بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس الرّابع والتّسعون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ، نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ؛ فيقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الجوابُ الصَّحيحُ لمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ" يقولُ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
فصل
قَالُوا: وَقَالَ: حَبْقُوقُ النَّبِيُّ
– الشيخ: حُبْقُوقُ.
– القارئ: حُبْقُوقُ النَّبِيُّ
– الشيخ: يعني حاء باء قاف قاف؟
– القارئ: قاف واو قاف.
– طالب: في نسخة ثانية: حيقوق.
– الشيخ: حيقوق. أي يعني تشابهَتْ الباءُ والياءُ، أقول: الباء والياء تتصحَّفُ كلٌّ منهما للآخر. نعم، نقطة ونقطتين.
– القارئ: (إِنَّ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ يَتَرَاءَى، وَيَخْتَلِطُ مَعَ النَّاسِ، وَيَمْشِي مَعَهُم).
– الشيخ: وَيَمْشِي مَعَهُم، نعم، هذا نصُّهم ولا باقي؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: هذا نصُّ حبقوق؟
– القارئ: نعم أحسنَ اللهُ إليكَ
– الشيخ: يَتَرَاءَى، يَتَرَاءَى أيش، يَتَرَاءَى.
– القارئ: يَتَرَاءَى، وَيَخْتَلِطُ مَعَ النَّاسِ، وَيَمْشِي مَعَهُم.
– الشيخ: يعني هذه، كأنَّه كأنَّه هو معناه: وَهُوَ مَعَكُمْ [الحديد:4]، لكن عاد يجوز أنَّ الترجمةَ، إلّا هو وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ، مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ [المجادلة:7]، مع القاعدين ومع الماشين، هو معهم، بعلمه وسمعه وبصره، كأن هذا هو مرماه.
– القارئ: أحسن الله إليكم، وَقَالَ أَرْمِيَا النَّبِيُّ: (اللَّهُ بَعْدَ هَذَا فِي الْأَرْضِ يَظْهَرُ، وَيَنْقَلِبُ مَعَ الْبَشَرِ، فَيَقُولُ أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْأَرْبَابِ).
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى تَثْبِيتِ نُبُوَّةِ هَذَيْنِ، وَإِلَى ثُبُوتِ النَّقْلِ عَنْهُمَا، وَثُبُوتِ التَّرْجَمَةِ الصَّحِيحَةِ الْمُطَابِقَةِ.
– الشيخ: ثلاثةُ أمورٍ: أثبتُوا نبوّتَهم، أثبتوا ذلك عنهم، أثبتُوا صحَّةَ الترجمة.
– القارئ: وَبَعْدَ هَذَا يَكُونُ حُكْمُ هَذَا الْكَلَامِ حُكْمَ نَظَائِرِهِ.
فَفِي التَّوْرَاةِ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى -عَلَى أَنَّ اللَّهَ تعالى حَلَّ فِي مُوسَى، وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَلْ قَوْلُهُ: يَتَرَاءَى هُوَ- بِمَنْزِلَةِ يَتَجَلَّى وَيَظْهَرُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ تَجَلَّى، وَتَرَاءَى لِإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصلاةُ السَّلَامُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ حَلَّتْ بِأَحَدٍ مِنْهُم، وَمَا فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْمِثَالِ الْعِلْمِيِّ وَبِمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَذِكْرِهِ – يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِنَفْسِهِ؛ لِعِلْمِ النَّاسِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمِثَالُ الْعِلْمِيُّ، وَمَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَعْرُوفِ وَمَحَبَّتِهِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ نَفْسَ الْمَعْرُوفِ الْمَحْبُوبِ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: أَنْتَ وَاللَّهِ فِي قَلْبِي، أَوْ فِي سُوَيْدَاءِ قَلْبِي، أَوْ قَالَ لَهُ: وَاللَّهِ مَا زِلْتَ فِي قَلْبِي، وَمَا زِلْتَ فِي عَيْنِي، وَنَحْوَ ذَلِكَ – عَلِمَ جَمِيعُ النَّاسِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَاتَهُ، فَإِذَا رَأَوْا مَنْ يَذْكُرُ عَالِمًا مَشْهُورًا أَوْ شَيْخًا مَشْهُورًا، فَيَذْكُرُ عِلْمَهُ، وَعَمَلَهُ، وَيُحْيِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ
– الشيخ: نعم، يُحْيِي ذِكره، أحيا ذكرَه يعني أشاعَه، نعم بعده.
– القارئ: وَيُحْيِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ- قَالُوا: قَدْ صَارَ فُلَانٌ، يَعْنِي الْمَعْرُوفَ الْمَذْكُورَ، عِنْدَنَا وَبَيْنَ أَظْهُرِنَا لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْمُرَادِ.
وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ لِمَنْ مَاتَ وَالِدُهُ: أَنَا وَالِدُكَ؛ أَيْ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَيَقُولُونَ لِلْوَلَدِ الْقَائِمِ مَقَامَ أَبِيهِ: مَنْ خَلَّفَ مِثْلَكَ مَا مَاتَ.
وَإِذَا رَأَوْا عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- الَّذِي مَعَهُ عِلْمُهُ يَقُولُونَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهُ نَائِبٌ عَنْهُ، وَقَائِمٌ مَقَامَهُ، وَإِذَا بَعَثَ الْمَلِكُ نَائِبًا قَائِمًا مَقَامَهُ يَقُولُونَ جَاءَ الْمَلِكُ الْفُلَانِيُّ، لِأَنَّ هَذَا النَّائِبَ قَائِمٌ مَقَامَهُ مُظْهِرٌ لِأَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ، وَأَحْوَالِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ اللَّهُ: «عَبْدِي مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، فَيَقُولُ الْعَبْدُ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ، عَبْدِي جِعْتُ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ.
– الشيخ: "جُعْتُ" الظاهر أنَّها.. جاع يجوعُ مثل قامَ يقومُ، قُمْتُ جُعْتُ.
– القارئ: ما تجي من قبيلِ نَامَ؟
– الشيخ: نامَ ينامُ، تقول: نِمْتُ.. نامَ ينامُ، بألف.
– القارئ: نعم، أحسنَ اللهُ إليكَ.
– الشيخ: نعم.
– القارئ: جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ كَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا جَاعَ، فَلَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، عَبْدِي، عَطِشْتُ فَلَمْ تُسْقِنِي، فَيَقُولُ: رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ.
– الشيخ: فَلَمْ فَلَمْ لعلَّها تَسْقِنِي.. سَقاهُ يَسقيه.
– طالب: عندنا: تَسْقِنِي.
– الشيخ: عندك فتحة؟
– طالب: تَسْقِنِي، فَلَمْ تُسْقِنِي.
– الشيخ: أي فتحة، فتحة، امش.
– القارئ: فَيَقُولُ: رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي اسْتَسْقَاكَ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا لَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي».
فَجَعَلَ جُوعَ عَبْدِهِ جُوعَهُ، وَمَرَضَهُ مَرَضَهُ، لِأَنَّ الْعَبْدَ مُوَافِقٌ لِلَّهِ تعالى فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَيَأْمُرُ بِهِ، وَيَنْهَى عَنْهُ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ لَا يَجُوعُ، وَلَا يَمْرَضُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ وَصْفَهُ بِالْجُوعِ وَالْمَرَضِ أَبْعَدُ مِنْ وَصْفِهِ بِالْمَشْيِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالِاخْتِلَاطِ بِهِم، وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مَوْجُودَةٌ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ، وَغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْخَاصَّةِ، وَالْعَامَّةِ، وَلَا يَفْهَمُ عَاقِلٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ ذَاتَ الْمَذْكُورِ اتَّحَدَتْ بِالْآخَرِ أَوْ حَلَّتْ فِيهِ إِلَّا مَنْ هُوَ جَاهِلٌ كَالنَّصَارَى.
وَالنَّاسُ يَرَوْنَ الشَّمْسَ، وَالْقَمَرَ، وَالْكَوَاكِبَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ الصَّافِي، وَفِي الْمِرْآةِ الْمَجْلُوَّةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَيَقُولُ أَحَدُهُم: رَأَيْتُ وَجْهَ فُلَانٍ فِي هَذِهِ الْمِرْآةِ، وَرَأَيْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فِي الْمِرْآةِ أَوْ فِي الْمَاءِ، مَعَ عِلْمِ كُلِّ عَاقِلٍ أَنَّ نَفْسَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِهِمَا لَمْ تَحُلَّا لَا فِي الْمِرْآةِ وَلَا فِي الْمَاءِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ رُؤْيَةٌ مُقَيَّدَةٌ رَآهَا بِوَاسِطَةِ الْمِثَالِ الَّذِي تَمَثَّلَ فِي الْمِرْآةِ أَوِ الْمَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ شُعَاعًا مُنْعَكِسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ الْقَائِلِ:
إِذَا ظَهَــــــرَ الْغَدِيــــــرُ عَلَــــــــى صَفَـــــــــاءٍ وَجُنِّــــبَ أَنْ يُحَرِّكَـــــهُ النَّسِيــــــمُ
تَـــــــــرَى فِيـــــــهِ السَّمَـــــــاءَ بِلَا امْتِــــــرَاءٍ كَذَاكَ الشَّمْــــسُ تَبْـــدُو وَالنُّجُــــومُ
– الشيخ: اللهُ أكبرُ، كذا تشوف أنتم، تعرفونه؟ هاه؟
– القارئ: نعم، أحسنَ اللهُ إليكَ.
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، كَذَاكَ الشَّمْسُ تَبْدُو وَالنُّجُومُ، نعم.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ.
كَذَاكَ قُلُـــــــوبُ أَرْبَـــــــــــابِ التَّجَلِّـــــــــي يُــــــرَى فِي صَفْوِهَــــــا اللَّهُ الْعَظِيـــمُ
فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي قُلُوبِ الْعَارِفِينَ، كَمَا تُرَى الشَّمْسُ وَالنُّجُومُ فِي الْمَاءِ الصَّافِي، بَلْ يَتَصَوَّرُ أَحَدُ
– الشيخ: لكن ما، مثل مثل: "كأنَّكَ تراهُ"، "أنْ تعبدَ اللهَ كأنَّكَ تراهُ"، يعني يصير في، هو لا يرى اللهَ الرؤيةَ الّتي يَتصوَّرُ منها كيفيتَه، ويتصوّرُ منها ذاتَه، لا، لكنّ يصير كأنّه يرى، كأنّه يرى الله.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، بَلْ يَتَصَوَّرُ أَحَدُهُمْ صُورَةَ مَنْ يَعْرِفُهُ بِحُمْرَةٍ أَوْ خُضْرَةٍ أَوْ سَوَادٍ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ هَذَا هُوَ فُلَانٌ بِعَيْنِهِ، مَعَ عِلْمِهِ وَعِلْمِ كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ مِثَالُهُ الْمُطَابِقُ لِصُورَتِهِ لَا عَيْنُهُ، وَذَلِكَ لِمُمَاثَلَةِ تِلْكَ الصُّورَةِ.
– الشيخ: هذا في المخلوقِ ماشي بكيفه يعني، تصوّر شي، صورةٌ مطابقةٌ، لكن في حقِّ ربِّ العالمين، التصوُّر الّذي يكونُ في قلوبِ المؤمنين ما يلزم أنَّه يكون مطابقاً لحقيقته وكيفيته؛ لأنَّ كيفيته تعالى لا لا تُدرَكُ يعني، لا تُرى بالعين، لا تُدركُه الأبصارُ، ولا يتصوَّرها القلبُ والعقلُ، العقولُ قاصرةٌ عن تكييفِ ذاته سبحانه.
– القارئ: أحسن الله إليكم، وَذَلِكَ لِمُمَاثَلَةِ تِلْكَ الصُّورَةِ لِصُورَتِهِ، يُرِيدُ أَنَّ هَذَا تَمْثِيلٌ مُطَابِقٌ لَهُ لَا مُخَالِفٌ.
وَمِنْ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي حَقًّا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي» لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ رَأَى جَسَدِيِ الَّذِي فِي الْقَبْرِ، وَرُوحِي الَّتِي فِي الْجَنَّةِ – حَالَّةً فِي ذَاتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ لِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، فَلِهَذَا قَالَ: «فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي».
وَلَمَّا دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمُقَوْقِسِ مَلِكِ النَّصَارَى بِمِصْرَ، وَاسْتَخْبَرَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، فَإِذَا عِنْدَهُ شِبْهُ.
– الشيخ: الروذنة؟ ولا أيش.
– القارئ: شِبْهُ الرَّبْعَةِ الْعَظِيمَةِ مُذَهَّبَةٌ.
– الشيخ: الرَّبْعَةِ؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: أيش قال معنى الربعة؟
– طالب: في نسخة عندي في عدّة ألفاظ، الرقعة بدلاً من الرِبْعة، وفي نسخة أخرى الرونة.
– الشيخ: رونة
– القارئ: بدلاً من الرِّبْعة.
– الشيخ: يعني عنده نوع الظاهر يشبهُ دولاب ولا روذن فيها أي قصّة مشهورة اللهُ أعلمُ، الأظهرُ فيها الصور، فيها صور، مثل الربعة أو الرونة، مشي.
– القارئ: مُذَهَّبَةٌ، وَإِذَا فِيهَا أَبْوَابٌ صِغَارٌ فَفَتَحَ مِنْهَا بَابًا فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةَ حَرِيرٍ سَوْدَاءَ فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ.
– الشيخ: طويلة القصّة … ولا لا؟
– القارئ: يعني نصف صفحة، نصّ صفحة.
– الشيخ: طيّب كمّل، نعم.
– القارئ: وَإِذَا فِيهَا أَبْوَابٌ صِغَارٌ فَفَتَحَ مِنْهَا بَابًا فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةَ حَرِيرٍ سَوْدَاءَ فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا رَجُلٌ طُوَالٌ أَكْثَرُ النَّاسِ شَعْرًا، فَقَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالُوا: قُلْنَا لَا، فَقَالَ: هَذَا آدَمُ.
ثُمَّ أَعَادَ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا رَجُلٌ ضَخْمُ الرَّأْسِ عَظِيمٌ لَهُ شَعْرٌ كَشَعْرِ النَّبَطِ أَحْمَرُ الْعَيْنِ، فَقَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: هَذَا نُوحٌ.
ثُمَّ أَعَادَ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، كَأَنَّهُ يَبْتَسِمُ فَقَالَ أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَقُلْنَا: لَا. فَقَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ.
ثُمَّ أَعَادَ، وَفَتَحَ بَابًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ، قَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
– الشيخ: صاحبهم، عرفوا صاحبهم، نعم.
– القارئ: قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَامَ ثُمَّ قَعَدَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ بِدِينِكُمْ إِنَّهُ نَبِيُّكُم؟ قُلْنَا: اللَّهُ بِدِينِنَا إِنَّهُ نَبِيُّنَا كَأَنَّمَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ آخِرَ الْأَبْوَابِ، وَلَكِنِّي عَجَّلْتُهُ لَكُمْ لِأَنْظُرَ مَا عِنْدَكُم. ثُمَّ أَعَادَ، وَفَتَحَ بَابًا بَابًا، وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا مُوسَى، هَذَا هَارُونُ، هَذَا دَاوُدُ، هَذَا سُلَيْمَانُ، هَذَا عِيسَى.
وَهَذَا كُلُّهُ لِظُهُورِ الْمُرَادِ بِهِ، وَمَعْرِفَةِ النَّاسِ بِمَقْصُودِ الْمُتَكَلِّمِ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ كَتَبَ اسْمَهُ فِي كِتَابٍ: هَذَا فُلَانٌ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي الْكِتَابِ اسْمُهُ الْمَكْتُوبُ لَا ذَاتُهُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ [القمر:52]
وَإِنَّمَا فِي الزُّبُرِ ذِكْرُ أَعْمَالِهِم، وَكِتَابَةُ ذَلِكَ، وَيُقَالُ فِي كِتَابَةِ الْوَثَائِقِ: هَذَا مَا أَصْدَقَ فُلَانٌ، وَهَذَا مَا يُقَاضِي عَلَيْهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَيُقَالُ: هَذَا ذِكْرُ مَا أَصْدَقَ فُلَانٌ أَوْ يُقَاضِي عَلَيْهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَيُشَارُ إِلَى الْمَوْجُودِ تَارَةً، وَإِلَى ذِكْرِهِ تَارَةً.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي الْكِتَابِ ذِكْرُهُ لَا عَيْنُهُ، بَلْ ذَلِكَ وُجُودُ الْخَطِّ فِي الْأَذْهَانِ الْمُطَابِقِ لِذِكْرِهِ بِاللَّفْظِ. وَالشَّيْءُ لَهُ وُجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ، وَوُجُودٌ فِي الْأَذْهَانِ، وَوُجُودٌ فِي اللِّسَانِ، وَوُجُودٌ فِي الْبَنَانِ، وَوُجُودٌ..
– الشيخ: هذه الوجوداتِ كثيراً ما ينوِّهُ بها الشيخُ ويذكرُها، الوجودُ العينيُّ، والوجودُ الذهنيُّ، الوجود العينيُّ هو الموجود الخارجيُّ، والوجود الذهنيُّ هو الوجود العلميُّ يُسمَّى كذا وكذا، والوجود البيانيّ هو اللسانيّ أو الذِّكريّ، والوجود الرابع الوجود الرسميّ أو الخطيّ، ويطبقونها، ويطبّقُ هذا على القرآنِ.
وجودك يا سامي عندنا الآن وجودٌ عينيٌّ، ووجودُك في ذهنِ من يفكِّرُ فيك وهذا، وجوده في ذهنه، وجودك في ذهنه وجود.
– القارئ: ذهنيٌّ.
– الشيخ: ذهنيّ وعلميّ يُسمَّى، يعني أنت على باله، وإذا وجدت، يعني كُتِبَ اسمُك في ورقةٍ، نقول: هذه الورقة فلان، وجود رسميّ خطيّ، وإذا تكلَّمَ، ذكرك من يحبُّك في الله يقول: سامي فلان صديقي مثلاً، هو، أنت موجود على لسانه، وفي كلامه، فهذا الوجود اللسانيّ أو البيانيّ أو الذكريّ، الشيخ كثيراً ما يذكر هذه الوجوداتِ الأربعةَ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَوُجُودٌ فِي اللِّسَانِ، وَوُجُودٌ فِي الْبَنَانِ، وَوُجُودٌ عَيْنِيٌّ، وَعِلْمِيٌّ، وَرَسْمِيٌّ، وَلَفْظِيٌّ.
– الشيخ: الشيخ أعادها بالتعبيرات الأخرى.
– القارئ: وَفِي كُلٍّ مِنَ الْأَرْبَعَةِ يُذْكَرُ، وَيُشَارُ إِلَيْهِ مَعَ الْقَرَائِنِ وَالضَّمَائِرِ الَّتِي تُبَيِّنُ تَارَةً أَنَّ الْمُشَارَ.
– الشيخ: يُذْكَرُ، وَيُشَارُ إِلَيْهِ، الوجود العينيّ هذا ظاهريّ يُشارُ إليه، الوجود الرسميُّ يُشار إليه … هذا شوف مذكور هنا، فلان … في الورقة، يُشارُ إليه، ولكن على اللسانِ الإشارة ما هو، يعني ما هو بواضح يمكن يعني تقول يعني فلان … هنا بصدري يعني، خيالُكَ في عيني وذكرُك في فمي ومثواك في قلبي.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَفِي كُلٍّ مِنَ الْأَرْبَعَةِ يُذْكَرُ، وَيُشَارُ إِلَيْهِ مَعَ الْقَرَائِنِ وَالضَّمَائِرِ الَّتِي تُبَيِّنُ تَارَةً أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ الْخَطُّ الْمُطَابِقُ لِلَّفْظِ، وَتَارَةً تَكُونُ الْإِشَارَةُ إِلَى اللَّفْظِ الْمُطَابِقِ لِلْمَعْنَى.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْقَلْبِ أَقْرَبُ إِلَى الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ مِنَ اللَّفْظِ وَالْخَطِّ، فَإِذَا أُشِيرَ إِلَى مَا فِي قَلْبِ الْعَارِفِ بِعَيْنِ الْمُحِبِّ لَهُ الذَّاكِرِ لَهُ، بِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ الْمَحْبُوبُ، كَانَ أَقْرَبَ لَا سِيَّمَا، وَقَدْ يَغْلِبُ الذِّكْرُ وَالْمَعْرِفَةُ وَالْمَحَبَّةُ عَلَى الْقَلْبِ حَتَّى يَغِيبَ بِمَوْجُودِهِ عَنْ وُجُودِهِ، وَبِمَعْرُوفِهِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ.
– الشيخ: هذا فناءُ الصوفيّةِ هذا، نعم.
– القارئ: وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ حَتَّى يَقُولَ أَحَدُهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ: سُبْحَانِي، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الْجُبَّةِ إِلَّا اللَّهُ.
– الشيخ: هذا أقولُ: هذا يُنسَبُ لبعضِ الصوفيَّةِ عندما يستولي عليهم الشعورُ، ويستولي عليهم الفناءُ، نعم..
– القارئ: وَمَعْلُومٌ أَنْ ذَاتَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَتِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ، بَلْ فِي قَلْبِهِ مِثَالُهُ الْعِلْمِيُّ، وَمَعْرِفَتُهُ، وَمَحَبَّتُهُ، فَغَابَ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، هَذَا وَإِنْ كَانَ يَقُولُهُ الْغَالِطُ، فَيَقُولُ مَنْ لَيْسَ بِغَالِطٍ: اللَّهُ فِي قَلْبِ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ مَا عِنْدَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَمَنْ أَرَادَ اللَّهَ فَلْيَذْهَبْ إِلَى فُلَانٍ، وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّ ذَاتَ اللَّهِ فِي قَلْبِهِ، بَلْ مِثَالَهُ الْعِلْمِيَّ وَمَعْرِفَتَهُ وَذِكْرَهُ وَمَحَبَّتَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، وَلَا يَرْجُو إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا يَخَافُ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَا يَأْمُرُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ فَيَفْنَى بِعِبَادَتِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، وَبِطَاعَتِهِ عَنْ طَاعَةِ مَا سِوَاهُ، وَبِمَحَبَّتِهِ عَنْ مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ.
فَمَا قِيلَ فِي الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَمْثَالِهِ مِنْ هَذَا فَهُوَ حَقٌّ، لَكِنْ لَا اخْتِصَاصَ لِلْمَسِيحِ بِهَذَا.
وَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ كَثِيرًا مَوْجُودًا فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِم، بَلْ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِهِم، وَلَا يُوجَدُ قَطُّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُ جَعَلَ ذَاتَ اللَّهِ تعالى فِي.
– الشيخ: عن عن، صحّ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَلَا يُوجَدُ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُ جَعَلَ ذَاتَ اللَّهِ تعالى فِي قَلْبِ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ – عَلِمَ أَنَّ النَّصَارَى.
– الشيخ: عُلِمَ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، عُلِمَ أَنَّ النَّصَارَى تَرَكُوا الْمُحْكَمَ مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَتَمَسَّكُوا بِالْمُتَشَابِهِ كَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الضُّلَّالِ، فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِمُ الْمَعْلُومُ بِالْقُلُوبِ الْمَذْكُورُ بِالْأَلْسُنِ بِالْمَوْجُودِ فِي نَفْسِهِ، فَظَنُّوا أَنَّ نَفْسَ الْمِثَالِ الْعِلْمِيِّ هُوَ الْمَوْجُودُ الْعَيْنِيُّ، كَمَا يَظُنُّ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْغَالِطِينَ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ تَارَةً، وَبِالِاتِّحَادِ أُخْرَى، وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُلُولِ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمِثَالِ الْعِلْمِيِّ فِي الْقَلْبِ، وَبَيْنَ حُلُولِ الذَّاتِ الْمَعْلُومَةِ الْمَحْبُوبَةِ.
– الشيخ: ابنُ القيِّمِ يعبِّرُ في النونيَّةِ يقولُ: القلبُ بيتُ الربِّ جلَّ جلالُهُ حبَّاً –شوف- حبّاً وإخلاصاً معَ الإيمانِ، انتهى؟
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكَ، هنا فقرة جديدة، نعم.
– الشيخ: أيش يقول؟
– القارئ: وَلِهَذَا يَعْتَقِدُ كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ، يعني كأنها فقرة جديدة، يعني.
– الشيخ: أيش يقول؟
– القارئ: كأنّها فقرة جديدة، يعني هو لازالَ الحديثُ متواصلاً بس كأنَّها فقرةٌ جديدةٌ يعني.
– الشيخ: خلاص عندكَ أنتَ، حدِّدْ، نعم.