحانه وتعالى، وهكذا بالتأمُّلِ تكون هذهِ العبادةُ. تتنوع: عبادةٌ بدنيةٌ، وعبادةٌ مالية محضة، وعبادة بدنية مالية، كما في الحجِّ عبادة بدنية مالية، لأنها تتوقف على المال، وكذلك الجهادُ في سبيل الله، عبادة بدنيةٌ ومالية.
الذِّكْرُ عبادة بدنية، يعني تقوم باللسانِ وليس يتعلَّقُ بها مالٌ أو حقٌّ لأحدٍ، الأذكار المُطلقة، الذِّكرُ المُطلق، الذِّكرُ المقيد، كلهُ من نوع الصلاة والصيام، من حيثُ أنَّهُ لا تعلُّقَ لأحدٍ من الخلق به، ولا حقَّ لأحدٍ من الخلق كذلكَ، ويُنبِّهُ الشيخُ هذه التنبيهاتِ الحسنة، يريدُ العبادةَ شاملةً، ليست العبادةُ فقط نوع، لا. بل السَّعيُ في أداء الحقوقِ العامةِ والحقوقِ الخاصةِ، هي كلُّها تندرج بالعبادة، ويُنبِّهُ الشيخ إلى أنَّ الإنسانَ إذا سعى في هذه الأمور، بجدٍّ واجتهادٍ وتعاطى الأسبابَ المُوصلة لهذه المقاصد فلا بُدَّ أن يقومَ بهذه الحقوقِ التي لله أو للعبادِ، يُؤدِّيها بجدٍّ واجتهادٍ وتعاطي الأسبابِ المؤدِّيةِ، وأن يُضيف إلى ذلك التوكُّلَ عليه والاعتمادَ عليه سبحانه، والأمرُ الثالثُ: هو الإخلاصُ. هذه المعاني هي راجعة لذلك الأصل الأول الذي عليه مدارُ الدِّين، العبادةُ والاستعانةُ.
تُلاحِظُ هذه الأمور الثلاثة التي قال – الشيخ: لا بدَّ في هذا الأمرِ من ثلاثةِ أمورٍ، هذه الأمورُ الثلاثة راجعةٌ إلى العبادةِ والاستعانة، الإخلاص راجعٌ الى تحقيقِ التوحيد، يعني القيامَ بهذه الأمور بجدٍّ واجتهادٍ وبقوةٍ مع التوكل على الله، هذا راجعٌ إلى الاستعانةِ به سبحانه وتعالى. أعد الأمورُ الثلاثةُ، ولا بُدَّ..
 
– القارئ: ويكونُ هذا القيامُ مصحوباً بثلاثةِ أمورٍ: قوَّةُ الجدِّ والاجتهادِ بحسبِ ما يستطيعُهُ العبدُ، وقوَّةُ الاعتماد.
– الشيخ:
 اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]،  فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، على العبدِ أن يجدَّ ويجتهدَ، وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ [العنكبوت:6]، لا بدَّ من الاجتهادِ، نعم، ثانياً..
 
– القارئ: وقوَّةُ الاعتمادِ على الله، في تيسيرِ ذلك، الأمرُ الذي يُحاوله العبدُ مع الثِّقةِ التامَّةَ باللهِ في تيسيرهِ.
– الشيخ:
نعم، الثالث..
 
– القارئ: وكمالُ الإخلاصِ للهِ، بحيثِ لا يكونُ الحاملُ لهُ على ذلكَ غرضٌ خسيسٌ، ولا قصد مُرَاءَاةِ الناس وسمعتِهم، ولا عصبيَّة وطنية أو قومية أو جنسية بل الحاملُ لهُ على ذلكَ إرادةُ رضا الله وحصولِ ثوابهِ.
– الشيخ:
الله أكبر، هذا معنىً عظيم، هذا معنىً عظيم، ينبغي للإنسان أن يتدبَّر حاله، ويُحاسبَ نفسه، ويُفكِّرَ في نياته ومقاصده، في أي عملٍ يعمله. لا إله الا الله، أستغفرُ الله.
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ [النساء:114]، يعني المساعي، هذا يجب أن يُراعى في كلِّ..، ليس َفي العباداتِ البدنية مثل الصلاة أو الصيام، لا، هذا يُراعى في كل عملٍ تعملُهُ، حتى الأعمال التي تتعلقُ بالمصالحِ العامّةِ والمصالحِ الخاصة، يجب أن تكون لك نية حتى يترتَّبَ عليها الثواب، فالثواب لا يترتَّبُ إلا على الإخلاصِ، إلا على ابتغاءِ مرضاةِ الله، (إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُهُ إلى اللهِ ورسولهِ فهجرتهُ إلى اللهِ ورسوله).
فكِّرْ بما.. أدنى شُعَبِ الإيمان إماطةُ الأذى عن الطريق، أمطْتَ حجرًا أو شوكًا من الطريق، يعني إنسانية، فعلتَ هذا إنسانية، ليس بالشيء، هذا يفعله البارُّ والفاجرُ، يفعلونَ هذا إنسانيةً، لكنَّ المؤمن يفعل هذا إيماناً واحتساباً، ولهذا كانتْ إماطةُ الأذى عن الطريق من شُعبِ الإيمان، لكن لا تكون من شُعَبِ الإيمان إلا إذا فعلها العبدُ إيمانًا قربةً لله، قربةً يتقربُ إلى اللهِ، ويعملُ بشرْعهِ.
واعتبرْ هذا المثالَ الصغير في هذا الأمر، اعتبرهُ في سائرِ أمورِكَ وتصرّفاتك وتعاملاتِكَ ومساعيك.
 
– القارئ: قالَ: ومن ثوابهِ ما يترتَّبُ عليهِ من المصالحِ النَّافعةِ..
– الشيخ:
هذا من الثوابِ العاجل، من الثواب العاجلِ ما يترتَّبُ عليه من الخيرِ والمصالح، هذا من الثواب العاجل، وإلا فالغايةُ، يجب أن تكون غايةُ العبدِ هو الثوابُ الأخرويُّ، ومن أرادَ، يقولُ الله: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ [الأنفال :67]، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ[الإسراء:19]
 
– القارئ: قال: وبهذا المعنى الكليِّ العظيم، يتَّضحُ لنا أنَّ القيامَ بجميعِ الأسبابِ النافعةِ، والقيامَ بما يُتمِّمُهَا ويُكمِّلُها هي من أعظمِ ما يدخلُ في هذه القاعدةِ، فإنَّ القيامَ بها عبادةٌ لله ووسيلةٌ إلى عبادةِ الله، فكما يدخلُ في عبادةِ الله ما أعانَ عليها من السَّعيِ والمشيِ والرُّكوب إلى العبادات، فيدخلُ فيها اكتسابُ الأموالِ من حِلِّها، للقيامِ بالزَّكواتِ وواجبِ النفقاتِ، وقيامِ الأعمال النافعةِ التي لا تقومُ إلا بالأموالِ ويدخل فيها أيضاً تعلُّمُ الفنون، والصِّناعاتِ العصرية، والاختراعاتِ التي فيها استعدادُ المسلمينَ لمُقاومةِ أعدائِهم والسلامةِ من شرورهم، وذلك بحسبِ المُستطاعِ، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقال تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]
فكلُّ ما يستطيعهُ المسلمونَ من إعدادِ القوة ِالعقليةِ والصِّناعيةِ والسِّياسيةِ والفنونِ العسكريةِ، وما أشبهَ ذلكَ فإنهُ يدخلُ في عبادةِ الله وفيما يُعينُ عليها. فإنَّ الجهاد الذي هو بذلُ الجهدِ في مُقاومةِ الأعداءِ من أجلِّ العباداتِ، فما يُعين عليه فإنَّهُ منه، فبهذا يُعلَمُ أنَّ المسلمينَ بالمعنى الحقيقيِّ أكملُ الخلْقِ في فعلِ الأسبابِ النافعةِ لأنهم يُبدُونَ فيها..
– الشيخ:
أنَّ المسلمين.. أيش؟
 
– القارئ: فبهذا يُعلَمُ أنَّ المسلمينَ بالمعنى الحقيقيِّ..
– الشيخ:
أنَّ المسلمينَ بالمعنى الحقيقيِّ للمسلم، أو بالمعنى الحقيقي للإسلام بمفهومه الشامل، ومفهومه الشَّرعيِّ هم أكمل، ولكن، ولكن، المسلمونَ بالمعنى الذي يُشيرُ إليه الشيخ أنهم الغرباء، أنهم غرباء، وأنهم القِلَّةُ، فالمسلمون بالانتسابِ إلى الإسلام هم الذين يُقدَّرُون بكذا، بمئات الألوف أو المليارات وما أشبهَ ذلك، أما المسلم والمسلمون الذين يُحققون الإسلام في أنفسهم وفي جميعِ تعاملاتهم وتصرُّفاتهم، هؤلاء قِلَّةٌ قليلون في كل زمان، في الحديث: (لا تزالُ طائفةٌ من أمتي على الحقِّ ظاهرينَ لا يضرُّهمْ)، هم قِلةٌ.
المسلمون إنَّما أصابهم ما أصابهم من، يعني تسلُّط الأعداء وما وقعوا فيه من الذِّلَّةِ بسبب تفريطهم في جنبِ الله، وتفريطِهِمْ في ما أوجبَ الله عليهم، والمعنى الذي يذكرُهُ الشيخ في مسألة يعني، تحقيق الإخلاص في كل ما يأتيهِ العبدُ، لا يخفى أنَّ هذه الأعمال أنواع:
عباداتٌ محضة، هذه يجبُ فيها الإخلاصُ وشرطُها الإخلاص، شرطُها الإخلاصُ، الصلاةُ، الصيام، الحجُّ، الجهاد، الأمرُ بالمعروف، النَّهيُ عن المُنكر، شرطُها الإخلاصُ.
أما الأعمالُ العامة مثل ما أُشيرَ إليه يعني من المسائلِ النافعة، والسَّعي في المصالح، فهذهِ من فعلَها بحُكْمِ العادةِ وبحكم مُقتضى الطبع، ومُقتضى العقل، فإنه يُحمد على ذلك، لكن لا يكون هذا السَّعيُ عملاً وعبادةً وعملاً صالحاً، إلا أن تكون الغاية فيه هو القربةُ إلى الله، وابتغاءَ رضوانه وابتغاء كرامته: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان:9]، الآن إطعامُ المساكين هذا يفعله الناسُ، كلهم يُطعمون يتصدَّقون، كثير يتصدَّقُون، الكفار يتصدَّقُون، لكن الشاهدَ عند قوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ [النساء:114]، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا [الإنسان:9]
المسلمُ إذا أعطى الفقيرَ لا يريدُ منه شيئًا أبدًا، حتى لا تقلْ للفقير: ادعُ لي، أبدًا، أعطهِ وتوكَّل على الله، إن دعا لكَ هو منه تطوُّعًا، وهذا ممَّا ينبغي له من باب الشكرِ الجميل، يعني هذا إليه، ولكن لا يكون قصدُكَ أن يشكركَ، وأن يُثني عليك أو أن يذكُرَكَ، بل لا تقصدْ أن يدعو لك، لا تطلب منه الدعاء، أما كونَهُ يدعو لك شيءٌ آخر، هذا من تحقيقِ الإخلاص، الأعمال الأخرى مثل كثيرٍ من الأعمال يفعلها الناس بحُكْمِ العادة وبحكم الطبيعة وبحكم الأغراضِ والمصالح الشَّخصيةِ والمصالح العامة، فقط.
فهذه يعني تتحقَّقُ آثارُها لكن الثوابَ الأخرويَّ إنما يترتَّبُ على اقترانها بالنيَّةِ الصحيحة الصَّالحة، الله المستعان.
 
– القارئ: قال: فبهذا يُعلَمُ أنَّ المسلمينَ بالمعنى الحقيقيِّ أكملُ الخلقِ في فعلِ الأسبابِ النافعةِ.
– الشيخ:
"أكملُ الخلقِ" هذه العبارة تنطبقُ على من؟ أنَّ المسلمين بالمعنى الحقيقي تنطبقُ على من؟ على قِلَّةٍ من خلقِ الله من المسلمين.
من الناسِ منْ عِلَّتُهُ الجهل، يعني يدخلُ على الناسِ على المسلمينَ النقصُ من الجهلِ بدينِ الله، ويدخل إليهم النقصُ باتِّباعِ الهوى، الشهوات، الخلَلُ يأتي إما من الجهل بمُقتضياتِ الشَّرعِ أو التفريطِ مع العلم، التفريطُ للأسباب كثيرة: النفسُ الأمَّارةُ بالسوء، والشيطانُ، واتِّباعُ الهوى، فيحصلُ النقص.
وبهذا يُعلم أنَّ الكمالَ إنَّما يحصلُ بالعلم الصحيح وبالعمل، فالعلمُ هو المُنافي للجهل، والعمل المُخالف لاتِّباع الهوى.
 
– القارئ: قالَ: فبهذا يُعلَمُ أنَّ المسلمين بالمعنى الحقيقيِّ، أكملُ الخلق في فعلِ الأسبابِ النافعةِ، لأنَّهم يُبدونَ فيها مَقدورَهُم..
– الشيخ:
لأنَّ، لأنَّ..
 
– القارئ: لأنَّهم يُبدونَ فيها مَقدورَهُم..
– الشيخ:
يُبدونَ؟
 
– القارئ: إي نعم، فيها مَقدورَهُم..
– الشيخ:
مقدورَهم، نعم، يفعلونَ ما يقدرونَ عليه منه، نعم..
 
– القارئ: مُستعينينَ بالله في حصولِها وفي تكميلِهَا، وفي ما لا يقدِرونَ عليهِ منها وفي إنجاحِ أعمالِهم، وحصولِ مقاصِدهم..
– الشيخ:
لا لا، مرة ثانية، إيش؟ يُبدونَ..
 
– القارئ: لأنَّهم يُبدونَ فيها مَقدورَهُمْ.
– الشيخ:
يعني … بعده
 
– القارئ: مُستعينينَ بالله في حصولِها وفي تكميلِهَا، وفيما لا يقدِرونَ عليهِ منها وفي إنجاحِ أعمالِهم، وحصولِ مقاصِدهمْ.
– الشيخ:
هذه كلمه مُستعينين بالله في كلِّ ما يتعلَّقُ، مُستعينين بالله في تحصيل الأسباب، مستعينين بالله في تكميلها، مُستعينين بالله في حصولِ آثارها، وترتُّب نتائجها، مُستعينين بالله فيما لا يقدرونَ عليه، يسألونَ اللهَ أن يُيسِّرَ لهم إياها. مُستعينين بالله فيما يقدرونَ عليه في تلك الأسباب، وفي تكميلها وفي ترتُّبها، ترتُّبِ نتائجها، وفيما لا يقدرونَ عليه أيضًا فقوله: "وفيما لا يقدرونَ عليه" مُتعلِّقٌ بقوله: "ومُستعينين بالله"، وفي الثلاثة. قُلْها مرةً أخرى: مُستعينين بالله..
 
– القارئ: مُستعينينَ باللهِ في حصولِها وفي تكميلِها، وفيما لا يقدرونَ عليه منها، وفي إنجاحِ أعمالهم، وحصولِ مقاصدهم.
– الشيخ:
تمام، بعده..
 
– القارئ: فليسَ بعدَ هذا الكمالِ الذي حثَّ عليه الدِّين الإسلامي، كمالٌ ولا فوقَهُ مُرتَقَى، حيث يُموِّهُ الدعاةُ إلى الإلحادِ أنَّ الدِّين الإسلامي يُثبِّطُ العاملين ويُضعِّفُ نفوسَهم، وهذا من المُكابرة والتجرِّي والكذبِ الصُّراح، بمكانٍ لا يخفى على من له أدنى مُسْكَةٍ من عقلٍ. فإذا تبيَنِ أنَّ الدِّينَ الإسلاميَّ الصَّحيح، يحثُّ على القيامِ بالأسبابِ النافعةِ، ويبعثُ الهِممَ والعزائمَ بالاستعانةِ باللهِ عليها، والثقةِ به بتكميلِها ونجاحِها، فكم في الكتابِ والسُّنة من الأمرِ بفعلِ الخيراتِ وترْكِ المُنكراتِ، والأخذِ بجميعِ الأسبابِ النافعات.
– الشيخ:
افعلوا الخير، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77] هذا في الصَّلاةِ الظاهر، وَافْعَلُوا الْخَيْرَ [الحج:77]، أمرٌ عام لكلِّ ما يندرجُ في هذه الكلمة، افْعَلُوا الْخَيْرَ، افْعَلُوا الْخَيْرَ، والخيرُ مراتب، الخيرُ مراتب، افعلوا الخيرَ يدخل فيه كل المأموراتِ التي أمرَ الله بها من عبادته، أنواع العبادةِ والفرائض والمُستحباتِ، ويدخل فيها الخير العامُّ الذي يعودُ على الإنسان، ويعودُ على الجماعة، يعود على الأسرةِ، وعلى الأمة، (احرصْ على ما ينفعُكَ) كما تقدمَ. أعدِ الجملة الأخيرة..
 
– القارئ: قال: فاذا تبيَّنَ أنَّ الدِّينَ الإسلاميَّ الصحيحَ يحثُّ على القيامِ بالأسبابِ النافعة، ويبعثُ الهمم والعزائمَ بالاستعانةِ باللهِ عليها، والثقةِ بهِ في تكميلِها ونجاحِهَا، فكمْ في الكتابِ والسُّنة من الأمرِ بفعلِ الخيراتِ، وتركِ المُنكراتِ والأخذِ بجميع الأسبابِ النافعاتِ؛ فاعلمْ أنَّ ها هنا طريقينِ ذميمينِ مُنحرفينِ في الأسباب يبرأُ الدِّينُ منهما كلَّ البراءةِ.
أحدُهما: مذهبُ الجبريةِ القائلينَ بأنَّ العبدَ مجبورٌ على أفعالهِ وأنَّ حركاتَهُ الاختيارية حركاتٌ اضطرارية، بمنزلةِ حركاتِ الأشجار، وأنَّ الأسبابَ لا تأثيرَ لها في مُسبَّبَاتها، وأنَّ اللهَ يخلقُ عندها لا بها، ويُوجِدُ الأشياءَ باقترانِها عادةً، لا أنَّها طريقٌ ووسيلةٌ إلى مقاصدِها، وهذا المذهبُ باطلٌ شرعًا وعقلًا، أما شرعًا فإنَّ الكتاب والسُّنةَ مملوءانِ من ذكرِ إضافةِ الأعمالِ للعاملينَ خيرِها وشرِّها، وأنهم هم الذينَ يفعلونها طوعًا واختيارًا، لا قسْرًا واضطرارًا، ومملوءانِ من ذكرِ أنَّ الأسبابَ بها حصولُ مقاصدَ، وهي الطريقُ الوحيدُ لسعادةِ الدُّنيا والآخرة، وأنَّ الكسلَ منها، مُوجبٌ للحرمانِ والضَّعفَ فيها داعٍ إلى الخُسرانِ. كما تقدَّمَ أنَّ الشرعَ يحثُّ عليه غايةَ الحثِّ مع الاستعانةِ باللهِ عليها، وأما بطلانُ هذا القولِ عقلًا فلأنَّهُ من المعلوم بالضَّرورةِ..
– الشيخ:
إلى هنا، الشيخ لمَّا ذكرَ ما يقتضيهِ الإسلام من القيامِ بالحقوق، وبذلِ الوسع في ذلك، وتعاطي الأسباب المُوصلة، والاستعانةِ باللهِ في كلِّ ذلك، استطردَ للكلام في مذاهبِ الناس في الأسبابِ.
اللهُ تعالى هو خالقُ كلِّ شيء، ومن حكمته أنه جعلَ هذه المخلوقات بعضَها أسبابًا لبعض، المُؤثِّرُ اسمهُ سببٌ، والنتيجة اسمها مُسبَّبة، والله خالقُ الأسباب وخالق المُسبَّبات، ِخالقُ الأسبابِ وخالق المُسبَّباتِ، واللهُ تعالى من حكمته أن يخلقَ الأشياء بعضها لبعضٍ، خلق الأسباب، يخلق المُسبَّبَاتِ للأسباب، فهو يخلقُ بالأسباب، فالباء سببية، يُخرجُ النباتَ بالماء الذي يُنزلُه؛ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِۚ [الأعراف:57]، أخرجْنا به، الباءُ سببيَّةٌ.
فيذكرُ الشيخ أن الناسَ اختلفوا في موضوعِ الأسباب وانقسموا، فمنهم من غلا في إثباتِ القدرِ، وإثباتِ فعل الربِّ، والله تعالى هو خالقُ كل شيءٍ حقًا، وهو الفعَّالُ لما يريدُ وهو الذي سبقَ علمه وكتابه بكلِّ ما يكون، لكن هؤلاء غلَوا حتى قالوا أنه لا فِعْلَ إلا لله، فلا فعلَ للأسباب ولا تأثيرَ، بل ولا فِعْلَ للعبد.
العباد والناس ليس لهم فعلٌ، بل حركاتهم وأفعالهم كلُّها يعني قسْرية، فالإنسان يتحرَّكُ كالرِّيشة في مهبِّ الريح، وكحركة المُرتعشِ. الآن الإنسان له حركاتٌ، حركةٌ اضطرارية قسرية، مثل حركة المُرتعش، وحركةُ النائمِ لا إراديةٌ، حركةٌ لا إرادية، ويوجد حركاتٌ اختياريةٌ إرادية، وهي ما يفعلُهُ بإرادةٍ منه، يقومُ ويقعدُ ويلعبُ ويذهبُ ويتكلَّمُ بإرادةٍ فهذه أفعاله.
الجبرية يقولون: لا، ليس للعبد فعلٌ، ومن هذا المُنطلَقِ نفهم تأثير الأسباب، نفهم تأثيرَ الأسباب، وقالوا قولَتَهم هذه التي ذكرَها الشيخُ، قالوا: إنَّ الله يفعلُ عندَ الأسباب لا بها، فالعلاقة اذًا بين السَّببِ والمُسبَّبِ هي علاقة اقترانٍ فقط، اقترانية، لا علاقة مُؤثِّرٍ وأثر، فالسَّبب ليس مُؤثِّراً، فالإحراقُ بالنار ليست النار مُؤثِّرةً في الإحراق، لكنَّ الله يخلقُ الاحتراقَ عند اتصالِ النارِ بالشيءِ. يعني سبحانَ الله! مقولةٌ مُنافيةٌ للحسِّ والعقل والشرع، كما قال – الشيخ: مُناقضةً للشرعِ وللحسِّ.
غلوٌّ، منهم قالوا: أن الأسبابَ غير مُؤثِّرة لا تأثيرَ لشيءٍ من المخلوقات في شيءٍ آخر. طبِّقْ هذا في كلِّ الأسبابِ، تجدُ الشبعَ يقولون بماذا؟ يقولون لا تأثيرَ للأكلِ في حصول الشِّبَعِ، ولا للشربِ تأثيرٌ في حصول الرِّي، بل العلاقةُ هي الاقتران، فالعلاقةُ إذا أكلَ الإنسان فإنه يحصل الشِّبَعُ عند الأكلِ لا بالأكلِ، يحصل الرِّيُّ ويندفعُ الظمأُ عند الشربِ لا بالشُّرب لا بشربِ الماء، هذا معنى قولهم يخلقُ عندَها، يخلقُ الله تعالى المُسبَّباتِ عندَها لا بها.
وتأملْ هذا في سائرِ الأمور، تجدْ أنَّه من فسادِ العقول وجهالاتِ الأفكار، هذه مُغالطة، الأكلُ لا تأثيرَ له، حتى أن الأشاعرة طردوا هذا، هم الأشاعرةُ من القائلينَ بهذه المقولة، يعني نفيَ تأثير الأسباب، القولُ بنفيِ تأثير الأسباب في مُسبَّباتها، ولهذا قالوا: إنَّ فعلَ العبدِ خلقٌ لله وكسبٌ من العبد، ليس فعلًا للعبد بل هو كسبٌ، وفسَّروا الكسبَ بأنه حصولُ الفعلِ عند وجودِ القُدرةِ الحالية، ففِعْلُ العبد حاصلٌ عند القُدرة لا بها، عند القُدرة على الفعلِ لا بها، وهلُمَّ جرَّا. أعدْ كلماتِ الشيخ..
 
– القارئ: الرَّدَّ عليهم، أو المذهبَ نفسَه يا شيخ؟
– الشيخ:
أيش هو؟
 
– القارئ: مقولتَهم أو الردَّ عليهم؟
– الشيخ
: لا إله إلا الله.
لا، الردّ عليهم، الشيخ أشار بالردِّ عليهم بأنَّ النصوص صريحةٌ وكثيرةٌ في إضافة المُسبَّباتِ إلى الأسباب، ومن ذلك أفعالُ العباد، فأفعالُ العبادِ يعني أضافها الله إليهم في آياتٍ كثيرة، من ذلك: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]، في مواضع كثيرة بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فالباء سببيَّةٌ ، بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فالعبد هو الفاعل لأفعاله، فهو المُصلِّي والصَّائمُ، والقاعدُ والقائم، وهو الفاعلُ لأفعاله مُضافَةٌ إليه، وموصوفٌ بها. نعم أعد الإشارة إلى الشَّواهدِ الأخرى..
 
– القارئ: قال: أما شرعًا فإنَّ الكتابَ والسُّنةَ، مملوءانِ من ذكرِ إضافةِ الأعمال للعاملينَ خيرِها وشرِّها، وأنَّهمْ هم الذين يفعلونَها طوعًا واختيارًا، لا قسْرًا واضطرارًا، ومملوءانِ من ذكرِ أنَّ الأسبابَ بها حصولُ مقاصدِها، وهي الطريقُ الوحيدُ لسعادةِ الدنيا والآخرة، وأنَّ الكسلَ عنها مُوجبٌ للحرمانِ، والضعفُ فيها داعٍ إلى الخسرانِ كما تقدَّمَ أنَّ الشرعَ يحثُّ عليها غايةَ الحثِّ مع الاستعانةِ بالله عليها.
– الشيخ:
يعني هذا الكلام واضحٌ ويصدُقُ على المأموراتِ التي شرعَ اللُه لعباده التعبُّدَ بها من العبادات التي تندرجُ في حقوق الله، وفي حقوق العباد الواجبة والمُستحَبَّة، لكن يعني قليل من الأمورِ الدنيوية ما تأخذ هذا المدلول، يعني الإسلام يحثُّ، من الأسباب الدنيوية، على القدْرِ الذي يُستعان به على طاعةِ الله ويُقرِّبُ إليه في ما يُستعان به على فرائضِ الله، وفي ما يُستعان به على المُستحبَّات، والخُسرانُ منوطٌ بالتفريطِ في فرائض الله، هذا التوصيفُ فيه شيءٌ من التعظيمِ أو التأكيد على العنايةِ بالأسباب الدنيوية.
ومقصودُ الشيخ على كلِّ حال، الأسبابَ التي تقصدُ الاستعانةَ بها، التي يفعلُها العبادُ للاستعانةِ بها على ما يُحبه الله سبحانَه وتعالى.
ولكن الخُسرانَ وما أشبهَ ذلك يُضاف الى التفريطِ في فرائضِ الله، وفي حقوقِ الله، وما يترتَّبُ، وكذلك انتهاكُ حرماته المُحرَّمة بحقه سبحانه، أو المُحرَّمة لحقوق العبادِ، ويحصلُ ذلك بظلمِهم بالظُّلمِ والعدوان، هذا لا شكَّ أنهُ من أسبابِ الخُسران، أما التفريطُ في بعض الأمورِ الكماليةِ، أو التي غايَتُها الأمورُ الدنيوية، فإنَّهُ لا يُناسب وصفَ من قصَّرَ بها بالخُسران.
 
– القارئ: قالَ: وأما بطلانُ هذا القولِ عقلًا فلأنه من المعلومِ بالضرورة أنَّ أفعالَ العبادِ بل والحيواناتِ تقعُ باختيارهمْ وإرادتهم إن شاءوا..
– الشيخ:
قف على هذا بس، لأنه يتواصل كلام الشيخ، إلى هنا بس، نعم يا محمد، لا إلهَ إلا الله.


 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة