file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) طلاق الحائض

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح "بلوغ المرام مِن أدلّة الأحكام" (كتاب الطّلاق)
الدّرس الأول

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ. قال الحافظُ ابنُ حجر -رحمه الله تعالى- في "بلوغِ المرام":
كتابُ الطَّلاق
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَرَجَّحَ أَبُو حَاتِمٍ إرْسَالَهُ.
– الشيخ: الله المستعان، الطَّلاقُ هو: حلُّ عقدِ النِّكاحِ، وهذا شريعةٌ، شَرعَ اللهُ الطلاقَ لما فيه من حكمةٍ ومصلحةٍ؛ لأنَّه قد تقتضي الحياةُ عدمَ الاستمرارِ، كما إذا حَصَلَ الشِّقاقُ ولمْ يتحقق بينَ الزوجينِ الوِئامُ والحبُّ والمودَّةُ، أو أكثر من ذلكَ بينَهما خلافٌ، فاللهُ جعلَ لهما حَلَّاً وهو الطَّلاقُ، وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [النساء:130]
وفي هذا الحديثِ دَلالةٌ على كراهةِ الطلاقِ، والطلاقُ -يقولُ أهلُ العلمِ أنه-: تجري فيهِ الأحكامُ الخمسةُ، يجبُ ويُحرم ويُستحَبُّ ويُباحُ، كما سيأتي بعضُ ذلكَ.
(أَبْغَضُ الْحَلَالِ)، هذا فيه النصُّ على أنه حلالٌ لكنَّ اللهَ يُبغضُهُ، فأباحَه -سبحانَه وتعالى-؛ لأنَّ الحاجةَ تدعو إليه، تَمَسُّ الحاجة إليه في بعضِ الأحيانِ، بل الضرورةُ، (أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ).
– القارئ: أحسن الله إليكم، يصحُّ إطلاقُ البُغْضِ على شيءٍ من الشَّريعةِ؟ بعضُهم الحديثُ ضَعَفَّهُ. الحديثُ لم يُصححْهُ إلا الحاكم ولكنَّ أهلَ العلمِ ضَعَّفوهُ.
– الشيخ: ولهذا لم نقلْ بالتَّحريمِ، لو صحَّ الحديثُ كانَ حراماً، لكنَّه أُخِذَ منه الكراهةُ.
 
– القارئ: وهل يصحُّ أنْ يُطلَقَ على شيءٍ من الشريعةِ التي شرعَها الله أنَّ اللهَ يُبْغِضُهَا؟ أنها مبغوضةٌ لله -سبحانه وتعالى-؟
– الشيخ: لا إله إلا الله، الله المستعان، لا، ما دامَ أنَّ الحديثَ لم يصح، ما نقول، نقولُ: مكروه، الكراهة كراهةُ التنزيهِ.
– القارئ: الصنعانيُّ يقولُ: "وَمَثَّلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ للْمَبْغُوضِ مِنْ الْحَلَالِ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ".
– الشيخ: لا، هذا عندَ مَنْ يقولُ: أن تركَ الجماعةِ جائزٌ، هذا يقولُ أنه حلالٌ، لكنَّ اللهَ يُبغضُ أن يصلي الإنسانُ في بيتِه ويتركُ الجماعةَ، ولكن مَن يقولُ بالتحريمِ يقول: لا، بل اللهُ يبغضُ ذلكَ وهو حرامٌ، وليس ذلكَ بحلالٍ، لا يجوز لمنْ تجبُ عليه الجماعةُ أن يصليَ في بيتِه، هذا الكلامُ راجعٌ إلى الخلافِ في حكمِ تركِ الجماعةِ.
 
– القارئ: وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلَ عُمَرُ -رضي الله عنه- رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَتْرُكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ:
(مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا)
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ "وَحُسِبَتْ تَطْلِيقَةٌ". 
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: "أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَنِي أَنْ أُرَاجِعَهَا ثُمَّ أُمْهِلَهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، وَأَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فَقَدْ عَصَيْت رَبَّكَ فِيمَا أَمَرَك رَبُّكَ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِك".
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: "فَرَدَّهَا عَلَيَّ، وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا"، وقَالَ:
(إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ).
– الشيخ: هذا الحديثُ هو الأصلُ في تحريمِ الطلاقِ في الحيضِ، وفي الطُهْرِ الذي حصلَ فيه الـمَسِيْسُ، وعُرِفَ هذا الطَّلاق: بالطلاقِ البِدْعِيِّ؛ لأنَّ الطلاقَ، في [هناك]: طلاقٌ بِدْعيٌ وطلاقُ سُنَّةٍ.
فطلاقُ السُّنَّةِ: أن يُطلقَها طاهراً طُهراً لمْ يُجامعْها فيه، أو يُطلقَها حاملاً، طلقةً واحدةً، ثمَّ يَدَعُها حتى تنقضي عدتُها، هذا هو طلاقُ السنةِ، أمَّا طلاقُها في الحيضِ فهذا بدعةٌ؛ لأنَّه خلافُ ما شرعَه الله، أو طلاقُها في الطُّهرِ الذي حصلَ فيه الـمَسيس.
والأصلُ في هذا البابِ هو حديثُ ابنِ عمرَ -رضي الله عنه-، وهو أنه طلق امرأتَهُ وهي حائض، فسألَ عمرُ -كأنَّ عمر استنكرَهُ- فسألَ النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، فأمرَهُ فقالَ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ ليُمْسكها حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثم إذا طهرَتْ، إن شاءَ أمسكَها وإنْ شاءَ طلَّقَها قبلَ أن يَمسَّهَا)، أو كما قالَ -عليه الصلاة والسلام-.
واتَّفَقَ العلماءُ على التَّحريمِ، تَحريمِ هذا الطلاقِ، الطلاقُ في الحَيضِ، أو الطلاقُ في الطُّهرِ الذي حَصَلَ فيه الـمَسيسُ.
لكن اختلفُوا في الوقوعِ، هلْ يقعُ وتُحسَبُ عليه طلقةٌ أو لا؟ قولان:
والجمهورُ على الأولِ: على أنَّه يقعُ.
وذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ -وهو اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ-: أنَّه لا يقعُ، أنَّ الطلاقَ البِدعِيَّ لا يقعُ، فإذا طلَّقَ الرجلُ امرأتَه في الحيضِ يكونُ الطلاقُ لَغْوَاً ولا يُحتسَبُ طلقةً، أو طَلَّقَهَا في طُهْرٍ جَامَعَهَا فيه؛ لأنَّهُ طلاقٌ منهيٌّ عنه، ويستدلُّون، مِنْ أدلة مَنْ لا يُوقِعُهُ أنَّهُ مخالفٌ للأمرِ، وفي الحديث: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ). والمسألة.
والحديثُ فيه -حديثُ ابن عمر- في رواياتِه، في بعضِ الرواياتِ كما سمعْنا: "ولمْ يرَهَا شيئاً"، يعني: معناها أنَّهُ لمْ يَحْتَسِبْهَا طلقةً.
وفي رواية: حُسِبَتْ، "أنها حُسِبَتْ تطليقةً"، والذين يقولونَ بالوقوعِ -أيضاً- كما يستدلُّون بهذه الروايةِ يستدلُّونَ بقوله: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا)، والمراجعةُ إنما تكونُ بعد طلاقٍ محتسَبٍ أو مُعْتَبَرٍ.
وهِيَ مسألةٌ عظيمةٌ وكبيرةٌ، وَكُلٌّ له استدلالاتُه من الجانبينِ، فالله أعلم.
 
– القارئ: ما ترجّحونَ شيء أحسن الله إليكم؟
– الشيخ: لا أنا لا أفتي فيهِ، لا أفتي فيما..
– القارئ: لا معَ الجمهور؟ ولا قول شيخ الإسلام؟
– الشيخ: لا أفتي، لا أفتي لأحدٍ بالوقوعِ، لكنّي أُرْشِدُ مَنْ يَسألُ إلى مَن يُفتي بِعَدمِ الوقوعِ، أُرشدُهُ أنْ يذهبَ مثلاً: مثل الشيخ ابن باز، ومثل المفتي الآن الظاهرُ أنه سائرٌ على منهجِ الشيخِ عبد العزيز.
– القارئ:  الشيخ ابن باز كان على قول شيخ الإسلام أحسن الله إليك.. كان على اختيار شيخ الإسلام.
– الشيخ: أي عدم الوقوع، عدم الوقوع.
– القارئ:  يعني في حالِ طلَّقَها وهي حائضٌ..
– الشيخ: أي.
– القارئلا، يُعتبَرُ لغواً؟
– الشيخ: أي، لا يُحتسبُ
– القارئ: أحسن الله إليكم
– الشيخ: لا إله إلا الله، قِفْ على هذا، الله المستعان.

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه