بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
شرح رسالة "مُقدِّمة التَّفسير" لشيخ الإسلام ابن تيميّة
الدَّرس: الثّاني
*** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آلِه وصحبه ومن اهتدَى بهداه. قالَ شيخُ الإسلامِ رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ: يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَلْفَاظَهُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ [النحل:44] يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا وَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي: "حَدَّثَنَا الَّذِينَ كَانُوا يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ: كَعُثْمَانِ بْنِ عفان وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَلَّمُوا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ لَمْ يُجَاوِزُوهَا حَتَّى يَتَعَلَّمُوا مَا فِيهَا مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالُوا: فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا"
– الشيخ: اللهُ أكبر اللهُ أكبر
– القارئ: وَلِهَذَا كَانُوا يَبْقَوْنَ مُدَّةً فِي حِفْظِ السُّورَةِ وَقَالَ أَنَسٌ: "كَانَ الرَّجُلُ إذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَلَّ فِي أَعْيُنِنَا"
وَأَقَامَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حِفْظِ الْبَقَرَةِ عِدَّةَ سِنِينَ قِيلَ: ثَمَانِ سِنِينَ ذَكَرَهُ مَالِكٌ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29]، وَقَالَ: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، وَقَالَ: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ [النساء:82]، وَتَدَبُّرُ الْكَلَامِ بِدُونِ فَهْمِ مَعَانِيهِ لَا يُمْكِنُ. وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2]؛ وَعَقْلُ الْكَلَامِ مُتَضَمِّنٌ لِفَهْمِهِ.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ فَهْمُ مَعَانِيهِ دُونَ مُجَرَّدِ أَلْفَاظِهِ فَالْقُرْآنُ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَأَيْضًا فَالْعَادَةُ تَمْنَعُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْمٌ
– الشيخ: إلى هنا … الحمدُ للهِ، وصلَّى الله وسلم على عبدِه ورسوله وآلِه وصحبِه.
هذا أصلٌ عظيم يُنبهُ عليه الشيخُ، وهو أنَّه يجب أن يعلمَ أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلمَ بيَّنَ لأصحابه وهو بيانٌ لأمته معانيَ القرآنِ كما بيَّنَ لهم ألفاظَه، فلم يتلُ عليهم كلامًا من غير فهمٍ لمعناه، يدلُّ لذلك قولُه سبحانه وتعالى: بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44] يقولُ – الشيخ: فإنَّ قولَه {لتُبيِّنَ}: تشمل هذا وهذا، يشملُ بيانَ الألفاظِ يعني قرأَ عليهم القرآنَ وعلَّمَه لفظَه وعلَّمَهم معانيه، فالآيةُ شاملةٌ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.
واستشهدَ الشيخ أيضًا بالأثرِ عن أبي عبدِ الرحمن السلمي من كبارِ التابعين رحمه الله ورضيَ عنه قالَ: حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآنَ كعثمانٍ رضيَ الله عنه، وعبدِ الله بن مسعود أنَّهم كانوا إذا تعلَّمُوا من النبيِّ صلى الله عليه وسلم عشرَ آياتٍ لم يتجاوزُوها حتى يتعلَّمُوا ما فيها من العلمِ والعملِ قالَا: فتعلمنا القرآنَ والعلمَ والعملَ جميعًا فيتعلَّمُوا من النبيِّ صلى الله عليه وسلم عشرَ آياتٍ فلم يتجاوزوها حتى يعلمُوا ما فيها من العلمِ وما تقتضيه من العملِ قالَ: فتعلَّمْنا القرآنَ ألفاظَه والعلمَ: وهو معاني القرآنِ، والعمل: وهو الامتثالُ لما فيه من أوامرَ ونواهي، فتعلَّمْنا القرآنَ والعلمَ والعملَ جميعًا.
جاءَ عن ابن عباسٍ قال: "التفسيرُ على أربعةِ أوجهٍ" رواه ابنُ جريرٍ وغيره عن ابنِ عباس رضيَ الله عنهما قال: "التفسيرُ على أربعةِ أوجهٍ: تفسيرٌ تعرفُه العربُ من كلامِها تفسيرًا لا يُعذَرُ أحدٌ بجهلِه، تفسيرٌ تعلمه العلماءُ، تفسيرٌ لا يعلمُه إلا اللهُ من ادَّعى علمَه فهو كاذبٌ" معلومٌ إنَّ الصحابةَ هم أصحابُ اللسانِ والقرآنِ نزلَ بلسانِهم بلسانٍ عربي مُبينٍ، فإذا قلنا إنَّ الرسولَ علَّمَهم معاني القرآنِ، يعني علَّمَهم ما يحتاجون إلى بيانِه مثلَ المعاني الشرعيةِ، المعاني الشرعية مثل: الإيمانِ والكفر والصلاةِ والصيام –المعاني الشرعية- والحج وتفصيلِ الأحكام، علَّمَهم تفصيلَ مسائلِ الرِّبَا مثلًا هذا كلُّه من بيانِ القرآنِ، القرآنُ فيه هذه الأمورُ مُجملةً، الصلاةُ مُجملةٌ بيَّنَها بقولِه وفعلِه، بيَّنَ لهم تفسيرَ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ [البقرة:43] وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ [النساء:162] بيَّنَ لهم ذلك بالقولِ وبالفعلِ وبيَّنَ لهم الصيامَ كيف يصومون؟ يُمسكون عن ماذا؟ وما الذي يُفسِدُ الصيام من المُفطراتِ؟ منها ما نصَّ الله عليه من الأكلِ والشربِ والجماعِ ومنها ما دلَّت عليه السنةُ، وما يُسنُّ وما يُستحبُّ لهذه العبادةِ، وبيَّنَ لهم كيف يحجُّون وقالَ في الصلاةِ: (صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي) وفي الحجِّ: (لتأخذُوا مناسكَكم) كلُّ هذا داخلٌ في البيانِ، في بيانِ علم القرآنِ يعني بيانَ معاني القرآنِ، هذه نصوصٌ مُجملةٌ تحتاج إلى شرحٍ -إلى تفصيلٍ- بيَّنَ لهم مثلًا ما يتعلق بأشياءَ وذكر في القرآنِ مثلًا: الحيضُ -حكمُ الحيضِ- إنَّما ذُكرَ في القرآنِ حكمُ الاعتزالِ:فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وجاءَ في السنةِ بأحكامِ الحيضِ: تركِ الصلاةِ، تركِ الصيامِ وما إلى ذلك، هذا داخلٌ في بيانِ معاني القرآن وما يرشدُ إليه القرآن.
وما أخبرَ به من أحوالِ القيامة من تمامِ بيانِ القرآن من شأنِ اليوم الآخرِ وهذا كثيرٌ كثيرٌ كثيرٌ، وما تعرفُه العرب من كلامِها هل يحتاجون يُعلِّمَهم؟ يُعلمهم معنى الشمس والقمر! يُترجمُ: "السماءَ والأرض والجبالَ والماء" هذه لا يحتاجون إلى تفسيرِها، هذه يعرفونها بلسانِهم وهو كثيرٌ يعرفونه، وممَّا يقولُ الشيخُ أنَّ القرآنَ له معانٍ يمكن فهمُها أنَّ الله أمرَ بالتدبُّرِ: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82] ذمٌّ للكفارِ الذين يُعرضون عن تدبُّرِ القرآنِ والتفكرِ في معاني، ويُبينُ تعالى أنه أنزلَ القرآنَ ليُتدبَّر: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ [ص:29] قالَ تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2] وعقلُ الكلامِ فهمُ مُرادِ المُتكلَّمِ به، والشيخُ في هذا يردُّ على من يقول: إنَّ في القرآن ما لا يفهمُه أحدٌ، ما لا يُفهمُ معناه كالمُفوِّضةِ الذين يُفسرون المُتشابهَ في قوله تعالى: مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7].
يقولون: المُتشابهُ من القرآنِ هو الذي لا يفهمُه أحدٌ يعني يُتلى ألفاظًا من غير أن يُفهمَ منه شيءٌ، فقولُه هذا يتضمنُ أن الله خاطبَ عبادَه، بل خاطبَ نبيَّه بما لا يفهمُه ولا يعقلُه فضلًا عمَّن بعدَه، ولهذا يقولُ: إنَّ التدبرَ الذي أرشدَ الله إليه وذمَّ المُعرضين عنه لا يمكن إلا في الكلامِ الذي يمكن فهمُه، أما ما لا يمكنُ فهمه فهذا لا يُؤمرُ بتدبُّرِه ما لا يمكن فهمُه أفيُؤمرُ بتدبُّرِه؟! ويُضيفُ إلى هذا أنَّ الصحابةَ كان لهم عنايةٌ، يعني لا تقفُ عنايتُهم عند حفظِ النصِّ والألفاظِ فقط كما في الأثرِ المتقدِّمِ يقرؤُون ويتعلَّمُون المعاني والعلمَ، ويستشهدُ بما جاءَ عن أنسٍ وابن عمر يقول في هذا الأثرِ: "كنا إذا قرأَ أحدُنا البقرةَ أو آل عمرانَ يعني قرأَهما حفظَهما وأدركَ ما فيها من العلومِ- جلَّ في أعيننا"، البقرةُ وآل عمران. والأثرُ المروي عن ابن عمرَ أمضى كذا سنةً في تعلمِ "سورة البقرة" هذا يعني العنايةَ بالمعاني بما تتضمنُه هذه الآياتُ، يعني مقصودُ الكلام هذا كلُّه إنَّ القرآنَ ليس المقصودُ منه تلاوةُ آياتِه، اللهُ تعبَّدَنا بتلاوتِه وبتدبُّرِه وتدبُّرِ ما فيه، والتدبُّرُ هو التأملُ في دلالاتِ القرآنِ، وذلك إنما يظهرُ عندما تستوفي الجملةُ وتستوفي الآيةُ، يعني تفكَّرْ فيها في آخرِها في دبرِها، يعني تنظرُ في أُخرياتِ الكلامِ، تدبر العواقب، فإذا قرأَ الإنسانُ الآياتَ وتأمَّلَ، ولهذا ممَّا يُعينُ على فهمِ القرآنِ معرفةُ السِّياقِ سياقِ الكلامِ، وكما سبقَتِ الإشارةُ إلى أصولِ الأصولِ التي يُعوَّلُ عليها في التفسيرِ كـَ "تفسيرِ القرآن بالقرآنِ والتفسيرِ بالسنة وأقوالِ الصحابة إلى آخره. وكذلك اعتبارُ السياقِ وأسبابِ النزول كما سيأتي.
الكلام- أي كلامٍ- الكلام الذي لا يُقصدُ معرفة معناه هذا من اللغوِ، فهل من العقلِ أن يحفظَ الإنسانُ كلامًا لا يُعقلُ معناه، تحفظ ألفاظًا بس [فقط]، تحفظُ كلامًا بلغةٍ لا تُحسنُها هذا جهلٌ وغفلةٌ وسفهٌ يعني مقصودُ الكلامِ هو معرفةُ مُرادِ المُتكلَّمِ به.
– القارئ: وَأَيْضًا فَالْعَادَةُ تَمْنَعُ أَنْ يَقْرَأَ قَوْمٌ كِتَابًا فِي فَنٍّ مِنْ الْعِلْمِ كَالطِّبِّ وَالْحِسَابِ وَلَا يستشرحوه، فَكَيْفَ بِكَلَامِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ عِصْمَتُهُمْ وَبِهِ نَجَاتُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ وَقِيَامُ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ؟ وَلِهَذَا كَانَ النِّزَاعُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ قَلِيلًا جِدًّا، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي التَّابِعِينَ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الصَّحَابَةِ فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهُمْ
– الشيخ: ما بعدَهم ولَّا [أم] من بعدَهم
– القارئ: عندي: "ما بعدَهم"
– الشيخ: في نسخٍ "من" ؟
– طالب: من
– الشيخ: "مِن" إي، بخلافِ
– القارئ: فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَكُلَّمَا كَانَ الْعَصْرُ أَشْرَفَ كَانَ الِاجْتِمَاعُ والائتلاف وَالْعِلْمُ وَالْبَيَانُ فِيهِ أَكْثَرَ وَمِنْ التَّابِعِينَ مَنْ تَلَقَّى جَمِيعَ التَّفْسِيرِ عَنْ الصَّحَابَةِ
– الشيخ: يذكرُ الشيخ في هذه الجملةِ دليلًا عقليًّا على أنَّ الصحابةَ فهموا وتعلَّمُوا معانيَ القرآنِ دليلٌ عقليٌّ يقول: العادة -يعني عادة البشر وعادة العقلاء- أنَّ أيَّ أهلَ فنٍّ لهم عنايةٌ بكتابٍ يقرؤونه ولا يستشرفونه العادةُ تمنعُ من ذلك أيَّ طائفةٍ من الناس من أصحابِ العلومِ من الطبِّ والهندسةِ يكون لديهم كتابٌ في ذلك العلمِ ثم لا يهتمون ولا يطلبونَ معرفةَ مقاصدِه -مُرادَ مُؤلِّفِه يريد- فإذا كان هذا مُمتنعٌ في العادةِ في سائرِ طوائفِ الناس فمن المُمتنعِ أن يقرأَ الصحابةُ كتابَ ربِّهم الذي هو نبراسٌ لحياتِهم وهدايتِهم ثم أنهم لا يهتمون بمعرفةِ معانيه، هذا أمرٌ مُمتنعٌ، هذا الكتابُ العظيم الذي هو حبلُ الله، هو النورُ، هو الكتابُ المُبين، الكتابُ العزيزُ، القرآنُ الحكيم، يمتنع أن تكونَ له هذه المنزلةُ ثم أنَّ الصحابةَ يكتفون بتلاوةِ ألفاظه يتلقون عن النبيِّ ألفاظَه ولا يهتمون بمعرفةِ معانيه، هذا مُمتنعٌ، والدليلُ العقليُّ صحيحٌ، دليلٌ عقليٌّ على أن الصحابةَ طلبوا معاني القرآنِ وطلبوا تفسيرَه وتعلَّمُوا تفسيرَه من نبيهم وتعلَّمَه بعضُهم من بعضٍ كغيره من العلمِ==، منهم من يتلقَّاه من النبيِّ مباشرةً ومنهم من يتلقَّاه عنه بواسطةِ بعضِهم، الشيخُ يبني على هذا الكلامِ الذي قُلنا ولهذا يقولُ: "كان اختلافُ الصحابةِ في التفسيرِ قليلٌ" لأنَّه واضحٌ عندَهم وبيِّنٌ ليس عندَهم اختلاف، والاختلافُ أكثر ما جاءَ في بعض المسائلِ الفقهية خصوصًا بعضُ مسائلِ الفرائضِ، أما تفسيرُ القرآنِ فلم يكن بينَهم فيه اختلافٌ -وإن كان هناك اختلافٌ بين التابعين- يقولُ – الشيخ: كلما كانَ الزمنُ أشرفَ كان الاجتماعُ والائتلافُ والاتفاقُ، لهذا كان بعضُ الاختلافِ في التفسيرِ بين التابعين، وكلما تقدمَ الزمنُ يعني كثرَ الاشتباهُ ممَّا ينشأُ عنه كثرةُ الاختلافِ، وفعلًا افترقَتِ الأمةُ كما أخبرَ صلَّى الله عليه وسلم.
– القارئ: وَمِنْ التَّابِعِينَ مَنْ تَلَقَّى جَمِيعَ التَّفْسِيرِ عَنْ الصَّحَابَةِ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ عَرَضْت الْمُصْحَفَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أُوقِفُهُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ وَأَسْأَلُهُ عَنْهَا وَلِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ: "إذَا جَاءَك التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُك بِهِ" وَلِهَذَا يَعْتَمِدُ عَلَى تَفْسِيرِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي التَّفْسِيرِ يُكَرِّرُ الطُّرُقَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التَّابِعِينَ تَلَقَّوْا التَّفْسِيرَ عَنْ الصَّحَابَةِ كَمَا تَلَقَّوْا عَنْهُمْ عِلْمَ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ يَتَكَلَّمُونَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِدْلَالِ كَمَا يَتَكَلَّمُونَ فِي بَعْضِ السُّنَنِ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَالِاسْتِدْلَالِ.
فصلٌ
– الشيخ: يقولُ الشيخ: إنَّ من التابعين أولًا: إجمالًا إنَّ التابعين تلقَّوا التفسيرَ عن الصحابةِ رضوان الله عليهم هذا على سبيلِ الإجمالِ، وقد يتكلمون في بعضِ الأمور بالاستنباطِ والاستدلالِ يعني مثل: التفسير باللغة. يستنبطون بعضَ المعاني من بعضِ الآيات من دلالةِ اللغةِ بالاستنباطِ، ما هو بلازمٍ أن يكون منقولًا، يعني هذا التفسيرُ يكون منقولًا ولكن في الجملةِ إنهم تلقَّوا علمَ التفسيرِ عن الصحابةِ حتى أنَّ منهم من تلقَّى كلَّ التفسيرِ، يعني واحد –شخص- كمُجاهد يقولُ: عرضْتُ المصحفَ على ابن عباسٍ ثلاثَ مرات أُوقفُه عند كل آيةٍ فأسألُه عنها وابنُ عباسٍ معروفٌ: تُرجمانُ القرآن حبرُ الأمة دعا له الرسولُ صلى الله عليه وسلم بأنْ يُعلِّمَه اللهُ الكتابَ: (اللهمَّ فقِّهه في الدِّينِ وعلِّمْه الكتابَ) وفي الروايةِ المشهورة: (وعلِّمْه التأويلَ).
ومجاهدٌ أصبح بتلقِّيه التفسيرَ عن ابن عباسٍ أصبحَ إمامَ التابعين في التفسيرِ، مجاهدٌ إمامُ المفسرين من التابعين ولعلوِّ كعبِه ومنزلته -في هذا- يعتمدُ على تفسيرِه الأئمةُ الشافعيُّ والبخاريُّ والإمامُ أحمدُ وغيرُهم يعتمدون على تفسيرهم. وقالَ الثوري: "إذا جاءَك التفسيرُ عن مجاهدٍ فحسبُك به" وهذا يدلُّ على علوِّ منزلتِه في التفسيرِ، ولكن يجب أن نعلمَ أنَّ هذا لا يلزمُ منه أن يكون كلُّ ما جاءَ عنه واجبُ القبولِ لأنه قد يحصلُ ويقعُ منه شيءٌ من الخطأِ لكن هذا هو تقييمُه ومنزلتُه على سبيلِ الإجمالِ: إمامُ التابعين في التفسيرِ، وعلى تفسيرِه يعتمد الأئمةُ وقال فيه سفيان الثوري: "إذا جاءَك التفسير عن مجاهدٍ فحسبكَ به" وأصلُ هذا الفضلِ أنه مُلازمٌ لابن عباسَ وبسبب ذلك عرضَ عليه القرآنَ من أولِه إلى آخره، أوقفَه عند كلِّ آيةٍ -يعني يسألُه عن المعاني التي من شأنِها أنَّها تخفى- كما قلتُ لكم لا يسألُه عن الأشياءِ البديهيَّاتِ الواضحة، أسماء أعلام، أسماء أجناسٍ، أشياء يعني مُمكن كلماتِ غريبة لا يعرفها مجاهد، معاني شرعية كما ذكرْت لكم في الأثرِ المرويِّ عن ابن عباسٍ: "التفسيرُ على أربعةِ أوجهٍ: تفسيرٌ تعرفُه العربُ من كلامِها" مجاهدٌ يعرفُه أو يعرفُ أكثره إلى آخره.
– القارئ: فصلٌ:
الْخِلَافُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي التَّفْسِيرِ قَلِيلٌ وَخِلَافُهُمْ فِي الْأَحْكَامِ أَكْثَرُ مِنْ خِلَافِهِمْ فِي التَّفْسِيرِ، وَغَالِبُ مَا يَصِحُّ عَنْهُمْ مِنْ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ تَنَوُّعٍ لَا اخْتِلَافِ تَضَادٍّ وَذَلِكَ صِنْفَانِ:
– الشيخ: هذا هو الأصلُ، يعني الفصلُ المُتقدِّمُ إنَّ الرسولَ بيَّنَ معاني القرآن، وأنَّ الصحابةُ عرفوا معاني القرآنَ وتفسيرَه وتلقَّاه عنهم التابعون، هذا أصلٌ مُهمٌّ، ويقطعُ الطريقَ على من يزعمُ أنَّ في القرآنِ ما لا يفهمُه أحدٌ.
والأصلُ الثاني: يقولُ – الشيخ: إنَّ اختلافَ السلفِ الصحابة والتابعين -اختلافُهم في التفسيرِ- قليلٌ كما أشارَ إليه آنفًا، اختلافُهم في التفسيرِ قليلٌ بخلافِ اختلافِهم في الأحكامِ -أحكامِ الحلالِ والحرامِ- يعني أحكامَ أفعالِ العبادِ: هذا واجبٌ، هذا مُحرَّمٌ، هذا مُستحبٌّ في العبادات، في المعاملات، فاختلافُهم في الأحكام أكثرُ من اختلافِهم في التفسير.
ويقول – الشيخ: وغالب ما يصحُّ عنهم من اختلافٍ –مثلًا في التفسيرِ لأنه هو مقصودُ الكلام في هذا الفصلِ وغيرهِ- غالب ما يصحُّ من اختلافِهم في التفسير راجعٌ إلى اختلافِ التنوعِ لا اختلافَ التضادِّ. هذا نأخذُ منه أنَّ الاختلافَ نوعان: الاختلافُ الذي يكون بين الناسِ ولكن نحن يعنينا الخلافُ الذي بين العلماءِ من السلف وغيرِهم نوعان: اختلافُ تنوعٍ واختلافُ تضادٍّ. اختلافُ التنوُّعِ: هو الاختلافُ الذي يكون كلٌّ من المُختلفَين مُصيبًا وصادقًا، ومن اختلافِ التنوعِ الاختلافُ اللفظي، الخلافُ اللفظيُّ … خلافٌ لفظيٌّ أو خلافٌ في اللفظِ فقط، وقد يكون الخلافُ ليس لفظيًّا لكنه اختلافُ تنوعٍ يعني مثل: أنواعِ السُّننِ، أنواعِ الأذكارِ، أنواعِ التشهدِ، أنواعِ الأذانِ، القراءاتِ، الخلافِ بين القرَّاءِ، اختلافُ تضادٍّ لا اختلافُ تنوعٍ، يعني كلٌّ من القراءَتين صحيحةٌ فلا تضادَّ، أما اختلافُ التضادِّ فهذا لابد أن يكون المُصيبُ أحدَ المُختلفَين، لا يكونُ كلٌّ من المختلفين مُصيبًا -في الحكمِ- يقول: هذا حلالٌ. والآخر يقول: لا، هذا الشيء حرامٌ. هذا اختلاف تضادٍّ -تقابل- فالصوابُ لا بد أن يكونَ عندَ أحدِهما، يكون أحدُهما مُصيبًا والآخرُ مخطئًا، والمُصيبُ له أجران، يعني المجتهدُ إن أصابَ فله أجران، وإن أخطأَ له أجرٌ واحد.
المقصودُ أنَّ محورَ الكلام في هذا الفصلِ يدور على تقريرِ إنَّ اختلافَ السلفِ في التفسيرِ غالبُه اختلافُ تنوعٍ: إما اختلافٌ لفظيٌّ أو اختلافُ تنوعٍ من قبيلِ تنوعِ المعاني والأحكام.
– القارئ: وَغَالِبُ مَا يَصِحُّ عَنْهُمْ مِنْ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ تَنَوُّعٍ لَا اخْتِلَافِ تَضَادٍّ وَذَلِكَ صِنْفَانِ:
– الشيخ: يعني اختلافُ التنوعِ صنفان.
– القارئ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعَبِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ الْمُرَادِ بِعِبَارَةِ غَيْرِ عِبَارَةِ صَاحِبِهِ
– الشيخ: هذا هو الاختلافُ الذي أنا سمَّيته اختلافًا لفظيًّا: أن يُعبِّرَ كلٌ من المُختلفين عن المرادِ بعبارة غير العبارةِ الأخرى، هذا اختلافٌ لفظيٌّ، الاختلافُ في أيش؟ في المعنى ولَّا [أم] في اللفظِ؟ في اللفظِ إذًا الخلافُ لفظيٌّ.
– القارئ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعَبِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ الْمُرَادِ بِعِبَارَةِ غَيْرِ عِبَارَةِ صَاحِبِهِ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى فِي الْمُسَمَّى غَيْرِ الْمَعْنَى الْآخَرِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَمَّى
– الشيخ: يُعبِّرُ بعبارةٍ تختلف، لكنه في الحقيقةِ تكون عبارتُه تدلُّ على معنىً .. يعني هذا ما هو باختلافٍ لفظيٍّ من كل وجهٍ، اختلافٌ لفظيٌّ من جهةِ بيانِ المُرادِ لكن كلٌ منهما دلَّ على المُراد بوصفٍ فيه.
– القارئ: تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى فِي الْمُسَمَّى غَيْرِ الْمَعْنَى الْآخَرِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَمَّى -بِمَنْزِلَةِ الْأَسْمَاءِ الْمُتَكَافِئَةِ الَّتِي بَيْنَ الْمُتَرَادِفَةِ وَالْمُتَبَايِنَةِ-
– الشيخ: نأخذُها خطوةً خطوة، الأسماءُ ثلاثةُ أنواعٍ -كما قرَّرَ الشيخ ذلك في مواضعَ أخرى- ثلاثةُ أنواعٍ: مُترادفةٌ ومتباينة ومُتكافئة. المُترادفة: هي ما اختلفَ لفظُه واختلفَ معناه، هذا يُقال له مُترادفٌ، المعنى واحدٌ واللفظ مُختلفٌ، نقول: هذا مُترادِفٌ مع أنَّ المترادفَ في اللغةِ العربيةِ في هذا التفسيرِ عليه اعتراضٌ كما سيأتي، مثلُ: أسماء الأسدِ وأسماءِ الخمرِ عند العرب لها أسماءٌ والأسماءُ المتباينة هي ما اختلفَت لفظًا ومعنىً: إنسانٌ وحجرٌ وماء، هذه أسماءٌ اش [ماذا] نقول عنها؟
– القارئ: مُتباينة
– الشيخ: هذه مُتباينةٌ لفظًا ومعنىً ما في [يوجد] نسبة، أما المتكافئةُ هي التي يريدها، المُتكافئةُ هي التي بينها اتحادٌ من وجهٍ، واختلافٌ أو تباينٌ من وجهٍ، فهي من الوجهِ الذي تتحدُ فيه مُترادفةٌ فنقولُ: أنَّها مُترادفة من وجهٍ. ومن جهةِ اختلافِ المعاني هي مُتباينةٌ، فهي ليست مُتباينةً مُطلقًا، وليست مُترادفةً مُطلقًا بل هي مُترادفةٌ من وجهٍ ومُختلفةٌ ومثتباينة من وجهٍ ويُسمِّيها الشيخ مُتكافئةً، فالأسماءُ المتكافئةُ: من قالَ فيها: "هذا هو هذا" هو صادق، ومن قالَ: "هذا غير هذا" هو صادقٌ هذا باعتبارِ ما اتحدَت فيه، وهذا يريدُ ما اختلفَت فيه، وسيذكرُ الشيخ لهذا أمثلةً، يعني من أمثلتِه اللغوية: السيفُ وصارمٌ وحسامٌ وفيصلٌ ومهندٌ وبتارٌ. إذا قال شخصٌ: المهندُ هو السيفُ والصارمُ هو السيفُ هو صادقٌ باعتبارِ أنَّ كلَّها أسماءٌ لهذه الآلةِ آلةِ القتالِ والحربِ، ومن قالَ: لا، المهندُ غير الصارم، المُهندُ هو المصنوعُ في الهندِ، والصارمُ هو القاطعُ، والبتَّارُ –البتار-: صيغةُ مُبالغة من البترِ، مهندٌ غير بتَّار وغير فيصل يكون هذا نظرًا إلى المعاني -إلى صفاتِ هذه الآلةِ- وسيُطبقُ الشيخُ على أشياءَ أخرى، لكن المهم هذهِ هي الأسماءُ المُتكافئة.
– القارئ: بِمَنْزِلَةِ الْأَسْمَاءِ الْمُتَكَافِئَةِ الَّتِي بَيْنَ الْمُتَرَادِفَةِ وَالْمُتَبَايِنَةِ
– الشيخ: بين المُترادفةِ والمُتباينةِ فهي مُترادفةٌ من وجهٍ ومُتباينةٌ من وجهٍ.
– القارئ: كَمَا قِيلَ فِي اسْمِ السَّيْفِ الصَّارِمُ وَالْمُهَنَّدُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى وَأَسْمَاءِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْمَاءِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ فَلَيْسَ دُعَاؤُهُ بِاسْمِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مُضَادًّا لِدُعَائِهِ بِاسْمِ آخَرَ؛ بَلْ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110] وَكُلُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ الْمُسَمَّاةِ وَعَلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الِاسْمُ. كَالْعَلِيمِ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالْعِلْمِ، وَالْقَدِيرُ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالْقُدْرَةِ، وَالرَّحِيمُ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ وَالرَّحْمَةِ. وَمَنْ أَنْكَرَ دَلَالَةَ أَسْمَائِهِ عَلَى صِفَاتِهِ مِمَّنْ يَدَّعِي الظَّاهِرَ: فَقَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ غُلَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ الْقَرَامِطَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا يُقَالُ هُوَ حَيٌّ وَلَا لَيْسَ بِحَيِّ؛ بَلْ يَنْفُونَ عَنْهُ النَّقِيضَيْنِ؛ فَإِنَّ أُولَئِكَ الْقَرَامِطَةَ الْبَاطِنِيَّةَ لَا يُنْكِرُونَ اسْمًا هُوَ عِلْمٌ مَحْضٌ كَالْمُضْمَرَاتِ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مِنْ صِفَاتِ الْإِثْبَاتِ، فَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى مَقْصُودِهِمْ كَانَ مَعَ دَعْوَاهُ الْغُلُوَّ فِي الظَّاهِرِ
– الشيخ: لا، إي، عندكم كدا؟ كانَ مع دعواه الغلوَّ، ولا في [يوجد] شيءٍ، يعني ما في نسخةٌ تختلف؟ كان مع دعواه الغلوَّ
– القارئ: فِي الظَّاهِرِ مُوَافِقًا لِغُلَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ
– طالب: …
– الشيخ: على كلِّ حالٍ، كأنه عندي "دعواه الغلوَّ"، كان مع دعواه "إنكارَ" أنا عندي أنها كذا، دعوَاه إنكارَ الغلوِّ. نعم في الظاهرِ
– القارئ: كَانَ مَعَ دَعْوَاهُ إنكارَ الْغُلُوِّ فِي الظَّاهِرِ مُوَافِقًا لِغُلَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ ذَلِكَ.
– الشيخ: يُمثِّلُ الشيخُ للأسماءِ المُتكافئة، والشيخُ كعادتِه إذا عرضَ له مسألةٌ يدخلُ فيها إما بتوسُّعٍ وإلَّا على سبيل الاختصار بمناسبةِ ذِكرِ الأسماءِ المُتكافئةِ، وأنَّ كلًّا من الـمُعبِّرين منهم من ينظرُ إلى الاتحادِ إلى ما تتحدُ فيه، ومنهم من ينظرُ إلى ما تختلفُ وتتباينُ فيه، يُمثَّلُ لهذا بالسيفِ وتقدمَ، ويُمثَّلُ لهذا بأسماءِ الرب وأسماءِ الرسولِ وأسماءِ القرآنِ، فأسماءُ الله كلُّ اسمٍ يدلُّ على ذاتِ الربِّ وصفةٍ من صفاتِه، كلُّ اسمٍ مُتضمِّنٍ لصفةٍ فأسماءُ الله كلُّها متحدةٌ باعتبار الذاتِ ومُختلفةً باعتبار الصفاتِ، السميعُ هو البصيرُ سبحانه وتعالى، العليمُ هو الحكيمُ، الحيُّ هو القيوم، صدقَ في ذلك على أساسِ أنَّها كلها أسماءٌ لمُسمَّى واحد، ومن قالَ: لا، الحيُّ غير القيوم، والسميعُ غيرُ البصيرِ، كان صادقًا باعتبارِ أن كل اسمٍ يدل من الصفاتِ غيرَ ما يدل عليه الاسمُ الآخرُ، فالعليمُ يدلُّ على ذاتِ الرب وصفةِ العلمِ، وقلْ مثلَ ذلك في السميعِ والبصيرِ والعزيزِ والحكيمِ والرحيمِ، فيدلُّ الاسمُ على الذاتِ، والصفة بالمُطابقة، ويدلُّ على أحدِ الأمرين بالتضمنِ، ويدلُّ على معنىً آخرَ خارج بطريقِ اللزومِ، فاسمُه العليمُ يدلُّ على الذاتِ والعلمِ بالمُطابقةِ، وعلى العلمِ وحدَه بالتضمن، وعلى الحياةِ بطريقِ اللزوم، وقُلْ مثلَ ذلك في أسمائِه سبحانه وتعالى، وهذا هو الحقُّ: أنَّ أسماء الله مُتضمنةٌ لصفات خلافًا لمن يزعمُ أنَّ أسماءَ الله لا تدل على صفاتٍ بل هي أعلامٌ محضةٌ وهؤلاء هم المعتزلةُ، وهذا هو مشهورُ مذهبِهم، يُثبتون الأسماءَ ولكن يجعلونها أعلامًا محضةً مُترادفةً إذا جرَّدُوها عن المعنى تصبحُ أسماءُ الله مُتباينةً أو مُترادفةً؟ مُترادفة؟! والصواب: أنها ليست مترادفةً مُطلقًا بل هي مترادفةٌ في دلالتِها على الذاتِ، متباينةٌ في دلالتِها على الصفاتِ وإن أردْنا أن نُعبِّرَ عنه نقولُ: أنها أسماءٌ مُتكافئةٌ.
ويقولُ – الشيخ: كلمة عندك كأنَّه من أهل الظاهرِ، كأني به يُشير إلى ابن حزمٍ، فإنَّ ابنَ حزمٍ يُثبتُ الأسماءَ ويأبى إطلاقَ اسم الصفاتِ فكأنه يُشيرُ -من أهلِ الظاهر- ويقول: إنَّ نفيَ دلالةِ أسماء الله هي موافقةٌ للغلاة -غلاةِ المُعطلةِ- غُلاةُ المُعطلة ما قولُهم؟ يقولون أنَّه تعالى ليس بحيٍّ ولا ليس بحيٍّ، فينفون النقيضين، ينفون عن اللهِ النقيضين، يقول: هؤلاء هم ما عندَهم مانعٌ من إطلاقِ الاسمِ دون أن يدلَّ على صفةٍ فهذا الذي يعني المعتزلة أو من وافقَهم من أهل الظاهرِ، إنهم بنفيِهم دلالةَ اسماءِ الله على الصفاتِ أنَّهم بهذا يُوافقون الغلاةَ وإن كانوا يُنكرونَ عليهم الغلوَّ فهذا النافي لدلالةِ أسماءِ الله على الصفاتِ، إنَّه بدعواه تلك يكونُ مُوافقًا للغلاة وإن كان يُنكرُ عليهم غلوَّهم. أعد الجملةَ هذه لتتضحَ إنْ شاءَ الله.
– القارئ: وَمَنْ أَنْكَرَ دَلَالَةَ أَسْمَائِهِ عَلَى صِفَاتِهِ مِمَّنْ يَدَّعِي الظَّاهِرَ:
– الشيخ: ممن يدَّعي الظاهر، أنا أقولُ: هذا إشارةٌ لعلَّه ابنُ حزم.
– القارئ: فَقَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ غُلَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ الْقَرَامِطَةِ
– الشيخ: من جنسِ قولِهم لأنَّهم ينفون الصفاتَ الثبوتيةَ عن اللهِ.
– القارئ: الَّذِينَ يَقُولُونَ: "لَا يُقَالُ هُوَ حَيٌّ وَلَا لَيْسَ بِحَيِّ؛"
– الشيخ: لا يقولون هو حيٌّ: يعني معناه أنه ليس بحيٍّ.
– القارئ: وَلَا لَيْسَ بِحَيِّ؛ بَلْ يَنْفُونَ عَنْهُ النَّقِيضَيْنِ؛ فَإِنَّ أُولَئِكَ "الْقَرَامِطَةَ الْبَاطِنِيَّةَ" لَا يُنْكِرُونَ اسْمًا هُوَ عِلْمٌ مَحْضٌ كَالْمُضْمَرَاتِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مِنْ صِفَاتِ الْإِثْبَاتِ
– الشيخ: هذا تقريرٌ لمذهبِهم، يُنكرون ما في أسمائِه الحُسنى من صفاتِ الإثباتِ.
– القارئ: فَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى مَقْصُودِهِمْ
– الشيخ: من وافقَهم على مقصودِهم من نفيِ صفاتِ الإثبات.
– القارئ: كَانَ مَعَ دَعْوَاهُ
– الشيخ: إنكارَ
– القارئ: إنكارَ الْغُلُوِّ فِي الظَّاهِرِ مُوَافِقًا لِغُلَاةِ الْبَاطِنِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ ذَلِكَ.
– الشيخ: هذه جملةٌ -يعني استطرادًا- ولكن مع ذلك يريد يمشي فيها شوي
– القارئ: وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ كُلَّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَاتِهِ وَعَلَى مَا فِي الِاسْمِ مِنْ صِفَاتِهِ. وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي فِي الِاسْمِ الْآخَرِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ
– الشيخ: بِطَرِيقِ اللُّزُومِ: كما في المثالِ، قلنا في "عليمٍ" يدلُّ على الذاتِ والصفةِ بالمُطابقةِ، وعلى أحد الأمرَين بالتضمنِ وعلى صفةٍ أخرى كالحياةِ بطريقِ اللزوم، وقُلْ مثلَ ذلك في اسمِه "السميع" يدلُّ على ذات الربِّ وعلى صفةِ السمع ويدل على الحياةِ بطريق اللزومِ.
– القارئ: وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ: "مُحَمَّدٍ وَأَحْمَد وَالْمَاحِي وَالْحَاشِرِ وَالْعَاقِبِ" وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ الْقُرْآنِ
– الشيخ: ثبتَ عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أنا محمد، وأنا أحمد) ثبتَ في الصحيحِ عن جُبير بن مطعم: (وأنا الماحي الذي يمحُو الله بي الكفرَ، وأنا الحاشرُ الذي يحشرُ الناس على قدمي، وأنا العاقبُ الذي لا نبيَّ بعدي) أو كما قالَ عليه الصلاة والسلام أسماءُ الرسول هذه أتراها أعلامًا؟ أعلامًا محضةً؟ محمد: الآن الواحدُ من الناس الذي اسمُه محمدٌ علمٌ ولَّا [أم] صفةٌ ولَّا [أم] علَمٌ وصفةٌ؟
– طالب: …
– الشيخ: لا، علَمٌ فقط. علَمٌ فقط أبداً […..] محمد. لكن اسمُ الرسولِ محمد هو علَمٌ على شخصِه عليه الصلاةُ والسلام، وهو مُتضمنٌ لصفةٍ وهو "كثرةُ ما يُحمدُ محمدٌ من حُمِّدَ" من الفعل المبنيِّ للمفعولِ المُضعَّف من حُمِّدَ فهوَ مُحمدٌ وذلك لكثرةِ محامده وكثرة الحامدين له، وهكذا اسمُه "أحمد" وهكذا اسمه: "الحاشرُ" فسَّرَه بأنه الذي يُحشرُ الناس على قدمِه لأن حشرَ الناس يوم القيامةِ على إثر بعثتِه يقولُ: (بُعثْتُ أنا والساعةِ كهاتين). إلى آخره. وهكذا أسماءُ القرآنِ
– القارئ: وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ الْقُرْآنِ: مِثْلُ: "الْقُرْآنِ وَالْفُرْقَانِ وَالْهُدَى وَالشِّفَاءِ وَالْبَيَانِ وَالْكِتَابِ". وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
– الشيخ: هذه الكلماتُ أسماءٌ لمُسمَّىً واحد، وهو كتابُ الله الذي بين دفَّتي المصحف، هذا هو القرآن، هذا هو الكتابُ، هذا هو الهدى، هذا البيانُ: هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ [آل عمران:138] فالمُسمَّى واحدٌ ولكن كلُّ اسمٍ مُتضمنٍ لصفةٍ. فُرقانٍ: لأنه مُتضمنٌ للفرقِ بين الحق والباطلِ، قرآنٌ: لأنه يُتلى ويُظهر، هدىً لأنه يهدي: يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9]، بيانٌ: لأن فيه بيانُ المُشتبهاتِ، بيانُ الحلالِ من الحرامِ، بيانُ الأحكامِ، بيانُ مراتب الناسِ، وبيانُ أمورِ المبدأِ والمعاد وإلى غيرِ ذلك مما في القرآنِ، فهذه الأسماءُ متحدةٌ من حيث المُسمَّى ومُختلفةٌ من حيث المعاني والصفات.
– القارئ: فَإِذَا كَانَ مَقْصُودُ السَّائِلِ تَعْيِينَ الْمُسَمَّى عَبَّرْنَا عَنْهُ بِأَيِّ اسْمٍ كَانَ إذَا عُرِفَ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ، وَقَدْ يَكُونُ الِاسْمُ عَلَمًا وَقَدْ يَكُونُ صِفَةً كَمَنْ يَسْأَلُ عَنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي [طه: 124] مَا ذِكْرُهُ؟ فَيُقَالُ لَهُ: هُوَ الْقُرْآنُ مَثَلًا أَوْ هُوَ مَا أَنْزَلَهُ مِنْ الْكُتُبِ. فَإِنَّ الذِّكْرَ مَصْدَرٌ. وَالْمَصْدَرُ تَارَةً يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ وَتَارَةً إلَى الْمَفْعُولِ. فَإِذَا قِيلَ: ذِكْرُ اللَّهِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي كَانَ مَا يُذْكَرُ بِهِ مِثْلَ قَوْلِ الْعَبْدِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ. وَإِذَا قِيلَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ كَانَ مَا يَذْكُرُهُ هُوَ وَهُوَ كَلَامُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي [طه:124]؛ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى [طه:123]؛ وَهُدَاهُ هُوَ مَا أَنْزَلَهُ مِنْ الذِّكْرِ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا [طه:125-126]؛ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُعْرَفَ
– الشيخ: يقولُ الشيخ هنا يعني بعد تقريرِ وذكرِ الشواهدِ والأمثلة على الأسماءِ والألفاظِ التي لها وجهان يعني متحدةٌ من وجهٍ ومُختلفةٌ من وجهٍ، يُنظرُ إلى مقصودِ السائلِ إذا سألَ: ما كذا؟ فإذا أرادَ –إذا كان يريد- تعيينَ المُسمَّى عُبِّرَ عنه بأي … يعني يحصلُ به التعريفُ، وإذا كان مُرادُه يعني بيانُ ذلك المعنى فُسِّرَ له، يستشهدُ لهذا بالآيةِ: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي ذِكْر: مصدر ذكرَ يذكرُ ذِكرًا. يقولُ –هذه قاعدة-: المصدرُ تارةً يُضاف إلى الفاعلِ، وتارةً يُضافُ إلى المفعول. انظر ذِكْرُ العبدِ ربَّه، ذِكْرُ العبدِ ربَّه الآن أُضيف المصدرُ إلى الفاعلِ، إذا قِيل: اللهُ أمرَ عباده بذكرِه -يعني أمرَهم بأن يذكروه- إذًا: المصدر مُضافٌ إلى المفعول وهنا في الآيةِ: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي يعني يحتملُ أنه أعرضَ –عن ذكره- عن أنْ يذكرَ الله: يصير أعرضَ أن يذكرَ الله، وذِكرُ العبدِ ربَّه يكون بمثلِ التسبيحِ والتهليل والتكبيرِ وما إلى ذلك، ويحتمل قولُه بذِكري يعني ذِكرُه تعالى لعبادِه أحكامَه وأخبارَه، وذلك هو كلامُه.
الشيخ يقول: إنَّ المراد بالآيةِ هو المعنى الأول في كلامِ الشيخ –الأول- وأنا قدَّمتُ وأخَّرْت: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي يعني عن الذكرِ الذي أنزلتُه لتذكيرِ العباد به، فهو من إضافةِ المصدرِ إلى أيش؟ إلى الفاعلِ ويُرجِّحُ هذا يقول: إن هذا جاءَ بعدَ قوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي يساوي: "ومن أعرضَ عن هداي -هداي الذي أنزلتُه-" لأنه جعلَ ذلك ومن أعرضَ عن ذِكري في مقابل فمن اتَّبع هداي اتبعَ هُداي، فالمُتبعُ لهدى الله هو المُقبلُ على ذِكره الذي أنزلَه، والمُعرض عن ذكرِ الله قد أعرضَ عن هدى الله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا إلى آخرِ الآية.
– القارئ: وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الذِّكْرَ هُوَ كَلَامُهُ الْمُنَزَّلُ
– الشيخ: كما قالَ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ [فصلت:41] فمن أسماءِ القرآنِ: "الذِّكرُ، وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ هو القرآنُ هو النورُ المبين والصِّراطُ المستقيم وهو الذِّكرُ الحكيم.
– القارئ: وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الذِّكْرَ هُوَ كَلَامُهُ الْمُنَزَّلُ، أَوْ هُوَ ذِكْرُ الْعَبْدِ لَهُ فَسَوَاءٌ قِيلَ ذِكْرِي كِتَابِي أَوْ كَلَامِي أَوْ هُدَايَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَانَ الْمُسَمَّى وَاحِدًا.
– الشيخ: يعني إذا سُئِلَ المُفسِّرُ وقال: المُراد بقوله بِـ {ذِكري} يعني كلامَه سبحانه، كتابَه هداه ما أنزلَه على نبيِّه.
– القارئ: وَإِنْ كَانَ مَقْصُودُ السَّائِلِ مَعْرِفَةَ مَا فِي الِاسْمِ مِنْ الصِّفَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى تَعْيِينِ الْمُسَمَّى مِثْلَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ "الْقُدُّوسِ السَّلَامِ الْمُؤْمِنِ" وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ اللَّهُ؛ لَكِنَّ مُرَادَهُ مَا مَعْنَى كَوْنِهِ قُدُّوسًا سَلَامًا مُؤْمِنًا وَنَحْوَ ذَلِكَ.
– الشيخ: الذي يقول: ما معنى قدوسٌ وسلامٌ تقول: هو اللهُ. والصيغةُ تختلفُ: من القدوسُ؟ إذا قالَ: من القدوس؟ يعني الله. من السلام؟ هو الله. "من" لها دلالةٌ يستفهمُ بها عن الموصوفِ -عن المُسمَّى- لكن ما معنى قدوسٌ؟ يعني المُتنزِّهُ عن النقائصِ والعيوبِ وبعضهم يُعبِّرُ يقول: الطَّاهرُ عن كلِّ نقص.
– القارئ: إذَا عُرِفَ هَذَا فَالسَّلَفُ كَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ عَنْ الْمُسَمَّى بِعِبَارَةِ تَدُلُّ عَلَى عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الصِّفَةِ مَا لَيْسَ فِي الِاسْمِ الْآخَرِ كَمَنْ يَقُولُ: "أَحْمَد هُوَ الْحَاشِرُ وَالْمَاحِي وَالْعَاقِبُ، وَالْقُدُّوسُ هُوَ الْغَفُورُ وَالرَّحِيمُ" أَيْ: أَنَّ الْمُسَمَّى وَاحِدٌ، لَا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ هَذِهِ الصِّفَةُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ اخْتِلَافَ تَضَادٍّ كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ
– الشيخ: هذا ليس اختلافَ تضادٍّ بل اختلافُ تنوعٍ لأنَّ المُسمَّى واحدٌ، الغفورُ هو الرحيمُ هو الحكيمُ. المُسمى واحدُ
أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه. الحمدُ للهِ، حدِّدِ الموقفَ.
– القارئ: الآن ذكرَ مثالًا، مثالٌ على تنوعِ العبارةِ: وهو الصراطُ
– الشيخ: الصِّراطُ، قفْ عليه. طيب، ما عندَكم شرحُ الشيخ محمد
– القارئ: بلى موجود
– الشيخ: شوفوا العبارةَ التي وقفْنا عليها قولُه: "أهلُ الظاهر" أو كذا، كيف تصويرُ الشيخِ لها، عبارةُ "الغلوِّ"
– القارئ: قال: الآخرون، والآخَرون -وهم المعتزلةُ وأهلُ الظاهرِ- الذين يُغالون في إثباتِ الظاهرِ يقولون: إنَّا نُثبتُ الاسمَ لكن لا نُثبتُ له معنىً.
– الشيخ: هذا كلامُه بس [فقط]
– القارئ: بس [فقط] هذا علَّقَ على الجملةِ هذي
– الشيخ: اقرأ الجملة لشوف
– القارئ: يقولُ: قبلَها قال: فهذا مذهبُ الباطنيةِ في اللهِ عز وجل يقولون: لا يمكن أن نُثبتَ لله اسمًا ولا معنىً بل ننفي عنه النقيضَين والآخرون -وهم المعتزلةُ وأهلُ الظاهرِ- الذين يُغالون في إثباتِ الظاهرِ يقولون: إنَّنا نُثبتُ الاسمَ لكن لا نُثبتُ له معنىً.
– الشيخ: اقرأ عليه المتن إي اقرأ اقرأ
– القارئ: فمن وافقَهم على مقصودِهم كان مع دعواه الغلو في الظاهرِ
– الشيخ: كان كان كان مع غلوه في الظاهر موافقًا، لكن دعواه: هل أهلُ الظاهرِ أو المُبتدعة يدَّعُون الغلوَّ؟ لو كان المُرادُ كما مشى عليه الشيخُ كان المعنى: كانوا مع غلوِّهم في الظاهرِ مُوافقين -مع غلوِّهم- يكونون موافقين، لكن كأنَّ السِّياقَ يقتضي مع دعواهم يعني الإنكارَ على أولئك الغلاةِ مُوافقين لهم بالحقيقةِ، وبينهم اتفاقٌ لأنَّ أهلَ الظاهرِ أو المُعتزلةِ لا يدَّعون الغلوَّ هل –يدَّعون- يقولون: نحن غلاةٌ؟ عندي إن الكلامَ يقتضي إضافةَ الكلمة.