بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح "بلوغ المرام مِن أدلّة الأحكام" (كتاب الطّلاق)
الدّرس الحادي عشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "بلوغِ المرامِ" في تتمَّةِ بابِ العدَّةِ والإحدادِ:
وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا تُحِدُّ امْرَأَةٌ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا، إلَّا إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ، أَوْ أَظْفَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ الزِّيَادَةِ "وَلَا تَخْتَضِبُ" وَلِلنَّسَائِيِّ "وَلَا تَمْتَشِطُ"
«وعن أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبِرًا، بَعْدَ أَنْ تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنَّهُ يَشِبُّ الْوَجْهَ، فَلَا تَجْعَلِيهِ إلَّا بِاللَّيْلِ وَانْزِعِيهِ بِالنَّهَارِ، وَلَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ، وَلَا بِالْحِنَّاءِ، فَإِنَّهُ خِضَابٌ قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ؟ قَالَ: بِالسِّدْرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَعَنْهَا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ ابْنَتِي مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَنَكْحُلُهَا؟ قَالَ: لَا» متَّفقٌ عليهِ
– الشيخ: اللهُ أكبرُ، من أحكامِ عدَّةِ الوفاةِ الإحدادُ، والإحدادُ هو تركُ الزينةِ بأنواعِها، طيباً ولباساً وحلياً وأصباغاً كالكحل، وأعظمُ منه ما حدثَ ممَّا تجعلُه النساءُ على شفاهِهن من الحمرةِ، كلُّ هذا، هذا حقيقةُ الإحدادِ، والمرأةُ الَّتي بهذهِ الحالِ يُقالُ: مُحِدَّةٌ أو حَادَّةٌ، المُحدَّةُ، أن تُحِدَّ فهو من أحدٍ، لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أن تُحِدَّ، فاسمُ الفاعلِ إذاً مُحِدَّةٌ.
فدلَّ الحديثُ على تحريم الإحداد أكثرَ من ثلاثة أيَّامٍ على ميتٍ إلَّا على زوٍج، يعني من توفَّى أبوها أو أخواها أو أحدٌ؛ فيجوزُ لها يجوزُ للمرأةِ أنْ تحدَّ وتتركَ الزينةَ ثلاثةَ أيَّامٍ، ولا يجوزُ لها أنْ تحدَّ أكثرَ من ذلك، بحيث تمتنعُ من الزينةِ، وهي محتاجةٌ إليها تتركُها من أجل أنَّها في حالةِ أسىً وحزنٍ، إلَّا على زوجٍ، قالَ عليه الصلاة والسلام: "إلَّا على زوجٍ أربعةَ أشهرٍ وعشراً، وهذه هي العدَّةُ، عدَّةُ الوفاةِ بنصِّ القرآن: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] فهذه عدَّةُ الوفاةِ.
إلَّا زوجٌ، فدلَّ الحديثُ على يعني الإحداد أنَّه أنواعٌ، من حيثُ الحكم، يحرمُ الإحدادُ على غير الزوجِ أكثر من ثلاثة أيَّامٍ، والإحدادُ ثلاثة أيَّامٍ جائزٌ، جائزٌ، الإحدادُ على ميتٍ غير الزوج في الأيَّام الثلاثة جائزٌ، والزيادةُ عليها، الإحدادُ فوقَ ثلاثة أيَّامٍ حرامٌ، والإحدادُ على الزوج واجبٌ، فصارَ الإحدادُ منه ما هو جائزٌ، ومنه ما هو حرامٌ، ومنه ما هو واجبٌ، هكذا هذا ما دلَّت عليه هذه الأحاديثُ، اللهُ المستعانُ.
ودلَّت الأحاديثُ على أنَّ من الزينةِ الَّتي يُنهَى عنها الثيابُ المصبوغةُ، الملوَّنةُ أو من جنسها الثياب المزركشةُ والَّتي فيها النقوشُ والزينةُ، يعني في عند الناس شيءٌ اسمه السادة، ثوب سادة ما فيه نقوشٌ ولا تلويناتٌ ولا رسوماتٌ ولا شيءٌ، أمَّا اللي فيه رسومات فهذا من ثياب الزينة، فلا تلبسه، إذاً الإحدادُ يعني من أحكام الإحداد ألَّا تلبسَ شيئاً من الثياب –ثياب الزينة- الَّتي يُقصَدُ بها التزيُّنُ.
ولا يختصُّ الإحدادُ بالأسود، شاعَ عندَ كثيرٍ من الناس أنَّ المُحدَّ لابدَّ تلبس أسوداً، لا، هذا ليسَ بلازمٍ بل الالتزامُ به يمكن أن نقولَ: إنَّه بدعةٌ، الالتزامُ باللباسِ الأسودِ هذا بدعةٌ لم يأتِ فيه إرشادٌ من الشارع، من الرسولِ -صلى الله عليه وسلَّمَ- لكن تلبسُ الثيابَ السادةَ العاديةَ الَّتي لا تُقصَدُ في العرف، لا تُقصَدُ في العرف للزينة.
وجاءَ في الرواياتِ أنَّ من أحكامِها أنَّها لا تختضبُ، يعني من أنواعِ الزينةِ أنَّ الخضابَ في يديها ورجليها وكذلك الامتشاطُ، لكن جاءَ في بعضِ الرواياتِ أنَّ المنهيَّ عنه الامتشاطُ بما فيه الطيبُ، أمَّا أن تمتشطَ بما لا طيبَ فيه كالسدرِ مثلاً فلا بأسَ به، هذا ما تقضي به مجموعُ هذه الأحاديثِ والرواياتِ، لا إله إلَّا الله
– القارئ: الدهانُ -أحسنَ الله إليكم- ما تضعُه على رأسها؟
– الشيخ: الغيرُ مطيِّبٍ يجوزُ
– القارئ: جميعُها مطيَّبةٌ، لا يوجدُ.. جميعُ ما في الأسواقِ مُطيَّبٌ
– الشيخ: لا تستعملُه إذاً
– القارئ: وكذلك الكريمات؟
– الشيخ: كلُّها كلُّها مادامتْ مطيَّبةً، سبحان الله والحمدُ لله، طيب اقرأ شيئاً من الشروحِ على هذا الشيءِ
– القارئ: السوادُ أحسنَ اللهُ إليكم
– الشيخ: اللي تشوف فيه فائدة.
– القارئ: اللَّونُ السَّوادُ، هنا قالَ الصَّنعانيُّ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَادَّةِ لُبْسُ الْمُعَصْفَرَةِ، وَلَا الْمُصبَّغةِ إلَّا مَا صُبِغَ بِسَوَادٍ فَرَخَّصَ فِيهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِكَوْنِهِ لَا يُتَّخَذُ لِلزِّينَةِ بَلْ هُوَ مِنْ لِبَاسِ الْحُزْنِ
– الشيخ: بل هو من لباس الحزنِ، يعني: جائزٌ ولكنَّه يعني أنَّ الالتزامَ به فيه… يعني جائزٌ وليسَ بمشروعٍ بل تركُه أولى
– طالب: الحين [الآن] الصابون كلُّه مُعطَّرٌ يا شيخ.. صابون الحمام
– الشيخ: ما علينا منه، في صابون غير مُطيِّب، طيب هات
– القارئ: نقرأ في البسَّام أحسنَ اللهُ إليكم؟ شرحُ الأحاديثِ الثلاثة؟
– الشيخ: بس يعني هذا اللي عند الصنعانيّ؟ جاب ابن عبد البرّ؟
– القارئ: لا ذكر الصنعانيّ، ذكرَ سبعَ مسائلٍ على حديثِ أم عطية
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، طيب هات البسَّام نشوف، لأنَّه مُعاصِرٌ
– القارئ: إي البسَّام شرح الأحاديث الثلاثة جميعاً
– الشيخ: أي هات هات
(توضيحُ الأحكامِ مِن بلوغِ المرامِ)
– القارئ: قالَ رحمَهُ اللهُ: ما يُؤخَذُ مِن الأحاديثِ:
أوَّلاً: جوازُ الإحدادِ على الميتِ -غيرِ الزَّوجِ- ثلاثةَ أيَّامٍ فأقلَّ
– الشيخ: هذا الإحدادُ الجائزُ، هذا واحدٌ
– القارئ: وذلكَ إعطاءُ للنَّفسِ حظَّها مِن التَّرويحِ، وإبداءُ التَّأثُّرِ، وقيامًا بحقِّ القرابةِ، وتحريمُهُ أكثرُ مِن ثلاثٍ؛ للخبرِ الصَّحيحِ
– الشيخ: هذه الفائدةُ الثانيةُ
– القارئ: ثانياً: وجوبُ الإحدادِ على الزَّوجِ مدَّةَ أربعةِ أشهرٍ وعشرةِ أيَّامٍ لغيرِ الحاملِ؛ قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ..
– الشيخ: لغيرِ الحاملِ، فالحاملُ تُحِدُّ ما دامتْ، فإذا وضعتْ خرجتْ من العدَّةِ وسقطَ عنها الإحدادُ
– القارئ: قالَ تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] أمَّا الحاملُ: فتعتدُّ وتُحِدُّ مدَّةَ الحملِ، قصرَتْ أو طالَتْ، قالَ تعالى: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطَّلاق:4]
– الشيخ: في المطلَّقات وفي المتوفَّى عنهنَّ، عامّ
– القارئ: ثالثاً: والإحدادُ -كما تقدَّمَ- هوَ لزومُ البيتِ الَّذي توفِّي زوجُها فيهِ وهيَ تسكنُهُ
– الشيخ: هذا سيأتي
– القارئ: وتركُ كلِّ ما يدعو إلى نكاحِها مِن الزِّينةِ في ثيابِها وبدنِها، فتجتنبُ ثيابَ الشُّهرةِ والزِّينةِ، كما تجتنبُ الزَّينةَ في البدنِ مِن الطِّيبِ، والحناءِ، والكحلِ، والصِّباغِ، والمساحيقِ، والمعاجينِ..
– الشيخ: والحديثُ صريحٌ في هذا، في شأنِ المرأةِ الَّتي اشتكَتْ عينَها أو اشتكَتْ عينُها فنهاها النبيُّ -عليه الصلاة والسلامُ- عن الكحل، فالكحلُ زينةٌ، من الزينة، فمن اشتكتْ عينُها تعالجُها بغيرِ الكحلِ.
– القارئ: الَّتي جرَتْ عادةُ النِّساءِ أَنْ يلمِّعْنَ بها وجوهَهنَّ، وتبقى في لزومِ البيتِ، واجتنابِ الزِّينةِ حتَّى
– الشيخ: يعني ما يجوزُ ما يسمّونه مكياج وحمرة و.. أشدّ، هذا أشدُّ من الكحلِ.
– القارئ: واجتنابِ الزِّينةِ حتَّى تُنهيَ مدَّةَ العدَّةَ، إمَّا بانقضاءِ المدَّةِ، وإمَّا بوضعِ الحملِ.
يجوزُ مِن الطِّيبِ قطعةٌ تضعُهُ على مكانِ مخرجِ الحيضِ، إذا انقطعَ دمُ الحيضِ وطهرَتْ؛ لتزيلَ بهِ الرَّائحةَ الكريهةَ المترتِّبةَ على خروجِ الدَّمِ تلكَ المدَّةِ.
خامساً: في الحديثِ عظمُ حقِّ الزَّوجِ على زوجتِهِ؛ حيثُ حرَّمَ عليها الشَّرعُ هذهِ الأشياءَ المباحةَ تلكَ المدَّةَ كلَّها، قيامًا بحقِّهِ، وصيانةً لفراشِهِ.
– الشيخ: حتَّى ولو لم يدخلْ بها، يعني فحكمُ العدَّةِ وحكمُ الإحدادِ لازمٌ للمتوفَّى عنها مطلقاً، سواءٌ دخلَ بها أو لم يدخلْ، كثيراً ما يحدثُ أنَّه يموت الزوجُ بعد العقد على المرأةِ فيلزمها الإحدادُ، تلزمها العدَّةُ ويلزمُها الإحدادُ في تلك المدَّةِ..
– القارئ: قيامًا بحقِّهِ، وصيانةً لفراشِهِ، وإظهارًا للحزنِ والأسى عليهِ
– الشيخ: الله أكبرُ
– القارئ: سادساً: إنَّ المُحِدَّةَ ليسَتْ ممنوعةً مِن التَّنظيفِ في بدنِها وثيابِها؛ فإنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-
– الشيخ: التنظيفُ ما هو، أقولُ: نظافة ما في إضافة، بالاغتسالِ وما أشبهَ ذلك هذا فيه نظافةٌ وليسَ فيه زينةٌ
– القارئ: فإنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أَذِنَ لأمِّ سلمةَ وهيَ مُحِدَّةٌ بالتَّنظيفِ بالسِّدرِ؛ فالممنوعُ هوَ الزِّينةُ، لا النَّظافةُ
– الشيخ: نعم الممنوعُ الزينةُ بأنواعها، منها الطيبُ
– القارئ: سابعاً: ليسَتْ المُحِدَّةُ ممنوعةً مِن مخاطبةِ الرِّجالِ الأجانبِ عندَ الحاجةِ إلى ذلكَ؛ فإنَّ الشَّارعَ لم ينهَ عنهُ.
– الشيخ: هذا تنبيهٌ على عادةٍ جاهليَّةٍ، وهي شائعةٌ كثيرةٌ جدَّاً، وهي أنَّ المحدَّةَ ما يسلِّمُ عليها أحدٌ من الرجال، لا من قرابتِها ولا من قرابةِ الزوج، ولا ترى كذا ولا ترى كذا، وهذا لا أصلَ له، بل يمكنُ أن يسلِّمَ عليها من يُسلَّمُ عليه في العادةِ، ويمكن يعزّيها، يعزّيها مثلاً أخو زوجِها يمكن يُعزِّيها، ابن عمه يمكن يعزيها، يكلِّمُها يعزِّيها، فهذا لا أصلَ له بل هو من الأمور الَّتي شاعتْ عندَ الجُهّالِ.
– القارئ: ثامناً: النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- لم يأذنْ للمحدَّةِ في الكحلِ، إلَّا لأنَّهُ زينةٌ في العينينِ، لا لأنَّه علاجٌ، فهوَ مباحٌ لها أنْ تعالجَ سائرَ بدنِها عندَ الحاجةِ.
الاكتحالُ -أحسنَ اللهُ إليكم- الصَّنعانيُّ قالَ على قولِهِ "ولا تكتحلُ" قالَ: دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِهَا مِنْ الِاكْتِحَالِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ -رحمَهُ اللهُ-: وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهَا لَا لَيْلًا، وَلَا نَهَارًا وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ الْبَابِ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ «أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَخَافُوا عَلَى عَيْنِهَا فَأَتَوْا النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَاسْتَأْذَنُوهُ
– الشيخ: تعالجُه بغيرِ الكحلِ، هو بس ابن حزم أتى بها كأنَّها يدفع يريدُ يردُّ على أحدٍ ترخَّصَ أو رخَّصَ فيها قالَ: عندَ الحاجةِ.
– القارئ: ابنُ عبدِ البرِّ، سيذكرُهُ الآنَ، قالَ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا عِنْدِي، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِحَدِيثِهَا الْآخَرِ النَّاهِي عَنْ الْكُحْلِ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى الْعَيْنِ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عرفَ مِنْ الْحَالَةِ الَّتِي نَهَاهَا أَنَّ حَاجَتَهَا إلَى الْكُحْلِ خَفِيفَةٌ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ وَالْإِبَاحَةُ فِي اللَّيْلِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِذَلِكَ
– الشيخ: إي إذا توقَّفَ علاجُها على الكحلِ ما أدري، لكنَّ الكحلَ الأصلُ أنَّه زينةٌ لا علاجٌ، فتُعالَجُ بغير الكحل، بغير الكحل الَّذي يؤولُ إلى الزينةِ، والحمدُ لله ربِّ العالمين، ابن حزم بظاهريتِه يقولُ: ولو، ولو -هذا على سبيل التغليظِ- ولو ذهبتْ عيناها، رحمَه اللهُ، لأنَّ الحديثَ صحيحٌ وصريحٌ
– القارئ: اشتكَتْ عينَها
– الشيخ: اشتكَتْ عينُها، الظاهرُ أنَّه يجوز تقولُ: اشتكت هي عينَها، أو اشتكَتْ عينُها
– القارئ: مفعولٌ به وفاعلٌ
– الشيخ: نبَّه على هذا هو عندك؟
– القارئ: إي نبَّه هو.. نبَّه جميعُ الشرَّاحِ، الصنعانيّ
– الشيخ: أي معروف يعني
– القارئ: والبسَّام
– الشيخ: يأتي معنى هذا أن اشتكى يأتي لازماً ومتعدّياً، اشتكتْ عينَها متعدٍّ يصبحُ، اشتكتْ المرأةُ عينَها، واشتكتْ عينُها لازمٌ، فاشتكى يأتي لازماً ومتعدّياً.
– القارئ: فوائدٌ
الأولى: قالَ ابنُ القيِّمِ: الإحدادُ مِن محاسنِ هذهِ الشَّريعةِ، وحكمتِها، ورعايتِها للمصالحِ على أكملِ وجهٍ؛ فإنَّ الإحدادَ على الميتِ مِن تعظيمِ مصيبةِ الموتِ، الَّتي لابدَّ أنْ تُحْدِثَ للمصابِ مِن الجزعِ، والألمِ، والحزنِ، ما هوَ مقتضى الطِّباعِ، فسمحَ لها الحكيمُ الخبيرُ في اليسيرِ مِن ذلكَ، وما زادَ
– الشيخ: هذا يعني الإحدادُ الأوَّلُ، إحدادُ ثلاثة أيَّامٍ مراعاةً للحالاتِ النفسيَّةِ، لأنَّ الإنسانَ مجبولٌ على أنَّ الحزن يمنعُه من تعاطي الأمور الَّتي فيها تفريحٌ و… والفرحُ مضادٌّ للحزنِ، فالحمدُ للهِ أباحَ اللهُ الإحدادَ، لكنَّ الإحدادَ بحكمِ أنَّه، يعني الأصلُ والغالبُ أنَّه يتعلَّقُ بالنساءِ والزينةِ فالَّذي يظهرُ أنَّه كذلك الرجل يجوز له أن يتركَ بعض الأمور الَّتي يتَّخذها للقاء الناس ولقاء الرجال، يتركُها في أيَّام الحزن الّتي… لأنَّ المعنى يقتضيه، المعنى يقتضي، يعني هل يجوز للإنسان في أيَّامه الأولى بعد وفاةِ حبيبِه يتركُ العملَ؟ يتركُ المحلَّ الدكان ما يروح؟ يجوزُ؟ يجوز له، يعني هذا تقتضيه… لو يروح واحد و.. يعني كأنَّه صار غير يعني لم يبالِ، فنحن نقولُ: ليس هذا بواجبٍ لكن هو ليسَ بمحرّمٍ، جائزٌ.
– القارئ: فسمحَ لها الحكيمُ الخبيرُ في اليسيرِ مِن ذلكَ، وما زادَ فمفسدتُهُ راجحةٌ، فمنعَ منهُ.
وأمَّا الإحدادُ على الزَّوجِ: فإنَّهُ تابعٌ للعدَّةِ بالشُّهورِ أو بوضعِ الحملِ، وهوَ مِن مقتضياتِ العدَّةِ ومكمِّلاتِها. فالمرأةُ إنَّما تحتاجُ إلى التزيُّنِ إلى زوجِها، فإذا ماتَ، وهيَ لم تَصلْ إلى آخرَ، فاقتضى تمامُ حقِّ الأوَّلِ أنْ تُمْنَعَ ممَّا تصنعُهُ النِّساءُ لأزواجِهنَّ، معَ ما في ذلكَ مِن سدِّ الذَّريعةِ إلى طمعِها في الرِّجالِ، وطمعِهم
– الشيخ: ولم تصلْ إلى آخر، ما تصلُ إلى آخر مادامتْ في العدَّة لا تصلُ، كلمة ولم تصلْ إلى آخرَ…
…
– القارئ: الثَّانيةُ: قالَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ: تلزمُ المحدَّةُ منزلَها، فلا تخرجُ بالنَّهارِ إلاَّ لحاجةٍ، ولا باللَّيلِ إلاَّ لضرورةٍ.
ويجوزُ لها سائرُ ما يُباحُ لها في غيرِ العدَّةِ، مثلُ كلامِ مَن تحتاجُ إلى كلامِهِ مِن الرَّجالِ إذا كانَتْ متستِّرةً، وهذا هوَ سنَّةُ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- الَّذي كانَ يفعلُهُ نساءُ الصَّحابةِ إذا ماتَ أزواجُهنَّ، وإنْ كانَتْ خرجَتْ لغيرِ حاجةٍ، أو باتَتْ في غيرِ منزلِها لغيرِ حاجةٍ، أو تركَتْ الإحدادَ، فتستغفرُ اللهَ وتتوبُ إليهِ، ولا إعادةَ عليها
– الشيخ: يعني الإحدادُ لا يُقضَى، يعني لو قُدِّرَ أنَّ ما بلغَ الزوجةَ وفاة زوجها إلَّا بعد مضي كذا من الزمان خلاص تنقضي، لا يصيرُ لا عليها عدّة ولا إحداد، لو لم يبلغْها إلَّا بعدَ شهورٍ خلاص، هل تقضي العدَّة؟ لا تقضي.
– القارئ: ولا إعادةَ عليها، وإنْ كانَ بقيَ منها شيءٌ، فلتتمَّهُ في بيتِها.
ولها أنْ تجتمعَ بمن يجوزُ لها الاجتماعُ بهِ في غيرِ العدَّةِ.
– الشيخ: نعم يعني من محارمِها
– القارئ: الثَّالثةُ: قالَ الشَّيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمَّدٍ، هذا ابنُ حميدٍ ولا ابن محمَّدٍ ابن عبد الوهابِ
– الشيخ: لا هو ولا الأوّل، ولد الشيخ، ولد الشيخ محمّد
– القارئ: محمَّدُ بنُ عبدِ الوهابِ اللي كانَ قاضياً […..]
قالَ الشَّيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمَّدٍ: الَّذي يظهرُ مِن كلامِ أهلِ العلمِ: أنَّ كلامَ المحدَّةِ معَ الصَّديقِ والقريبِ وغيرِهما إنْ كانَتْ ممنوعةً منهُ قبلَ الإحدادِ، فهوَ في الإحدادِ أشدُّ منعًا، وما كانَ مباحًا لها فهوَ
– الشيخ: يعني ما في جديد، العدَّةُ ما لها حكمٌ في مخاطبة المرأة للرجال، ما كانَ حراماً قبلُ فهوَ حرامٌ وما كانَ جائزٌ جائزٌ، وما كانَ مكروهاً فهو مكروهٌ.
– القارئ: أجمعَ العلماءُ على وجوبِ إحدادِ المرأةِ على زوجِها، وإنْ اختلفُوا في تفصيلِهِ وبعضِ أحكامِهِ:
فالجمهورُ: على استواءِ المدخولِ بها وغيرِها، وعلى الصَّغيرةِ والكبيرةِ، والبكرِ والثَّيِّبِ، وعلى الحرَّةِ والأَمَةِ، والمسلمةِ والكتابيَّةِ؛ هذا هو مذهبُ الجمهورِ.
وعندَ أبي حنيفةَ: لا تجبُ على الكتابيَّةِ، ولا على الصَّغيرةِ، ولا على الأَمَةِ
– الشيخ: اللهُ المستعانُ، يمكن الصغيرة غير مكلَّفة، نقولُ: أصلاً هي ما هي مكلَّفةٌ، ما تجبُ عليها الواجبات لأنَّها غير مكلَّفةٍ، والله قولُ أبي حنيفة في الصغيرةِ والذِّميَّة عندي أنَّه متوجِّهٌ، اللهُ أعلمُ، لأنَّ الإحدادَ عبادةٌ، عبادة، والذمِّيَّةُ ليستْ من أهل العبادات، واللهُ المستعان، إلى هنا يا محمَّد.