بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الجواب الصَّحيح لِمَن بدّل دين المسيح) لابن تيمية
الدّرس السّادس والتّسعون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ، على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلينَ نبينا محمّدٍ وعلى آلهِ وأصحابهِ أجمعينَ، أمّا بعدُ: فيقولُ شيخُ الإسلامِ –رحمهُ اللهُ تعالى– في كتابهِ "الجوابُ الصّحيحُ لِمَن بدَّلَ دينَ المسيحِ"، يقولُ رحمه اللهُ تعالى:
فصلٌ
قَالُوا: وَقَالَ أَشْعِيَا أَيْضًا: يَخْرُجُ عَصَاهُ مِنْ بَيْتِ يَسي.
– طالب: عندنا "باء" أحسنَ اللهُ إليكَ، سبي.. بدون ياء، باء، سين باء ياء.
– الشيخ: من بيت سبي؟! ما أدري والله، يمكن تبين في جواب الشيخ.
– القارئ: يَنْبُتُ نُورٌ مِنْهَا، وَيَحُلُّ فِيهِ رُوحُ الْقُدُسِ رُوحُ اللَّهِ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْحَيَلِ وَالْقُوَّةِ، رَوْحُ الْعِلْمِ وَخَوْفِ اللَّهِ.
وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ يَكُونُ أَصْلُ يَسي آيَةً لِلْأُمَمِ، وَبِهِ يُؤْمِنُونَ وَعَلَيْهِ يَتَوَكَّلُونَ، وَيَكُونُ لَهُمُ التَّاجُ وَالْكَرَامَةُ إِلَى دَهْرِ الدَّاهِرِينَ).
وَالْجَوَابُ: إنَّ هَذَا الْكَلَامَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِصِحَّةِ نَقْلِهِ عَنِ النَّبِيِّ، وَصِحَّةِ التَّرْجَمَةِ لَهُ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ – هُوَ حُجَّةٌ عَلَى النَّصَارَى لَا لَهُم، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ خَالِقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّ الْمَسِيحَ –عَلَيْهِ السَّلَامُ– أُيِّدَ بِرُوحِ الْقُدُسِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَيَحِلُّ فِيهِ رُوحُ الْقُدُسِ، وَرُوحُ اللَّهِ، وَرُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، وَرُوحُ الْحَيَلِ وَالْقُوَّةِ، رَوْحُ الْعِلْمِ وَخَوْفِ اللَّهِ)، وَلَمْ يَقُلْ تَحِلُّ فِيهِ حَيَاةُ اللَّهِ – فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَ حَلَّ فِيهِ اللَّهُ أَوِ اتَّحَدَ بِهِ، وَلَكِنْ جَعَلَ رُوحَ الْقُدُسِ هِيَ رُوحَ، وَهِيَ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ وَالْعِلْمِ، وَهِيَ رُوحُ الْحَيَلِ وَالْقُوَّةِ.
كَمَا أَنَّ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ (أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي قُبَّةِ الزَّمَانِ حَلَّتْ فِيهِمْ رُوحُ الْحِكْمَةِ رُوحُ الْفَهْمِ، رُوحُ الْعِلْمِ).
فَهِيَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْهُدَى وَالنَّصْرُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ فَقَالَ: هِيَ رُوحُ اللَّهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ[المجادلة:22]
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا[الشورى:52] وَقَالَ تَعَالَى: يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ [النحل:2]
فَمَا أَنْزَلَهُ يُسَمَّى هَدْيَ اللَّهِ.
– الشيخ: هدى هدى الله، هدى هدى.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، فَمَا أَنْزَلَهُ يُسَمَّى هُدَى اللَّهِ، وَرُوحَ اللَّهِ، وَوَحْيَ اللَّهِ، وَنُورَ اللَّهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَالَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنْبِيَاءَهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ[الأنعام:88-84]
وَقَالَ تَعَالَى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى[طه:123]
وَسَمَّاهُ نُورَ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[النور:35]
فَهَذَا هَدْيُ اللَّهِ.
– الشيخ: هُدى الله.
– القارئ: فهذا هدى اللهِ، أحسنَ اللهُ إليكم، وَنُورُ اللَّهِ، فَهَذَا هُدَى اللَّهِ، وَنُورُ اللَّهِ هُوَ رُوحُ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا[الشورى:52]
وَقَالَ تَعَالَى: أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ[المجادلة:22]
قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: فصلٌ.
– الشيخ: اللهُ المستعانُ، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، نعم.
– القارئ: قَالُوا: وَقَالَ أَشْعِيَا أَيْضًا: "مِنْ أَعْجَبِ الْأَعَاجِيبِ أَنَّ رَبَّ الْمَلَائِكَةِ سَيُولَدُ مِنَ الْبَشَرِ".
– الشيخ: لا إله إلّا الله، نعم.
– القارئ: فَيُقَالُ: مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ كَلَامٌ وَبَعْدَهُ كَلَامٌ، وَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ لُغَةٍ إِلَى لُغَةٍ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
– الشيخ: لَمْ يُرِدْ، أو لَمْ يُرَدْ.
– القارئ: مشكولة عندي هكذا أحسنَ اللهُ إليك.
– الشيخ: لا، وش عندك أيش؟
– القارئ: يَرِدْ.
– الشيخ: أنّه لم أيش؟
– طالب: عندنا بالضم.
– الشيخ: لا يُرَدْ، يُرِدْ يُرِدْ، من الإرادةِ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم.
– الشيخ: ونحنُ نعلمُ قطعاً أنه لَمْ يُرِدْ، ها.
– القارئ: وَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُولَدُ مِنَ الْبَشَرِ، وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ رَبَّ الْمَلَائِكَةِ فَقَط، فَإِنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، لَكِنْ قَدْ يُرِيدُ أَنَّهُ يُولَدُ مِنَ الْبَشَرِ مَنْ سَيَكُونُ سَيِّدَ الْمَلَائِكَةِ تَخْدِمُهُ وَتُكْرِمُهُ، كَمَا سَجَدَتِ الْمَلَائِكَةُ لِأَبِي الْبَشَرِ آدَمَ.
وَالنَّصَارَى يُسَلِّمُونَ أَنَّ اللَّاهُوتَ مَا هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنَ الْبَشَرِ.
– الشيخ: أن اللَّاهوت، يسلّمون أنّ اللاهوت أيش؟
– القارئ: مَا هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنَ الْبَشَرِ.
– الشيخ: كأنّه ليسَ متولداً، كأنَّ هذا هو معنا ما هو، ليس متولداً من البشر.
– القارئ: "ما" نافية.
– الشيخ: أي ما نافية بس يعني يسلِّمون أن اللاهوت ليسَ متولداً من البشرِ، بل حلَّ اللاهوتُ في الناسوتِ، والمتولِّدُ من البشرِ هو الناسوتُ، يعني الجانبُ البشريُّ، لأنَّ المسيحَ عندهم فيه عنصرين، عنصر الإنسان وعنصر الإله، والنصارى نعم، يسلمون ها.
– القارئ: وَالنَّصَارَى يُسَلِّمُونَ أَنَّ اللَّاهُوتَ مَا هُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنَ الْبَشَرِ، وَإِنَّمَا الْمُتَوَلِّدُ مِنَ الْبَشَرِ هُوَ النَّاسُوتُ.
– الشيخ: صحّ صحّ.
– القارئ: وَلَيْسَ هُوَ رَبَّ الْعَالَمِينَ بِالِاتِّفَاقِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ إِنْ قُدِّرَ سَلَامَتُهُ مِنَ التَّغْيِيرِ.
وَنَظِيرُ هَذَا مَا عِنْدَهُمْ فِي إِنْجِيلِ مَتَّى: (إنَّ ابْنَ الْإِنْسَانِ يُرْسَلُ مَلَائِكَتَهُ، وَيُجْمَعُونَ كُلَّ الْمُلُوكِ رُبًا عَلَى الْأُمَمِ فَيُلْقُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، وش يقول؟ مرة ثانية العبارة هذه نسمعها.
– القارئ: إنَّ ابنَ الإنسانِ.
– الشيخ: أيش يقول؟ يقول [….] ولا أيش.
– القارئ: وَنَظِيرُ هَذَا مَا عِنْدَهُمْ فِي إِنْجِيلِ مَتَّى.
– الشيخ: في إنجيلِ متّى، نعم.
– القارئ: إن ابْنَ الْإِنْسَانِ يُرْسِلُ مَلَائِكَتَهُ، وَيَجْمَعُونَ كُلَّ الْمُلُوكِ رُبًا عَلَى الْأُمَمِ.
– الشيخ: وَيَجْمَعُونَ كُلَّ الْمُلُوكِ أيش؟
– القارئ: رُبًا.
– الشيخ: ما أدري الكلمة؟
– طالب: رُبًا.
– القارئ: كأنّه من فوق أو كذا.
– الشيخ: رُبًا؟
– القارئ: رُبًا أحسنَ اللهُ إليكَ.
– الشيخ: أقول رُبا.
– القارئ: نعم.
– الشيخ: أي "ربى" جمع "ربوة" يعني، ما أدري والله، كلام.
– القارئ: (فَيُلْقُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ) قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ: لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ رَبُّ الْأَرْبَابِ، وَلَا أَنَّهُ خَالِقُ الْمَلَائِكَةِ، بَلْ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ أَوْصَى الْمَلَائِكَةَ بِحِفْظِ الْمَسِيحِ بِشَهَادَةِ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: (إِنَّ اللَّهَ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ لِيَحْفَظُوكَ).
ثُمَّ شَهَادَةِ (لُوقَا): إنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ لَهُ مَلَكًا مِنَ السَّمَاءِ لِيُقَوِّيَهُ، قَالَ: "وَإِذَا شَهِدَ الْإِنْجِيلُ بِاتِّفَاقِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ بِأَنَّ اللَّهَ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِالْمَسِيحِ فَيَحْفَظُونَهُ، عُلِمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُطِيعُ لِلْمَسِيحِ بِالْأَمْرِ، وَهُوَ وَالْمَلَائِكَةُ فِي خِدْمَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".
وَقَالَ الْمَسِيحُ لِتَلَامِيذِهِ: "مَنْ قَبِلَكُمْ فَقَدْ قَبِلَنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي فَقَدْ قَبِلَ مَنْ أَرْسَلَنِي".
وَقَالَ الْمَسِيحُ: "مَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ النَّاسِ أَنْكَرْتُهُ قُدَّامَ مَلَائِكَةِ اللَّهِ".
وَقَالَ لِلَّذِي ضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ: "أَغْمِدْ سَيْفَكَ، وَلَا تَظُنَّ أَنْ لَا أَسْتَطِيعَ أَنْ أَدْعُوَ اللَّهَ الْأَبَ فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ جَوْقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ".
– الشيخ: جَوْقًا؟
– القارئ: نعم أحسنَ اللهُ إليكم.
– الشيخ: في على جَوْقًا شيء؟
– القارئ: ما بس نسبَها للإنجيلِ بس.
– الشيخ: …
– طالب: في نسخة عندي، أكثر من عشر.. أكثر من اثني عشر جيشاً.
– الشيخ: بدل جوقاً جيشاً؟
– طالب: جيشاً.
– الشيخ: أكثر من اثني عشر.
– طالب: جيشاً.. هذه النسخة في إنجيلِ متّى.
– الشيخ: أي، خلوه خلوه امشوا، بعده.
– القارئ: قال رحمه الله تعالى: فصلٌ.
قَالُوا: وَمِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى أَفْوَاهِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ -شَيْءٌ كَثِيرٌ عِنْدَ النَّصَارَى جَمِيعِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ أَلْسِنَتُهُمُ الْمُفَرَّقِينَ فِي سَبْعَةِ أَقَالِيمِ الْعَالَمِ الْمُتَمَسِّكِينَ بِدِينِ النَّصْرَانِيَّةِ- قَوْلٌ وَاحِدٌ وَنَصٌّ وَاحِدٌ، عَلَى مَا تَسَلَّمُوهُ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ حِينَ أَنْذَرُوهُمْ وَرَدُّوهُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، سَلَّمُوهَا إِلَيْهِم، كُلُّ أُمَّةٍ بِلِسَانِهَا، وَهِيَ عَلَى هَيْئَتِهَا إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.
وَالْجَوَابُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْقَوْلَ فِي سَائِرِ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنَ النُّصُوصِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ، وَبَيَّنُوا مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ لِمَعَانِي الْكُتُبِ الَّتِي عِنْدَهُم، وَذَكَرُوا مِمَّا عِنْدَهُمْ مِنَ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ بِأَنَّ الْمَسِيحَ عَبْدُ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ اللَّهَ -مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ بُطْلَانُ قَوْلِهِم.
– الشيخ: صحّ، نعم.
– القارئ: وَأَنَّهُمْ مِمَّنْ تَرَكُوا الْمُحْكَمَ مِنَ الْآيَاتِ وَاتَّبَعُوا الْمُتَشَابِهَ، وَلِهَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى فِيهِم: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران:7]
وَهَذَا كَقَوْلِ الْمَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا سُئِلَ عَنْ عِلْمِ السَّاعَةِ فَقَالَ: (لَا يَعْلَمُهَا إِنْسَانٌ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلَا الِابْنُ إِلَّا الْأَبُ فَقَط) فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ عِلْمَ السَّاعَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَيْئَيْنِ: عَلَى أَنَّ اسْمَ الِابْنِ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى النَّاسُوتِ دُونَ اللَّاهُوتِ، فَإِنَّ اللَّاهُوتَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْفَى عَنْهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِابْنَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ، وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ بِالِاتِّحَادِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الِاتِّحَادُ حَقًّا كَمَا يَزْعُمُونَ لَكَانَ الِابْنُ يَعْلَمُ مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ، وَيَقْدِرُ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ هُوَ اللَّهُ عِنْدَهُم، وَالنَّاسُوتُ لَا يَتَمَيَّزُ عِنْدَهُمْ عَنِ اللَّاهُوتِ فِيمَا يُوصَفُ بِهِ الْمَسِيحُ مِنْ كَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا يُحْيِي وَيُمِيتُ.
وَقَالَ الْمَسِيحُ لِتَلَامِيذِهِ: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَآمِنُوا بِي) وَقَالَ أَيْضًا: (مَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلَيْسَ يُؤْمِنُ بِي فَقَطْ بَلْ وَبِالَّذِي أَرْسَلَنِي)، وَهُمْ يَذْكُرُونَ أَنَّ الْمَسِيحَ –عَلَيْهِ السَّلَامُ– اسْتَصْرَخَ اللَّهَ قَائِلًا: (إِلَهِي إِلَهِي انْظُرْ لِمَاذَا تَرَكْتَنِي وَتَبَاعَدْتَ عَنْ خَلَاصِي).
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُم: إِنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَسَائِرِ النُّبُوَّاتِ؛ تَسَلَّمُوهَا مِنَ الْحَوَارِيِّينَ كُلُّ أُمَّةٍ بِلِسَانِهَا، وَهِيَ عَلَى هَيْئَتِهَا قَوْلٌ لَمْ يُقِيمُوا عَلَى صِحَّتِهِ دَلِيلًا، بَلِ ادَّعَوْا ذَلِكَ دَعْوَى مُجَرَّدَةً.
وَمِثْلُ هَذَا النَّقْلِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِالتَّوَاتُرِ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ، لَا سِيَّمَا إِذْ قِيلَ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: إِنَّ هَذَا.
كأنَّه في بياض أحسنَ اللهُ إليكَ؟
– الشيخ: ها؟
– القارئ: كأنّه في بياض ولا؟
طالب: …
– القارئ: وَمِثْلُ هَذَا النَّقْلِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِالتَّوَاتُرِ لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ، لَا سِيَّمَا إِذْ قِيلَ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: إِنَّ هَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَلْسِنَةِ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِهِ إِنْجِيلٌ قَدِيمٌ، وَمِنْ ذَلِكَ لِسَانُ الْعَرَبِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ النَّصَارَى كَثِيرُونَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَلَا تَعْرِفُ تَوْرَاةً وَلَا إِنْجِيلًا وَلَا نُبُوَّاتٍ عَرَبِيَّةً، إِلَّا مَا عُرِّبَ مِنَ النُّسَخِ الْعِبْرِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ، وَنَحْنُ نُطَالِبُهُمْ بِهَذِهِ الْكُتُبِ الَّتِي هِيَ بِالْعَرَبِيَّةِ الَّتِي فِي زَمَنِ الْحَوَارِيِّينَ أَيْنَ هِيَ؟ وَمَنْ رَآهَا؟ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَهَذِهِ النُّسَخُ الْيَوْمَ الْعَرَبِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ بِأَيْدِي النَّاسِ هِيَ مِمَّا عُرِّبَ مِمَّا بِأَيْدِيهِم، وَحِينَئِذٍ فَلَا تُعْرَفُ، أحسنَ اللهُ إليكم، فَلَا تُعْرَفُ صِحَّتُهَا إِنْ لَمْ تُعْرَفْ صِحَّةُ التَّرْجَمَةِ، وَيَثْبُتْ نَقْلُ تِلْكَ عَنِ الْمَسِيحِ –عَلَيْهِ السَّلَامُ–، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَلْسُنِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ التَّوْرَاةَ وَالنُّبُوَّاتِ الَّتِي نُقِلَتْ مِنْ نُسَخِ الْيَهُودِ وَالْأَنَاجِيلِ هِيَ أَرْبَعَةُ كُتُبٍ بَعْدَ الْمَسِيحِ –عَلَيْهِ السَّلَامُ–، اثْنَانِ مِمَّنْ كَتَبَهَا لَمْ يَرَيَا الْمَسِيحَ، وَهُمَا لُوقَا، وَمُرْقُسُ، وَاثْنَانِ رَأَيَاهُ، وَهُمَا يُوحَنَّا، وَمَتَّى.
– الشيخ: نعم؟ اثنان؟
– القارئ: اثْنَانِ مِمَّنْ كَتَبَهَا لَمْ يَرَيَا الْمَسِيحَ، وَهُمَا لُوقَا، وَمُرْقُسُ، وَاثْنَانِ رَأَيَاهُ، وَهُمَا يُوحَنَّا، وَمَتَّى.
وَالنُّسَخُ إِنَّمَا كَثُرَتْ عَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَمَا يَنْقُلُهُ الْأَرْبَعَةُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا مَعْلُومًا، وَإِذَا كَثُرَتِ الْأَلْسُنُ بِهَا فَمِنْ بَعْدِ الْأَرْبَعَةِ، لَا أَنَّ الَّذِينَ سَمِعُوهَا مِنَ الْمَسِيحِ –عَلَيْهِ السَّلَامُ– تَكَلَّمُوا بِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ لِسَانًا، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، وَلَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، إِذِ الْحَوَارِيُّونَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ لَمْ يَكُونُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُ نَقَلَهَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ، فَهُمْ نَقَلُوهَا عَمَّنْ نَقَلَهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ، وَهُمْ إِنَّمَا يُسْنِدُونَ نَقْلَهَا إِلَى أَرْبَعَةٍ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ.
– الشيخ: متواصلٌ الكلام؟
– القارئ: أي متواصل.
– الشيخ: خلاص قفْ عليه، الخامس.
– القارئ: إلى العاشر.